فتاوى نور على الدرب [515]


الحلقة مفرغة

السؤال: بعض الناس هداهم الله يحلفون بالأولياء، ويطلبون منهم العون، فبماذا تنصحون هؤلاء؟

الجواب: إن طلب الحوائج من الأولياء الأموات أو الأحياء الذين لا يستطيعون مباشرة قضاء الحاجة شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، وفاعله مخلدٌ في نار جهنم، قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] .

وأما إذا كان الولي حاضراً، وطلب منه الإنسان ما يقدر عليه كإعانته على إخراج عفشه من البيت، أو بتحميله في السيارة، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأن طلب قضاء الحاجة من الحي الحاضر القادر لا بأس به؛ لأنه من الاستعانة بأخيه المسلم على قضاء حاجته، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( تعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة ).

وأما الحلف بالأولياء فهو أيضاً شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )، ولكن إن كان يرى أن هذا الولي يستحق من التعظيم ما يستحقه الله عز وجل فإنه شركٌ أكبر، وإن كان لا يرى ذلك ولكن حلف بهذا الولي إجلالاً وتعظيماً له دون أن يرى أنه يستحق من التعظيم ما يستحقه الرب العظيم فإن هذا يكون شركاً أصغر، وعلى كل حال فيجب الحذر من هذا، وألا يحلف إلا بالله عز وجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).

السؤال: حينما نمر بسجدة فهل هذه السجدة فرض أم سنة؟ وكم السجدات في القرآن؟ وماذا يقول الساجد في افتتاح السجدة؟

الجواب: سجود التلاوة ليس بواجب على القول الصحيح، ودليل ذلك حديث زيد بن ثابت : ( أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها ).

وكذلك صح عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر السجدة التي في سورة النحل فنزل وسجد، ثم قرأها في الجمعة الثانية فلم يسجد وقال: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء.

وأما عدد السجدات في القرآن الكريم فإن السجدات مبينة موضحة وهي أربع عشرة سجدة، وفي الحج منها اثنتان.

وأما ما يقوله إذا سجد فإن كان في صلاة أي: مرت به آية سجدة وهو في الصلاة فإنه يكبر إذا سجد، ويكبر إذا رفع، ويقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، ويقول: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، وعليك توكلت، سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، وتبارك الله أحسن الخالقين، اللهم أكتب لي بها أجراً، وحط عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود.

وإن كان في غير الصلاة كبر إذا سجد وقال ما ذكرته من الدعاء، ثم قام من السجود بلا تكبيرٍ ولا تسليم.

السؤال: نحن ورثة، والدنا توفي قبل ست سنوات، وبيننا قصار، بعضهم لم يبلغ من العمر إلا تسع سنوات، وهم من امرأةٍ غير أمنا، ونحن خمسة من أم متوفاة، وستة من أم لا زالت على قيد الحياة، والذي أريد أن أسأل عنه هو: هل يجوز أن نتنازل لأحد إخواننا الكبار بقطعة أرض يعمر فيها سكناً له، علماً بأن والدي لم يقسم بيننا قبل وفاته؟

الجواب: إذا كان الورثة كلهم بالغين مرشدين فلا بأس أن يتنازلوا عن قطعة أرض لأحد إخوانهم، وأما إذا كان فيهم قصر فإنه لا يجوز أن يتنازل أحدٌ فيما يختص بهؤلاء الصغار، أي: أن نصيبهم من التركة يجب ألا يؤخذ منه شيء، أما لو تنازل أحد الكبار المرشدين عن نصيبه لأخيه فإن هذا لا بأس به.

السؤال: أنا وكيل شرعي، وأبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، وسبق أن أتاني أحد إخواني أقل مني سناً يطلب مبلغ خمسة آلاف لقوله: بأنه أنفقها على سيارة كانت من ضمن ما ورثه من والدي، وقد أجبت أنني لا أملك هذه النقود، وبعد جدالٍ كاد أن يكون فيه شيء من الاشتباك تنازلت له عن السيارة المشار إليها، وكتبت له على نفسي بأنني سأدفع للورثة ما يطلبونه مقابل تلك السيارة التي أخذها ظلماً وعدواناً، فما حكم الشرع في نظركم في ذلك؟

الجواب: لا يحل لك أن تتنازل عن السيارة المشتركة بينك وبين بقية الورثة إلا بموافقة الورثة، وهذا الأخ الذي ألجأك إلى ذلك لا يحل له شيء من هذه السيارة؛ لأنه ألجأك إلى ذلك؛ ولأن حق شركائكم باقٍ فيها، والواجب الآن رد هذه السيارة، أو استرضاء الجميع، فإذا رضي الجميع وهم بالغون مرشدون فلا حرج، وإلا فلهم الحق في أن يردوا هذه السيارة إلى المال المشترك، وكلٌ يأخذ نصيبه منها.

