فتاوى نور على الدرب [670]


الحلقة مفرغة

السؤال: يستفسر عن مجموعة من الكتب يقول: حادي الأرواح، الروح لـابن القيم ، ما رأيكم في الكتب التالية: العقد الفريد لـابن عبد ربه الأندلسي ، وكتاب الفقه على المذاهب الأربعة؟

الجواب: أما الكتابان الأولان -حادي الأرواح والروح لـابن القيم رحمه الله- فهما كتابان نافعان فيهما خير كثير، وإن كانا لا يخلوان من الشيء الذي يكون سبباً للتردد في صحته، لكنهما بلا شك مفيدان عظيمان.

وأما العقد الفريد لـابن عبد ربه والثاني الفقه على المذاهب الأربعة فالأول لا أدري عنه ولم أطلع عليه، وأما الثاني فالذي أُشير به على إخواني إذا كانوا يحبون الاطلاع على أقوال العلماء ولديهم قدرة على معرفة الراجح من المرجوح أن لا يراجع إلا الكتب التي تذكر الأقوال وأدلتها؛ حتى يكونوا على بينة من أمرهم، مثل: المغني لـابن قدامة ، والمجموع شرح المهذب للنووي رحمه الله وما أشبههما من الكتب التي إذا ذكرت أقوال العلماء ذكرت الأدلة وبينت الراجح، أما مجرد أقوال -هذا مذهب فلان وهذا مذهب فلان- فهو قليل الفائدة بلا شك، يعني: أن الفائدة منه هو أن يطلع الإنسان على الأقوال فقط دون أن يعرف الراجح من المرجوح، فاشتغاله بما هو أحسن أولى وأحرى.

السؤال: اشترى رجل أرضاً، وفي نيته أن يقدمها إلى الصندوق العقاري ثم يقوم ببيعها مرة ثانية، ولكن مضت مدة طويلة لم يفعل شيئاً، فمتى يبدأ بإخراج الزكاة: من أول ما اشتراها أم إذا بدأ بعرضها في السوق؟

الجواب: إذا كان إنما اشتراها للتجارة فإنه تبتدئ زكاتها مع ماله؛ لأن عروض التجارة يعتبر قيمتها، فمثلاً: إذا كان عند الإنسان مائة ألف نقداً، وفي أثناء السنة اشترى أرضاً للتجارة بخمسين ألفاً، فإنه إذا تمت السنة -سنة مائة الألف- وجب عليه أن يخرج الزكاة حتى وإن كانت هذه الأرض لم يملكها إلا في أثناء الحول؛ لأن عروض التجارة مبنية على أصلها، وهي القيمة.

فنقول لهذا الأخ السائل: إذا كنت من حين اشتريتها قد نويتها عروض تجارة فزكها مع مالك سواءً بنيتها أم لم تبنيها، أما إذا كنت لم تنوِ التجارة بها وإنما نويت استثمارها إذا بنيتها من صندوق التنمية العقارية فهذه ليس فيها زكاة؛ لأن ما يراد استثماره من العقار فالزكاة في أجرته فقط.

السؤال: إذا باع الرجل سلعة إلى أجل، فما هي الطريقة الشرعية لتوثيق الدين؟

الجواب: الطرق ثلاث:

الأول: الرهن، بأن يقول للمشتري: أعطني رهناً فيعطيه رهناً: إما نفس السلعة التي باعها عليه، وإما عقاراً، وإما سيارة، المهم أن يأخذ به رهناً، فهذه توثقة، إذا حل الدين ولم يوفي فللدائن أن يبيع الرهن ويستوفي حقه منه.

الطريق الثاني: الضمان، ضمان المدين بأن يأتي برجل ثقة غني وفيّ ويقول: هذا الرجل يضمنني بدين، فإذا حل الأجل -أجل الدين- فإن لصاحب الحق -وهو الدائن- أن يطالب الضامن بما ضمنه له.

الطريق الثالث: الكفالة، وهي: أن يكفل شخص المدين بإحضاره إلى الدائن حين حلول أجل الدين. والفرق بين الضمان والكفالة: أن الضمان ضمان الدين، وأما الكفالة فهي ضمان إحضار المكفول، فإذا أحضر الكافل المكفول برأ منه.

