خطب ومحاضرات
هذا الحبيب يا محب 6
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:
فقد سبق لنا قريباً أن عرفنا الحالة الاقتصادية في بلاد العرب، كما عرفنا الحالة السياسية وأنها أسوأ من الاقتصادية، وقد عرفنا -أيضاً- الحالة الاجتماعية وعرفنا منها أرقاماً عدة سنستعرضها فقط.
العادات السيئة في المجتمعات العربية
ومن جملة العادات السيئة التي هبطت بالمجتمع العربي قبل الإسلام هي:
أولاً: القمار والمعروف بالميسر] في تلك الأيام [وهي عادة سكان المدن في الجزيرة، كمكة والطائف وصنعاء وهجر ويثرب ودومة الجندل وغيرها. وقد حرمه الإسلام بآية سورة المائدة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].
ثانياً: شرب الخمر والاجتماع عليها والمباهاة] والمفاخرة [بتعتيقها وغلاء ثمنها، وكان هذا عادة أهل المدن من أغنياء، وكبراء وأدباء وشعراء، ولما كانت هذه العادة متأصلة فيهم متمكنة من نفوسهم، حرمها الله تعالى عليهم بالتدريج شيئاً فشيئاً وذلك من رحمة الله تعالى بعباده فله الحمد وله المنة.
ثالثاً: نكاح الاستبضاع] وهو أبشع ما يكون [وهو أن تحيض امرأة الرجل منهم، فتطهر، فيطلب لها أشراف الرجال وخيارهم نسباً وأدباً، ليطئوها من أجل تنجب ولداً يرث صفات الكمال التي يحملها أولئك الواطئون لها] إذا كان للرجل منهم امرأة وحاضت ثم طهرت قدمها لفحل من فحول الرجال الكرام الشجعان قبل أن يمسها لتنجب له ولداً شريفاً.
[رابعاً: وأد البنات، وهي أن يدفن الرجل ابنته بعد ولادتها حية في التراب خوف العار. وجاء في القرآن الكريم التنديد بهذا العمل، وتقبيحه، وذلك بذكر توبيخ فاعله يوم القيامة. قال تعالى من سورة التكوير: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9]] فقد كانوا يدفنون بناتهم أحياءً خوفاً من العار من جهة، ومن الفقر من جهة أخرى، وفي حالة الفقر قد يدفنون الولد أيضاً.
[خامساً: قتل الأولاد مطلقاً ذكوراً وإناثاً، وذلك عند وجود فقر وحالة مجاعة، أو لمجرد توقع فقر شديد عندما تلوح في الأفق آثاره، لوجود محل وقحط بانقطاع المطر أو قتله. فحرم الإسلام هذه العادة السيئة القبيحة بقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ [الأنعام:151] في آية الأنعام، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء:31] في آية الإسراء. والإملاق شدة الفقر وعِظَمه.
سادساً: تبرج النساء بخروج المرأة كاشفة عن محاسنها مارة بالرجال الأجانب، متغنجة في مشيتها متكسرة، كأنها تعرض نفسها وتُغري بها غيرها.
سابعاً: اتخاذ الحرائر من النساء الأخدان من الرجال] فقد كانت المرأة الحرة تتخذ صديقاً سرياً تجالسه ويجالسها، ويرحمها وترحمه، هذا الصديق كان سرياً لا علنياً [وذلك بالاتصال بهم وتبادل الحب معهم في السر، وهن أجانب عنهن، فحرم الإسلام هذه العادة بقوله تعالى: وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ [النساء:25] من سورة النساء، وحرم على الرجال ذلك بقوله من سورة المائدة: وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة:5].
ثامناً: إعلان الإماء عن البغي بهن، وذلك بأن تجعل إحداهن راية حمراء على باب منزلها لتعرف أنها بغي ويغشاها الرجال، وتأخذ على ذلك أجراً، أي مالاً مقابل الاستبضاع] فقد كانت الأمة -غير الحرة- تبني لها منزلاً أو خيمة وتضع عليها راية حمراء أو زرقاء؛ فيفهم الرجال أن هناك امرأة توطأ بمقابل من الثمن، وفي ذلك الوقت وبالذات وفي البلاد الأخرى كانت دور البغي والبغاء بلا حد ولا حصر، ولكن كان من شرف العرب أن الحرة تموت ولا تأكل بثديها، أما الإماء فلا شرف لهن ولا قيمة، وقد كان رئيس المنافقين بالمدينة عبد الله بن أبي ابن سلول يلزم إماءه بالزنا، وقد نزل في ذلك قرآن من سورة النور، قال الله عز وجل: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33].