السؤال: والدتي توفيت قبل ثلاث سنوات، ولم تؤد فريضة الحج، وأريد أن أحج عنها، وأنا لم أتزوج ولم أحج عن نفسي، فهل يصح أن أحج لها والأمر كذلك؟ أفتونا في ذلك؟

الجواب: أولاً لا بد أن نسأل عن هذه الوالدة هل الحج فريضة عليها أم لا؟

لأنه ليس كل من لم يحج يكون الحج فريضة عليه، إذ من شرط الحج: أن يتوفر عند الإنسان مال يستطيع به أن يحج، بعد قضاء الواجبات والنفقات الأصلية، فنسأل: هل أمك كان عندها مال يمكنها أن تحج به؟

إذا لم يكن عندها مال يمكنها أن تحج به فليس عليها حج، فالذي ليس عنده مالٌ يحج به ليس عليه حج، كالفقير الذي ليس عنده مال فليس عليه زكاة، وقد ظن بعض الناس أن الحج فريضةً على كل حال، ورأوا أن الإنسان إذا مات ولم يحج فإن الحج باقٍ في ذمته فريضة، وهذا ظنٌ خطأ، الفقير لا حج عليه، ولو مات لم نقل: إنه مات وترك فريضة، كما أن الفقير لو مات لا نقول: إنه مات ولم يزك، بل نقول: من ليس عنده مال فلا زكاة عليه، فنحن نسأل أولاً: هل أمك كانت قادرة على الحج ولم تحج حتى ماتت؟ أو أنها عاجزة ليس عندها مال؟ فالحج ليس فريضة عليها، وحينئذٍ لا تكن في قلق، ولا تكن منزعجاً من ذلك؛ لأنها ماتت وكأنها حجت ما دامت لا تستطيع الحج.

وعلى الاحتمال الأول أن عندها مالاً تستطيع أن تحج به، ولكنها لم تحج فإنه يحج عنها من تركتها؛ لأن ذلك دينٌ عليها، وإذا لم يمكن كما هو ظاهر السؤال فإنه لا يحل لك أن تحج عنها حتى تحج عن نفسك؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن رجلاً كان يقول: لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من شبرمة ؟ قال: أخٌ لي أو قريبٌ لي، قال له: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة )؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ابدأ بنفسك ).

فلا يحل لك أن تحج عن أمك حتى تؤدي الفريضة عن نفسك، ثم إذا أديت الفريضة عن نفسك فإن كنت في حاجةٍ شديدة إلى النكاح فقدم النكاح؛ لأن النكاح من الضروريات أحياناً، ثم إن تيسر لك أن تحج عن أمك بعد ذلك فحج.

السؤال: ما حكم السترة بالنسبة للمصلي؟ حيث يتساهل فيها البعض، وهل الخط يقوم مقام السترة؟

الجواب: السترة للمأموم ليست بمشروعة؛ لأن سترة الإمام سترةٌ له ولمن وراءه، وأما للإمام والمنفرد فهي مشروعة، فيسن ألا يصلي إلا إلى سترة، ولكنها ليست بواجبة على القول الراجح الذي عليه جمهور أهل العلم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في منى إلى غير جدار، وكان راكباً على حمار أتان -أي أنثى- فمر بين يدي بعض الصف فلم ينكر ذلك عليه أحد )، فقوله: ( إلى غير جدار ) قال بعض أهل العلم: إنما أراد رضي الله عنه إلى غير سترة؛ لأن الغالب في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أن منى ليس فيها بناء؛ ولحديث أبي سعيد : ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه )، فقوله: ( إذا صلى إلى شيءٍ يستره ) يدل على أن الصلاة إلى السترة ليس بلازم وإلا لما احتيج إلى القيد، وعلى هذا فيكون الأمر بالسترة أمراً للندب وليس للوجوب، هذا هو القول الراجح في اتخاذ السترة.

وأما قول السائل: هل يكفي الخط فنقول: إنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر باتخاذ السترة وقال: ( فإن لم يجد فليخط خطاً )، وهذا الحديث علله بعض العلماء وطعن فيه بأنه مضطرب، ولكن ابن حجر في بلوغ المرام قال: لم يصب من قال: إنه مضطرب بل هو حسن؛ وعلى هذا فإذا كان الإنسان ليس عنده ما يكون شاخصاً يجعله سترة فليخط خطاً، وإذا لم يكن له سترة فله حق بمقدار ما ينتهي إليه سجوده، وما وراء ذلك فليس له حقٌ في منع الناس من المرور به، إلا إذا كان يصلي على سجادة أو نحوها فإن له الحق في منع من يمر على هذه السجادة.

