فتاوى نور على الدرب [575]


الحلقة مفرغة

السؤال: سؤالي عن الكرامات والولاية، أرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي النقاط التالية:

أولاً: ما عليه الناس اليوم من إطلاق لفظ الولاية على كل أحد؟

الجواب: الولاية لا يصح إطلاقها إلا على حسب الوصف الذي جاء في كتاب الله عز وجل، وقد بين الله تعالى ذلك في كتابه، حيث يقول: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، فبين الله سبحانه وتعالى أن ولايته لا تنال إلا بهذين الوصفين:

أولهما: الإيمان بما يجب الإيمان به.

وثانيهما: التقوى.

ففي الوصف الأول: صلاح القلب وفي الوصف الثاني صلاح الجسد، فمن ادعى ولاية الله عز وجل وقد فاته الوصفان أو أحدهما فإنه كاذب، فلو وجدنا شخصاً يجيز لنفسه أن يركع الناس له وأن يسجد الناس له، أو يجيز لنفسه أن يستخدم الشياطين بأنواع من الشرك، ثم يدعي بعد هذا أنه ولي لله، فإننا نقول له: إنك كاذب؛ لأن أعمالك هذه تنافي الإيمان والتقوى.

وما يحصل على يديه من خوارق العادات فإن ذلك لخدمة الشياطين له؛ لأن الشياطين تقوى على ما لا يقوى عليه البشر، فيستخدم الشياطين لينال مأربه في إضلال عباد الله عن سبيل الله.

وعلى هذا، فمن ادعى الولاية ولم يكن متصفاً بالوصفين اللذين ذكرها الله عز وجل وهما: الإيمان والتقوى فإنه كاذب في دعواه.

مداخلة: من يطلق عليهم الأولياء اليوم عند الصوفية وما ينسب إليهم من الكرامات الباطلة؟

الشيخ: هذه فقرة بينها جواب الفقرة التي قبلها، فما ينسب إليهم من الكرامات وهم على ضلال فإنها إهانات في الحقيقة وليست بكرامات؛ لأنها استدراج من الله عز وجل لهم، وهي في الحقيقة ليست كرامة بل هي مما يخدمهم بها الشياطين من أجل إضلال عباد الله.

السؤال: ما يعتقده بعض الناس في الأولياء من النفع والضر وكشف الكربات وقضاء الحاجات سواء الأحياء أو أصحاب القبور؟

الجواب: هذا الاعتقاد باطل؛ لأن الذي بيده النفع والضر وكشف الكربات هو الله عز وجل وليس الأولياء، فالأولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً فضلاً عن غيرهم، سواء كانوا أحياءً أم أمواتاً، وإنما الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء هو الله عز وجل، فإذا كان الأنبياء وهم سادات الأولياء وفوق مرتبة الأولياء، إذا كانوا لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً فما بالك بغيرهم، قال الله تعالى عن نوح: وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ [هود:31] ، وقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50] ، وقال له: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:21-22] ، وقال تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188].

فالأولياء لا يملكون لأحدٍ شيئاً لا نفعاً ولا ضراً، سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً، فلا يملكون أن يهدوا ضالاً ولا أن يغنوا فقيراً، ولا أن يشفوا مريضاً، وإنما ذلك إلى الله عز وجل، هم بأنفسهم إذا أصابهم الضر لا يملكون دفعه ولا يملكون رفعه، بل هم عاجزون عن ذلك، فكيف يملكون لأنفسهم، فكيف يملكون لغيرهم ذلك؟!

السؤال: دعوة الأمة إلى سؤال الله عز وجل والتعلق به دون التعلق بغيره؟

الجواب: نعم.. نحن نقول لإخواننا: إن الذي يجب أن يوجه إليه الدعاء وأن توجه إليه الاستعاذة هو الله عز وجل، وهو المعين وهو المجيب وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، قال الله تبارك وتعالى: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [المؤمنون:88] ، وفي قراءة: (سيقولون الله)، وقال تبارك وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] ، وقال تعالى وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] ، وقال الله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6] .

فالدعاء لله وحده، والاستعاذة بالله وحده، والملك لله وحده، فهو أهل الدعاء وأهل الاستعاذة وهو أهل الفضل والإحسان.

السؤال: كثرت في الآونة الأخيرة القراءة أو القراء الذين يقرءون على الناس، أو الذين يدعون القراءة، فاختلط الحابل بالنابل، فلم يعرف الناس الصادق من الكاذب، وكثر السحر والسحرة، وانتشر بين الناس السحر والذهاب إلى السحرة والمشعوذين. فلو تكرمتم يا فضيلة الشيخ بالإجابة على أسئلتي بالنقاط في برنامج نور على الدرب.

أولاً: ما حكم التفرد بالقراءة واتخاذها حرفة؟

الجواب: التفرغ للقراءة على المرضى من الخير والإحسان إذا قصد بذلك وجه الله عز وجل، ونفع عباد الله وتوجيههم إلى الرقى الشرعية التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما اتخاذ ذلك لجمع الأموال فإن هذه النية تنزع البركة من القراءة، وتوجب أن يكون القارئ عبداً للدنيا، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط.