[تاسعاً: العصبية القبلية، هي مبدأ: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)] أي: ما دام لك أخ في القرابة أو في القبيلة انصره [فجاء الإسلام فأمر بنصرة الأخ المسلم قريباً كان أو بعيداً؛ إذ الأخوة المعتبرة هنا هي أخوة الإسلام، ونصرته إذا كان مظلوماً -بدفع الظلم عنه-، ونصرته -إذا كان ظالماً- بمنعه من الظلم وحجزه عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقيل: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوماً، فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم )] أي: تمنعه من أن يظلم. وتلك والله نصرته وإلا تمزق وخسر دنياه وأخراه.
[عاشراً: شن الغارات والحروب على بعضهم بعضاً للسلب والنهب، فالقبيلة القوية تُغير على الضعيفة لتسلبها مالها؛ إذ لم يكن لهم حكم ولا شرع يرجعون إليه في أغلب الأوقات وفي أكثر البلاد.
ومن أشهر حروبهم حرب داحس والغبراء، التي وقعت بين عبس من جهة وذبيان وفزارة من جهة أخرى. وحرب البسوس حتى قيل: أشأم من حرب البسوس، التي دامت كذا سنة وكانت بين بكر وتغلب، وحرب بُعاث التي وقعت بين الأوس والخزرج بالمدينة النبوية قبيل الإسلام، وحرب الفجار التي دارت بين قيس عيلان من جهة وبين كنانة وقريش من جهة مقابلة، وسميت حرب الفجار؛ لأنها وقعت في الأشهر الحرم].
[الحادي عشر: عدم الامتهان تكبراً وأنفة] وعدم الامتهان معناه: أنهم لا يمتهنون حياكة ولا خياطة ولا نسيجاً ولا قيناً ولا حديداً، كانوا يترفعون عن هذه الامتهانات [إذ كانوا لا يمتهنون الحدادة والخياطة والحجامة ولا الفلاحة، وإنما يسندون هذه المهن لإمائهم وعبيدهم] فالعبد لا بأس أن يمتهن، والأمة لا بأس أن تشتغل، أما الحر والحرة فلا.
إذاً: كان لهم إماء وعبيد؛ لأنهم إذا غزوا أو أغاروا أخذوا السبي.
[فحسبهم التجارة وركوب الخيل وشن الغارات، وإنشاد الشعر، والمفاخرات بالأحساب والأنساب] بدلاً من امتهان الامتهانات الهابطة كان حسبهم التجارة؛ إذ كانوا يتاجرون مع اليمن والشام والعراق، ويركبون الخيل ويشنون الغارات على بعضهم البعض، وينشدون الشعر، ويفاخرون بالأحساب والأنساب.
[هذه معظم العادات السيئة التي كانت في المجتمع العربي قبل الإسلام] كان ميتاً كغيره من الشعوب [وهي -كما مرت- تحيل المجتمع إلى مجتمع ساقط هابط لا سعادة فيه ولا هناء، إلا أنه -إزاء ذلك- كانت فيه كمالات نوردها تحت عنوان] كان للعرب كمالات؛ ولهذا يقول أحد المعاصرين: كفار العرب أشرف من كفار اليوم، فإذا نظرنا إلى كفار اليوم وإلى هبوطهم وسفالاتهم فكفار قريش أشراف بالنسبة إلى هؤلاء!
العادات الحسنة في المجتمعات العربية
أولاً: الصدق
وقد وقعت هنا حادثة: فقد حدثني شيخ الإسلام والمسلمين خريج المسجد النبوي الطيب العقبي مؤسس جريدة القبلة وأم القرى قال: كنا نحج على الإبل قبل وجود السيارات، فأخذني أحد الحمالين للحج، وله شاب -ولده- يعمل معه أو كان قريباً له، فأعطاني هذا الشاب يخدمني، فكان ينيخ لي الجمل ويسوق لي ما أحتاج، وكانت المسافة من المدينة إلى عرفات تُقطع في عشرة أيام إلى خمس عشرة يوماً، فانجذب الشاب للشيخ في الوقت الذي كان فيه المجتمع هابطاً ملتصقاً بالأرض.
إذاً: أُعجب الشاب بسلوك الشيخ وأحبه، فعرض عليه الشيخ الطيب في عرفات أن يتوب إلى الله عز وجل، ويترك السرقة والنهب والسلب، فقال الشاب: أستأذن عمي فإن أذن لي تبت!
