أرشيف المقالات

الطفل في سن ما قبل المدرسة - ريهام فوزي

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
الطفل في سن ما قبل المدرسة: كائن مزعج، مستفز، عنيد، فوضوي، مخرب، عنيف، عدائي، شمبانزي على إرهابي، من الآخر كل ده بنقوله على عيالنا..
بس لو عرفت الحقيقة هتكتشف إن كأنك بتقول المكنسة دي كل ما بشغلها صوتها عالي وبتطلع ريحة شياط! وكل الحكاية إنك كسلت وطنشت تقرأ كتالوجها عشان تكتشف إنها 110 فولت وأنت بتحط الفيشة في 220!

نبدأ بسم الله الرحمن الرحيم كده ونقول شوية معطيات:
كتالوج طفل ما قبل المدرسة..
من الآخر طفلك مرايتك!
الطفل كائن بدائي، صفحة بيضاء، فلاشة مش عليها أي داتا وأنت الكمبيوتر؛ أول ما تحط الفلاشة في الكمبيوتر هتنسخ كل حاجة على الكمبيوتر ده، بما فيها الفيروسات والحاجات اللي أنت نفسك ما بتحبهاش فيك!

الطفل زي سيدنا آدم بالظبط! أول ما ربنا نفخ فيه الروح وجد نفسه في جنة؛ كل ما تقع عليه عينه فهو ملكه، وله كامل الحرية في الجنة دي إنه يعمل ويأكل ما يشاء حيث شاء، جنة من غير ناس ما تنداس..
فربنا خلق لسيدنا آدم أنيس وهي ستنا حواء، فهي البديل للأم، وهي الزوجة والحبيبة والصديقة.

الأم بالنسبة للطفل هي كل دول، واللي بيغير عليها لأنها ملكه، بالذات في سنتين الرضاعة: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة من الآية:233]، الرضاعة مش بس أكل! الرضاعة (رحم خارجي) بعد 9 أشهر حمل في الرحم الداخلي؛ الرضاعة يعني حضن واحتواء ملئ الحواس الخمسة؛ حاسة اللمس، والعين في العين، وحاسة السمع للصوت ودقات القلب ، وحاسة الشم..
إلخ.

الشجرة المحرمة أثارت فضول سيدنا آدم ورغم إن كل شيء مباح إلا الشجرة دي لكن سيدنا آدم خالف النهي عنها وأكل منها: "الممنوع مرغوب".

لا نغفل دور الشيطان في غواية سيدنا آدم، ومحاولة إفساد حياته وإفساد العلاقة بين سيدنا آدم وربه.
نعم الشيطان يوسوس للأطفال وتأثيره عليهم قوي، فهو يلعب بهم كالعرائس ويوسوس لهم بالأخطاء الخطيرة والمؤذية، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي الحسن والحسين، ويأمرنا برقية الأطفال لتحصينهم من الشياطين والحسد.

إذاً: الطفل كائن بدائي فضولي كل ما حوله هو مثير للاهتمام والاكتشاف وهو ملكه، كل ما يفعله الكبار هو ما يجب فعله كل ما هو ممنوع ومحرم هو مرغوب عشان عايز يعرف الحكمة من التحريم!

الطفل في سن ما قبل المدرسة مش مبدع لأنه لسه في مرحلة التعليم، والتعليم بالنسبة له هو (التقليد) ثم التقليد، ثم التقليد، هو هيقلد كل اللي حواليه بيعملوه، حتى لو مش مناسب لسنه لأنه ببساطة مش فاهم إيه الفرق بينه وبين الكبار!

أنت بتأكل حاجة فهو عايز يدوقها ويجربها، أنت بتشرب فهو عايز يشرب زيك، بتمشي على رجليك فيحاول يتعلم يمشي، أنت بتتكلم في حاجة بنسميها تليفون فهو عايز يمسك الحاجة دي ويعمل زيك، بتحط فيشة في الكهرباء، بتستخدم البوتاجاز، بتكتك بصوابعك على الكيبورد..
إلخ.

