فتاوى نور على الدرب [705]


الحلقة مفرغة

السؤال: كثيرٌ من أئمة المساجد يقرءون قراءة متسلسلة من البقرة وحتى سورة الناس في غير رمضان، وقيل: إن هذا بدعة، ويحتج بعضهم بالمراجعة وضبط الحفظ وإسماع الجماعة آيات مباركات من القرآن الكريم قل أن يسمعوها، فما رأي فضيلتكم في هذا؟

الجواب: ذكر العلماء رحمهم الله أنه ينبغي للإنسان أن يقرأ في صلاة الفجر من طوال المفصل، وفي صلاة المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه، والمفصل: أوله سورة ق وآخره آخر القرآن، وطواله: من ق إلى عم، وقصاره: من الضحى إلى آخر القرآن، وأوساطه: من عم إلى الضحى، هكذا قال أهل العلم، والذي ينبغي للإنسان أن يفعل هكذا؛ لأن من الحكمة في ذلك أن هذا المفصل إذا ورد على أسماع الناس حفظوه وسهل عليهم حفظه، ولم أعلم أن أحداً من أهل العلم قال: إنه ينبغي أن يقرأ من أول القرآن إلى آخره متسلسلاً ليسمع الناس جميع القرآن، ولا يمكن أيضاً أن يسمع الناس جميع القرآن؛ لأنه سيبقى مدة ما انتهى إلى آخر القرآن، وسيتغير الناس فيذهبون ويجيئون ولا يسمعون كل القرآن، وإذا لم يكن هذا من السنة، والعلماء ذكروا أن السنة القراءة في المفصل، فالأولى للإنسان أن يتبع ما كان عليه العلماء، والفائدة التي أشرنا إليها من أن العامة إذا تكررت عليهم سور المفصل حفظوها لا تدرك بما إذا قرأ الإنسان القرآن من أول القرآن إلى آخره، فالأولى العدول عن هذا، وأن يقرأ كما يقرأ الناس.

السؤال: يقول: يفسر بعض العلماء الآية الكريمة: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ [النور:35]، بأنه نور المؤمن، فما الصواب في هذا، علماً بأنهم يقولون: إذا فسر بنور الله صار فيه تشبيه، ونحن نعلم بأن الضمير كما يقول علماء اللغة: يعود على أقرب مذكور؟

الجواب: نعم ورد عن السلف في قوله تعالى: مَثَلُ نُورِهِ [النور:35] أي: مثل النور الذي يؤتيه في قلب المؤمن كمشكاةٍ فيها مصباح، وهذا لا يخرج عن نطاق اللغة العربية؛ لأن الله قد يضيف المخلوق إليه من باب التشريف والتكريم كما في بيت الله وناقة الله ومساجد الله، فيكون المعنى: مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاةٍ فيها مصباح... إلخ، والمشكاة: كوة تكون في الجدار مقوسة يوضع فيها المصباح، وهذا المصباح في زجاجة، والزجاجة صافية كأنها كوكبٌ دري، وهذا النور يوقد من شجرةٍ مباركة زيتونة لا شرقية تنحجب عن الشمس عند غروبها، ولا غربيةً تنحجب عن الشمس عند شروقها بل هي في أرضٍ واسعة فلاة؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يكون زيتها من أجود الزيوت، وهذا تفسيرٌ واضح لا إشكال فيه.

السؤال: كيف يمكن الجمع بين حديثي النبي صلى الله عليه وسلم الأول: حديث: ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه )، والثاني في قوله صلى الله عليه وسلم لـأبي هريرة : ( اشرب يا أبا هريرة فشرب، فقال له: اشرب يا أبا هريرة فشرب، حتى قال أبو هريرة : والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً )، أو كما قال صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: الجمع بينهما هو أن ما حصل لـأبي هريرة أمرٌ نادر، ولا بأس بالشبع أحياناً، لكن الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من البطن )، يريد إذا كان في جميع أكلاته يملأ بطنه، وأما إذا شبع أحياناً وملأ بطنه أحياناً فلا بأس، وعليه يحمل حديث أبي هريرة ، ثم إن حديث أبي هريرة في شرب اللبن، واللبن خفيف حتى لو شرب الإنسان منه وملأ بطنه زال بسرعة، بخلاف الطعام فإنه إذا ملأ بطنه منه صعب على المعدة هضمه وبقي متخماً ومتعباً.

السؤال: ما حكم الميش وهو صبغ شعر المرأة؟ وهل يمنع وصول الماء مأجورين؟

الجواب: صبغ شعر المرأة بأي صبغٍ كان لا بأس به بشرطين:

الشرط الأول: أن لا يكون صبغاً أسود لإخفاء الشيب.

والثاني: أن لا يكون من الأصباغ الخاصة بنساء الكفار، وأما هل يمنع وصول الماء أو لا، فإن كان له قشرة تكون على الشعر فإنه يمنع وصول الماء، وإن لم يكن له قشرة فإنه لا يمنع وصول الماء.

السؤال: ما حكم الكريمات المبيضة للبشرة هل فيها بأس بالنسبة للمرأة؟

الجواب: أما إذا كان تبييضاً ثابتاً فإن هذا لا يجوز؛ لأن هذا يشبه الوشم والوشر والتفليج، وأما إذا كان يبيض الوجه في وقتٍ معين، وإذا غسل زال فلا بأس به.

