فتاوى نور على الدرب [604]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم من ترك التسمية عند وضوئه ولم يتذكر إلا بعد فراغه من الوضوء؟

الجواب: من نسي التسمية على الوضوء حتى فرغ منه فإنه لا شيء عليه، ووضوءه صحيح، حتى لو فرض أنه تعمد ترك التسمية عند الوضوء، فإن في صحة وضوئه خلافاً بين العلماء، فمنهم من يقول: إن وضوءه صحيح ولا شيء عليه، وذلك لأن الأحاديث المتكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف وضوئه ليس فيها ذكر للتسمية، وحديث: ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )، ليس بثابت مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: لا يثبت في هذا الباب شيء.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن التسمية على الوضوء واجبة، وأنه إذا تعمد تركها لم يصح وضوئه، ولكن القول الأول أقرب إلى الصواب، أي: أن التسمية على الوضوء سنة، إن أتى بها الإنسان فهو أكمل وأفضل، وإن لم يأت بها فوضوءه صحيح.

السؤال: كيف يصلي المصاب بسلس البول؟ وكيف يطمئن على صحة وضوئه؟

الجواب: سلس البول هو استمرار خروجه بدون إرادة من الإنسان، وهو من الأمراض التي قد تعالج ويشفي الله المريض منها، ولهذا ننصح من حصل له ذلك أن يعرض نفسه على الطبيب أولاً قبل كل شيء، فلعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل في ذلك شفاء ورحمة، أما بالنسبة لوضوئه فوضوءه صحيح حتى ولو خرج منه شيء أثناء الوضوء أو بعده، ذلك لأنه لا طاقة له في منع هذا الخارج، وقد قال الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة:286]، وقال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لكن أهل العلم رحمهم الله قالوا: إنه يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، فإذا توضأ بعد دخول الوقت صلى ما شاء من فروض ونوافل إلى أن يخرج الوقت، ويجب عليه في هذه الحال أن يتحفظ بأن يضع شيئاً على ذكره ليقلل انتشار البول إلى ملابسه وبدنه، نسأل الله لإخواننا السلامة والعافية.

السؤال: عندي ثلاثة آلاف ريال وقد حال عليها الحول، فكم زكاتها؟

الجواب: زكاة الدراهم واحد في الأربعين، وهو ربع العشر، وهو اثنان ونصف في المائة، وعلى هذا فتكون زكاة الألف خمسة وعشرين ريالاً، وزكاة الألفين خمسين ريالاً، وزكاة الثلاثة خمسة وسبعون ريالاً، وإذا أردت أن تعرف مقدار الزكاة مهما كثر المال فاقسم ما عندك على أربعين، فما خرج بالقسمة فهو الزكاة، فإذا قدرنا أن عند الشخص أربعين ألفاً فزكاتها ألف، لأنك إذا قسمت الأربعين على أربعين صار الخارج بالقسمة واحداً، وعلى هذا فقس.

السؤال: إذا تسبب شخص في طلاق زوجة رجل آخر من زوجها، ثم تزوجها لنفسه، فما هو الحكم في هذا الزواج، هل هو صحيح أم لا؟

الجواب: أولاً: لابد أن نعرف كيف كان هذا السبب، هل هو بسحر أو بطلب المخالعة، بمعنى أن يأتي إلى زوجها ويقول: خالع زوجتك وأنا أعطيك عشرة آلاف ريال، فيخالعها الزوج على هذا العوض، فإن كان بسحر، فإن الساحر يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقيل: بل يقتل حداً إذا بلغ السلطان لشدة أذاه وضرره على المسلمين، وأما إذا كان بالثاني، بأن طلب من زوجها أن يخالعها ليتزوجها، فقد استنكر الإمام أحمد هذا استنكاراً عظيماً، وهو محل الاستنكار والإنكار، وهو نوع من تخبيل الزوجة على زوجها، فلا يحل لإنسان أن يحاول مفارقة الرجل زوجته من أجل أن يتزوجها.

السؤال: قمنا بافتتاح محل لبيع المواد الغذائية في شهر ربيع الأول، والمعروف أن الزكاة تكون عند دوران الحول، وأريد أن أخرج الزكاة في شهر رمضان، فماذا أفعل؟

الجواب: فتح هذا المحل لا يخلو إما أن يكون بدراهم كانت عندكم، وإما أن يكون بالاستدانة، أي: أن تشتروا بضائع في ذممكم، فإن كان بالأول، أي: أنكم افتتحتم المحل بدراهم كانت عندكم، فإن حول الزكاة يكون من ملككم الدراهم التي قبل افتتاح المحل، فمتى دارت السنة على ملككم لهذه الدراهم وجبت الزكاة، وأما إن كان الثاني، وهو أنكم استدنتم البضاعة من أجل أن تتاجروا بها، فإن ابتداء الحول يكون من استدانتكم ذلك، فإذا تم الحول وجبت الزكاة عليكم، ولكن لا مانع من أن يقدم الإنسان زكاته في رمضان قبل حلول وقتها، ويكون هذا من باب تعجيل الزكاة، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يجوز تعجيل الزكاة لحولين فأقل.

