اللقاء الشهري [15]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة: فهذا هو لقاء شهر شوال من عام أربعة عشر وأربعمائة وألف في الجامع الكبير في عنيزة، والذي ينظم في كل شهر مرة، ونحن على مقربة من وداع شهر رمضان، الذي أدينا وأدى المسلمون فيه فريضة وركناً من أركان الإسلام وهو صيام رمضان، ومن حكمة الله عز وجل أنه لم يخرج شهر الصيام حتى دخلت أشهر الحج إلى بيت الله الحرام، ولهذا سنجعل مقدمة لقائنا هذه الليلة، في البحث عن الحج ويتلخص في الأمور التالية:

المبحث الأول: متى فرض الحج؟

أولاً: متى فرض الحج؟

والجواب على هذا السؤال: أن العلماء رحمهم الله اختلفوا هل فرض الحج في السنة السادسة من الهجرة، أم في السنة التاسعة من الهجرة؟ والصواب: أنه في السنة التاسعة من الهجرة، فأما قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] التي نزلت في الحديبية فهذا أمر بالإتمام وليس أمر ابتداء، أمر الابتداء جاء في قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97].

وهذه الآية نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، ولأن الحكمة تقتضي ذلك، لأن مكة كانت قبل فتحها بلاد كفر، ومنع قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إتمام العمرة ليس ببعيد، إذ أنهم منعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إتمام العمرة لما جاء معتمراً في السنة السادسة من الهجرة، فليس من الحكمة أن يفرض الله سبحانه وتعالى الحج على عباده وقريش لهم بالمرصاد، ولكن لما فتحت مكة وصارت بلاد إسلام في السنة الثامنة، حينئذ اقتضت حكمة الله عز وجل فرض الحج، ففرض في السنة التاسعة من الهجرة، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة من الهجرة لسببين:

السبب الأول: أن هذه السنة كانت سنة الوفود، أي: أن العرب كانوا يفدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يتلقون عنه شرائع الإسلام، فغيابه عنها مع تكاثر الوفود إليها ربما يكون فيه فوات مصلحة عظيمة، لهذا أخر النبي صلى الله عليه وسلم الحج إلى السنة العاشرة.

السبب الثاني: أنه في السنة التاسعة كان الحجاج خليطاً من المسلمين والمشركين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذن في ذلك العام ألا يحج بعد العام مشرك حتى تتحمض حجة النبي صلى الله عليه وسلم في قوم مسلمين لا مشركين معه، ولهذا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا في السنة العاشرة من الهجرة.

المبحث الثاني: من الذي يجب عليه الحج؟

الذي يجب عليه الحج هو المسلم البالغ العاقل المستطيع، لقول الله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97].

والاستطاعة نوعان: استطاعة بالبدن، واستطاعة بالمال، فالاستطاعة بالمال شرط للوجوب، والاستطاعة بالبدن شرط للأداء، فإذا كان الإنسان فقيراً ليس عنده مال، فإنه لا يجب عليه الحج، إذا كان يحتاج إلى راحلة؛ لأنه لا يستطيع ولو كان بدنه قوياً، وإذا كان عنده مال لكن لا يستطيع أن يحج ببدنه؛ لأنه ضعيف كبير أو مريض مرضاً لا يرجى برؤه، فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه، فالاستطاعة بالبدن شرط للأداء، والاستطاعة بالمال شرط للوجوب.

ومن الاستطاعة بالمال ألا يكون على الإنسان دين، فإن كان عليه دين فإنه لا يلزمه الحج، ولا يأثم بتركه، ولو مات وهو لم يحج؛ فإنه لا يعاقب؛ لأنه ليس بقادر، إذ أن قضاء الدين أهم من الحج، وإسقاط الله الحج عن المدين من رحمته به، فينبغي للإنسان أن يقبل رخصة الله، وأن يقضي دينه أولاً ثم يحج ثانياً، إذ لو حج بالمال، لفات من قضاء دينه بمقدار ما أنفق على حجه، وأضرب لكم مثلاً في رجل عليه خمسة آلاف ريال ديناً، فإذا حج فسوف ينفق ألف ريال على الأقل، إذن فات من قضاء الدين ألف ريال، نقول: اصرف الألف في قضاء دينك، فإذا صرفته في قضاء دينك لم يبق عليك من قضاء دينك إلا أربعة آلاف ريال، واقبل رخصة الله، لا تكلف نفسك، فإن قال قائل: وهل يشمل ذلك الدين الذي لصندوق التنمية العقارية؟