أنت بتسمح له يأكل زي ما أنت بتأكل، ويشرب ويمشي..
لكن بتمنعه يمسك الشيء اللي اسمه فيشة ده ويحطه زيك في الخرمين اللي في الحيطة، طب لييييييييه؟ اشمعنى ده مسموح وده ممنوع؟

فطبعًا المسموح مش مشكلة بالنسبة له، لكن الممنوع بيثير جواه الأسئلة، اشمعنى؟ ما أنت بتعمل ده بكل أريحية أهوه؟! الطفل في السن ده مش مبرمج على تنفيذ الأوامر، ولو نفذها بدافع الخوف فده دافع سطحي مؤقت، لا تقل له: "افعل"، لكن قل: "يلا نعمل سوا".

وتذكر نصيحة أمنا أم سلمة للرسول صلى الله عليه وسلم عندما أمر الصحابة في صلح الحديبية بأن يتحللوا من الإحرام فلم يطيعوا الأمر (الشفهي) من كثرة الغم، فأشارت أمنا أم سلمة عليه بأن يبادر بنفسه ويتحلل هو من الإحرام ليفعلوا مثله ففعلوا، نتعلم هنا الانتقال من الأمر الشفهي المجرد لتقديم القدوة والمثال المادي، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة مش مجرد ملقن بأوامر شفهية ما بيعملهاش!

طيب إزاي أمنع الطفل من فعل مؤذي؟ في هذا السن النهي غير مجدي بالعكس، النهي عن الشيء مغري ومثير للخيال فإذا قلت لك لا تفكر في اللون الأزرق سترى جمال اللون الأزرق، وإذا قلت لك لا تفكر في الفيل سترسم بخيالك فورًا صورة لفيل جميل! فتذكر الشجرة المحرمة التي لم يقو آدم على اجتنابها، ولكن الفت انتباه الطفل بالمباحات الكثيرة.

لا تُنهِ الطفل عن فعل شيء أنت تفعله أمامه بحجة "أنت كبير وهو صغير"، وهذا الفعل غير مناسب له ولسنه! هو لا يفهم هذا الفرق! قدامك حل من اتنين؛ إما إنك تمتنع عن هذا الفعل أمامه أو توجد له البديل المناسب له، فلا تستخدم السكين أو الكهرباء أمامه، وإذا أردت منعه من استخدام موبايلك مثلاً فاحضر له موبايل لعبة كبديل، شرط أن يراك تستخدمه كي تشبع رغبته بتقليدك، وهكذا..

لتيسير فهم رغبات طفلك "حط نفسك مكانه"، "فكر بعقله"، تخيل إنك مكانه، هو إنسان تحت الإنشاء عقله عبارة عن علامات استفهام، كل ما هو عادي ومعتاد بالنسبة لك فهو جديد ومثير لاهتمامه ويريد اكتشافه، حط نفسك مكانه وشوف هتكتشفه إزاي، إزاي مثلاً يكتشف كوب زجاج من غير ما يكسره؟ الطفل مش مخرب لكن مكتشف.

حط نفسك مكانه هتلاقي نفسك إنسان على كوكب جديد كل ما حولك مجهول ومثير للاهتمام، وجواك أسئلة كتيييير محتاج تعرف لها إجابة، بالتجربة حط نفسك مكانه هتلاقي إنك كائن نشيط جدًا، ملول محتاج تلعب وتضحك وتجري، وتحب وتتحب وإنك محتاج تكون مركز دائرة الاهتمام، وإذا فقدت اهتمام من حولك شوف إزاي هتحاول تلفت إنتباههم..

هتلفت انتباههم بحاجات أنت جربتها ولقيتها بتضحكهم، وحاجات لما جربتها كانوا بيصرخوا ويزعقوا! مش مهم، المهم إنك محور اهتمامهم! افتكر إن فيه ناس كبار بتحاول تنتحر عشان تلفت انتباه اللي حواليها، وإن دي رسالة: "اهتموا بيا أنا محتاج الاهتمام والحب والحنان"!

