فتاوى نور على الدرب [464]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يخلد القاتل في النار؟ وما الجواب فيمن قتل نفسه؟

الجواب: نعم، القاتل للمؤمن عمداً قال الله فيه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] ، فذكر الله له خمس عقوبات: جزاءه جهنم، خالداً فيها، غضب الله عليه، لعنه، أعد له عذاباً عظيماً.

وأما من قتل نفسه فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يعذب في جهنم بما قتل به نفسه خالداً فيها مخلداً، نسأل الله العافية، وعلى هذا فيجب الحذر من قتل الإنسان نفسه، وقتله غيره من المؤمنين، فإن في ذلك الوعيد الشديد الذي سمعته السائلة، وليعلم أن من الشر والبلاء ما يفعله بعض الناس إذا ضاقت عليه الأمور في الدنيا ذهب يقتل نفسه، ويظن أنه ينجو بذلك من هذا الضيق، وما علم المسكين أنه ينتقل من ضيق إلى أعظم، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، فهو إذا قتل نفسه عمداً أعد الله له هذه العقوبة العظيمة بأن يعذب بما قتل به نفسه في جهنم خالداً فيها مخلداً، وهذا القتل لا ينجيه أبداً مما وقع فيه من الشدة، بل ينتقل من شدة إلى أشد، ومن عذاب إلى أعظم، نسأل الله العافية والسلامة.

السؤال: أرجو توجيه نصيحة لأئمة المساجد، وهو أنهم جزاهم الله خيراً في أثناء التكبير في الصلاة وبالأخص عند الجلوس للتشهد الأول أو الأخير تكون نبرة الصوت عندهم متساوية في جميع التكبيرات، وهذا يحدث إرباكاً للمصلين وخصوصاً الذين لم يلحقوا إلا الركعة الثانية، فهو يكبر للجلوس للتشهد الأول، وهذا المصلي قد يقف ظناً منه أنه قام للركعة الثانية -أعني: الإمام- حيث أنه لم يغير من نبرة صوته لينتبه المصلون بالجلوس للتشهد الأول، وكذلك الحال لو صف المأموم في بداية الركعة الثالثة أو الرابعة فسوف يتكرر هذا الإرباك بين المصلين، آمل من فضيلتكم إيضاح ذلك للأئمة عموماً، وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في هذا الموضوع أعني: تخفيض الصوت عند الجلوس للتشهدين، أم أن هناك نصاً يمنع من ذلك؟

الجواب: ما ذكره السائل من أن بعض الأئمة لا يفرقون في التكبير بين القيام والجلوس، والركوع والسجود هو ظاهر السنة، فإنني لا أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفرق بين التكبيرات، بل ظاهر السنة أن تكبيراته سواء، وقد ثبت في الحديث الصحيح: ( أنه صلى عليه الصلاة والسلام ذات يوم على المنبر -والمنبر كما هو معروف درج- فكان عليه الصلاة والسلام يقوم ويركع وهو على المنبر، فإذا أراد السجود نزل فسجد على الأرض ثم قال: إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي )، وفي هذه إشارة إلى أنه لا يفرق بين التكبير؛ لأنه لو فرق بين التكبيرات لكان الناس يعرفون أنه راكع أو ساجد أو جالس أو قائم في التكبيرات، ولا أعلم أيضاً أن أحداً من أهل العلم قال: إنه يفرق بين تكبيرات الجلوس والسجود والركوع، غاية ما سمعت أو غاية ما اطلعت عليه من كلام العلماء: أن بعض العلماء قال: ينبغي أن يمد التكبير إذا سجد وإذا قام من السجود؛ لطول الفصل بين السجود والقيام، وأما أن يفرق بين الجلوس للتشهد الأخير والجلوس لما بين السجدتين، أو التشهد الأول والجلوس لما بين السجدتين فهذا لا أعلم له أصلاً من السنة، وعلى هذا فما كان يفعله الأئمة الذين شكاهم هذا السائل هو ظاهر السنة، ولا ينكر عليهم.

وأما ارتباك المأمومين فإن ارتباكهم في الغالب يكون لغفلتهم، حيث يسرحون في الوساوس وأحاديث النفس، ولا يتابعون الإمام إلا على نبرات صوته، لكن إذا كان لا يفرق بين التكبيرات كان هذا أدعى لحضور قلوبهم وانتباههم؛ لأن الإنسان لا يحب أن يقوم والناس جلوس، أو أن يجلس والناس قيام، فتجده قد شد نفسه وانتبه إلى إمامه أشد مما لو كان يتابع مجرد نغمات الصوت، وأما من دخل في أثناء الصلاة فهذا ربما يحصل منه ارتباك وإن كان حاضر القلب، لكن هو سيصلي إلى جنبه أناس قد سبقوه في الدخول في الصلاة فسوف يراهم، ثم يتابع الإمام على حسب ما يرى المأمومين الذين خلفه، ولا شك أن الإنسان كما يأتم بالإمام يأتم بمن خلفه إذا كان لا يمكنه الائتمام بالإمام.

