فتاوى نور على الدرب [585]


الحلقة مفرغة

السؤال: الحركة في الصلاة تبطلها لا شك في ذلك، ولكن عندما تأتي حشرة أثناء الصلاة على وجه المصلي مثل النامس أو الذباب فإنه مزعج أو عندما يكون الإنسان به زكام ورشاح وغير ذلك مما يدعوه للحركة، هل له الحق بتحريك يده لطرد تلك الحشرة أو لمسح أنفه؟ أم عليه بالصبر حتى تنقضي الصلاة؟ ونرجو توضيح حكم الحركة في الصلاة؟

الجواب: قول السائل: إن الحركة في الصلاة لا شك أنها تبطل الصلاة ليس بصحيح، الحركة في الصلاة على أقسام:

القسم الأول: حركة واجبة، والثاني: حركة مستحبة، والثالث: حركة مباحة، والرابع: حركة مكروهة، والخامس: حركة محرمة تبطل الصلاة:

فأما الحركة الواجبة: فهي كل حركة تتوقف عليها صحة الصلاة،ـ مثال ذلك: أن يذكر أن في غترته نجاسة أو في لباسه نجاسة أو في خفه نجاسة، ففي هذه الحال يجب عليه أن يزيل ذلك النجس فيخلع الغترة، أو يخلع السروال، يخلع الخف؛ لأنه يتوقف على ذلك صحة الصلاة، ولهذا لما أخبر جبريل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن في نعليه قذراً خلعهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك لو كان المصلي غير مستقبل للقبلة في البر، وكان هذا الذي أداه إليه اجتهاده فجاءه إنسان وقال: القبلة على يمينك فهنا يجب أن يتحرك نحو القبلة؛ لأنه يتوقف على هذه الحركة صحة الصلاة، وكذلك لو صف وحده خلف الصف لكمال الصف ثم انفرج أمامه فرجه فإنه يتقدم إلى الصف وجوباً؛ لأن هذه الحركة يتوقف عليها صحة الصلاة، ولهذا أمثلة أخرى لكن ضابطها: كل حركة تتوقف عليها الصلاة فإنها واجبة.

أما المستحبة: فكل حركة يتوقف عليها فضل في الصلاة، مثل: التراص في الصف بأن يتراص الناس شيئاً فشيئاً، فهنا لابد من حركة ومثل: أن يبتدئ الصلاة اثنان إمام ومأموم ثم يأتي ثالث فهنا السنة أن يتأخر الاثنان خلف الإمام فهذه الحركة مستحبة؛ لأنه يتوقف عليها كمال الصلاة، ويتساءل كثير من الناس هل يصف الداخل الثالث قبل أن يجذب صاحبه ويقدم الإمام أو يقدم الإمام أو يجذب صاحبه قبل أن يصف في الصلاة؟

والجواب: أنه يقدم الإمام أو يؤخر المأموم ثم يصف؛ لأنه لو صف قبل أن يقدم الإمام أو يؤخر المأموم لزم من ذلك أنها حركة في الصلاة لا داعي لها.

إذاً: الحركة المستحبة كل حركة يتوقف عليها كمال الصلاة.

الحركة المباحة: كل حركة لحاجة لا تتعلق بالصلاة أو لضرورة، مثال ذلك: أن يستأذن عليه أحد ليدخل إلى حجرته والباب مغلق فيتقدم قليلاً ثم يفتح الباب أو يكلمه أحد في شيء هل حصل أو لم يحصل فيشير برأسه نعم إن كان حاصلاً، أو بيده لا إن كان غير حاصل وما أشبه ذلك، وأما الحكة في الصلاة فإن كانت حكة يسيرة لا تذهب الخشوع فهي من القسم المباح، وإن كانت حكة شديدة تذهب الخشوع فالحركة من أجل برودتها سنة؛ لأن ذلك يتوقف عليه كمال الصلاة؛ لأنه إذا حكها بردت عليه وصار قلبه حاضراً في الصلاة.