السؤال: الطلاق بلا شك وراءه أسباب ودوافع، وهو أبغض الحلال إلى الله، ومن الملاحظ انتشار حالات الطلاق بكثرة، فهلا تتفضلون بتسليط الضوء على النقاط التي تتسبب في الطلاق وطرق النجاة.

الجواب: الطلاق لا شك أنه غير محبوبٍ إلى الله، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالصبر على المرأة، وقال: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19] .

وقال في المولين: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227].

فتأمل كيف فرق بين الفيئة وهي الرجوع إلى أهله وبين عزم الطلاق، فقال في الأول: فَإِنْ فَاءُوا فإن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:226] ، وقال في الثاني: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فإن اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:227] ، وهذا يدل على أن الطلاق ليس محبوباً إلى الله عز وجل، وهو كذلك؛ لما يحصل به من الفرقة بعد الألفة، وربما يكون بين الزوجين أولاد فيتفرق الأولاد وتتشتت أفكارهم، وربما يكون هذا الطلاق سبباً للعداوة بين الزوج وأهل المرأة، وبين المرأة والزوج إلى غير ذلك من المفاسد التي تحصل بالطلاق؛ ولهذا ينبغي للإنسان ألا يطلق إلا عند الضرورة القصوى التي لا تحمل معها البقاء مع زوجته، ثم إن بعض الناس يغضب إذا قالت له زوجته: طلقني، أو إن كنت رجلاً فطلقني، أو أتحداك أن تطلقني، فيغضب ثم يسرع بالطلاق، وهذا لا ينبغي للرجل، ينبغي للرجل أن يكون قوياً، وأن يكون شديد النفس، وألا يتأثر بهذا القول من المرأة، وربما تكون في تلك الساعة قد تساوى عندها البقاء والفراق، ولكنها تندم فيما بعد أشد الندم، فإذا تحدتك زوجتك بالطلاق أو قالت: طلقني أو ما أشبه ذلك فاتركها لا تطلقها، ولا تغضب من هذا، وإذا رأيت من نفسك أنها قد تسيطر عليك وتكون أقوى منك في طلب الطلاق فاخرج من البيت حتى يهدأ غضبها وترجع إلى سكينتها.

فنصيحتي للأزواج: ألا يتعجلوا في الطلاق، بل عليهم أن يتأنوا، ثم ليتذكر الإنسان ما كان بينه وبين زوجته من عشرة طيبة، ثم ليتذكر أيضاً أنه ليس بالسهولة أن يجد زوجةً إذا طلق هذه، وربما ينفر الناس منه إذا رأوه يتزوج ويطلق، يتزوج ويطلق، فلا يزوجونه، وإن كان ذا خلقٍ ودين.

وأما قول السائل: إن الطلاق أبغض الحلال إلى الله فهذا حديثٌ ضعيف يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ضعيف، وفي متنه -يعني في لفظ الحديث- ما فيه؛ لأن قوله: أبغض الحلال إلى الله الطلاق يقتضي أن يكون الحلال بغيضاً إلى الله، ولو كان بغيضاً إلا الله ما كان حلالاً؛ لأن كل ما كان بغيضاً إلى الله فإنه أقل الأحوال يكون حراماً، فالحديث هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

السؤال: ما هو العلاج الشرعي لمن أصيب بالعين؟

الجواب: العلاج الشرعي كثرة القراءة على المصاب، قراءة القرآن والآيات التي فيها ذكر الشفاء في القرآن، فيقرأ مثلاً الفاتحة وآية الكرسي، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] ، ويقرأ مثل قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82] ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ [يونس:57] ، إلى غير ذلك من الأدعية المناسبة، هذا إذا كان لا يعرف الذي أصابه بالعين.