لذلك أنصح الذين يتفرغون للقراءة على المرضى أن يخلصوا النية لله عز وجل، وألا يكون همهم المال، بل إن أعطوا أخذوا، وإن لم يعطوا لم يغضبوا، ولذلك تحصل البركة في القراءة على إخوانهم. هذا ما أقوله لإخواني القراء.

السؤال: هل يجوز الخلوة بالمرأة حال القراءة عليها؟

الجواب: لا تجوز الخلوة بالمرأة حال القراءة عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم )، فلابد أن يكون معها ذو محرم عند القراءة عليها.

السؤال: هل يجوز لمس المرأة الأجنبية حال القراءة عليها؟

الجواب: لا يجوز أيضاً مس المرأة الأجنبية حال القراءة عليها؛ لأنه لا داعي لذلك، ثم لو فرض أنها دعت الحاجة إلى هذا كما لو كان المرض في عضو معين كاليد والقدم وأراد أن يضع يده على هذا الموضع من الألم، ويقول: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما تجد وتحاذر. أقول: إن دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس بشرط أن يأمن الإنسان نفسه، فإن خاف من ثوران الشهوة أو التمتع باللمس فإن ذلك حرام عليه، ثم إن المواضع في البدن تختلف، بعضها مسه فتنة ولا شك وبعضها دون ذلك، ويختلف أيضاً وضع اليد على موضع الألم، بينما إذا كان هناك حائل أو كانت المماسة مباشرة.

وعلى كل حال؛ فإني أحذر إخواني القراء من أن يضعوا أيديهم على أي موضع من بدن المرأة، لا مباشرة ولا من وراء حائل، وإذا أراد الله في قراءتهم خيراً حصل بدون لمس.

السؤال: هل يجوز الذهاب إلى السحرة لفك السحر؟

الجواب: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: ( هي من عمل الشيطان )، وقسم العلماء رحمهم الله النشرة إلى قسمين:

القسم الأول: أن تكون نشرة بالأدعية أو بالرقى من القرآن والسنة أو باستعمال مأكول أو مشروب مباح، فهذه جائزة ولا بأس بها.

والثاني: أن تكون بالسحر، بمعنى: أن نفك السحر بسحر، فهذه هي التي أرادها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( هي من عمل الشيطان ).

السؤال: كيف يعرف ولي المريض الساحر؟

الجواب: الإطلاع على الساحر يكون بأسباب:

أولاً: لقاء الساحر، فإن الساحر ربما يسحر ثم يتوب الله عليه ويهديه ويتوب إلى ربه، فيخبر بسحره.

وربما يكون الساحر قد أقر عند أصدقائه وأصفيائه بأنه سحر فلاناً.

وربما يرى المسحور في المنام أن فلاناً سحره.

وربما يرى أحد من أقارب المسحور أن فلاناً سحر قريبه.

فالمهم أن الأسباب التي توصل إلى معرفة الساحر متعددة، ولا تنحصر في جهة واحدة بل لها عدة جهات.

السؤال: هل هناك صفات يجب أن تتوفر في القارئ؟

الجواب: معلوم أن القارئ الذي يقرأ بكتاب الله عز وجل أو بما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المرضى، من المعلوم أنه لابد أن يكون مؤمناً، وأن يكون مقتنعاً بأن هذه القراءة تنفع، ولكن لابد مع ذلك أن يكون المقروء عليه قابلاً بهذه القراءة مؤمناً بأنها نافعة، مؤملاً من الله سبحانه وتعالى النفع بها، ولابد أيضاً من أن تكون القراءة قراءة شرعية، فهذه ثلاثة أمور: صحة القراءة وإيمان القارئ وإيمان المقروء عليه، فإذا تمت هذه الشروط فإن القراءة تنفع بإذن الله. وقد قرأ أحد الصحابة رضي الله عنهم على رجل لدغته عقرب، قرأ عليه سورة الفاتحة، فقام كأنما نشط من عقال، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للقارئ: ( وما يدريك أنها رقية )، وهي من أفضل ما يرقى به على المرضى ومن أنفع ما يكون للمريض، لكن إذا اجتمعت الشروط الثلاثة، وهي: إيمان القارئ، وإيمان المقروء عليه، وكون القراءة شرعية، وهي شرعية بالفاتحة لا شك.

السؤال: ما حكم فعل السحر وتعلمه؟

الجواب: السحر نوعان: نوع يكون كفراً، ونوع يكون فسقاً، فالسحر الذي يكون بالاستعانة بالشياطين والأرواح الخبيثة هذا كفر، لقول الله تبارك وتعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، والنوع الثاني: يكون فسقاً وهو السحر بالأعشاب ونحوها مما يضر المسحور، فهذا عدوان وفسق، لكن لا تصل بصاحبها إلى حد الكفر.

وأياً كان الساحر فإنه يجب قتله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( حد الساحر ضربه بالسيف )، ولأن عدوانه وضرره عظيم على الأمة. ثم إن كان كافراً -أي: إن كان سحره مكفراً- فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإن كان غير مكفر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.