وأما الحركة المكروهة: فهي الحركة التي لا حاجة إليها ولكنها ليست كثيرة كما يوجد من بعض الناس من يعبث بقلمه أو بساعته أم بأنفه أو بغترته أو بمشلحه أو ما أشبه ذلك، وهذه حركة مكروهة فإن كثرت وتوالت صارت من القسم الخامس وهو الحركة الكثيرة لغير الضرورة: وهذه تبطل الصلاة؛ لأنها تنافي الصلاة تماماً، ومن ذلك الضحك، فإن الضحك في الصلاة مبطل لها؛ لأن الضحك ينافي الخشوع تماماً، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن الضحك في الصلاة مبطل لها دون التبسم، فالتبسم ليس فيه صوت فلا يكون مبطلاً للصلاة.

السؤال: رجل اغتسل من الجنابة واغتسل بقصد النظافة فهل ذلك يغنيه عن الوضوء للصلاة أم لابد من الاغتسال الكامل للبدن؟

الجواب: مَنْ اغتسل من أجل الجنابة فإنه يجزئه عن الوضوء؛ لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، ولم يذكر الله تعالى وضوءاً، وأما الاغتسال للتبرد فإنه لا يجزئ عن الوضوء؛ لأن الاغتسال للتبرد ليس عن حدث فلا يكون مجزئاً، بل لابد أن يتوضأ بعد أن ينتهي من الاغتسال للتبرد.

السؤال: إذا أذن المؤذن لصلاة الفجر في رمضان وجاء الوقت وأنا جنب فهل يبطل الصوم أم علي الاغتسال وأصلي وصومي صحيح؟

الجواب: إذا أذن الفجر والإنسان يريد الصوم وكان عليه جنابة فإنه لا حرج عليه أن يصوم ثم يغتسل بعد طلوع الفجر؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير احتلام ويصوم )، ويؤخذ هذا من قول الله تبارك وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، فإباحة الجماع إلى أن يطلع الفجر يستلزم ألا يكون الاغتسال إلا بعد طلوع الفجر.

السؤال: أسأل عن لبس العمامة هل هي من السنن المؤكدة؟

الجواب: لبس العمامة ليس من السنن لا المؤكدة ولا غير المؤكدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبسها اتباعاً للعادة التي كان الناس عليها في ذلك الزمن، ولهذا لم يأت حرف واحد من السنة يأمر بها فهي من الأمور العادية التي إن اعتادها الناس فليلبسها الإنسان لئلا يخرج عن عادة الناس فيكون لباسه شهرة، وإن لم يعتدها الناس فلا يلبسها، وهذا هو القول الراجح في العمامة.

السؤال: ما هي المراحل التي ينبغي على طالب العلم أن يسير عليها؟

الجواب: المراحل التي ينبغي لطالب العلم أن يسير عليها في تحصيل العلم: أن يبدأ: أولاً: بكتاب الله عز وجل، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ثم بما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليسلك في ذلك أخصر ما يكون ما دام في ابتداء الطلب، ثم إذا ترعرع في الطلب واشتد ساعده بدأ يترقى إلى الكتب الكبيرة التي فيها ذكر الآراء والمناقشة فيها، وليكن مرجعه في ذلك شيخه الذي يدرس عليه، فالشيخ هو الذي يوجه التلميذ فيما يقرأ وفيما لا يقرأ.

السؤال: ما حكم زرع البويضة الملقحة في الرحم إذا تعذر الحمل بالطريقة الطبيعية، ما أعنيه هو أطفال الأنابيب؟

الجواب: نحن لا نفتي فيها بشيء لكن غيرنا أفتى فيها.

السؤال: هل يجوز أن نرسل الزكاة إلى بعض البلدان المحتاجة علماً بأنه لا يوجد مسلم محتاج عندنا في السويد؟

الجواب: نعم يجوز إذا كان الإنسان في بلد ليس فيه محتاج تحل له الزكاة فإن الزكاة تبعث إلى البلاد الأخرى، وفي هذه الحال ينبغي أن ينظر الإنسان إلى أشد البلاد حاجة فيبعث بالزكاة إليها، ولكن ليكن بعثه للزكاة إلى أيدٍ أمينة تتقي الله وترحم عباد الله؛ لأن من الناس الذين تبعث إليهم الزكوات أو الإعانات من لا يخاف الله عز وجل ولا يرحم عباد الله، فتجده إما أن يتصرف فيها لنفسه وإما أن يتصرف فيها محاباة لقريب أو صديق أو ما أشبه ذلك، فمن من أهم الأشياء فيما يرسل من التبرعات والصدقات والزكوات أن يكون المرسل إليه أميناً ذا علم بما تصرف فيه هذه الأموال.

