جلسات رمضانية لعام 1415ه [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعـد:

فهذا هو اللقاء الثالث في شهر رمضان وهو في الليلة العاشرة من شهر رمضان عام خمسة عشر وأربعمائة وألف، هذه اللقاءات التي نرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون نافعة للقائم والسامع، إن لقاءنا هذه الليلة سيكون حول الزكاة:

أولاً: في بيان مرتبتها من دين الإسلام.

ثانياً: في بيان فضلها.

ثالثاً: في التحذير من البخل بها.

رابعاً: هل كل مال فيه زكاة، أم الزكاة في أموال معينة.

مرتبة الزكاة في الإسلام

أما مرتبتها من الإسلام: فهي في المرتبة الثالثة؛ لأن أركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله هذا واحد، وإنما كان واحداً لأن العبادة لا تصح إلا بإخلاص ومتابعة، فبشهادة أن لا إلا الله يكون الإخلاص، وبشهادة أن محمداً رسول الله تكون المتابعة. الثاني: إقامة الصلاة. الثالث: إيتاء الزكاة. الرابع: الصوم. الخامس: الحج. وهي ركن من أركان الإسلام، معلومة الوجوب بالضرورة من الدين ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضية الزكاة وهو يعيش بين المسلمين فهو كافر؛ لأن فرضيتها من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، هذه مرتبة الزكاة، وهي كما تقرءون كتاب الله قرينة الصلاة في مواضع كثيرة، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة كثيرة.

فضل الزكاة

وأما فضلها:

فلها فضل عظيم بينه الله تعالى في قوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] فهاتان فائدتان عظيمتان، الطهارة والزكاة.

الطهارة من أي شيء؟

الطهارة من الذنوب، الطهارة من الأخلاق الرذيلة كالبخل الذي سماه الله تعالى فحشاء، في قوله: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] أي بالبخل، فهي تطهر من الأخلاق الرذيلة، تطهر من الذنوب، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) والنار إذا رشت بالماء انطفأت بلا شك، وأولى ما يدخل في الصدقة الزكاة فهي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.

كذلك أيضاً تزكي الإنسان، كيف تزكيه؟

تجعله في دائرة الكرماء، والله كريم عز وجل وهو يحب المحسنين، والزكاة من الإحسان، فهي تزكي الإنسان وتجعله كريماً، وإذا كان كريماً بماله كان كريماً بنفسه، وإذا كان كريماً بماله كان محباً لغيره.

ومن فضائل الزكاة أنها تزيد المال، عكس ما يظن البخيل، البخيل يقول: إذا كان عندي مائة ريال وأخذت اثنين ونصفاً منها؛ نقصت، كم تكون؟ سبعة وتسعين ونصفاً، لكنها في الواقع لا تنقص المال، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {(ما نقصت صدقة من مال) بل -هي أي الصدقة- تزيد في المال، كيف تزيد؟ يفتح الله تعالى على المنفق أبواب الرزق من حيث لا يشعر، كما قال الله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39] أي يأتي بشيء يخلفه، ويكون بدلاً عنه.

كذلك تقي المال الآفات، ربما يقي الله مالك الآفات بسبب الزكاة.. قد يسلط على مانع الزكاة من يسرق ماله، قد يسلط على ماله آفات تهلكه، قد يسلط على نفس المالك أمراضاً تفني ماله، لكن الزكاة لا تنقص المال بل تزيده، واعلم أن بعض الناس يروي هذا الحديث فيقول: (ما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده) وهذه جملة غلط.

أولاً: أنها لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام كلمة بل تزده.

وثانياً: أنها جاءت مجزومة والجزم لحن في اللغة العربية إذا لم يكن هناك أداة جزم، ولو كانت من كلام الرسول لكانت: بل تزيده، نبهت على هذا لأن كثيراً ما يتردد على ألسنة الناس: (ما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده) بل تزده هذه غلط.

ومن فضائلها: أنها ترضي الفقراء على الأغنياء؛ لأن الفقير إذا أعطي من المال رضي على الغني، وقال: هذا الغني مَنَّ علي بماله وأشركني في ماله، لكن إذا بخل بالزكاة امتلأت قلوب الفقراء غلاً على الأغنياء، وربما يحصل فساد وسرقات، أو قتل، أو ما أشبه ذلك فهذه من مصالحها.