هل تجلى مظهر الصدق هنا وإلا لا؟!
فجاء عمه في الخيمة وقال: يا عم! هذا الشيخ يريدني أن أتوب فهل تأذن لي وإلا لا؟
فقال: لا لا، من للعائلة؟ من للأسرة؟ من لكذا ..؟ لا تتوب ..
عرفتم الصدق وإلا لا؟ إذ لو قال له: تب؛ ما مد يده أبداً إلى أحد.
هذا في بداية القرن الماضي فقط.
إذاً: الصدق أولاً، والمراد به صدق الحديث، وهو خلق كريم عرف به العرب في الجاهلية قبل الإسلام فزاده الإسلام تقريراً وتثبيتاً، وقد جاء أن إسماعيل وقف في مكان ينتظر موعد شخص كذا يوماً، وقد امتدحه الله بالصدق فقال عز وجل: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54]، وكذلك جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف ينتظر -أيضاً- كذا يوماً شخصاً يأتيه في مكان كذا.
المهم أن هذا الخلق -وإن رحل من ديار العرب- كان متثبتاً معروفاً في الجاهلية والإسلام، فإذا قال الرجل كلمة لا يمكن أن يكذبها في القول والعمل والسلوك.
ثانياً: قرى الضيف
إذاً: هذه حسنة من حسنات العرب التي أقرها الإسلام وأصبح المسلمون يعيشون عليها، ومعنى: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلـ -وهذه لام الأمر- يكرم ضيفه ) أي: لا يهنه، وذلك في حدود طاقته، ومدة الضيافة ثلاثة أيام وإن زاد فمن فضله، أما الواجبة فهي ثلاثة أيام.
وقد يعتذر المعتذرون الآن، حيث وجدت فنادق للنزول، أو مطاعم للأكل والشرب، أو مقاهي للاستراحة، قد يقولون هذا، نقول: ومع هذا إذا استضافك مؤمن يجب أن تضيفه، لا تقل: من فضلك هناك فندق، أو يوجد مطعم عند باب المسجد، وقد قلت استضافة الناس لوجود هذه المنافع أمامهم.
ثالثاً: الوفاء بالعهود
رابعاً: احترام الجوار وتقرير الحماية لمن طلبها
وقد أجار ابن الدغنة أبا بكر رضي الله عنه، لما صدر الأمر الجائر بنفي أبي بكر من مكة وإخراجه منها. لم أخرجوه؟ قالوا: إنه أحدث سوءاً في المجتمع؛ بلبل أفكار النساء والرجال والعبيد، فلابد من إخراجه من هذه البلاد، وقرار النفي هذا سببه أن أبا بكر كان إذا قرأ القرآن أبكى من حوله من النساء والأطفال، فخافوا أن يدخل الناس في الإسلام، فقالوا: إما أن تقرأ في بيتك وإما أن تخرج، وقد كان يتعمد الصلاة حول الكعبة ليجذب النفوس الشاردة، فما كان منهم إلا أن نفوه، فلقيه ابن الدغنة على مسافات بعيدة في الصحراء فقال له: عد في جواري ولا تخف!
ثم دخل ابن الدغنة وطاف بالأسواق يعلن أنه أجار ابن أبي قحافة فلا يمسه أحد بسوء.
و أم هانئ أخت علي بن أبي طالب بنت عم الرسول صلى الله عليه وسلم أجارت محكوماً عليه بالإعدام يوم الفتح، فجاء علي يريد أن يُخرجه ليقتله فقالت له: لا. وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إني أجرت فلاناً يا رسول الله! وابن أمي يريد قتله؟ فقال لها: ( أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ ). فهل يقع هذا اليوم؟!
اليوم هناك اللجوء السياسي، وهو شبيه بالجوار، ولكنه ما بين دولة ودولة، لا يكون داخل البلد نفسها، ولكنه محمود.
وعندنا قصة أيضاً:
كان عبد الكريم المغربي قد قام بثورة ضد فرنسا وفي آخر الأمر هزم وغلب، لِم؟ كما غلب العرب في أي بلد؛ لأنه لا وحدة ولا وفاق ولا دين (أمة هابطة)، فعندما جاء الفرنسيون والأسبان كانوا أسمى منا عقولاً وأفكاراً ووعداً وصدقاً أو ليس هذا بصحيح؟! والله صحيح، فلو كانوا مثلنا -والله- ما حكمونا.