السؤال: كنا محرمين، وفي طريقنا إلى مكة شربنا الشاي والقهوة وكان في القهوة زعفران، فهل يلزمنا شيء؟

الجواب: إذا كان ذلك عن جهل منهم فإنه لا يلزمهم شيء، وإذا كان عندهم شك فيه هل هذا زعفران أو لا فلا يلزمهم شيء، وإن تيقنوا أنه زعفران وقد علموا أن المحرم لا يجوز أن يشرب القهوة التي فيها الزعفران فإنه إن كانت الرائحة موجودة فقد أساؤوا، وإن كانت غير موجودة وليس فيه إلا مجرد لون فلا حرج عليهم في هذا.

ثم إنني بهذه المناسبة أود أن يعلم إخواننا المستمعون: أن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، لا إثم ولا فدية ولا جزاء، فلو أن أحداً قتل صيداً في الحرم أو بعد إحرامه وهو لا يدري أنه حرام أو يدري أن قتل الصيد حرام لكن لا يدري أن هذا الصيد مما يحرم صيده فإنه لا شيء عليه.

كذلك: لو أن رجلاً جامع زوجته قبل التحلل الأول يظن أنه لا بأس به فلا شيء عليه، وهذا ربما يقع في ليلة مزدلفة بعد الانصراف من عرفة، فإن بعض العوام يظنون أن معنى الحديث: ( الحج عرفة ). أنه إذا وقف الإنسان بعرفة فقد انتهى حجه وجاز له أن يمارس محظورات الإحرام، فيجامع زوجته ليلة مزدلفة ظناً منه بأن الحج انتهى؛ فهذا ليس عليه شيء لا فدية ولا قضاء.

ودليل هذا قوله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا أن نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت. وقوله تبارك وتعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5]، وقوله تبارك وتعالى في الصيد: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]، وفي الصيام قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه ).

وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: ( أفطرنا في يوم غيم -يعني: في رمضان- ثم طلعت الشمس ). ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقضاء؛ لأنهم كانوا جاهلين، وفي الصلاة تكلم معاوية بن الحكم رضي الله عنه جاهلاً أن الكلام يبطل الصلاة، فلما انصرف من صلاته جاءه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التكبير وقراءة القرآن ). أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ولم يأمره بالإعادة.

فهذه القاعدة العامة التي مَنَّ الله بها على عبادة تشمل كل المحرمات، كل المحرمات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه إثم، وليس فيها فدية ولا كفارة.

السؤال: هل هناك دعاء معين مأثور لمن ركبته الديون حتى تقضى عنه؟

الجواب: لا أعلم في ذلك حديثاً خاصاً، لكن الإنسان يدعو الله عز وجل فيقول: اللهم اقض عني الدين، وأغنني من الفقر، ويلح على ربه سبحانه وتعالى، فإن الله يحب الملحين في الدعاء.

السؤال: إذا مات المدين وهو لم يستطع سداد ما عليه من دين لأنه معسر هل يأثم؟

الجواب: هذا ينبني على استدانته: إن كان أخذ أموال الناس يريد أداءها فإنه لا يأثم ويؤدي الله عنه، وإن كان أخذها يريد إتلافها فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ).

ولذلك يجب على الإنسان إذا استدان شيئاً أن ينوي الوفاء والأداء حتى ييسر الله له الأمر، حتى لو اشترى سلعة بثمن لم ينقده للبائع فإنه ينوي الأداء حتى ييسر الله له ذلك.

السؤال: ما هي رسالة المسجد في المجتمع؟ حدثونا عن ذلك مأجورين.

الجواب: المسجد ليس له رسالة، المسجد جماد لا يرسل، لكن لو قال: ما هي المصالح والمنافع التي تترتب على الدروس في المساجد وعلى الدروس والمواعظ بعد الصلوات وما أشبه ذلك لكان خيراً، أما رسالة المسجد فلم أسمع بها إلا أخيراً، والذي ينبغي لنا أن نتتبع ألفاظ السلف الصالح ما استطعنا.