التحذير من البخل بالزكاة

أما التحذير من منعها والبخل بها فاستمع إلى آيتين من كتاب الله: أولاهما قول الله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ [آل عمران:180] آتاهم يعني: أعطاهم، لا يحسبونه هو خيراً لهم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:180] انظر قال: (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعني أن هؤلاء الذين يبخلون لا يظنون أنهم ببخلهم بالمال سيخلدون بل سيهلكون، ويورث المال من بعدهم، فما الذي يجعل طوقاً في عنق الإنسان؟ هو المال، يجعله الله تبارك وتعالى يوم القيامة شجاعاً أقرع، الشجاع يعني الحية أو الذكر من الحيات العظيمة -نسأل الله العافية- هو الذي ليس على رأسه زغب أي شعر، أملس، قال العلماء: وهذا إنما يكون من كثرت السم في رأسه قد تساقط شعره، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد منه زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان) (زبيبتان) يعني: شيئين مثل الزبيبتين- أتعرفون الزبيب؟ هو اليابس من العنب، هاتان الزبيبتان قال العلماء: إنهما وعاءان من السم والعياذ بالله (فيأخذ بلهزمتيه -يأخذ هذا المال.. يطوق يوم القيامة هذا الشجاع الأقرع فيأخذ بلهزمتيه أي شدقيه- ويقول: أنا مالك أنا كنزك) يوبخه، يقول: انظر الآن صرت عدواً لك، كان الإنسان في الدنيا صديقاً حميماً لماله، ولذلك يحرص عليه، ويجعله في الصناديق الوثيقة، ويحميه من الأمطار والمياه والغبار، فهو صديق حميم، هذا المال الذي يكون الإنسان له صديقاً حميماً في الآخرة ماذا يكون يوم القيامة؟ عدواً له، ويوبخه ويقول: أنا مالك وأنا كنزك، فيجتمع على هذا المانع للزكاة ألمان، أحدهما ألم حسي لأنه يعض على شدقيه، والثاني: ألم قلبي لأن قول المال: أنا مالك أنا كنزك لا شك أنه يعصر القلب فيجتمع عليه ألمان. أما الآية الثانية فهي قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35] فما معنى يكنزون الذهب والفضة؟ هل معناها: أنهم يحفرون لها في الأرض ويدفنونها؟ لا. يكنزون أي: يمنعون زكاتها، ولو كانت على قمم الجبال، فمن منع زكاة ماله فقد كنزه، ولو كان على قمم الجبال، ومن أدى زكاة ماله فإنه لم يكنزه ولو كان في قعر الآبار، إذاً: معنى يكنزون الذهب والفضة: لا يؤدون الواجب فيها وأعظمه الزكاة. (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) إذا قال قائل: كيف يبشر بالعذاب؟ قال بعض العلماء: إطلاق البشارة على العذاب من باب التهكم بهم، وقيل: إن البشارة تكون في الخير والشر لكنها في الخير أكثر، وإنها سميت بشارة لأنها تؤثر على البشرة، الذي يسر يؤثر على البشرة نضرة وسروراً، والعكس انقباضاً وظلمة. فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ [التوبة:34-35] ونار جهنم فضلت على نار الدنيا كلها، أعظم ما في الدنيا من نار وأكبر ما في الدنيا من النار فضلت عليها نار جهنم بتسعة وستين جزءاً أعاذنا الله وإياكم منها، أهلها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ [الكهف:29] إذا قرب من الوجه شواه، وإذا سقط في الأمعاء قطعها وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15] يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ [الحج:19] يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحج:20] يمضي من الجلود إلى ما في البطون، يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ لم يقل يصب فوق، لأن ما يصب من فوق أبلغ مما يصب فوق، قد يصب الشيء على الشيء فوقه بهدوء ولا يؤثر، يضع هذا ويصب ما يؤثر، لكن يصب من فوق جاء مؤثراً لأنه يأتي من بعد فيؤثر ويكاد يخرق الرأس من تأثيره، فهم يصب من فوق رءوسهم الحميم؛ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ . يحمى على هذا المال في نار جهنم فتكوى به جباههم وجنوبهم وظهورهم. الجباه مقدم الجسد وخص الجبهة لأنها أعلى ما في الجسد مما يواجه الناس، جنوبهم الأيمن أو الأيسر؟ الأيمن والأيسر، وظهورهم. قال بعض العلماء: وخص هذه الأربعة لأن المانع للزكاة قد يلاقي من سألها بوجه عابس فعذب الوجه، وقد يولي ظهره عنه ولا يهتم به فعذب الظهر، وقد يعرض عنه بجنبه فعذب الجنب. وقال بعض العلماء: بل هذه الجهات الأربع، فيعذب من كل جانب؛ لأن الجبهة من الأمام، والظهر من الخلف، والجنوب من اليمين والشمال، فالمعنى أنه يكوى بها من كل جانب، وأياً كان فنعوذ بالله من ذلك. جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء مفسراً لذلك، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها)، وفي لفظ: (زكاتها إلا إذا كان يومُ القيامة) أو يومَ القيامة بالنصب أو بالضم؟ يومُ بالرفع لأن (كان) هذه تامة، يعني إذا وجد يوم القيامة (إلا إذا كان يومُ القيامة صفحت له صفائح من نار) الذهب والفضة يكون نار كما أن الحطب إذا أوقدت به يكون ناراً.. هذه تصفح صفائح من نار، ويكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره -مطابق تماماً للآية- (كلما بردت أعيدت -نعوذ بالله- في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار). تأمل كلما بردت أعيدت ليس في دقيقة، ولا ساعة، ولا يوم، ولا ليلة، ولا أسبوع، ولا شهر، ولا سنة؛ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، كل إنسان يمنع زكاته هذا جزاؤه والعياذ بالله، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وهذان الحديثان وهاتان الآيتان يكفي واحد منها في الفزع والتحذير من منع الزكاة. ثم عجباً للإنسان! كيف يبخل بالزكاة وهو إذا ترك المال كان للذي من بعده! لا يدفن معه في القبر، ولو دفن معه في القبر ما نفعه، يتركه لغيره فيكون عليه غرمه ولمن وراءه غنمه، وربما يرثه من لا يقول: يرحمه الله، قد يكون ابن عم بعيد، أو ابناً عاقاً، أو أخاً قاطعاً أو ما أشبه ذلك. إذاً: بحثنا في مرتبتها من الإسلام، والثاني: فضلها، والثالث: التحذير من منعها والوعيد على ذلك.