السؤال: في إحدى المناسبات في الزواج كنا من الحاضرين أنا ووالدي، وعندما حضر أقارب الزوج إلى مكان الحفل واكتمل العدد قام أحد الإخوة جزاه الله خيراً وارتجل كلمةً طويلة وأذكر أنها كانت نصيحة في الترهيب، والحقيقة لو أن الكلمة كانت قصيرة لكانت أبلغ في التأثير، ولكن لطولها واستشهاده بالأحاديث طالت الكلمة، فقام أحد الحاضرين وقاطعه وقال: يكفي، يكفي ما قدمت جزاك الله خيراً، فغضب المتحدث وقال: كأنك لا تحب الذكر، فهل على الذي قال: يكفي أو كفى إثم؟

الجواب: ما ذكرته من فعل بعض الإخوة أنهم يقومون ليلة الزفاف يتحدثون ويعظون الناس، فلا ريب أن الذين فعلوا هذا إنما قصدوا الخير، وتذكير الناس وموعظتهم، ولكن ينبغي للإنسان الواعظ للناس أن يكون حكيماً في موعظته، فيتخير الوقت المناسب، والمكان المناسب، والحالة المناسبة، بل والأشخاص؛ لأن الإنسان قد يكون في بعض الأوقات متهيئاً لقبول النصيحة والموعظة والتذكير، وفي بعضها لا يكون مستعداً لذلك، فتراعى حاله، وكذلك أيضاً قد يكون في بعض الأماكن لا ينبغي التحدث؛ لأن الناس في شغل آخر فيسأمون ويضيقون عليهم، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة عليهم )، وهذه هي الحكمة، ولا شك أن ليالي الزفاف ليالي أنس وفرح وسرور؛ ولهذا رخص بالغناء والدف في تلك الليلة على وجه الفرح والسرور، لكن بشرط أن يكون ذلك بالدف لا بالطبل، وأن يكون الغناء غناءً نزيهاً مجرداً عن الفتنة، فإذا كان الناس على هذا الاستعداد ونفوسهم متهيئة في الفرح والسرور، ولملاقاة بعضهم بعض، وربما يكون أحدهم قد لاقى أخاه ولم يلقه من زمان بعيد فيفرح بلقياه ويتحدث إليه بأحواله وأحوال أهله، فإذا كانت هذه الموعظة سئموها وملوها، فالإنسان ينبغي له أن يتحرى الوقت المناسب، والمكان المناسب، والحالة المناسبة؛ لأن المقصود هو قبول الناس واتجاههم وتهيئهم لسماع ما ينقل إليهم وانتفاعهم به، ولو أن هذا الأخ المذكور جزاه الله خيراً اختصر واقتصر على الأهم؛ لأن الوقت لا يناسب التطويل، فلو اقتصر على المهم أو الأهم؛ لأن الوقت لا يناسب التطويل لكان خيراً له، وأرى في هذه المناسبة ألا يتكلم أحد إلا إذا رأى أن الناس متهيئون لهذا، بأن طلبوا منه أن يتكلم أو طلب منه صاحب البيت أن يتكلم، أو سأله سائل عن مسألة وتكلم بصوت مرتفع لينتفع الناس، فهذا طيب، ويكون الناس إلى القبول أقرب منهم إلى الإعراض، وكذلك لو رأى منكراً فقام وتكلم فوعظ ونصح فهذا أيضاً مناسب، فلكل حال مقال.

ونسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من الهداة المهتدين الموفقين للحكمة والرحمة والخوف.

السؤال: ما هو علاج النسيان سواء كان للقرآن الكريم أو لغيره من العلوم الشرعية؟

الجواب: دواء النسيان التعاهد يعني: تعاهد الإنسان ما حفظ، كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن نتعاهد القرآن، وقال: ( تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها ).

فليتعاهد الإنسان ما حفظ بأن يقرأه دائماً حتى لا ينساه، والنسيان غريزة بشرية، فبعض الناس يكون مجبولاً على عدم النسيان، يكون مجبولاً على سرعة الحفظ وبطء النسيان، ومن الناس من يكون سريع الحفظ سريع النسيان، ومنهم من يكون بطيء الحفظ سريع النسيان فيختلفون، فالأقسام أربعة: ناتجة من ضرب اثنين في اثنين، بالنسبة لسرعة الحفظ والنسيان، ويكون النسيان أيضاً بسبب غير غريزي ومن ذلك المعاصي، فإن المعاصي سبب للنسيان، قال الله تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13] . ويذكر أن الشافعي رحمه الله عليه له قال:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاص

إذا كان هذا هو السبب -أعني: المعاصي- فإن دواء ذلك أن يتوب الإنسان من المعصية، وأن يقبل على الله، وأن يكون مهتماً بأموره التي يلزمه الاهتمام بها، سواء كانت خاصةً به أم عامة، أما أن يشغل نفسه بما لا فائدة فيه فإن ذلك من اللغو، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )، وهذا التشاغل بما لا فائدة فيه هو من أسباب النسيان أيضاً؛ لأن المعلومات والتذكرات تتراكم على الإنسان فينسي بعضها بعضاً.

السؤال: إذا ابتلي الإنسان بجار سوء سيئ الخلق ضعيف الدين، فهل هناك إثم إذا أفهم هذا الجار بأننا نفضل ألا يقوم بزيارتنا؟

الجواب: لا ينبغي إذا كان الجار مبتلىً بالمعاصي أن نقاطعه، بل حقه علينا أن نواصله بالنصيحة، وأن نتألفه بالدعوة، ندعوه إلينا ونذهب إليه حتى يهديه الله عز وجل، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )، فكوننا ندع هذا الجار وذنوبه ومعاصيه هذا خطأ عظيم، بل الواجب علينا نصيحته، ونحن إذا ذهبنا إليه في البيت وتكلمنا فيما هو عليه من الإثم والمعصية فربما يخجل، وربما يفتح الله عليه، فتكون هدايته على أيدينا، أما إذا تركناه وشأنه فلا شك أن هذا خطأ منا وتقصير، وإذا كان الواجب علينا أن نحسن إلى جارنا في الأمور المادية فإن حقاً علينا أن نحسن إليه أيضاً فيما ينفعه في دينه من النصح والإرشاد، وتبادل الزيارات، ويا حبذا لو أننا أهدينا إليه شيئاً من الرسائل الصغيرة التي يقرأها بسرعة وسهولة، أو شيئاً من الأشرطة المفيدة، فإن الله سبحانه وتعالى قد ينفعه بذلك.

السؤال: طلبت مني زوجتي أن أذهب بها إلى أحد الأشخاص الذين يرقون على المرضى، إلا أنني لم أتشجع لذلك مع علمي بجواز الرقية بشروطها، والسبب في ذلك هو أن كثيراً من هؤلاء الذين يقرءون جعلوا من عملهم وسيلة للتكسب فينظرون ماذا يدفع لهم، وقد يطلبون مبلغاً معيناً، فهل عملي في محله؟

الجواب: إن تأثير الإنسان في قراءته على حسب إخلاصه ونيته، والذي ينبغي للقراء الذين ينفع الله بهم أن يخلصوا النية لله عز وجل، وأن ينووا بقراءتهم على المرضى التقرب إلى الله، والإحسان إلى عباد الله، حتى ينفع الله بهم، ويجعل في قراءتهم خيراً وبركة.

السؤال: الاستغفار بعد الصلاة هل هو عام في جميع الصلوات الفرض والنفل أم هو خاص بالفرائض فقط؟

الجواب: الذي يظهر لي من السنة أن الاستغفار، وقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام وبقية الأذكار إنما تكون في الفريضة فقط؛ لأن الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الليل لم يذكروا أنه فعل ذلك بعد أن ختم صلاته، لكن جاء حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا سلم من الوتر أن يقول: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يمد صوته في الثالثة ).

السؤال: هل يجوز صيام الست من شوال متفرقة؟ وأيهما الأفضل: متتابعة أم متفرقة؟

الجواب: الأفضل في صيام الست من شوال أن تكون متتابعة، وأن تكون بعد يوم الفطر مباشرة؛ لما في ذلك من المسارعة إلى الخير، ولا بأس أن يؤخر ابتداء صومها عن اليوم الثاني من شوال، ولا بأس أن يصومها الإنسان متفرقة إلى آخر الشهر؛ لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر )، ولم يشترط النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون متتابعة، ولا أن تكون بعد رمضان مباشرة.

السؤال: بعدما أنتهي من صلاة الفرض هل أقوم أصلي السنة أم أسبح وأحمد الله وأكبر وأقرأ المأثورات ثم أصلي السنة؟

الجواب: نعم، هذا هو الأفضل، أن الإنسان إذا صلى الفريضة أتبعها بما يشرع بعدها؛ لقول الله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103] ، فتأتي بالاستغفار، وقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، والذكر والتسبيح والتكبير والتحميد حسب ما ورد، ثم بعد ذلك تصلي النافلة، والأفضل للإنسان أن يصلي النافلة في بيته، الراتبة وغير الراتبة، إلا ما شرع في المسجد كقيام رمضان، وكصلاة الكسوف عند القائلين بأنها سنة وليست بواجبة، وعلى هذا فالأفضل للرجل أن يصلي الراتبة في بيته التي قبل الصلاة والتي بعد الصلاة، إلا أن يخاف أن تقام الصلاة إذا صلى في بيته فحينئذٍ يؤخر الصلاة حتى يصل إلى المسجد فيصلي الراتبة.

السؤال: هل يجوز لي لبس النقاب وأنا في حج أو عمرة، لكن يكون على العينين غطاء خفيف؟

الجواب: المحرمة لا يجوز لها أن تنتقب؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا تنتقب المرأة ).

وأما تغطية وجهها بغير نقاب فلا بأس به إذا مر الرجال الأجانب عنها قريباً، بل يجب عليها في هذه الحال أن تستر وجهها، ولا بأس عليها إذا مست السترة وجهها، فالمرأة في حال الإحرام يشرع لها كشف الوجه إلا إذا مر الرجال قريباً منها فإنها تستره، وأما النقاب فحرام عليها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.