السؤال: السائل يذكر بأنه شاب يبلغ من العمر السابعة عشرة يحافظ على الصلوات الخمس في المنزل، يذكر بأنه معوق حركياً لا يستطيع ولا يقدر على المشي، يقول: وأملك دراجة مخصصة للمعوقين أنتقل بها وأذهب بها إلى المدرسة، وأما داخل المنزل فأنا أنتقل بواسطة يدي ورجلي حبواً، وأريد أن أذهب لأداء الصلاة في المسجد جماعة، ولكنني لا أستطيع أن أنتقل من باب المسجد إلى داخل المسجد بهذه الطريقة، خصوصاً وأنني لا أستطيع أن أتنقل بين أرجل الناس، فهل تجب علي صلاة الجماعة؟

الجواب: نعم تجب عليك صلاة الجماعة إذا كانت لا تشق عليك، لكن ذكر بعض أهل العلم أن من لا يستطيع أن يصل إلى المسجد إلا راكباً، فإنه لا تلزمه صلاة الجماعة، وإنما تلزمه صلاة الجمعة، ولكن عمومات الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة تشمل ما إذا تمكن الإنسان من الوصول إلى محل الصلاة بواسطة أو غير واسطة، فأرى لهذا السائل أن يستعين الله عز وجل، وأن يذهب إلى المسجد على الدراجة التي ذكرها، وإذا وصل إلى باب المسجد فليمش على يديه ورجليه، والناس سوف يعذرونه، ولا يستنكرون ذلك منه ماداموا يعرفون أن الرجل لا يستطيع.

السؤال: والدتي إذا قام إخوتي الصغار بشقاوة في البيت، تقوم بالحلف وتكثر من ذلك بأيمان كثيرة في اليوم أكثر من مائة يمين، ولا تؤدي القرين، فما حكم الشرع في ذلك؟

الجواب: هذه الأيمان التي تقع من الأم لأولادها بالوعيد على المخالفة من لغو اليمين التي ليس فيها كفارة؛ لقول الله تبارك وتعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ [المائدة:89]، وفي الآية الثانية: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225]، ومن المعلوم أن المرأة إذا قالت لولدها: والله لأضربنك، والله لأكسرن رجليك، والله لأفعلن كذا وكذا، تهدده إذا خالف، من المعلوم أنها لا تريد عقد اليمين في هذا، فيكون ذلك من لغو اليمين الذي ليس فيه كفارة، لكني أنصح إخواننا المسلمين ألا يكثروا من الحلف حتى بلغو اليمين؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]، فقد قيل: إن معناها لا تكثروا الحلف بالله، كذلك أنصح إخواني إذا حلفوا يميناً عقدوها أن يتبعوا ذلك بالمشيئة، أي: مشيئة الله، فيقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، فإنه إذا قال: إن شاء الله استفاد فائدتين عظيمتين؛ الفائدة الأولى: تسهيل أمره حتى يقوم بما حلف عليه، والفائدة الثانية: أنه لو خالف لم يحنث، أي: لم يكن عليه كفارة ولا إثم، دليل ذلك ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ذكر أن نبي الله سليمان عليه السلام قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل امرأة منهم غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله فلم يقل: إن شاء الله، بناء على ما عنده من قوة العزيمة، فطاف على تسعين امرأة في تلك الليلة، فلم تلد واحدة منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان، ليتبين لسليمان عليه الصلاة السلام ولغيره أن الأمر بيد الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله ).

ودليل الفائدة الثانية، وهي أنه إذا حنث فلا كفارة عليه، قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه )، لهذا ينبغي للإنسان إذا حلف أن يقرن حلفه بمشيئة الله عز وجل فيقول: والله إن شاء الله، أو والله بمشيئة الله لأفعلن كذا وكذا.

السؤال: هل الميت يعذب ببكاء أهله عليه؟

الجواب: نعم ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه )، وفي رواية: ( بما نيح عليه )، وقد أشكل هذا الحديث على كثير من العلماء وقالوا: كيف يعذب الإنسان بفعل غيره؟ فأجاب بعضهم: بأن المراد بذلك الميت الذي أوصى أهله أن ينوحوا عليه ويبكوا عليه، وأجاب آخرون بأن المراد بذلك الميت الذي يعلم من أهله أنهم يفعلون ذلك ولم يوصهم بتركه، والصحيح أنه لا حاجة لهذا التأويل، وأن المراد بالتعذيب تألم الميت في قبره وإن لم يكن عقوبة عليه، ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السفر: ( إنه قطعة من العذاب )، ومعلوم أن المسافر لا يعذب عذاب عقوبة، ولكنه عذاب ألم وتعب، فالمعنى أن الميت يتألم ويتعب من بكاء أهله عليه، وهذا في البكاء الذي يتكلفه الإنسان، أو يحدث به صوتاً ونياحة، وأما البكاء الذي تمليه الطبيعة فإنه لابد منه في غالب الأحوال، وليس فيه إثم، وليس فيه تعذيب للميت، لأن هذا أمر غير متقصد، ولا يمكن الانفكاك عنه.