الأموال التي تجب فيها الزكاة

الرابع: هل كل مال فيه زكاة، أم الزكاة في أموال معينة؟ الزكاة في أموال معينة، وهي النامية حقيقة أو حكماً -انتبه لهذا الضابط-: النامية حقيقة أو حكماً -فمثلاً: الماشية تتوالد، هذه نامية حقيقة أم حكماً؟ رجل عنده أربعون شاةً ولدت كل شاة (سخلتين) إلا واحدة فولدت ثلاثاً، فهل نمت حقيقة أو حكماً؟ كانت في الأول أربعين، والآن مائة وواحداً وعشرين، فهي نامية حقيقة أم حكماً؟ حقيقة بدون توقف؛ لأنه حقيقة. إنسان عنده مال: ذهب، أو فضة؛ ولكنه لا يحركه، يجمعه ولا يبيع، ولا يشتري، ولا يبضع، ولا يعمل أي شيء، هذا نامٍ حكماً أو حقيقة؟ حكماً وفيه زكاة؛ لأن النقدين معدين للنماء في الأصل. إذاً: الزكاة لا تجب في كل مال بل فيما هو نامٍ، حقيقة أو حكماً وهذه من نعمة الله، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) عبده الذي يستخدمه ما فيه صدقة، فرسه الذي يركبه ما فيه صدقة، سيارته التي يركبها ما فيها صدقة، بيته الذي يسكنه ما فيه صدقة، وهلم جرا؛ لأن الزكاة إنما تجب في الأموال النامية حقيقة أو حكماً.