السؤال: هل يجب على المرأة أثناء الوضوء وأثناء المسح على الرأس أن تقوم بإرجاعه إلى الوراء؟ وما كيفية المسح على الرأس بالنسبة للمرأة؟

الجواب: المرأة والرجل على حدٍ سواء، يبدأ المتوضئ بمقدم رأسه حتى ينتهي إلى قفاه، ثم يرد يديه إلى المكان الذي بدأ منه.

السؤال: يقول: إذا كنت لن أذهب إلى منزلي بعد الصلاة، فهل الأفضل أن أصلي النافلة في المسجد أو في المنزل الذي سأذهب إليه؟

الجواب: إن لم يكن عنده وقت بحيث يذهب إلى صاحبه وإذا خرج من عنده ويرجع إلى بيته يصلي، إن كان عنده وقت فليفعل هذا يخرج إلى صاحبه وإذا انتهى المجلس رجع إلى بيته وصلى، فإن خشي أن ينسى أو يطول الوقت فليصل في المسجد؛ لأن صلاته في المسجد أهون من أن يقول لصاحبه: أنا أريد أن أصلي، وإذا طلب منه مصلىً يصلي عليه صار بعد أشق الحمد لله الأمر واسع.

والخلاصة: أنه إذا أمكن أن يؤخر الراتبة حتى يصل إلى بيته فهذا الأفضل، وإن لم يمكن فصلاته في المسجد أفضل من صلاته في بيت صاحبه، نعم لو فرض أن في صلاته في بيت صاحبه فائدة وهي تنبيه صاحبه على هذه الراتبة وتشجيعه على فعلها صار أفضل من هذه الناحية.

السؤال: ما مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ وما معنى أمروها كما جاءت؟

الجواب: مذهب أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات: إثبات ما أثبته الله لنفسه في القرآن الكريم أو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، فكل ما جاء في القرآن من أسماء الله وصفاته فهو حق، وكل ما جاء في السنة مما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو حق، ويتبرءون من أمورٍ أربعة: التمثيل، والتحريف، والتعطيل، والتكييف، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يحرفون القرآن والسنة عن ظاهرهما بتأويلٍ ليس بسائغ، ولا يعطلون الله تعالى من صفاته التي أثبتها لنفسه، ولا يعطلون النصوص من دلالتها التي أراد الله بها، ولا يكيفون صفات الله بصفات خلقه، بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يتعمقون في البحث عن أسماء الله وصفاته، بل يسكتون عما سكت الله عنه ورسوله، وعما سكت عنه الصحابة رضي الله عنهم.

ومعنى قولهم: أمروها كما جاءت بلا كيف يعني: أبقوا دلالتها على ما هي عليه، وأثبتوا ما دلت عليه من الإثبات، ولا تكيفوا صفات الله بصفات الخلق، أو تكيفوا صفات الله بصفةٍ تتخيلونها، وإن خالفت صفة الخلق؛ لأن الله تعالى أخبرنا عن صفاته، ولم يخبرنا عن كيفيتها.

السؤال: يقول: أقوم أحياناً قرب الإقامة في صلاة الفجر وإذا أردت إيقاظ الأولاد تفوتنا جميعاً الصلاة، فأذهب أولاً إلى المسجد وبعد الصلاة أرجع وأوقظ الأولاد، فهل عملي صحيح؟

الجواب: إذا كان الأولاد إناثاً لا تلزمهم الصلاة فلا بأس لأن الوقت واسع، وأما إذا كانوا ذكوراً فالواجب عليه أن يتقدم ويقوم قبل أذان الفجر، ويصلي ما شاء الله أن يصلي، وإذا أذن الفجر بادر بإيقاظهم، ففي هذه الحال يسلم من الإثم ومن الإهمال، وذلك أن الأهل مسئولٌ عنهم الرجل؛ لأن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، فجعل وقاية النار لأنفسنا ولأهلينا، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئولٌ عن رعيته ).

السؤال: يقول: شاهد إماماً في المسجد في صلاة الفجر يوم الجمعة يقرأ السجدة من المصحف ينصفها نصفين، فما حكم عمله هذا؟

الجواب: فجر يوم الجمعة السنة أن يقرأ الإنسان في الركعة الأولى: الم * تَنزِيلُ [السجدة:1-2] السجدة كاملة، وفي الركعة الثانية: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1] كاملة، ولا بأس أن يقرأ في المصحف عند الحاجة إلى ذلك، ولكن لا يقسم الم * تَنزِيلُ [السجدة:1-2] السجدة نصفين؛ لأنه إذا قسمها نصفين فقد رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليس هو أعلم بمصالح الأمة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا كان يريد التأسي بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فليتبع السنة، أما أن يشطر ما جعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قسماً واحداً فهذا غلطٌ عظيم، فنقول: اقرأ ألم تنزيل السجدة في الركعة الأولى كاملة، واقرأ: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1]، في الركعة الثانية كاملة، فإن لم تفعل فاقرأ سوراً أخرى، أما أن تأتي بالسنة وتشطرها فهذا فيه نظرٌ ظاهر.

قد يقول: إن الجماعة إذا قرأت بهم بسورة السجدة كاملة في الركعة الأولى وبسورة الإنسان كاملة في الركعة الثانية تعبوا وملوا، نقول: الحمد لله من تعب وشق عليه القيام فليجلس، ولا يمكن لأحد أن يكره سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن كراهة السنة أعاذنا الله وإياكم من ذلك ليست بالأمر الهين.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3902 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3690 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3640 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3493 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3474 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3432 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3431 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3415 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3337 استماع