فأقول: لا شك أن المسجد موضع الذكر والقراءة والصلاة، وأن الناس ينتفع بعضهم ببعض في الحضور إلى المسجد من التآلف والمحبة ومعرفة أحوال إخوانهم في هذا الحي؛ ولهذا كان الموفق هو الذي إذا فقد أخاه في الصلوات سأل عنه: أين فلان؟ قد يكون مريضاً يحتاج إلى عيادة، وقد يكون معسراً مختبئاً عن أهل الدين فيحتاج إلى مساعدة… وما أشبه ذلك.

والذي ينبغي لإمام المسجد أو غيره ممن يتكلم في موعظة الناس أن لا يملهم بالطول -أي: بطول الحديث-، أو بالتكرار، مثل أن يعظهم كلما انتهت الصلاة، فإن هذا يملهم ويسأمون من المواعظ، بل يتحين الفرص، فإن كانت الكلمة مجرد وعظ فلتكن حين توجد المناسبة، وإن كانت الكلمة دراسة علم يقرأ كتاب ثم يشرح ويبين للناس معناه فهذه تكون في إحدى الصلوات الخمس ويختار الصلاة المناسبة للناس.

السؤال: هل في المسجد الحرام أوقات للنهي أو كل الأوقات تجوز الصلاة فيها تطوعاً؟

الجواب: المسجد الحرام كغيره من المساجد، ومكة كغيرها من البلاد، أوقات النهي التي في البلاد الأخرى هي أوقات النهي التي في مكة ولا فرق، فكما أن الصلاة صلاة النافلة التي ليس لها سبب لا تجوز في أوقات النهي فكذلك لا تجوز في مكة ولا في المسجد الحرام، وأما التي لها سبب -كتحية المسجد وركعتي الطواف وما أشبههما- فهذا لا نهي عنه لا في مكة ولا في غيرها.

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تجهر بالقراءة في الصلوات الجهرية إن كانت منفردة وفي غرفة لوحدها لا أحد يسمعها؟

الجواب: ينظر أيهما أنشط وأخشع لها: أن تسر بالقراءة أو تجهر؟ فإن كان الأخشع لها أن تسر أسرت، وإن كان الأنشط لها أن تجهر جهرت، هذا إذا لم يكن حولها من يسمعها من غير محارمها من الرجال، وإلا فإنها تسر في قراءتها؛ لأنه لا ينبغي للمرأة أن تجهر بصوتها عند الرجال؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفق النساء ).

السؤال: هل صحيح بأن من حفظ القرآن كاملاً حرمه الله على النار؟

الجواب: لا أعلم هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن حفظ القرآن كاملاً أو حفظ بعضه فإن القرآن إما حجة له أو حجة عليه، وليس كل من حفظ القرآن يكون القرآن حجة له؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( القرآن حجة لك أو عليك ). فإن عمل به الإنسان مصدقاً بأخباره، ممتثلاً لأحكامه صار القرآن حجة له، وإن تولى وأعرض كان القرآن حجة عليه، قال الله تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قال رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قال كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:123-127].

ولكن مع ذلك أحث إخواني المسلمين من ذكور وإناث أن يحفظوا كتاب الله؛ لأن كتاب الله تبارك وتعالى ذخر وغنيمة، وإذا حفظه الإنسان استطاع أن يقرأه في كل وقت وفي كل مكان إلا في الأوقات والأماكن التي ينهى عن القراءة فيها، فيقرؤه وهو على فراشه، يقرؤه وهو يسير في سوقه إلى المسجد أو إلى المدرسة أو إلى حلق الذكر أو إلى البيع والشراء.

ثم إن القرآن الكريم ليس كغيره، القرآن الكريم في كل حرف منه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

ثم إن القرآن الكريم كلما تدبره الإنسان ازداد محبة لله تعالى وتعظيماً له، وصار القرآن كأنه سليقة له، يسر بتلاوته، ويحزن بفقده.

فنصيحتي لإخواني المسلمين عموماً أن يحرصوا على حفظ القرآن، ولا سيما الصغار منهم؛ لأن حفظ الصغير له فائدتان:

الفائدة الأولى: أن الصغير أسرع حفظاً من الكبير.

والثانية: أن الصغير أبطأ نسياناً من الكبير.

فهاتان فائدتان الأولى والثانية، نسأل الله أن يجعلنا ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3916 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3697 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3649 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3503 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3498 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3479 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3445 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3421 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3343 استماع