الجواب: إذا كان الإنسان يستطيع الوفاء كلما حل القسط، وبيده الآن مال يمكنه أن يحج به، وهو يعرف أنه إذا حل القسط استطاع الوفاء به، فإنا نقول: إن هذا الرجل قادر فليحج، أما إذا كان لو أنفق ما عنده في الحج، لحل القسط وليس بيده شيء فإنا نقول: لا تحج، وادخر ما عندك من المال للقسط، ولا تظن أنك تأثم بذلك؛ لأن بعض الناس يقول: كيف أموت وأنا ما حججت؟

نقول: أرأيت لو كنت فقيراً ولم تزك، هل تندم إذا مت وأنت لم تزك؟ لا تندم، فإذا كان الإنسان إذا مات فقيراً لا يملك مالاً ولم يزك، فإنه يموت على ملة تامة لا نقص فيها، أي لا نقص فيها نقصاً يأثم به، فكذلك إذا كان عليه دين ولم يحج ثم مات فإنه يموت على ملة تامة ليس فيها نقص يأثم به، وهذا من نعمة الله.

المبحث الثالث: تقديم الزواج على الحج

إذا كان الإنسان عنده مال وليس عليه دين؛ لكنه أعده للزواج فيقول: إن حججت نقص المال واحتجت إلى الناس لإكمال المهر، وإن لم أحج صار عندي المهر كاملاً فهل أقدم النكاح أو أقدم الحج؟

نقول: في هذا تفصيل وهو: أنه إذا كان الإنسان يخشى على نفسه الفتنة بتأخر النكاح، وعنده شهوة قوية، فإنه لا يحج ويصرف المال في النكاح؛ لأن الإنسان إذا كان في حاجة إلى النكاح فهو كالإنسان الذي يكون في حاجة إلى الطعام والشراب، بل ربما يفتتن بترك النكاح أكثر مما لو لم يأكل ويشرب، فالمسألة فيها تفصيل: فإذا كان الإنسان يخشى على نفسه الفتنة وهو قوي الشهوة، فإنه يقدم النكاح على الحج، وإن كان الأمر بالعكس فليقدم الحج على النكاح.

فإذا قال قائل: أنا طالب علم وفي حاجة إلى الكتب، فهل أشتري بما عندي من المال الكتب التي أحتاجها أو أحج؟

الجواب: اشتر الكتب التي تحتاجها؛ لأن حاجتك للكتب كحاجتك للطعام والشراب الكمالي ليس الضروري، فإذا كنت محتاجاً إلى الكتب التي لا بد لك منها، فإنه لا يجب عليك الحج حتى تؤمن هذه الكتب، وهذا لا شك أنه من نعمة الله عز وجل ومن رحمته بعباده.

فإن قال الإنسان: أنا علي دين وسمح لي أهل الدين أن أحج فهل أحج؟

الجواب: لا. لأنهم وإن سمحوا لك فلا يسقط عنك شيء من الدين، والكلام على شغل الذمة، نعم. لو قالوا: حج ونحن نسقط عنك من دينك بمقدار ما أنفقت في الحج، حينئذ أصبح الحج لا يضره فليحج.

أما إذا حج وأنفق الدراهم في الحج تعذر وفاء الدين، فهنا نقول: لا تحج، لأن الأمر في هذا واسع.

المبحث الرابع: من كان معه صبيان لم يبلغوا هل يحرم بهم أم يتركهم

إذا كان مع الإنسان صبيان لم يبلغوا من ذكران أو إناث، هل الأفضل أن يحج بهم أو الأفضل أن يتركهم ولا يحرم بهم؟

نقول: في هذا تفصيل، إن كان في إحرامهم مشقة عليهم أو عليه، فالأفضل ألا يجعلهم يحرمون؛ لأن الحج لم يجب عليهم بعد، وكونك تعمل عملاً يشق عليهم أو يشق عليك بدون حاجة إلى ذلك خلاف الصواب.

والآن المشقة متوقعة في موسم الحج، الرجل البالغ الكبير لا يتخلص إلا بمشقة، فكيف إذا كان معه صبيان يحملهم أو صبيان يقودهم، ففي ذلك مشقة، وسوف ينشغل بهم عن أداء النسك، سوف يطوف وقلبه يوجل، ويسعى وقلبه يوجل، وكيف يسعى ومعه هؤلاء الصغار؟ لذلك نرى أنه في مثل هذه العصور الأفضل ألا يحرم بهم، يستصحبهم ولا بأس، وإذا وصل إلى مكة يجعلهم في البيت أو في الخيمة، وينزل إلى المطاف والمسعى، ويسعى بنفسه ليستريح ويريح صبيانه.

