التسويف
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
التسويفمختصر الدروس في درء مكدرات النفوس (6)
التعريف:
لغة: التَّسْويف: التأخير والمطل؛ من قولك: سوف أَفعل أو سوف أعطيك حقك.
اصطلاحًا: التأخير والمماطلة في إنجاز الأعمال وعدًا أو وعيدًا.
التسويف في ميزان الإسلام: دلَّت النصوص الشرعية على أن التسويف منه ما هو مذموم ومنه ما هو محمود.
أما المحمود: فهو ما جاء وعدًا ووعيدًا من الله جلَّ جلاله، أو من الناس على أساس التحقيق والإنجاز:
• وعدٌ للمؤمنين بالمغفرة والرضوان: كقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 74]، وقوله: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5].
• وعيدٌ للمشركين والكافرين بالعذاب الأليم: كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا ﴾ [النساء: 56]، وقال سبحانه: ﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الأنعام: 5].
• وعدٌ بالجائزة أو المكافأة، أو بتنفيذ عمَل معين، أو وعيد بالعقاب والتَّنكيل للمخالفين للإرشاد أو للنِّظام والقانون من قِبل سلطة عليا؛ كالوالدين أو المديرين ومَن هم أعلى منهم درجة، على أساس التحقيق، من الإنسان لغيره، جزمًا وتأكيدًا دون تأخير.
وأما المذموم: فهو ما كان بمعنى التأخير والمماطلة، وهذا هو المنهي عنه والذي توافرت الأدلَّةُ على التحذير منه.
الأسباب:
1- التنشئة الأولى: لأنَّ الأولاد يقلِّدون الكبار من الآباء والأمهات وأولياء الأمور من الأسرة.
وينشأ ناشئُ الفِتيان فينا ♦♦♦ على ما كان عوَّده أبوه
لذلك نجد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يؤكِّد على ضرورة الوفاء والالتزام أمام الأولاد، يقول عبدالله بن عامر: دعتني أمِّي يومًا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم عندنا، فقالت: تعالَ أُعطِك، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما أردتِ أن تعطيه؟))، فقالت: أردتُ أن أعطيه تمرة، فقال لها: ((أما إنك لو لم تعطه شيئًا كُتبتْ عليك كذبة))[1].
2- الصحبة السيئة: لقد شدَّد الإسلام على تجنُّب مصاحبة الضعفاء والكسالى، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصاحِب إلَّا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقيٌّ))[2]، وكما قيل: "الصَّاحب ساحِب".
3- طول الأمل مع نسيان الموت والدار الآخرة: يقول الإمام أبو حامد الغزالي: "اعلم أنَّ مَن له أخوانِ غائبان يَنتظر قدوم أحدهما في غدٍ وينتظر قدوم الآخر بعد شهر أو سنة، فلا يستعد للذي يقدم بعد شهر أو سنة، ودائمًا يستعدُّ للذي ينتظر قدومه غدًا"، ويقول ابن قيم الجوزية: "يجب على مَن لا يدري متى يَبغته الموت أن يكون مستعدًّا، ولا يغتر بالشباب؛ فإنَّ أقل مَن يموت الأشياخ، وأكثر من يموت الشباب"، وكان أحد السلف يقول: "أنذرتُكم (سوف)".
4- عدم وضع الأمور في نصابها الصحيح: بحيث يغترُّ بالقوَّة والصحَّة، وينسى المرض والعجز، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بادِروا بالأعمال الصالحة سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مُجهِزًا، أو الدَّجالَ فشر غائب يُنتظر، أو الساعةَ فالساعة أدهى وأمرُّ؟))[3].
آثار التسويف:
1- الحسرة والنَّدم على فوات الزمن: قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10].
2- تراكم الذنوب والمعاصي: ويصعب عليه أمر التوبة؛ فما هلَك مَن هلك إلَّا بالتسويف، "فيكون تسويده القلب نقدًا، وجلاؤه بالطَّاعة نسيئة، إلى أن يَختطفه الموت فيأتي اللهَ بقلب غير سليم".
3- تراكم الأعمال والمهام: فتضيع عليه الفرَصُ، وتذهب عنه الإنجازات والنجاحات، وتضيع هيبتُه بين الناس.
4- الوقوع في مَغَبَّة الكذب: فوعوده كاذِبة، وعهوده غير ناجِزة، وهو يتحرَّى الكذب في المواعيد، قال صلى الله عليه وسلم: ((إيَّاكم والكذب؛ فإنَّ الكذب يَهدي إلى الفجور، وإن الفجور يَهدي إلى النار، وما يزال الرجل يَكذب، ويتحرَّى الكذب، حتى يُكتب عند الله كذَّابًا))[4].
5- الحرمان من العون الإلهي: لأنَّ الله عز وجل لا يُعين الكسالى والمتواكلين، وإنَّما عونه لأهل المجاهدة والصبر والتحمُّل: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].
العلاج:
1- تربية النَّفس على الجديَّة والصرامة في تَنفيذ الأعمال وتحقيق الأحلام بعزيمة وهمَّة ونشاط.
2- الابتعاد عن الرفقة المعروفة بالتسويف، "والصاحب ساحِب"، و"كل قرين بالمقارن يقتدي".
3- تأمُّلُ خطاب القرآن للمؤمنين، وسيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم التي تقوم على الجدِّيَّة وعدم الكسل والتخاذل.
4- النظر في سيرة السلَف الصالح، وكيف كانوا ينأَون بأنفسهم عن هذه الخصلة الذميمة.
5- تذكُّر الموت والوقوف بين يدي الله سبحانه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أكثِروا ذِكرَ هادم اللذَّات))؛ يعني: الموت[5].
المراجع:
• لسان العرب؛ لابن منظور.
• إحياء علوم الدين؛ لأبي حامد الغزالي.
• إعلام الموقعين عن رب العالمين؛ لابن القيم.
[1] أخرجه أبو داود رقم (4991)، وأحمد برقم (15702)، وحسنه الألباني كما في الصحيحة (748).
[2] أخرجه أبو داود رقم (4932)، وأحمد برقم (11357)، والدارمي برقم (2057)، والترمذي برقم (2395).
[3] أخرجه الترمذي وحسنه، رقم (261)، وضعفه الألباني كما في الضعيفة رقم (1666)، وضعيف الجامع الصغير رقم (2315).
[4] أخرجه البخاري برقم (6094)، ومسلم برقم (6730).
[5] أخرجه أحمد برقم (7912)، وابن ماجه برقم (4258)، والترمذي برقم (2307)، والنسائي في "الكبرى" برقم (1963).