أما إذا كان يعرفه فليفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم العائن أن يغتسل أو يتوضأ، ويؤخذ الماء الذي يتناثر منه ويسقى المريض، أو يصب على رأسه وعلى ظهره حتى يشفى، وقد كان بعض الناس يتهم بأنه أصاب أخاه بالعين إما لكلمةٍ قالها، أو قرينةٍ تدل على ذلك، فيأتي إليه المصاب أو أهله يطلبون منه أن يستغسل بالوضوء أو بالغسل فينفر منهم ويسبهم ويشتمهم ويأبى أن يطيع، وهذا خطأ؛ لأنه ربما يكون الأمر واقعاً، فإن كان واقعاً حصل دفع الأذية التي حصلت منه بفعله بنفسه، وإن لم يكن واقعاً فإنه لا يضره؛ لأنه إذا لم يشف المريض بذلك علم أنه لم يصبه بالعين، وإن شفي بذلك علم أنه أصابه وسلم من أذية أخيه، ومن العقوبة التي تترتب على ذلك إذا كان هو الذي أصابه، وهذا لا يضره، لكن بعض الناس والعياذ بالله تأخذه العزة بالإثم، ويأبى ويقول: أنا عائن، أنا نحوت كما باللغة العامية وما أشبه ذلك، وهذا خطأ، بل انفع أخاك إن كانت العين منك، فتكون قد تخلصت منها، وشفى الله صاحبك، وإن لم تكن منك فإنه لا يضرك ولم ينفعه ما أخذ منك، وحينئذٍ يعرف أنك برئ من العين.

السؤال: هل يكفي مرور الماء فقط على الأماكن التي يتوجب غسلها عند الوضوء؟

الجواب: نعم الواجب في الوضوء والغسل أن يمر الماء على جميع العضو المطلوب تطهيره، وأما دلكه فإنه ليس بواجب، لكن قد يتأكد الدلك إذا دعت الحاجة إليه، كما لو كان الماء بارداً جداً، أو كان على العضو أثر زيت أو دهن أو ما أشبه ذلك، فحينئذٍ يتأكد الدلك ليتيقن الإنسان وصول الماء إلى جميع العضو الذي يراد تطهيره.

السؤال: بالنسبة لجلسة الاستراحة ما حكمها؟ وهل تشرع للإمام والمأموم؟

الجواب: جلسة الاستراحة هي الجلسة التي تكون عند القيام إلى الركعة الثانية أو الرابعة في الرباعية، يعني تكون في الرباعية في موضعين: عند القيام للركعة الثانية، وعند القيام للركعة الرابعة، وفي الثلاثية والثنائية في موضعٍ واحد وهو القيام إلى الركعة الثانية، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أنه إذا كان في وتر من صلاته فإنه لا ينهض حتى يستوي قاعداً )، أي: أن هذه الجلسة ثبتت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث مالك بن الحويرث ، وقد اختلف العلماء رحمهم الله: هل هي جلسةٌ للراحة أو جلسةٌ للتعبد؟

فمن قال: إنها جلسة للراحة قال: إنها لا تسن إلا عند الحاجة إليها، بأن يكون الإنسان كبير السن لا يستطيع النهوض مرةً واحدة، أو في ركبتيه وجع أو مريض، أو ما أشبه ذلك.

فإذا كان محتاجاً إليها فإنه يجلس، وفي هذه الحال تكون مشروعةً من جهة أن ذلك أرفق به، وما كان أرفق بالمرء فهو أولى.

ومن العلماء من قال: إنها جلسة عبادة، وأنها مشروعة لكل مصل سواءٌ كان نشيطاً أم غير نشيط، ومنهم من قال: إنها غير مشروعة مطلقاً، فالأقوال إذاً ثلاثة.

وأرجح الأقوال عندي: أنها جلسة راحة، ودليل ذلك أنه ليس لها تكبيرٌ عند الجلوس ولا عند القيام منها، وليس فيها ذكرٌ مشروع، وكل ركن مقصود فإنه يكون فيه ذكرٌ مشروع، فعلم بهذا أنها جلسة راحة، وأن الإنسان إذا كان محتاجاً إليها فليرح نفسه اقتداءً بنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإلا فلا يجلس، وهذا اختيار صاحب المغني، وهو اختيار ابن القيم في زاد المعاد، وهو أرجح الأقوال فيما أرى، ولكن يبقى النظر إذا كان الإمام يرى هذه الجلسة، والمأموم من ورائه لا يراها؛ لأنه نشيط فهل يجلس تبعاً لإمامه أو يقوم وإن كان إمامه جالساً، أو ينتظر في السجود إذا كان يعلم أن إمامه يجلس حتى يغلب على ظنه أن إمامه استتم قائماً؟

والجواب على هذا نقول: إذا كان الإمام يرى الجلسة وجلسها فإن المأموم يجلس معه. وإن لم يكن يراها مشروعة إتباعاً لإمامه، وإذا كان الإمام لا يرى الجلسة والمأموم يراها، فإن المأموم لا يجلس في هذه الحال اتباعاً للإمام؛ لأن موافقة المأموم للإمام أمرٌ مطلوب، حتى أن الإمام لو قام عن التشهد الأول ناسياً وجب على المأموم متابعته مع أن الأصل أن التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله هذه المسألة في الفتاوى وقال: إن المأموم لا يجلس إذا كان إمامه لا يجلس للاستراحة.