وعندي حادثة أخرى أيضاً:
كان هناك رجل كبير يعمل في مباحث الجزائر، وهذا رجل بحق، ليس ذكراً وإنما رجلاً، تجده بالعمامة واللباس كأنه صحابي، كانت تطرح بين يديه القضايا الهامة، كان هذا الرجل يركب القطار من الدرجة الأولى، وفي القطارات يركب العرب في الدرجة الثانية، أما الخواص؛ الأفذاذ والأغنياء فيركبون في الدرجة الأولى، وكان الأوربيون يركبون في الدرجة الأولى، وهذا الأخ عاصرناه وعرفناه في نادي الترقي، فأراد يوماً أن يُخرج الأوروبيين من هذا المكان أو من هذه الدرجة، فكيف يصنع؟ لأنه يتعب ويسهر طوال الليل.
كان عنده لحية إلى صدره، فإذا أراد أن يخرج الأوروبيات ويطردهم من هذه العربة ليغلقها وينام إلى طلوع الشمس أو الفجر، كان يأخذ يحك في لحيته ثم يستخرج منها -وهماً- قملاً ويرميه، وهو يدعي أنه في نعاس شديد، فيصيح من حوله من الأوروبيين ويخرجون، ويغلق هو الباب لينام وحده.
ومحل الشاهد أنه في ليلة من الليالي حدث هذا، فظنه شاب أوروبي -فرنسي- أنه عربي حمار لا يفهم الفرنسية، فأخذ يسب ويشتم، فقال له هذا الرجل: اسمع لو كنتم عندما غزوتمونا مثلنا اليوم، والله ما دخلتم بلادنا ولا قدرتم علينا؛ لأنه الشاب هذا عيره بأنه محكوم و.. و.. ولو كنا نحن في ذلك اليوم كما نحن اليوم والله ما حكمتمونا ولا دخلتم بلادنا.
إن الوقت الذي دخلت فيه فرنسا وغزت بلاد المسلمين، كان المسلمون وقتها يعبدون سيدي عبد القادر ، فلا فهم ولا توحيد ولا .. ولكن أمة ضائعة.
إذاً: الأوروبيون أكثر ذكاء وعقلاً ومعرفة وصدقاً ووفاءً وعدلاً ورحمة، فاستحقوا أن يحكموا، هذا هو الواقع.
ثم بعد ذلك وضع لهذا الشاب الحديد في يديه؛ لأنه معه حديد البوليس السري، وأعطاه لعصبي وقال له: أبقه حتى نرجع بعد ثلاثة أيام.
والشاهد عندنا أن الأمة الهابطة لا تحكمها أمة أهبط منها أو مثلها أبداً، فنحن عندما حكمنا العالم هل كان العالم مثلنا في الشجاعة والإقدام والفهم والوعي والتوحيد؟ لا والله؛ ولهذا في خمس وعشرين سنة ارتفعت راية لا إله إلا الله في نصف العالم، في خمس وعشرين سنة ليس أكثر انتشر الإسلام من وراء نهر الصين إلى الأندلس لأن الأمم كانت هابطة، فلا إيمان ولا عقيدة ولا فهم ولا وعي أبداً.
فلما عرفوا هذه الحقيقة أخذوا العلوم والمعارف منا في الشرق والغرب وقالوا: إذاً نبعدهم عن ساحة العز والكمال بتجهيلهم وتفسيقهم؛ فرموا بالبلايا والمصائب ومزقونا وفرقونا، وبالفعل هبطنا، ولما هبطنا حكمونا، وما ظلمنا الله عز وجل.
وأعود إلى عبد الكريم الخطابي حتى أمدح الملك فاروق وأنتم العنوني، إن الملك فاروق أفضل من عبد الناصر ورجاله مليون مرة، وإن كنتم لا تفهمون هذا فهو شأنكم، أما أنا فعليم، وهذه الحادثة وحدها تكفي:
كان عبد الكريم الخطابي نفي إلى جزيرة في البحر الهندي عدة سنين، ثم أرادوا أن يسترجعوه بعدما استتب الأمر لفرنسا واستقرت بشمال إفريقيا، فجاءوا به ورست السفينة -أظن- في ميناء الإسماعيلية ..
ففهم بعض المؤمنين أن عبد الكريم الخطابي كذا وكذا .. فجاءوه بلباس امرأة وألبسوه إياه، ثم خرجوا به من السفينة ودخل مصر أيام حكم الملك فاروق .