أدلة زكاة الذهب والفضة

ولنشخصها فنقول: تجب في الذهب والفضة أياً كانت متى ملك الإنسان نصاباً من الذهب فعليه الزكاة، ومتى ملك نصاباً من الفضة فعليه الزكاة سواء كانت نقوداً أو تبراً أي: قطع من الذهب أو من الفضة أو حلياً أو غير ذلك، ما فيه تفصيل وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التوبة:34] عام، (ما من صاحب ذهب ولا فضة) عام. لا فرق، ما يفرق بين شيئين، ومن فرق بين شيئين من الذهب والفضة فعليه الدليل، وعلى هذا فالمرأة إذا كان عندها حلي من الذهب يلزم أن تزكيه إذا بلغ نصاباً وجوباً، لأننا لو سألناها وقلنا لها: يا أمة الله! هل أنت صاحبة ذهب فستقول: لا، جوابها صحيح أم غير صحيح؟ إذا قالت: لا. فالجواب غير صحيح، أنت صاحبة ذهب وفضة، ولهذا الناس يتحدثون ويقولون فلانة عندها ذهب كثير، عندها ذهب كثير، إذا كنت صاحبة ذهب أو فضة أدي زكاته، إذا كنت صاحبة ذهب أدي زكاته. فإن قال قائل: أليس الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقه). الجواب: بلى قال ذلك، يقول: إذاً: ليس على المسلمة في حليها صدقة؛ لأنها أعدته للاستعمال كما أعده صاحب الفرس للاستعمال إذاً لا زكاة، فماذا نقول؟ نقول: هذا قياس فاسد الاعتبار، لأنه قياس مع النص، فإن قالوا: أين النص على الحلي؟ قلنا: العمومات تشمل جميع أفرادها، ومن أخرج شيئاً من أفراد العموم فعليه الدليل، والدليل على أن العمومات تشمل جميع أفرادها قول الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إنكم إذا قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) أين العموم؟ في قولنا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ قوله: (عباد الله) لأنه جمع مضاف فهو على العموم، يقول: (سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) لأنه علمهم ذلك حين كانوا يقولون: السلام على الله من عباده، السلام على جبرائيل وعلى ميكائيل... وما أشبه ذلك، فلا حاجة أنكم تخصصون، الله هو السلام فلا تقولوا: السلام على الله، غير الله ناقص فقولوا السلام عليه، لا تقولوا على فلان وفلان، قولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إلا النبي عليه الصلاة والسلام، فالنبي خصص، ويبدأ به قبل أنفسنا، ماذا نقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وانظر ترتيب التشهد مرتب على الأحقية، الأعظم حقاً من الله بدئ به، (التحيات لله والصلوات والطيبات) ثم الرسول: (السلام عليك أيها النبي) ثم نفسك: (السلام علينا) ثم العباد الصالحين: (وعلى عباد الله الصالحين). فإذا قال قائل: أين ذكر الحلي؟ قلنا: لا يحتاج إلى ذكر فإن العموم يتناول جميع أفراده؟ ثم نقول: لدينا ثلاثة نصوص خاصة بالحلي أشار إليها الحافظ ابن حجر ، بل ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه بلوغ المرام . أولها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه: (جاءت امرأة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وفي يد ابنتها سواران غليظان من الذهب، فقال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ -والجواب: لا يسرها، وحذف الجواب لأنه معلوم- فخلعتهما وألقتهما إلى الرسول وقالت: هما لله ورسوله) الله أكبر! ما طابت نفسها ببذل الزكاة فقط، بل بالحلي كله، (قالت: هما لله ورسوله). ونظير هذا من بعض الوجوه أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً في يده خاتم ذهب، فقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده، ثم نزعه الرسول بيده صلوات الله وسلامه عليه ورمى به، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل: خذ خاتمك انتفع به، قال: والله لا آخذ خاتماً طرحه النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا هؤلاء الرجال، هؤلاء النساء، هذه ألقت السوارين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله، والرجل أبا أن يأخذ الخاتم لأن الرسول طرحه. ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطبة العيد نزل إلى النساء ووعظهن وقال: (يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) ماذا صنعن؟ جعلت المرأة تأخذ خرصها وخاتمها وسوارها ثم تلقيه في ثوب بلال ، بدون توقف، وربما تكون الواحدة منهن ليس عندها إلا هذا الخرص، أو هذا الخاتم لكن الإيمان يحمل الإنسان على شيء لا يحمله عليه ضعيف الإيمان. إذاً: القول الراجح من أقوال أهل العلم أن حلي الذهب وكذلك الفضة تجب فيه الزكاة، وهذا مذهب أكثر الأمة الإسلامية بعد المذاهب المتبوعة، لأنه مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأصحابه، وهو رواية عن إمامنا الإمام أحمد رحمه الله أن حلي الذهب تجب فيها الزكاة، فإن قال قائل: نحن مرت بنا أزمان كثيرة لا نزكي وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، نقول: إذا لم تسمعوا أنتم به في آبائكم الأولين فقد سمع به أصحاب أبي حنيفة ، ثم إن هذا لا يضر أن القول ينتشر بين الناس وهو ضعيف؛ لأن القول بعدم الوجوب هو المشهور من مذهب الإمام أحمد والناس ساروا عليه فيما سبق ثم تبين لبعضهم أن الراجح وجوب زكاة الحلي، وهذا اختيار شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز وفقه الله، وقال عن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إن إسناده صحيح، أما الحافظ ابن حجر فقال: إن إسناده قوي، وله شواهد، والحجة تثبت بأدنى من ذلك، وعلى هذا فتكون الأدلة العامة الصحيحة مؤيدة لهذا الحديث الخاص فيقوى بها. فإن قال قائل لزوجته وهي تريد أن تزكي عن حليها: لا تزكي، والراجح أنه لا زكاة، وكونه عامي (لا يعرف كوعه من كرسوعه) قال: لا، الراجح -بحسب ظنه- أنه ليس فيه زكاة. قالت: لا، أنا أرى أن فيه زكاة، إما لأنها قرأت أو لأنها وثقت بمن قال: فيه زكاة، قالت: فيه زكاة سأؤدي زكاته. قال: لا تؤدين الزكاة، هل تطيعه؟ لا تطيعه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فإذا كان ليس عندها مال وهو قال: أنا ما أخرج عنك الزكاة، ماذا تصنع؟ تبيع منه بقدر الزكاة وتخرج الزكاة، تسلم منها في الدنيا قبل الآخرة، فإن غضب زوجها وقال: أنت البارحة عليك سوارين والآن ما عليك إلا سوار واحد لأنها باعت أحد السوارين للزكاة، ماذا نقول؟ نقول: ليغضب، إذا غضب من طاعة الله فلا أرضاه الله. إذا قالت هي: إذا ألزمتموني أن أبيع من حليي كل سنة لأداء الزكاة بقيت ليس عندي حلي، نقول: لا. ليس صحيحاً؛ لأن الحلي إذا نقص عن النصاب لا زكاة فيه، فيبقى عندك من الحلي أربعة وثمانون غراماً، وهذه نعمة مع أن هذا أمر بعيد، ولا سيما هنا في المملكة والحمد لله المال متوفر. على كل حال الذهب والفضة فيهما زكاة بكل حال.