وعلى هذا فنقول: إن بكاء أهل الميت عليه له ثلاث حالات:

الحال الأولى: أن يعذب عليه الميت عذاب عقوبة، وذلك فيما إذا أوصى أهله بذلك، وفعلوه تنفيذاً لوصيته.

الثاني: أن يعذب عذاب تألم وتوجع، وليس عذاب عقوبة، وذلك فيما إذا بكوا بكاء خارجاً عن مقتضى الطبيعة من غير أن يوصيهم به.

والثالث: بكاء لا يعذب عليه الميت، لا عذاب عقوبة ولا عذاب ألم، أي: تألم، وهو ما إذا كان بكاء بمقتضى الطبيعة، غير متكلف فيه، ولا متقصد فيه.

السؤال: عندما يصيب الله العبد بموت الأحبة، وهي أشد مصيبة على العبد، هل هذا غضب من الله على العبد أم رحمة؟

الجواب: إن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، والله سبحانه وتعالى يبتلي العبد بالمصائب الكبيرة العظيمة والصغيرة؛ ليبتليه هل يصبر أو يجزع ويسخط؟ فمن صبر ورضي فله الرضا والأجر والثواب، ومن سخط وتمنى فإن له السخط، ولا يلزم من ابتلاء الله العبد بهذه المصائب أن يكون الله قد سخط عليه، فهاهو النبي عليه الصلاة والسلام يحصل له المرض، ويحصل له فقد الأحبة، ويحصل له الآلام، كما جرح في غزوة أحد وكسرت رباعيته، ونحن نعلم أن هذا ليس من غضب الله عليه، بل هو ابتلاء من الله عز وجل من أجل ينال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم درجة الصابرين، فإن الصبر درجته عالية ومنزلته رفيعة، ولا يمكن أن يحصل إلا بابتلاء وامتحان ليتبين هل العبد صابر أم ليس بصابر؟ وعليه فينبغي لمن أصيب بمثل هذه المصيبة التي ذكرت في السؤال وهي موت الأحبة، ينبغي أن يحسن الظن بالله، وألا يظن أن ذلك غضب، واعلم أن من أصيب بمصيبة أي مصيبة كانت، فإن الله تعالى يكفر بذلك عنه، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( ما من مسلم يصاب بالمصيبة إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة إذا أصابته )، ثم إن احتسب الأجر على الله، وهو أجر الصابرين، وأمل أن الله يثيبه على ذلك، نال بهذا أجراً زائداً على تكفير السيئات.

السؤال: هل يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن من المصحف؟ وما صحة هذا الحديث: ( ليست حيضتك بيدك

الجواب: اختلف العلماء رحمهم الله هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن إذا كانت حائضاً؟ فمنهم من منع ذلك وقال: لا يحل لها أن تقرأ شيئاً من القرآن إلا ما جاء به من الذكر الموافق للقرآن كما لو قالت: بسم الله الرحمن الرحيم تريد التسمية دون التلاوة، أو قالت: الحمد لله رب العالمين تريد الثناء على الله دون التلاوة، أو قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون لمصيبة أصابتها تريد الاسترجاع دون التلاوة، فإن هذا لا بأس به، ومنهم من قال: إن الحائض يحل لها أن تقرأ القرآن، وذلك لأنه لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة صريحة في منع الحائض من القراءة، والأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع، وهذا بخلاف الجنب فإن الجنب لا يحل له أن يقرأ شيئاً من القرآن، والفرق بينه وبين الحائض أن الحائض تطول مدتها في حيضتها، ولا يمكنها أن تتطهر منها، بخلاف الجنب فإن الجنب يمكنه أن يتطهر في ساعته، فلهذا يمنع من قراءة القرآن حتى يغتسل، وأما الحائض فلا تمنع من قراءة القرآن، وهذان قولان متقابلان، أعني القول بالمنع مطلقاً والقول بالإباحة مطلقاً، ولكن الأحوط فيما نرى ألا تقرأ شيئاً من القرآن إلا ما احتاجت إلى قراءته، مثل أن تخشى نسيان القرآن فتقرأه خوفاً من ذلك، ومثل أن يكون لها أوراد من القرآن صباحية أو مسائية فتقرأ هذه الأوراد، ومثل أن تكون معلمة تحتاج إلى تعليم البنات أو متعلمة تحتاج إلى إسماع المعلمة القرآن فهذا لا بأس به، ولكن مع ذلك لا تقرأ بالمصحف إلا من وراء حائل، لأن القول الراجح أنه لا يجوز مس المصحف إلا والإنسان على وضوء، وعلى هذا القول الذي رأينا أنه أقرب إلى الصواب، تقرأ الحائض ما تحتاج إلى قراءته من كتاب الله عز وجل، ولكنها تقرؤه إما عن ظهر قلب وإما بالمصحف مع حائل من منديل أو قفاز أو نحوه.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع