فتاوى نور على الدرب [481]


الحلقة مفرغة

السؤال: أرجو من السادة العلماء الإفادة بما يأتي:

أولاً: حقوق الوالد على أبنائه؟

الجواب: أشكر الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة الجليلة في هذا البرنامج؛ نور على الدرب، حيث كان يصل إلى بلاد أخرى غير بلادنا وينتفع به المسلمون، وهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى للقائمين بهذا البرنامج، وعلى هذا البرنامج، وعلى من ينتفع به من المسلمين في كل مكان، فنسأل الله تعالى أن يزيد الجميع من فضله، وأن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح.

أما الإجابة على هذا السؤال: حقوق الوالد على أولاده، فحقوق الوالد الأم والأب على أولادهما حقوق كبيرة عظيمة جعلها الله عز وجل بعد حقه، فقال سبحانه وتعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23] ، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت:8]، وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا [الأحقاف:15].

والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكذلك الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان فضل بر الوالدين والحث عليه كثيرة معلومة لكثير من الناس، وقد أشار الله عز وجل في سورة الإسراء إلى حال يصل بها الوالدان إلى سآمة الولد وملله وتعبه، وينهى سبحانه وتعالى الولد أن يتضجر منهما إذا وصلا إلى هذه الحال، فقال الله تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23-24]، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه جعل عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، فقال في حديث أبي بكرة رضي الله عنه: ( أكبر الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين ).

فالواجب على الولد من ذكر أو أنثى أن يقوم بحق والديه على الوجه الذي يرضى به الله عز وجل، وألا يفرط في حقهما، وليعلم أن البر كما يقول العامة: أسلاف، وأن من بر بوالديه بر به أولاده، ومن عق والديه عوقب بعقوق أولاده، إلا أن يتوب إلى الله مما صنع، فإن من تاب تاب الله عليه.

السؤال: أسأل عن حق الزوج على الزوجة، وحق الزوجة على الزوج؟

الجواب: قال الله تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، وأعلن النبي عليه الصلاة والسلام في خطبته عام حجة الوداع أن على الزوج لزوجته رزقها وكسوتها بالمعروف.

فالواجب على كل من الزوجين أن يقوم بالحق الذي لصاحبه عليه على وجه رضي لا تكره فيه، ولا تململ، ولا مماطلة، حتى تتم العشرة بينهما على الوجه المطلوب، وتحصل السعادة الزوجية.

ومن المعلوم أن الزوجين إذا رزقا أولاداً فإن أخلاقهما تنعكس على أولادهما، إذا كانت أخلاقاً فاضلة طيبة اكتسب الأولاد منها أخلاقاً فاضلة طيبة، وإذا كان الأمر بالعكس كان الأمر بالعكس، فمن حقوق الوالدين على أولادهما بذل المعروف كالإنفاق، والخدمة، والجاه، وغير ذلك مما ينتفع به الوالدان.

حق الزوجة: الكسوة، والنفقة بالمعروف بدون شح ولا مماطلة.

حق الزوج على زوجته: أن تطيعه فيما أمرها به ما لم يكن ذلك في معصية الله عز وجل.

وكذلك حق الوالد على الولد أن يطيعه في غير معصية الله عز وجل، وفي غير ما يضر الولد؛ ولهذا لو أمر الوالد ابنه أن يطلق امرأته فإنه لا يلزم الابن طاعته إلا إذا كان أمره بذلك لسبب شرعي فعليه أن يطلق، كما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك.

السؤال: تقول بأنها امرأة متزوجة تبلغ من العمر الثانية والثلاثين، تقول: وقد توفيت والدتي يوم ولادتي، فربتني عمتي منذ ذلك اليوم وتكفل بي زوجها ورباني مثل ابنته، وتكفل بمعيشتي، وهما لم يرزقا بالأولاد حينها مما منعهما من إرضاعي، وقد عشت مع زوج عمتي كأنه والدي ما يقارب من ثمانية عشر عاماً ثم تزوجت، وأصبحت لا أقابله إلا بالعباءة ولبس ساتر، فهو كوالدي، وكذلك ابنه الصغير الذي بلغ الآن خمسة عشر عاماً ربيته كأخ صغير حتى كبر، وأنا الآن حائرة ولا أدري ما حكم ذلك برغم أنني أستر جسمي ولا أكشف لهما إلا وجهي ويدي وأعاملهما كالوالد وكالأخ لي وهما كذلك؟ مع العلم بأن والدي هذا تجاوز الستين من عمره، فما حكم كشف وجهي لهما مع وجود عمتي وأولادي وزوجته؟ فأنا يعلم الله بأنني أحبهما ولا أنظر إليهما إلا كأب وأخ حقيقيين، ولا أناديه إلا بأبي، فله الفضل بعد الله عز وجل علي، فماذا أفعل يا فضيلة الشيخ؟

الجواب: لا شك أن هذا الرجل أحسن إليك، وأن له حقاً عليك بالمكافأة، فإن لم تجد ما تكافئينه به فبالدعاء حتى تري أنك قد كافأتيه، ولكن كل هذا لا يحل شيئاً مما حرمه الله عز وجل، فلا يحل لك أن تكشفي وجهك عنده؛ لأنه أجنبي منك، فهو كغيره من الناس الذين ليسوا بمحارم، لكن له حق الدعاء والإكرام والمكافأة، وكذلك ابنه هو كغيره من أبناء الناس، ليس بينك وبينه رحم حتى تكشفي عنده، بل الواجب عليك ستر ما يجب ستره عند الرجال سواهما، ونرجو من الله عز وجل أن يثيب هذا الرجل الثواب الجزيل بمنه وكرمه لقيامه بما قام به نحوك.

السؤال: اغتبت أحد الأشخاص في مجلس من المجالس؛ نظراً لأنه أساء إلي، وقد ذهبت إليه لأستسمحه عن هذه الغيبة، وأعرف تحريم الغيبة والنميمة، فقدمت له عذري وقلت له: أعتذر منك فقد اغتبتك وأرجو أن تسامحني ولكنه قال: اذهب، الله لا يحلك، فما حكم الشرع في عملي هذا؟

الجواب: نقول: إن الواجب على الإنسان إذا تاب من مظلمة لأخيه عليه أن يؤدي إليه مظلمته في الدنيا قبل أن تؤخذ من أعماله الصالحة في يوم القيامة، إن كانت مالاً فليؤده إليه، وإن كانت عرضاً فليستحل منه، وإذا بذل ما يستطيع من طلب إحلاله منه فأبى من له حق فإنه مع التوبة الصادقة النصوح يقضي الله عز وجل عنه ما تحمله لأخيه، والذي أشير به على إخواني المسلمين أن الإنسان إذا جاء منهم معتذراً من عدوان اعتدى عليهم به فليقبلوا عذره ليقبل الله أعذارهم منهم يوم القيامة، فإن ( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ).

وكيف يتحمل الإنسان أن يأتيه أخوه معتذراً نادماً يطلب منه أن يحلله ثم يقول: لا حللك الله، هذا شيء ينبغي أن لا يوجد في مجتمع مسلم يود لأخيه ما يود لنفسه، فها هنا أمران:

الأمر الأول: نصيحة هذا الذي اغتاب غيره بأن يحرص غاية الحرص على أن يحلله في الدنيا، فإن بذل كل ما يستطيع ولم يحصل هذا فإننا نرجو من الله عز وجل أن يتحمل عنه.

وأما بالنسبة للذي جاء إليه أخوه يعتذر منه فإننا نحثه على قبول عذره، فإن ذلك مما يزيل العداوة والبغضاء، ويصفي القلوب، ويدني بعضها من بعض، وإذا عفا عن عباد الله عفا الله عنه.

السؤال: فضيلة الشيخ! نسمع عن الكرامات لبعض الناس، ونسمع كثيراً في بلدنا عن هذا الموضوع بأن هذا الرجل من أولياء الله الصالحين، فما حكم ذلك أيضاً؟

الجواب: الكرامات خوارق للعادة يجريها الله عز وجل على يد الرجل الصالح تكريماً له، أو إقامة دليل على أن ما عليه فهو حق، فالكرامات إما لمصلحة الشخص نفسه أو لمصلحة الدين، ولكنها لا تكون إلا للأولياء المتقين، قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، فهذا هو الولي الذي قد يظهر الله على يديه من الكرامات ما يدل على صدقه، وصحة منهجه، وهذه الكرامات موجودة في الأمم السابقة، وموجودة في هذه الأمة، ولا تزال موجودةً فيها إلى يوم القيامة، فمن الكرامات للأمم السابقة ما جرى لـمريم بنت عمران حينما حملت بعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم:23-25]، فأنت ترى هذه الكرامة لامرأة في فلاة من الأرض حامل أتاها المخاض فيسر الله لها هذا الطعام والشراب، قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم:24]، وفي الطعام قال: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم:25] .

امرأة نفساء والمرأة ضعيفة تؤمر بأن تهز بجذع النخلة لا في رأسها، والهز بالجذع لا يحرك النخلة لكن كرامةً لها تحركت النخلة، ثم لما تحركت تساقط الرطب رطباً جنياً لم يتأثر بسقوطه على الأرض، مع أن الغالب أن الرطب إذا سقط من أعلى فإنه يفسد ويتمزق بسقوطه على الأرض، لكن هذا الرطب الذي تساقط على مريم تساقط عليها رطباً جنياً لم يتأثر بالأرض، ولم يتمزق بها، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم:26] يعني: كلي واشربي قريرة العين من غير خوف ولا حزن، هذه من الكرامة.