حط نفسك مكانه عشان تعرف سبب إنزعاجه والعياط والزن والغضب، تخيل كدة إن عندك مغص أو صداع أو حران، بردان، جعان، عطشان، مرهق وعايز تنام، وأنت أخرس ومش قادر تعبر عن ألمك، ها: هتعمل إيه؟ تخيل لما أنت بتكون زهقان وبتعاني من الملل! طبعًا أنت كبير وعندك خبرات وأفكار واختيارات كتير تقدر تعملها وتسلي نفسك..
حط نفسك مكانه، وتخيل إنك زهقان وده إحساس مزعج أنت مش عارف علاجه إيه؟ ها: هتعمل إيه؟

على فكرة الطفل إنسان بيحس بالحزن والإحباط ومشاعر سلبية كتير، بس مش بيقدر يعبر عنها ومش عارف يحلها إزاي ودي مشكلتك أنت، ومسئوليتك إنك تقف جنبه، زي لما صاحبك بيكلمك عشان يحكيلك ويشكيلك همه، فأنت تديله من وقتك عشان تسمعه وتساعده وتحاول تحل مشاكله، الفرق إن الطفل مش قادر يعبر عن ضيقه ويفضفض! يعني عياطه مش مجرد رخامة أو إنه عايز يفسد عليك حياتك!

خدعوك فقالوا: "إن طالما الطفل أكل وشرب ولبس غيار نضيف ونام كويس مش هيزن ويعيط..".
لا هو مش موبايل بتشحنه! لا ده إنسان له احتياجات عاطفية، محتاج حضن وبوس ولعب وتعبير عن الحب ، محتاج يتعلم حاجة جديدة عشان ما يحسش بالملل!

التدريب على تنفيذ الأوامر في سن ما قبل المدرسة، القاعدة بتقول: "إذا أردت أن تُطاع فأمر بالمستطاع".
أبدأ الأول بـ"يلا نعمل سوا" وبعدين وجه الأمر، أنت عارف إنه حاجة بيحبها وهيعملها، خللي بالك لا تأمر بأمر صعب التنفيذ، أو أكبر من استيعابه عشان ما يتعودش على المعصية، وتلاقي نفسك في حرج إن كلامك بيتكسر وتغضب لنفسك وتبدأ تنتقم لنفسك!

إزاي تمنع طفلك من عمل شيء مؤذي؟
أولا شيله من قدامه، ما تحطش النار جنب الكبريت وترجع تشتكي! ما تحطش قدامه سكينة وتقوله ما تمسكهاش!
لو هو شيء موجود وصعب تبعده إديله مساحة محدودة من التجربة، زي مثلاً كوب ساخن خليه يلمسه عشان يعرف يعني إيه ده سخن ومؤلم والحكمة من النهي.

كن حازم في قرارك إذا أخدت قرار بمنع شيء لا تتراجع عنه، عشان الطفل ما يتعودش معاك على (الفصال)، وإنك بتتراجع عن قراراتك بشوية زن! الحزم لا يتعارض مع الحنية والاحتواء، الحزم قرار بنبرة صوت هادئة وحازمة، ترتبط عند الطفل إن خلاص (قُضي الأمر) لأنه لما بيسمعها عارف أن لا تراجع عن هذا القرار، لكن الحنية تعبير عن مشاعر الحب والاحتواء، امنع طفلك وأنت بتحتويه، وكأنه مريض بتمنعه من أكلة مفضلة وهو صعبان عليك! عشان يحس إن منعه من الشيء الممنوع مش ظلم ولا منع لمجرد الرخامة أو عقاب! لكن منع بسبب حبك وخوفك عليه.

كن صادق دايمًا مع طفلك عشان يثق فيك وفي كلامك، دي بقا نقطة مهمة جدًا، زي حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى امرأة تدعو ولدها تقول له: "هاك أعطك"، وفي يدها شيء، فلما جاء أعطته، قال: «ما أعطيته؟» قالت: "أعطيته تمرة"، قال: «أما إنك لو لم تعطه شيئًا كتب عليك كذبة» (صحيح الجامع:1319).

