فتاوى نور على الدرب [553]


الحلقة مفرغة

السؤال: يقول: ( عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، هل هذا حديث؟ وإن كان صحيحاً فما درجته؟

الجواب: هذا الحديث صحيح المعنى، وإن كان في سنده ما فيه، لكن تشهد له نصوص الكتاب والسنة، فالخطأ معفو عنه معذور به الإنسان؛ لقول الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ، قال الله: قد فعلت. وكذلك النسيان لهذه الآية، وكذلك الإكراه لقول الله تبارك وتعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106]، هذه نصوص عامة تشمل كل ما يقع من خطأ أو نسيان أو إكراه.

وهناك نصوص خاصة تبين ذلك أيضاً فمنها: ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها: ( أن الناس أفطروا في يوم غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقضاء )، لأنهم أفطروا عن ظن أخطأوا فيه. وكذلك عدي بن حاتم رضي الله عنه كان يتسحر ويأكل، وكان قد جعل تحت وساده عقالين أحدهما أسود والثاني أبيض، وكان يأكل ويأكل حتى تبين العقال الأبيض من العقال الأسود ثم أمسك، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأمره بالقضاء. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه )، وعلى هذا الخطأ والنسيان والإكراه كلها معفو عنها في هذه الشريعة الميسرة المسهلة، نسأل الله تعالى أن يزيدنا تمسكا بها وثباتاً عليها إلى الممات.

لكن ما نُسي من الواجبات فإنه يقضى إذا لم يفت سببه، فلو نسي الإنسان أن يصلي فإنه يصلي إذا ذكر، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك، ثم تلا قوله تعالى وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] ).

السؤال: صلاة الفجر لا أؤديها مع الجماعة في وقتها إلا قليلاً، ولكني أؤديها بعد استيقاظي من النوم مباشرة. فما الحكم في ذلك، مع العلم بأنني على هذا الحال منذ سنوات طويلة؟

الجواب: الحكم في ذلك أنه إن كان هذا عن تقصير منك فإنك آثم وصلاتك غير مقبولة؛ لأن من أخر الصلاة لغير عذر عن وقتها لم تقبل منه ولو صلاها، وإن كان عن غير تفريط بحيث أخذت الاحتياطات ووضعت عند رأسك منبهاً أو أوصيت من ينبهك ولكن نسي أو أخذه النوم كما أخذك فإنه لا إثم عليك وتصليها إذا استيقظت، ولكن نصيحتي لك أن تهتم يا أخي بصلاتك، وأن تجعل موعد صلاتك كموعد أكبر سلطة في بلدك لا تتأخر عنه ولا تتهاون به، اتق الله في نفسك، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً.

السؤال: أديت فريضة الحج ولم أقصر من رأسي من جميع النواحي، ولكنني أخذت البعض، فما الحكم؟ وهل الحج صحيح؟

الجواب: نعم الحج صحيح إن شاء الله، والحكم أن عليك فدية تذبحها في مكة وتوزعها على الفقراء هناك كما قال هذا أهل العلم فيمن ترك واجباً من واجبات الحج، والحلق أو التقصير من واجبات الحج.

السؤال: ما هو الرفع الصحيح لليدين عند تكبيرة الإحرام؟

الجواب: الرفع الصحيح أن ترفع يديك إلى حذو منكبيك أو إلى فروع أذنيك، كل هذا جاءت به السنة، أو إلى شحمة الأذنين عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد الأول ولا رفع فيما سوى ذلك؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: ( إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يفعل ذلك في السجود )، وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع ) فالظاهر والله أعلم أنه وهم من الراوي، كما حقق ذلك ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد.

السؤال: تعلم العلم الشرعي هل يقتصر على المواد الشرعية فقط، أم يدخل بذلك بعض العلوم؟ أرجو منكم الإفادة؟

الجواب: العلوم الشرعية داخلة في العلم الشرعي، وتعلمها تعلم شرعي لا إشكال في هذا، أما بقية العلوم: ينظر إن كانت تُعين على العلم الشرعي فإنها من العلوم النافعة التي ينتفع بها الإنسان في التقوي على معرفة العلوم الشرعية مثل علم النحو والبلاغة، وإن كانت لا تساعد على العلوم الشرعية نظرنا إن كانت نافعة في الدنيا فهي من الأمور المباحة إن كان النفع لا يتعدى للغير، وهي من الأمور المطلوبة إن كان النفع يتعدى إلى الغير، وإن كانت ضارة فهي محرمة، وإن كانت لا ضارة ولا نافعة فهي من اللغو الذي ينبغي للعاقل أن يتجنبه.

السؤال: والدي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وحريص على فعل الخيرات لكنه لا يصلي. فما الحكم في ذلك وجهونا مأجورين؟

الجواب: الحكم في ذلك أن هذا الرجل متناقض إذا كان حريصاً على فعل الخيرات، فأي خير أعظم من الصلاة لماذا لا يكون حريصاً عليها، والواجب عليك أن تنصحيه وتحذريه من إضاعة الصلاة، وتبيني له أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، وأن من لا يصلي فهو مرتد خارج عن ملة الإسلام، عليه أن يتوب إلى الله وأن يدخل في دينه وأن يكثر من الاستغفار والتوبة، فإن مات على ترك الصلاة مات كافراً لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدعى له بالرحمة ولا يدفن مع المسلمين، وهو يوم القيامة يحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، نسأل الله العافية ومأواه النار وما للظالمين من أنصار، ونسأل الله له الهداية وأن يوفقه لما فيه الخير والصلاح.

