فتاوى نور على الدرب [622]


الحلقة مفرغة

السؤال: حدثونا عن خصائص البيت الحرام, وهل دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة؟ وما هو أجر من صلى بالمدينة من الثواب؟

الجواب: من خصائصه التي لا يشركه فيها غيره أنه يجب على كل مسلم أن يحج إليه ويعتمر إن استطاع إلى ذلك سبيلاً, ولا يوجد في الأرض مكانٌ يجب على المسلم أن يقصده بحج أو عمرة.

ومن خصائص هذا البيت تضعيف الصلوات فيه, فالصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة.

ومن خصائصه تحريم قطع أشجاره وحش حشيشه وقتل صيده.

وله خصائص كثيرة لا يتسع المقام لذكرها, لكن في ذلك كتب معروفة يمكن للسائل أن يرجع إليها.

وأما المسجد النبوي فمن خصائصه أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام, وله نوع من التحريم في حرمه, لكنه دون حرم مكة.

السؤال: ما حكم أخذ الهدية؟ وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ الهدية؟

الجواب: قبول الهدية من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, حتى أن بعض أهل العلم قال: يجب قبول الهدية إذا تمت الشروط، والشروط هي أن لا يكون هذا المهدي ممن عرف بالمنة. أي: أن لا يكون من المنانين؛ لأن قبول هدية من المنانين تحصل بالأذية، فقد يقوم هذا الشخص الذي أهدى بالكلام بين الناس بأني أهديت إلى فلان كذا وأهديت إليه كذا وما أشبه ذلك, ففي هذا الحال للإنسان مناص في عدم قبول الهدية لئلا يتأذى بِمَنِّ ذلك الشخص.

ومنها أن يكون المهدي ماله حلال, فإن كان ماله حرام فلا حرج على الإنسان أن يرد هديته اتقاء للمحرم, وإن كان في ماله حرام وحلال فليقبل الهدية ولا حرج عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من اليهود وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت.

ثم إنه ينبغي لمن قبل هدية أن يكافئ المهدي, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها, وقال: ( من صنع إليكم معروفا فكافئوه, فإن لم تجدوا ما تكافئونه, فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ).

السؤال: هل الوداع في العمرة واجب؟

الجواب: إذا اعتمر الإنسان وخرج من مكة من حين انتهى من العمرة فلا وداع عليه اكتفاءً بالطواف الأول, وأما إن بقى في مكة فإنه لا يخرج حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف, ولكن هل الطواف في العمرة واجب أو مستحب, الذي نرى أنه واجب, وأنه يجب على المرء أن لا يخرج من مكة بعد العمرة إلا بطواف, طواف الوداع إذا انتهى من جميع أموره؛ لأن العمرة تسمى حجاً أصغر, كما في حديث عمرو بن حزم المشهور الطويل؛ ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لـيعلى بن أمية : ( اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك ). فيكون الأصل تساوي النسكين الحج والعمرة في الأحكام, إلا ما دل الدليل على اختصاص الحج به كالوقوف, والمبيت, والرمي، ولأن الطواف أحوط وأبرأ للذمة, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من اتقى الشبهات فقد ستبرأ لدينه وعرضه ). والقائلون بعدم الوجوب لا ينكرون أنه مشروع وأن الإنسان يثاب عليه ويؤجر عليه.

السؤال: ما هو أفضل شيء يعمله المسلم تجاه والديه في حياتهما؟

الجواب: أفضل شئ يعمله الإنسان لوالديه في حياتهما هو البر الذي أمر الله به, وقال الله جل وعلا وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]. والإحسان يختلف, قد يكون بالقول، وقد يكون بالفعل, وقد يكون بالمال, ويختلف المهم أن تفعل بوالديك كل ما يعد إحساناً بحسب ما تقتضيه الحال.

السؤال: هل تسقط السنن الرواتب عن المسافر؟

الجواب: لا يسقط عن المسافر من السنن الرواتب إلا راتبة الظهر, وراتبة المغرب, وراتبة العشاء, وما عدا ذلك من النوافل فهو باقٍ على مشروعيته, فالوتر باقٍ على مشروعيته، سنة للمسافر والمقيم, صلاة الليل سنة للمسافر والمقيم, ركعتا الضحى سنة للمسافر والمقيم, سنة الفجر سنة للمسافر والمقيم.. وهلم جرا, ثم المسافر بالنسبة لراتبة الظهر, وراتبة المغرب, وراتبة العشاء, لو صلى نفلاً لا على أنه راتبة, فالمشروعية باقية، لا يقال: له لا تفعل.