أولاً عشان يعرف إن كلامك صح دايمًا وثقة..
فلو قلتله على حاجة إنها سخنة عشان ما يجيش جنبها وجه يجربها لقاها مش سخنة هيفقد الثقة فيك، ويوم ما تمنعه من حاجة سخنة فعلاً هيفتكر إنك بتضحك عليه وهيمسكها ويأذي نفسه! هنا أنت اللي أذيته بسابق كذبك! وساعتها هيتلخبط إمتى يصدقك وإمتى ما يصدقكش!

الطفل في سن ما قبل المدرسة ده سن لا يعرف فيه القيم والعيب والحلال والحرام، يعني ما يعرفش، يعني إيه سرقة لأن كل شيء ملكه أصلاً! ما يعرفش يعني إيه كذب لأن خياله واسع، وما يعرفش الحدود بين الواقع والخيال أو الحقيقة والأحلام، فممكن تلاقيه بيحكي حلم وكأنه حقيقة! هو مش بيكذب عشان يستحق العقاب!

الطفل ما يعرفش الفرق بين ودنه وأعضائه التناسلية، فهيستغرب لو أنت منعته من تحسس أعضائه التناسلية، وسمحتله بإنه يمسك ودنه؟ بالنسبة له مفيش فرق! خلّي بالك أنت كده بتلفت انتباهه إن المكان الممنوع من اللمس في جسمه ده وراه سر، لا بد من اكتشافه وتجربته فتكون النتيجة عكسية! أنت بس فهمه إن جسمه ممنوع على الآخرين من الاقتراب منه، عشان يفهم يعني إيه تحرش وإنه يدافع عن نفسه.

الطفل ما يعرفش الفرق بين الشامبو والزبادي مثلاً، ليه ده بنحطه على شعرنا وده بنأكله؟ ليه مش العكس؟
هو عايز يجرب، هو كائن طبيعي، احنا اللي بننزعج ونصرخ من حاجات طبيعية!

العند عند الطفل سلوك إيجابي ومحمود! ودليل على إنه طفل ذكي وهيكون إنسان مثابر مش يئوس ومستسلم لفشله.. هو لما بيكرر الخطأ من وجهة نظرك هو عايز يفهم إيه الحكمة من المنع؟ إيه الضرر؟ فلازم رد فعلك يكون هادي ومتفاهم، امنعه وأنت بتكلمه بهدوء وحب

العقاب: طبعًا زي ما قلنا قبل كده الضرب ممنوع قبل سن العاشرة، لأن ده السن اللي الرسول أمرنا فيه بالضرب على ترك الصلاة، بعد 3 سنوات كاملة من التدريب عليها والتحبيب فيها! فطبعًا مفيش ما هو أعظم من ترك الصلاة اللي يستحق الضرب قبل السن ده!

وقلنا للضرب شروط: أن يكون بمثل السواك زي مسطرة مثلاً، وألا يكون على الرأس أو الوجه والأماكن الحساسة، أو اللي فيها أعصاب وأوعية دموية قريبة من السطح زي اليد والقدم، ولكن يكون على الضهر أو الكتف، ولا يزيد عن 3 ضربات، ولا يكون مبرح -يعني لا يترك أثرًا- يعني مش الهدف من الضرب الإيلام، ولكن ده فعل بيرتبط شرطيًا عند الطفل بالتوبيخ وإنه كده أهان نفسه.

اتفقنا إن لو احترت دايمًا حط نفسك مكان الطفل..
ها؟ أنت لما تكون كائن نشيط وعملت خطأ يستحق العقاب، تحب تعاقب نفسك إزاي؟ إنك تحرم نفسك من الحركة! وهي طريقة الوقت المستقطع أو (التايم أوت) وده لا يكون قبل سن 3 سنوات، عشان الطفل يفهم أصلاً يعني إيه عقاب وليه!

الطفل مسئولية كبيرة مش مجرد لعبة بتسلينا! لو قررت أو نفسك تجيب طفل للدنيا فلازم تحتمل مسئوليته واحتياجاته قدام ربنا..
وإذا كانت الوظيفة محتاجة دراسة عشرين سنة، فتربية الأطفال محتاجة دراسة وصبر لأن ده إنسان بكرة. 

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