ففتش المسئولون عنه فلم يجدوه، وبعد ذلك راسلت فرنسا الحكومة المصرية مطالبة برد السجين، فقال الملك: لن نرده ولن تحفر جواراً لنا!
لقد عادت عاطفة الأولين، ولم يسمح برد عبد الكريم ، ثم بقي زمناً حتى مات في مصر.
وهذا نظير شعيب لما جاءه موسى هارباً من القتل بعدما حكموا عليه بالإعدام هناك، فقال له: لا تخف نجوت من القوم الظالمين. هذا هو جوار الأحرار، أما عبيد الهوى والشياطين فليس لهم قيمة.
إذاً قال: (احترام الجوار)، ونحن نأكل أموال الجيران ونرمي المزابل على أبوابهم؛ لأننا هبطنا، وإلا فللجار ثلاثة حقوق، لقد أصبحنا لا نجل الجار ولا نعظمه ولا نحترمه؛ لأن العقيدة انتهت، والآداب والأخلاق نسيت، والمادة طغت، ونحن نتكلم على العالم الإسلامي بكامله، لا أخص بذلك المدينة ولا مكة، فلا تفهموا من هذا العموم أنه لا يوجد مؤمن بيننا، لا نحسبكم هكذا، ولكن نحن نتكلم بالنسبة لغالب الأمة الإسلامية.
[وأجار المسلمون أبا العاص بن الربيع -وهو مشرك- حتى دخل المدينة واسترد ودائعه وأمواله وعاد إلى مكة ثم أسلم بعد] هذا صهر نبينا صلى الله عليه وسلم زوج زينب وقد كان مشركاً، أسره المسلمون عندما كان متاجراً إلى الشام بتجارته، فعندما خرج المسلمون يستقبلون القوافل جاءوا به فطلب الجوار، فأجاروه في المدينة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ ماله وتجارته وذهب إلى مكة .. أبى أن يسلم في المدينة، حتى لا يقال الخوف والهزيمة، فلما وصل إلى مكة ورد الودائع والأموال ممن أخذها أعلن عن إسلامه ولقي ما لقي.
هذه الصفات الحميدة جداً كانت في العرب في الجاهلية وأقرها الإسلام، ونحن نزعناها كأننا لسنا بحاجة إليها.
خامساً: الصبر والتحمل
[وجاء الإسلام فزاد هذا الخلق قوة ومتانة، وفي القرآن اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران:200]، وفي الحديث ( من صبر ظفر )].
سادساً: الشجاعة والنجدة والأنفة
[وعدم قبول الذل والمهانة، وهي خلال امتاز بها العرب نساءً ورجالاً، وفي أشعارهم وأقاصيصهم شواهد ذلك].
سابعاً: احترام الحرم والأشهر الحرم
والحرم حدوده معروفة، والأشهر الحرم إذا دخل منها رجب -مثلاً- فلا تسمع صوت سلاح، حتى سُمي رجب الأصم، فلا يسمع صوت السلاح فيه أبداً، تجد الرجل يمر بالقافلة التجارية في هذا الشهر فلا يعترض أحداً؛ لأنه في شهر حرام، أما في الحرم فلو مر بقاتل أبيه فإنه لا ينظر إليه؛ لأنه في حرم الله.
وقد احتال بعض المحتالون على الأشهر الحرم فكانوا يقدمونها ويؤخرونها للحاجة، وفيهم نزل قوله عز وجل: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ [التوبة:37]، يقولون: هذا العام نحن في حاجة إلى غزو أيها المواطنون! وعليه فإننا سنؤخر شهر المحرم إلى صفر مثلاً. وهذا ليس دائم بل نادر، يقوم به بعض الأبطال والرجال المسموعون في قبائلهم، ولكنهم يحترمون الشهر، فلهذا لا يقاتلون فيه إلا إذا استبدلوه بشهر آخر.
قال الله عز وجل: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36]، والأشهر الحرم هي: محرم والحجة والقعدة ورجب، من المفروض ألا تسمع فيها أغاني ولا لهو ولا باطل؛ لأنها أشهر حرم، فكيف هو حال المسلمين اليوم في الأشهر الحرم؟ إنهم يزدادون بلاءً.
[بعدم القتال فيها إلا من ضرورة، وتأمين الوافدين إلى الحرم، ولو كانوا ذوي سوابق في الشر] ولو قاتل من قاتل، فإذا دخل الحرم أو الأشر الحرم فإنه يؤمن.