وجوب الزكاة في العملات الورقية

العملة هل فيها زكاة؟

يقولون لنا:لا هي ذهب ولا فضة؟

نقول: نعم هي ليست ذهباً ولا فضة لكن هي مال الناس اليوم، وهي عند الناس بمنزلة الذهب والفضة، ولو قلنا: لا زكاة في العملة في وقتنا الحاضر كل الزكاة سقطت عن التجار، وهذا لا يمكن أن يقال به، إذاً: أوراق العملة فيها زكاة إذا بلغت نصاباً من الفضة، ونصاب الفضة حسب ما قرره العلماء ستة وخمسون ريالاً وتسأل أنت أهل المصارف تقول: كم تساوي ستة وخمسون ريالاً بالفضة من هذه العملة إذا قالوا: الريال الواحد بعشرة، كم يكون نصاب العملة؟ يكون خمسمائة وستين، وإن قالوا: الريال الواحد بعشرين، فيكون نصاب العملة ألفاً ومائة وعشرين وهلم جرا على كل حال هي هذه.

وإن شاء الله تعالى للحديث بقية في الدرس القادم نذكر بقية الأموال الزكوية، ثم إن شاء الله نذكر من الذي تصرف إليهم الزكاة.

أما مرتبتها من الإسلام: فهي في المرتبة الثالثة؛ لأن أركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله هذا واحد، وإنما كان واحداً لأن العبادة لا تصح إلا بإخلاص ومتابعة، فبشهادة أن لا إلا الله يكون الإخلاص، وبشهادة أن محمداً رسول الله تكون المتابعة. الثاني: إقامة الصلاة. الثالث: إيتاء الزكاة. الرابع: الصوم. الخامس: الحج. وهي ركن من أركان الإسلام، معلومة الوجوب بالضرورة من الدين ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضية الزكاة وهو يعيش بين المسلمين فهو كافر؛ لأن فرضيتها من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، هذه مرتبة الزكاة، وهي كما تقرءون كتاب الله قرينة الصلاة في مواضع كثيرة، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة كثيرة.