السؤال: ما حكم لقطة الحرم؟

الجواب: لقطة الحرم -يعني: حرم مكة- كغيره مما يلقط فتعرف سنة كاملة, فإن جاء صاحبها وإلا فهي لمن وجدها, هذا الذي عليه جمهور العلماء فيما نعلم, وقال بعض أهل العلم: إن لقطة مكة لا تملك بالالتقاط, وأن الواجب على من التقطها أن يعرفها مدى الدهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تحل ساقطتها إلا لمنشد ). وهذا الحكم حكم خاص في مكة, ولو كان هو الحكم العام الذي يكون في مكة وغيرها لم يكن لتخصيصها بذلك فائدة, وعليه أي: على هذا القول: فالإنسان إذا وجد لقطة بمكة, فإما أن يعرفها دائماً حتى يجدها ربها, وإما أن يدفعها إلى المسئولين عن الضائع, وإذا دفعها إليهم فقد برئت ذمته, وقد رتب للقط التي حول الحرم أناس يستقبلون هذه اللقط, ويسمون فيما أظن لجنة حفظ الضائع أو كلمة نحوها.

السؤال: حدثونا عن مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات التي ذكرت في الكتاب والسنة؟

الجواب: مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات التي ذكرت في الكتاب والسنة, هو الكلمة المشهورة: أمروها كما جاءت بلا كيف, وأنه يجب الإيمان بها, والتصديق, واعتقاد مقتضاها من غير تحريف, ولا تعطيل, وتكييف, ولا تمثيل, فلا يجوز أن يحرف الكلم عن مواضعه, فيقال مثلاً: المراد باليدين القوة, أو القدرة, أو النعمة, ولا يجوز أيضاً أن يحرف الوجه عن معناه, فيقال: المراد بالوجه الثواب, أو ما أشبه ذلك, ولا يجوز أيضاً أن يحرف استواء الله على العرش, إلى استيلائه عليه، فيقال: الرحمن على العرش استوى أي: استولى. ولا يجوز أن يحرف نزول الله إلى السماء الدنيا بنزول أمره, أو نزول رحمته, أو نزول ملك من ملائكته.

ولا يجوز أن يحرف قوله تعالى هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158]. إلى أن المراد إتيان بشيء من آياته, ولا يجوز أن يحرف قول الله تبارك وتعالى: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14]. إلى أن المراد بذلك علمنا أو ما أشبه ذلك.

المهم أن مذهب أهل السنة والجماعة وهو إبقاء النصوص على ظاهرها اللائق بالله عز وجل, كما أنه لا يجوز عندهم التمثيل. أي: إن تمثل هذه الصفات بصفات المخلوقين, فيقال مثلاً: إن وجه الله تعالى كوجوهنا, أو يده كأيدينا, أو عينه كأعيننا, أو نزوله كنزولنا, أو استواؤه كاستوائنا, كل هذا محرم, فطريقتهم ما دل الكتاب والسنة والعقل على أنها حق, وذلك بإثباتها على ظاهرها من غير تمثيل ولا تحريف.