ثامناً: تحريمهم نكاح الأمهات والبنات
تاسعاً: اغتسالهم من الجنابة
إذاً: هذه ميزة. هل يغتسل اليهود والنصارى الآن من الجنابة؟ لا يغتسلون، نعم يغتسل في الأسبوع مرة في الحمام، أما أنه كلما وطئ اغتسل فلا يعرف هذا، فهم كالحيوانات، ولكن العرب في الجاهلية كانوا يغتسلون من الجنابة.
عاشراً: المداومة على المضمضة والاستنشاق
الحادي عشر: السواك والاستنجاء وتقليم الأظافر ونتف الإبط
أولاً: السواك، وهو عود الأراك، كانوا يطيبون أفواههم بالسواك، والآن الكفار لولا هذه الفرش والمواد التي تيسرت لهم لكانت أفواههم منتنة، ولكن للصناعة والتطور أصبح عندهم فرشة وما يسمونها مادة معجونية يغسلون بها أفواههم مرة في اليوم، أما العرب في الجاهلية فكانوا يستاكون.
ثانياً: الاستنجاء، وما أظن الكفار يستنجون الآن، بل يمسحون بالورق فقط، لكن العرب كانوا يستنجون فيغسلون مخارج البول والعذرة بالماء ولا يكتفون بالتراب أو بالحجارة أو بالورق، وإن كان مجزي عند الحاجة، فقد كانوا يحبون الطهارة.
ثالثاً: تقليم الأظافر: كان للأحباش أظافر طويلة، وكانوا يذبحون بها، تجده يذبح بظفره العصفور والدجاجة، وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
رابعاً: نتف الإبط: والإبط هو ما تحت الذراع، ينتف شعره لا يحلق؛ لأن الحلق يزيده قوة فينبت بكثرة ويؤذي.
الثاني عشر: الختان للأطفال، والخفاض للبنات
وضع غلفة ذكره على حجر وضرب بالقدوم فليس هناك سكاكين، وإلى الآن يعرف العرب بأمة الختان، وقد سنه رسولنا صلى الله عليه وسلم.
والخفاض ليس بواجب ولكنه أنفع للمرأة، هناك غلفة أو قطعة كرأس الديك تقطع وما زالت البنت صغيرة فينفعها ذلك، ويحسّن فرجها، وأظن في مصر يفعلون هذا، وقد قال لنا بعض الهابطين: إن المصريين يفعلون هذا لأن نساؤهم سمينات، أو أجسامهم قوية، أما نحن كالبدو فليس هناك شيء. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( الخفاض للبنت مكرمة )، ترغيباً فيه.
الثالث عشر: قطعهم يد السارق اليمنى
الرابع عشر: الحج والعمرة
[فهذه جملة من العادات الحسنة الحميدة التي عرف بها العرب في الجاهلية قبل الإسلام، وإنها -وإن لم تكن عامة في كل فرد- فإنها الطابع العام على غالبيتهم، ولولا إرادة الاختصار، وثقة القارئ فيما أقدمه له، لذكرت شواهد ذلك من كلامهم ووقائعهم نظماً ونثراً] أمر مسلم يعني [وحسبنا من ذلك أن أبا سفيان بن حرب لما حضر عند هرقل -ملك الروم- بالشام] وهذا عام صلح الحديبية الذي كانت مدته عشر سنوات، وأصبحت القوافل التجارية بعده تمر بالمدينة بلا خوف، وكان أبو سفيان رئيس أحد القوافل التجارية، فلما سمع به ملك الروم استدعاه بوصفه مثل ملك في مكة، وأراد أن يسأله عن حال الدعوة في المدينة وما حولها، فقد بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر، فاسمع ماذا قال أبو سفيان ..
[وسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتمه شيئاً مما سأله عنه، مع العلم بأنه ما زال مشركاً وفي حرب مع الإسلام والمسلمين] بل ذكر صفات الكمال التي اتصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفات الإسلام التي جاء بها كما هي، فما خان، ولا كذب -وهذا هو الصدق- إلا في مسألة واحدة، قال: ما وجدت ما أقول، فسأله فقال: ونحن معه على معاهدة لا ندري .. يعني: يوفي لنا أو لا.