المبحث الخامس: قضاء الحج

إذا وجب على الإنسان الحج، ولكنه لم يتمكن منه فمات، فهل يقضي عنه من تركته؟ وهل يقدم على الثلث أو الثلث قبله أو ماذا؟

نقول: إذا وجب على الإنسان ولكن لم يُقدَّر له أن يحج، إما لأنه قال: الحج هذه السنة فيه صعوبة أو مشقة، لكني قادر ولم يحج، فإنه إذا مات يكون الحج ديناً في ذمته، ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: (إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها قال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: اقضوا لله).

فشبه النبي صلى الله عليه وسلم الحج بالدين، وعلى هذا فإذا مات هذا الرجل فأول ما نخرج مؤنة تجهيزه، مثل أجرة الغاسل، قيمة الكفن، قيمة الحنوط، قيمة القبر إذا كان لا بد من ثمن لهذه الأشياء، ثم بعد ذلك نأخذ مقدار نفقة الحج قبل الوصية، ثم بعد أن نأخذ مقدار نفقة الحج نأخذ الوصية من الباقي، فإن كانت الوصية بالخمس الباقي، إن كانت بالثلث أخذنا ثلث الباقي وهلم جرا، وإن كانت بالنصف فلا يمكن؛ لأنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث إلا برضا الورثة.

فإذا قدر أن هذا الميت الذي لم يحج مع وجوب الحج عليه لم نجد خلفه إلا مقدار نفقة الحج، فإذا أخذنا هذا الذي عنده لم يبق للورثة شيء ولم يبق للوصية شيء، نقول: نقدم الحج، وتبطل الوصية، ويسقط حق الورثة؛ لأن الدين مقدم على كل شيء.

وإذا قدرنا أن هذا الرجل الذي مات وقد وجب عليه الحج كان عليه دين للآدميين فهل نقدم الحج أو دين الآدمي؟

الجواب: يتساويان فإذا أمكن أن نقضي الدين ونحج عنه فعلنا، وإذا لم يمكن تقاسمناه، فإذا كان الباقي لا يمكن أن يكفي للحج حينئذ صرفنا المال كله للدين.

ونقتصر على هذا القدر من الكلام؛ لأن الأسئلة أظنها كثيرة، ويمكن أن نحتاج إليها كثيراً، ولم يبق في الوقت إلا دقائق يسيرة.

أولاً: متى فرض الحج؟

والجواب على هذا السؤال: أن العلماء رحمهم الله اختلفوا هل فرض الحج في السنة السادسة من الهجرة، أم في السنة التاسعة من الهجرة؟ والصواب: أنه في السنة التاسعة من الهجرة، فأما قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] التي نزلت في الحديبية فهذا أمر بالإتمام وليس أمر ابتداء، أمر الابتداء جاء في قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97].

وهذه الآية نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، ولأن الحكمة تقتضي ذلك، لأن مكة كانت قبل فتحها بلاد كفر، ومنع قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إتمام العمرة ليس ببعيد، إذ أنهم منعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إتمام العمرة لما جاء معتمراً في السنة السادسة من الهجرة، فليس من الحكمة أن يفرض الله سبحانه وتعالى الحج على عباده وقريش لهم بالمرصاد، ولكن لما فتحت مكة وصارت بلاد إسلام في السنة الثامنة، حينئذ اقتضت حكمة الله عز وجل فرض الحج، ففرض في السنة التاسعة من الهجرة، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة من الهجرة لسببين:

السبب الأول: أن هذه السنة كانت سنة الوفود، أي: أن العرب كانوا يفدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يتلقون عنه شرائع الإسلام، فغيابه عنها مع تكاثر الوفود إليها ربما يكون فيه فوات مصلحة عظيمة، لهذا أخر النبي صلى الله عليه وسلم الحج إلى السنة العاشرة.

السبب الثاني: أنه في السنة التاسعة كان الحجاج خليطاً من المسلمين والمشركين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذن في ذلك العام ألا يحج بعد العام مشرك حتى تتحمض حجة النبي صلى الله عليه وسلم في قوم مسلمين لا مشركين معه، ولهذا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا في السنة العاشرة من الهجرة.