السؤال: هل يجوز القيام بصلاة التراويح لوحدي حيث أن زوجي يضطر للسفر إلى مدينة أخرى وليس فيها مصلى للنساء، وبهذا أصلي التراويح في البيت لوحدي علماً بأنني لا أحفظ من القرآن إلا القليل فهل يجوز أن أحمل القرآن أثناء صلاة التراويح؟

الجواب: إن الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها حتى وإن كان هناك مسجد تقام فيه صلاة التراويح، وحضورها للمسجد من باب المباح وليس من باب المسنون أو المشروع، وعلى هذا فإذا صلت المرأة في بيتها فلا بأس أن تصلي جماعة في أهل البيت من النساء؛ لأنه يروى ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها أو أهل بيتها )، وفي هذه الحال إذا كانت لا تحفظ من القرآن إلا قليلاً فلها أن تقرأ من المصحف؛ لأنه يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تفعل ذلك؛ ولأن الحركة التي تكون في نقل المصحف وتقليب صفحاته والنظر إلى كلماته حركة من مصلحة الصلاة، فلا تكون مكروهة، ثم لو قدر أنها مكروهة لأنه يمكن الاستغناء عنها وبالاقتصار على ما يحفظه الإنسان فإنها في هذه الحال ترتفع الكراهة للحاجة إلى ذلك.

السؤال: أحياناً نضطر لزيارة بعض المسلمين لأداء الواجب كالتعزية أو التهنئة ولكنهم لا يجلسون النساء على حدة والرجال على حدة، أي: لا يلتزمون بهذا الأمر الشرعي فهل نقوم بمقاطعتهم ولا نقوم بزيارتهم؟

الجواب: عبرت هذه السائلة عن التعزية والتهنئة بالواجب، وليس هذا بصواب، فالتعزية ليست واجبة إنما هي سنة، وليست سنة لكل قريب مات له قريب، ولكنها سنة لتعزية المصاب بالميت سواء كان قريباً أو غير قريب، وإذا كانت العلة هي المصيبة فمن كان لم يصب بالموت من قريبه فإنه لا يُعزى، ومن أصيب بموت صديقه أو زميله فإنه يعزى، فليست العلة في التعزية القرابة؛ ولكنها الإصابة متى علم أن هذا الإنسان مصاب فإنه يعزى ويقال له: اصبر واحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى وهذه الدار ليست دار بقاء والذي لم يمت اليوم يموت غداً وما أشبه ذلك من الكلمات التي تسليه وترفع عنه حر المصيبة، وعلى كل فهي ليست واجبة -أعني: التعزية- بل هي من الأمور المستحبة، فإذا لزم من الحضور إلى التعزية اختلاط النساء بالرجال فإنها لا تجوز؛ لأنه لا يمكن أن يُفعل شيء مندوب لشيء محرم، وكذلك التهنئة من باب أولى فإن التهنئة ليست بواجبة، غاية ما في ذلك أنها مباحة فهي أقصر من التعزية؛ لأن التعزية سنة للمصاب وهذه مباحة فقط، فإذا لزم من التهنئة المخالطة بين الرجال والنساء فإنه لا يجوز الذهاب إليها إلا من كان له سلطة بحيث إذا ذهب أمكنه أن يعزل النساء عن الرجال، فحينئذٍ يكون ذهابه واجباً من أجل إزالة هذا المنكر.

السؤال: هل تعتبر صلاتي وراء زوجي صلاة جماعة؟

الجواب: هي جماعة لكنه لا يحصل بها أجر الجماعة فيما يظهر؛ لأن أجر الجماعة إنما يحصل لمن صلى في المسجد وأعني بذلك: الأجر العظيم الذي هو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة )؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر ذلك بما يدل على أن المراد بذلك صلاة الجماعة في المسجد، فقال: ( إذا خرج من بيته للصلاة لا يخرجه إلا الصلاة ) ثم ذكر بقية الحديث.