فلما سمع هرقل كلام أبا سفيان كاد يجن، وقال: لو تمكنت من أن أغسل قدميه لفعلت، وأراد أن يعلن إسلامه، ولكنه كان ملكاً، فجمع رجالات الحكومة وخطب فيهم فصاحوا، فقال لهم بعد ذلك: إنما اختبرتكم فقط لأرى قوة ثباتكم وصبركم على دينكم. وأخرج نفسه من المأزق.
لأنه سمع من أبي سفيان الصفات المحمدية وعرف أن هذا هو رسول الله، وأن هذا هو الذي بشر به عيسى وجاءت بشارته في التوراة والإنجيل، ولكنه آثر الدنيا والمنصب، وخاف أن يعزل ويطرد من الحكم، ولو فعل لكان خيراً له، ومع هذا الله أعلم به، هل مات يحب رسول الله والإسلام. الله أعلم.
قال: [العادات السيئة:
ومن جملة العادات السيئة التي هبطت بالمجتمع العربي قبل الإسلام هي:
أولاً: القمار والمعروف بالميسر] في تلك الأيام [وهي عادة سكان المدن في الجزيرة، كمكة والطائف وصنعاء وهجر ويثرب ودومة الجندل وغيرها. وقد حرمه الإسلام بآية سورة المائدة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].
ثانياً: شرب الخمر والاجتماع عليها والمباهاة] والمفاخرة [بتعتيقها وغلاء ثمنها، وكان هذا عادة أهل المدن من أغنياء، وكبراء وأدباء وشعراء، ولما كانت هذه العادة متأصلة فيهم متمكنة من نفوسهم، حرمها الله تعالى عليهم بالتدريج شيئاً فشيئاً وذلك من رحمة الله تعالى بعباده فله الحمد وله المنة.
ثالثاً: نكاح الاستبضاع] وهو أبشع ما يكون [وهو أن تحيض امرأة الرجل منهم، فتطهر، فيطلب لها أشراف الرجال وخيارهم نسباً وأدباً، ليطئوها من أجل تنجب ولداً يرث صفات الكمال التي يحملها أولئك الواطئون لها] إذا كان للرجل منهم امرأة وحاضت ثم طهرت قدمها لفحل من فحول الرجال الكرام الشجعان قبل أن يمسها لتنجب له ولداً شريفاً.
[رابعاً: وأد البنات، وهي أن يدفن الرجل ابنته بعد ولادتها حية في التراب خوف العار. وجاء في القرآن الكريم التنديد بهذا العمل، وتقبيحه، وذلك بذكر توبيخ فاعله يوم القيامة. قال تعالى من سورة التكوير: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9]] فقد كانوا يدفنون بناتهم أحياءً خوفاً من العار من جهة، ومن الفقر من جهة أخرى، وفي حالة الفقر قد يدفنون الولد أيضاً.
[خامساً: قتل الأولاد مطلقاً ذكوراً وإناثاً، وذلك عند وجود فقر وحالة مجاعة، أو لمجرد توقع فقر شديد عندما تلوح في الأفق آثاره، لوجود محل وقحط بانقطاع المطر أو قتله. فحرم الإسلام هذه العادة السيئة القبيحة بقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ [الأنعام:151] في آية الأنعام، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء:31] في آية الإسراء. والإملاق شدة الفقر وعِظَمه.
سادساً: تبرج النساء بخروج المرأة كاشفة عن محاسنها مارة بالرجال الأجانب، متغنجة في مشيتها متكسرة، كأنها تعرض نفسها وتُغري بها غيرها.
سابعاً: اتخاذ الحرائر من النساء الأخدان من الرجال] فقد كانت المرأة الحرة تتخذ صديقاً سرياً تجالسه ويجالسها، ويرحمها وترحمه، هذا الصديق كان سرياً لا علنياً [وذلك بالاتصال بهم وتبادل الحب معهم في السر، وهن أجانب عنهن، فحرم الإسلام هذه العادة بقوله تعالى: وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ [النساء:25] من سورة النساء، وحرم على الرجال ذلك بقوله من سورة المائدة: وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة:5].
ثامناً: إعلان الإماء عن البغي بهن، وذلك بأن تجعل إحداهن راية حمراء على باب منزلها لتعرف أنها بغي ويغشاها الرجال، وتأخذ على ذلك أجراً، أي مالاً مقابل الاستبضاع] فقد كانت الأمة -غير الحرة- تبني لها منزلاً أو خيمة وتضع عليها راية حمراء أو زرقاء؛ فيفهم الرجال أن هناك امرأة توطأ بمقابل من الثمن، وفي ذلك الوقت وبالذات وفي البلاد الأخرى كانت دور البغي والبغاء بلا حد ولا حصر، ولكن كان من شرف العرب أن الحرة تموت ولا تأكل بثديها، أما الإماء فلا شرف لهن ولا قيمة، وقد كان رئيس المنافقين بالمدينة عبد الله بن أبي ابن سلول يلزم إماءه بالزنا، وقد نزل في ذلك قرآن من سورة النور، قال الله عز وجل: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور:33].
[تاسعاً: العصبية القبلية، هي مبدأ: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)] أي: ما دام لك أخ في القرابة أو في القبيلة انصره [فجاء الإسلام فأمر بنصرة الأخ المسلم قريباً كان أو بعيداً؛ إذ الأخوة المعتبرة هنا هي أخوة الإسلام، ونصرته إذا كان مظلوماً -بدفع الظلم عنه-، ونصرته -إذا كان ظالماً- بمنعه من الظلم وحجزه عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقيل: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوماً، فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم )] أي: تمنعه من أن يظلم. وتلك والله نصرته وإلا تمزق وخسر دنياه وأخراه.
[عاشراً: شن الغارات والحروب على بعضهم بعضاً للسلب والنهب، فالقبيلة القوية تُغير على الضعيفة لتسلبها مالها؛ إذ لم يكن لهم حكم ولا شرع يرجعون إليه في أغلب الأوقات وفي أكثر البلاد.
ومن أشهر حروبهم حرب داحس والغبراء، التي وقعت بين عبس من جهة وذبيان وفزارة من جهة أخرى. وحرب البسوس حتى قيل: أشأم من حرب البسوس، التي دامت كذا سنة وكانت بين بكر وتغلب، وحرب بُعاث التي وقعت بين الأوس والخزرج بالمدينة النبوية قبيل الإسلام، وحرب الفجار التي دارت بين قيس عيلان من جهة وبين كنانة وقريش من جهة مقابلة، وسميت حرب الفجار؛ لأنها وقعت في الأشهر الحرم].
[الحادي عشر: عدم الامتهان تكبراً وأنفة] وعدم الامتهان معناه: أنهم لا يمتهنون حياكة ولا خياطة ولا نسيجاً ولا قيناً ولا حديداً، كانوا يترفعون عن هذه الامتهانات [إذ كانوا لا يمتهنون الحدادة والخياطة والحجامة ولا الفلاحة، وإنما يسندون هذه المهن لإمائهم وعبيدهم] فالعبد لا بأس أن يمتهن، والأمة لا بأس أن تشتغل، أما الحر والحرة فلا.
إذاً: كان لهم إماء وعبيد؛ لأنهم إذا غزوا أو أغاروا أخذوا السبي.
[فحسبهم التجارة وركوب الخيل وشن الغارات، وإنشاد الشعر، والمفاخرات بالأحساب والأنساب] بدلاً من امتهان الامتهانات الهابطة كان حسبهم التجارة؛ إذ كانوا يتاجرون مع اليمن والشام والعراق، ويركبون الخيل ويشنون الغارات على بعضهم البعض، وينشدون الشعر، ويفاخرون بالأحساب والأنساب.
[هذه معظم العادات السيئة التي كانت في المجتمع العربي قبل الإسلام] كان ميتاً كغيره من الشعوب [وهي -كما مرت- تحيل المجتمع إلى مجتمع ساقط هابط لا سعادة فيه ولا هناء، إلا أنه -إزاء ذلك- كانت فيه كمالات نوردها تحت عنوان] كان للعرب كمالات؛ ولهذا يقول أحد المعاصرين: كفار العرب أشرف من كفار اليوم، فإذا نظرنا إلى كفار اليوم وإلى هبوطهم وسفالاتهم فكفار قريش أشراف بالنسبة إلى هؤلاء!
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
هذا الحبيب يا محب 115 | 4084 استماع |
هذا الحبيب يا محب 111 | 4080 استماع |
هذا الحبيب يا محب 7 | 3824 استماع |
هذا الحبيب يا محب 47 | 3819 استماع |
هذا الحبيب يا محب 126 | 3695 استماع |
هذا الحبيب يا محب 102 | 3682 استماع |
هذا الحبيب يا محب 9 | 3650 استماع |
هذا الحبيب يا محب 32 | 3574 استماع |
هذا الحبيب يا محب 99 | 3489 استماع |
هذا الحبيب يا محب 48 | 3472 استماع |