ومن الكرامات في الأمم السابقة: ما جرى لأصحاب الكهف، فتية آمنوا بربهم، كرهوا ما عليه قومهم من الشرك بالله عز وجل، فخرجوا عن البلد فأووا إلى غار، وناموا به، أتدري كم ناموا؟ ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وهم نيام، لا يحتاجون إلى أكل ولا إلى شرب، ولا إلى بول، ولا إلى غائط، ولم تتمزق ثيابهم، ولا تنمو شعورهم، ولا أظفارهم، بل بقوا على ما هم عليه كل هذه المدة يقلبهم الله تعالى ذات اليمين وذات الشمال؛ لئلا يتحجر الدم على اليمين إن بقوا على اليمين دائماً، أو على اليسار إن بقوا على اليسار دائماً، ثم إنهم في كهف وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ [الكهف:17]، فلا تدخل عليهم الشمس، فلا يسخنون، ولا يفسدون من الحر ولا البرد، وهذه آية من آيات الله عز وجل، وكرامة من كرامات الله.

ومن الكرامات في هذه الأمة ما يذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أرسل سريةً إلى العراق وعليها رجل يقال له: سارية بن زنيم ، فحصره العدو، فكشف لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يخطب الناس يوم الجمعة عن حال هذا القائد، فسمعه الناس يقولون: الجبل يا سارية ! الجبل يا سارية ! فسمع ذلك سارية فانحاز بالناس إلى الجبل فسلم، وصارت العاقبة له، فأنت ترى الآن كرامة واضحة بالنسبة لـعمر وبالنسبة لـسارية ، عمر رضي الله عنه كلم الرجل سارية وسارية سمع كلامه، وليس هناك هاتف ولا برقية، ولكنها قدرة الله عز وجل.

وإذا أردت أن تعرف هذه الكرامات فراجع كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله المسمى: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وليعلم أن كثيراً ممن يدعي الولاية اليوم تكون دعواه كذباً؛ لأنك إذا فتشت عن حاله وجدته من أعداء الله لا من أولياء الله، فكيف يدعي أنه وليٌ لله، ونراه يجري على يديه الكرامات؟! فإن قال قائل: نعم إنه تجري على أيديهم خوارق، قلنا: هذا من أعمال الشياطين، تعمل لهم الخوارق من أجل أن يضلوا الناس بغير علم، بل من أجل أن يضلوا الناس عن علم؛ ولهذا نقول: إن الكرامة لا تكون إلا لولي، والولي بينه الله عز وجل في قوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، فأنت إذا أردت أن تزن الرجل وهل هو ولي أو عدو فعليك بهذه الآية: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، فإذا كان مؤمناً تقياً فهو ولي، وإلا فهو دعي وليس بولي.

السؤال: لي جار غير مسلم -يا فضيلة الشيخ- وفي بعض المناسبات يرسل لي طعاماً وحلوى بين الفينة والأخرى، فهل يجوز لي أن آكل من ذلك وأطعم أولادي؟

الجواب: نعم، يجوز لك أن تأكل من هدية الكافر إذا أمنته؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل هدية المرأة اليهودية التي أهدت إليه الشاة، وقبل دعوة اليهودي أيضاً الذي دعاه إلى بيته فأكل منه عليه الصلاة والسلام، فلا حرج في قبول هدية الكفار، ولا في الأكل من بيوتهم، لكن بشرط أن يكونوا مأمونين، فإن خيف منهم فإنها لا تجاب دعوتهم، وكذلك أيضا يشترط ألا تكون المناسبة مناسبة دينية كعيد الميلاد ونحوه فإنه بهذه الحال لا يقبل منهم الهدايا التي تكون بهذه المناسبة.

السؤال: أصلي في منزلي مع أولادي لأنني في شقة بعيدة عن المسجد، يقول: وأذهب إلى المسجد بسيارتي، فهل يجوز لي ذلك؟

الجواب: نعم، يجوز للإنسان إذا كان يشق عليه أن يحضر إلى المسجد بنفسه أن يركب على السيارة حتى يصل إلى المسجد، ولكن أهل العلم يقولون: إن ذلك لا يجب عليه إلا في صلاة الجمعة خاصة، أما الصلوات الأخرى فلا يلزمه أن يركب إذا كان يشق عليه المشي، إلا أن الركوب والحضور أحسن وأولى.