فتاوى نور على الدرب [710]


الحلقة مفرغة

السؤال: كيف يكون القرآن حجة على حامله؟

الجواب: القرآن كتاب الله عز وجل، أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليكون للعالمين نذيراً، وجعل سماعه حجة ملزمة، فقال جل وعلا: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، فمن سمع كلام الله وهو يعرف اللغة العربية فقد قامت عليه الحجة، وإذا قامت عليه الحجة فإما أن يقوم بموجبها وما تقتضيه هذه الحجة وإما أن يخالف، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( القرآن حجة لك أو عليك )، وعلى من قرأ القرآن إذا لم يفهم معناه عليه أن يتفهمه من أهل العلم؛ لأن الله لم ينزل الكتاب العزيز لمجرد تلاوته؛ بل لتدبره والعمل به، قال الله تبارك وتعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29]، وما ضر الناس اليوم إلا أنهم لا يفكرون في معرفة معاني القرآن الكريم إلا قليلاً، فتجد أكثر المسلمين يقرءون القرآن تعبداً بتلاوته واحتساباً لأجره، لا يتدبرونه ولا يتأملونه ولا يسألون عن معناه، فهم والأميون على حد سواء، قال الله تبارك وتعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78]، فجعل الله تعلى الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، أي: إلا قراءة جعلهم أميين، فعلى المرء أن يتدبر معاني كتاب الله، وأن يتعظ بما فيها حتى يكون القرآن حجة له لا عليه.

السؤال: أرجو أن تذكروا بعض صيغ الدعاء بعد الرفع من الركوع؟

الجواب: إذا رفع الإنسان من الركوع فإن كان إماماً أو منفرداً قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال: ربنا ولك الحمد، وإن كان مأموماً قال: ربنا ولك الحمد ولا يقول: سمع الله لمن حمده؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الإمام: ( إذا كبر فكبروا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد ).

وفي قوله: ربنا لك الحمد أربع صفات: الصفة الأولى: ربنا لك الحمد، والصفة الثانية: ربنا ولك الحمد، والصفة الثالثة: اللهم ربنا لك الحمد، والصفة الرابعة: اللهم ربنا ولك الحمد، فينبغي للإنسان العارف بها أن يقول مرةً بهذا ومرةً بهذا.

وإذا قال: اللهم ربنا ولك الحمد فليقل: ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.

السؤال: إذا فاتتني صلاة الجنازة فهل يجوز أن أصليها منفرداً أو مع جماعةٍ أخرى؟ وهل يلزم جميع من حضروا للصلاة أن يصلوا أم أنها فرض كفاية؟

الجواب: الصلاة على الميت فرض كفاية وليست فرض عين، وإذا فاتت الإنسان الصلاة على الميت صلى على قبره؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى على القبر، وأما أن يعيد الصلاة عليه وهو في المسجد والميت قد حمل إلى المقبرة فلا يصح؛ لأنه لا بد من حضور الميت بين يدي المصلي، أو أن يكون المصلي يصلي على قبره.

السؤال: متى يكون دعاء الاستخارة هل هو قبل السلام أم بعده؟

الجواب: دعاء الاستخارة بعد السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يصلي ركعتين، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك.. إلى آخر الدعاء.

السؤال: ما حكم الإيمان بالقضاء والقدر؟

الجواب: الإيمان بالقضاء والقدر أحد أركان الإيمان الستة، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جواباً لجبريل عندما قال: ( أخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره )، ولا يتم الإيمان بالقدر إلا إذا آمن الإنسان بأمورٍ أربعة:

الأول: الإيمان بعلم الله تعالى وأنه سبحانه وتعالى محيطٌ بكل شيءٍ علماً لا يخفى عليه شيء.

الثاني: أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة، ودليل هذين الأمرين قول الله تبارك وتعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]، وقوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].

الأمر الثالث: أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو كائن بمشيئة الله، لا يخرج عن مشيئته شيء، حتى أفعال العباد قد شاءها الله عز وجل، قال الله تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]، وقال تبارك وتعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253].

الأمر الرابع: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيءٍ في السماوات والأرض، كما قال الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62]، حتى أعمال العبد مخلوقة لله، تعالى لقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، ووجه كون فعل العبد مخلوقاً لله: أن فعل العبد واقعٌ بإرادة العبد وقدرة العبد، وإرادة العبد وقدرة العبد مخلوقان لله عز وجل، وخالق السبب التام خالقٌ للمسبَب، فإذا كان فعل الإنسان ناتجاً عن إرادةٍ وقدرة، وهما مخلوقان لله صار فعل العبد مخلوقاً لله عز وجل، فلا بد في الإيمان بالقدر من الإيمان بهذه الأمور الأربعة: علم الله، وكتابة كل شيء كائن إلى يوم القيامة في لوحٍ محفوظ، ومشيئة الله، وخلق الله، وفي هذا يقول الناظم:

علمٌ كتابة مولانا مشيئته وخلقه وهو إيجادٌ وتكوين

السؤال: في الآية الكريمة في سورة الأنعام: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151]، وفي سورة الإسراء: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء:31]، ماذا يفيد الاختلاف في هذا الترتيب؟

الجواب: الاختلاف في هذا الترتيب مبني على اختلاف الحالين، ففي آية الأنعام يقول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ [الأنعام:151] يعني: من فقر، يعني: إذا كنتم فقراء فلا تقتلوا أولادكم، ثم قال: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151] ، فبدأ بالآباء لأنهم فقراء، فبدأ بذكر رزقهم قبل رزق الأولاد المقتولين.