السؤال: نشاهد البعض من الناس في رمضان يكرر العمرة أكثر من مرة, هل في ذلك بأس؟

الجواب: نعم في ذلك بأس, وذلك أنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتح مكة في عشرين من رمضان, وبقي في مكة آمناً مطمئناً ولم يخرج هو وأصحابه ولا أحد منهم إلى التنعيم من أجل أن يأتوا بعمرة, مع أن الزمن هو رمضان, وذلك في عام الفتح, ولم يعهد أن أحداً من الصحابة أتى بعمرة من التنعيم أبداً إلا عائشة رضي الله عنها لسبب من الأسباب, وذلك أن عائشة رضي الله عنها قدمت من المدينة في حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكانت محرمة بالعمرة, فحاضت قبل أن تصل إلى مكة, فأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تحرم بالحج لتكون قارنة ففعلت, ومن المعلوم أن القارن لا يأتي بأفعال العمرة تامة, بل تندرج أفعال العمرة بأفعال الحج, فلما انتهى الناس من الحج طلبت عائشة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تعتمر فأمرها أن تخرج مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فتحرم بالعمرة ففعلت، ولما كان هذا السبب ليس موجوداً في أخيها عبد الرحمن لم يحرم بعمرة, بل جاء حلاً، وهذا أكثر ما يعتمد عليه الذين يقولون بجواز العمرة من التنعيم لمن كان في مكة, وكما سمعت ليس فيه دليل بذلك؛ لأنه خاص بحال معينة أذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة .

أما تكرارها فإن شيخ الإسلام رحمه الله نقل أنه مكروه باتفاق السلف, ولقد صدق رحمه الله في كونه مكروهاً؛ لأن عملاً لم يعمله الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه وهو من العبادة كيف يكون مطلوباً ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه, لو كان خيرا لسبقونا إليه, ولو كان مشروعاً لبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه مشروع إما بقوله, وإما بفعله, وإما بإقراره, وكل هذا لم يكن, فلو أن هؤلاء بقوا في مكة وطافوا حول البيت لكان ذلك أفضل لهم من أن يخرجوا ويأتوا بعمرة, ولا فرق بين أن يأتوا بالعمرة لأنفسهم أو لغيرهم, كآبائهم, وأمهاتهم, فإن أصل الاعتمار للأب والأم نقول فيه: إن الأفضل هو الدعاء لهم إذا كانوا ميتين, لقول الرسول صلى الله وعليه وسلم: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو لها ). فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء عن الأب والأم, ولم يرشد إلى أن نعمل لهما عمرة أو حجاً أو طاعةً أخرى.

الخلاصة, أن تكرار العمرة في رمضان أو غير رمضان ليس من عمل السلف, وإنما هو من أعمال الناس الذين لم يطلعوا على ما تقتضيه سنة النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه.

السؤال: إذا دخلت إلى المسجد والأذان يؤذن في المذياع, وأنا أسمعه, فهل الأولى أن أصلي تحية المسجد أم أسمع المذياع إذا كان المؤذن في بداية الأذان وأستطيع أن أصلي تحية المسجد؟

الجواب: هذا فيه تفصيل: إذا دخلت والمؤذن يؤذن لصلاة الجمعة الأذان الذي بين يدي الخطيب؛ لأنه قد دخل الخطيب وشرع المؤذن في الأذان فهنا نقول: بادر بصلاة الركعتين ولا تنتظر انتهاء المؤذن؛ لأن تفرغك لسماع الخطبة أولى من متابعتك للمؤذن, حيث إن استماع الخطبة واجب, وإجابة المؤذن غير واجبة.

وأما إذا كان الأذان في غير ذلك, فالأفضل أن تبقى قائماً حتى تجيب المؤذن وتدعو بالدعاء المعروف بعد الأذان: اللهم صلي على محمد، اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد, ثم بعد ذلك تأتي بتحية المسجد.

السؤال: هل للإحرام صلاة تخصه؟

الجواب: اختلف أهل العلم رحمهم الله في ذلك, فمنهم من قال: إن الإحرام له صلاة تخصه؛ لأن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: صلّ في هذا الوادي المبارك, وقل: عمرة وحجة. أو عمرة في حجة.

ومنهم من قال: إنه ليس له صلاة تخصه, وأن قول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم: صلّ في هذا الوادي المبارك يعني بذلك صلاة الفرض, فإن النبي صلي الله عليه وسلم أهلّ دبر صلاة مفروضة, ولكن إذا أراد الإنسان بعد اغتسال الإحرام ووضوئه أن يصلي ركعتين سنة الوضوء فهذا خير, ويكون الإحرام عقب سنة الوضوء, ولكن هل يهل من حيث أن يحرم, أو يهل إذا ركب, من العلماء من يقول: لا يهل إلا إذا ركب, ومنهم من يقول: يهل عند إحرامه, ويهل إذا ركب, ويهل إذا علت به الناقة على البيداء, إذا كان محرماً من ميقات أهل المدينة.