السؤال: ما حكم زيارة الميت يوم الجمعة، وتخصيص ذلك اليوم؟

الجواب: الصحيح أن الميت لا تخص زيارته بيوم الجمعة بل تزار القبور في أي وقت كان، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أنه زارها ذات ليلة من الليالي ).

والمقصود بزيارة الموتى والقبور تذكر الموت؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت، أو قال: تذكركم الموت ) وفي لفظ: ( تذكر الآخرة )، وذلك أن الرجل إذا مر بالمقابر وجد هذه الدور الكثيرة التي سكنها أناس كانوا معه يسكنون القصور، كانوا يمشون على الأرض والآن هم مرتهنون في بطن الأرض، كانوا يتمكنون من الأعمال الصالحة والآن لا يتمكنون من الأعمال الصالحة، كان يمكنهم أن يتوبوا إلى الله من سيء الأعمال والآن لا يمكنهم أن يتوبوا إلى الله، يتذكر مثل هذه الأمور، ثم يقول لنفسه: ألست أنا سأكون مثلهم قد يكون عن قريب أو بعيد. هو قريب في الواقع، فيتذكر ويستعتب ويتوب ويقبل إلى الله عز وجل بهذه الزيارة، وأما زيارة المقابر من أجل الاستنجاد بالمقبورين ودعائهم أو دعاء الله عند قبورهم كل هذا بدعة عظيمة، ومنها ما يوصل إلى الشرك الأكبر كدعاء المقبورين والاستنجاد بهم، فالواجب على المؤمن أن يفرق بين الزيارة الشرعية والزيارة البدعية والزيارة الشركية، فيقوم بالشرعية ويدع البدعية والشركية.

السؤال: ما حكم الصلاة خلف المبتدع؟

الجواب: الصلاة خلف المبتدع إن كان هذا مما يغري الناس به فيثقل ميزانه عند الناس وتقوى بدعته فلا يجوز أن يصلى معه مهما كانت البدعة، وإن كان ذلك لا يؤثر فإن كانت بدعته مكفرة فإنه لا يصلى خلفه، وإن كانت بدعته مفسقة فإنه يصلى خلفه كسائر العصاة، ولكن إذا كان هذا يؤدي إلى اغتراره بنفسه واستمساكه ببدعته فإنه لا يجوز أن يصلى خلفه احتقاراً له ولئلا يضل الناس ببدعته.

السؤال: ما حكم ما يسمى عشاء الوالدين في رمضان والخميس والإثنين؟

الجواب: لا أعلم لهذا أصلاً من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عمل السلف الصالح، ولا شك أن الصدقة في رمضان من أفضل الصدقات لشرف الزمان؛ ولأن شهر رمضان شهر الجود والكرم، و( كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ).

ولكن اعتاد الناس منذ زمن بعيد أن يصنعوا طعاماً في ليلة الجمعة وبعضهم في ليلة الإثنين ويدعو الفقراء إليه، وكان الناس في بلادنا هذه من قبل في حاجة شديدة يفرح الفقراء إذا دعوا إلى مثل هذا الطعام فيطعم الناس منه، وكان غالب ما يكون من هذا الطعام ناتجاً عن وصية يوصي بها الآباء والأمهات فمن ثم أطلقوا عليه عشاء الوالدين، يعني العشاء الذي أوصى به الوالدان، ثم تدرج الناس إلى أن صاروا يذبحون الذبائح في ليلة الإثنين أو ليلة الجمعة، ويجمعون من حولهم من الجيران سواء كانوا من الأغنياء أو الفقراء وتكون حفلة، فإذا كان هؤلاء يتقربون إلى الله بالذبح بخصوصه كانوا بلا شك مبتدعة؛ لأن الذبح لا يتقرب به إلى الله إلا في مواطنه كالذبح في أيام النحر في عيد الأضحي وذبح العقيقة والهدي الذي يهدى إلى الحرم بمكة، وما سوى ذلك فإنه لا يتقرب إلى الله بنفس الذبح؛ ولهذا أخشى إن طال بالناس الزمان أن يعتقد الجهال أن رمضان كعيد الأضحى يكون محلاً للتقرب إلى الله تعالى بالذبح فيه، وهذه مسألة خطيرة لأنها مبنية على عقيدة فاسدة.

والخلاصة: أن العشاء الذي يسمى عشاء الوالدين في رمضان لا أصل له لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله ولا من عمل السلف الصالح.

السؤال: إذا مات الشخص ودفن، هل تجوز الصلاة عليه وهو في القبر؟

الجواب: الصلاة على الميت بعد دفنه لمن لم يصل عليه أولاً مشروعة؛ لأنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى على القبر بعد دفن الميت حيث لم يصل عليه من قبل، ولكن هل تحدد المدة التي يصلى فيها على القبر أم هي مطلقة؟ قال بعض العلماء: أنها تحدد بشهر وأنه لا يصلى على القبر بعد مضي شهر، وقال آخرون: بل يصلى عليه ولو زادت المدة على شهر وهذا هو الصحيح، بشرط أن يكون هذا الميت مات في زمن يكون المصلي عليه من أهل الصلاة، فإن كان هذا الميت قد مات قبل أن يبلغ المصلي عليه سبع سنوات فإنه لا يصلي عليه، ولهذا لا يشرع لنا أن نصلي على أهل البقيع الذين ماتوا من أزمنة بعيدة، فالصحيح أنها لا تتقيد بمدة، إلا أنه لابد أن يكون هذا الذي يريد الصلاة على القبر ممن أدرك الصلاة على الميت، بمعنى أن الميت مات وله سبع سنين أو نحوها.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3917 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3698 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3649 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3504 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3500 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3481 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3448 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3443 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3424 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3344 استماع