أما في الآية الأخرى آية الإسراء وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء:31] ، فلأن الآباء القاتلين هنا ليسوا فقراء بل هم أغنياء لكن يخشون الفقر، فكان الأنسب أن يبدأ بذكر رزق الأولاد قبل ذكر رزق الآباء؛ لأن الآباء رزقهم موجود، فقال: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء:31].

السؤال: الشخص الذي لا يصلي إلا الجمعة هل يسمى كافراً؟

الجواب: يكون كافراً عند بعض أهل العلم؛ لأن بعض العلماء يقول: إذا ترك الإنسان صلاةً واحدةً عامداً حتى خرج وقتها بلا عذر فإنه يكون كافراً، وعلى هذا القول يكون الذي لا يصلي إلا يوم الجمعة كافراً.

والذي يظهر لي أنه لا يسمى كافراً إلا إذا ترك الصلاة نهائياً، فهذا هو الذي يكون كافراً لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، ولم يقل: ترك صلاة، وبين التعبيرين فرق، ولكن مع هذا نقول: إن هذا الرجل الذي لا يصلي إلا الجمعة يخشى عليه من زيغ القلب، وأن يستدرجه الشيطان حتى لا يصلي الجمعة، هذا إذا كان الإنسان الذي لا يصلي إلا يوم الجمعة إذا كان مقراً بفرض بقية الصلوات، أما إذا كان لا يعتقد أن الفرض عليه إلا صلاة الجمعة فهذا لا شك في كفره؛ من أجل جحوده لفرضية الصلوات الخمس.

السؤال: هل صحيح أن اجتماع يوم العيد والجمعة بأن صلاة العيد تغني عن صلاة الجمعة؟

الجواب: نعم تغني عن صلاة الجمعة من صلى العيد مع الإمام، أما الإمام نفسه فيجب عليه أن يقيم صلاة الجمعة، ويكون من حضر صلاة العيد له الخيار إن شاء حضر الجمعة، وإن شاء صلى ظهراً، وأما من لم يحضر العيد فيجب عليه أن يحضر صلاة الجمعة، فتبين الآن أن الإمام لا تسقط عنه صلاة الجمعة لا بد أن يقيم صلاة الجمعة، لكن المأمومين هم الذين يفصل فيهم، فيقال: من حضر صلاة العيد مع الإمام فله أن يحضر الجمعة معه وهو الأفضل وله أن يصلي ظهراً في بيته، ولكن لا تقام صلاة الظهر في المساجد، وأما من لم يحضر صلاة العيد مع الإمام فإنه يجب عليه أن يحضر صلاة الجمعة.

السؤال: ما هي التقوى؟ وحدثونا عن مراتبها؟

الجواب: التقوى: أن يتخذ الإنسان الوقاية من عذاب الله، وذلك بأن يقوم بأوامر الله عز وجل عن علمٍ وبصيرة، وأن يترك ما نهى الله عنه عن علمٍ وبصيرة.

وأما مراتبها فإنها تختلف باختلاف ما فعل الإنسان من المأمورات، وما ترك من المنهيات، فكلما كان الإنسان أقوم في فعل الطاعة كان أتقى لله عز وجل، وكلما كان أبعد عن محارم الله كان أتقى لله عز وجل، ولهذا كان أتقى الخلق محمداً صلى الله عليه وسلم، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( إني لأخشاكم لله وأتقاكم له )؛ لأنه صلى الله عليه سلم أقوم الناس بأمر الله وأبعدهم عن محارم الله.

السؤال: عند التسليم في الصلاة بعض أئمة المساجد يقولون: السلام عليكم، ثم يلتفت ويقول: ورحمة الله، ثم يقول ويفعل مثل ذلك على الجانب الأيسر، فهل هذا صحيح؟

الجواب: هذا لا أصل له، يعني: أن يقول السلام عليكم ووجهه إلى القبلة، ثم يقول: ورحمة الله وهو ملتفت، فهذا لا أصل له، ولا وجه له أيضاً، فليس له حظٌ من السنة، وليس له حظٌ من النظر، والإنسان من حين أن يقول السلام عليكم، يبدأ بالالتفات حتى تكون كاف الخطاب حين التفاته تماماً؛ لأنه يخاطب المأمومين الذين وراءه، فمن حين أن يقول السلام من حين أن يبدأ بالهمزة يبدأ بالالتفات حتى ينتهي إلى قوله: وبركاته، ثم يلتفت أيضاً على طول إلى الجانب الأيسر ويقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كما أني رأيت بعض الأئمة إذا أراد أن يسلم جعل يومئ برأسه السلام عليكم فيومئ برأسه مرتين أو ثلاثاً، ثم يلتفت، وهذا أيضاً لا أصل له، كما أني رأيت بعض الأئمة يقول: السلام عليكم ورحمة الله على اليمين، ثم السلام عليكم أيضاً على اليمين؛ لأن مكبر الصوت على يمينه، فيخشى إذا قال: السلام عليكم ورحمة الله التي على الشمال أن يضعف صوت المكبر، وهذا أيضاً لا أصل له، ولا ينبغي أن يلاحظ هذا، بل يسلم السلام عليكم ورحمة الله على اليمين، ثم يلتفت عن اليسار ويقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولو كان مكبر الصوت عن يمينه أو عن يساره لا يهتم بهذا، المهم فعل السنة، ولا بد أن يسمع الناس إلا أن الصوت يضعف فقط.