خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [446]
الحلقة مفرغة
السؤال: امرأة تبلغ من العمر الثانية والعشرين، طلقها زوجها في طهر، ولبثت أربعة أشهر ولم تأتها الدورة الشهرية؛ بسبب نقص في الهرمونات الخاصة بالدورة والله أعلم، ثم ذهبت لطبيبة نساء وأخذت علاجاً وفعلاً أتتها الدورة بعد ذلك ثلاث مرات، فهل انقضت عدتي والحال ما ذكرت؟ علماً بأنها لم تأخذ الدواء إلا بعد التأكد بأنه لا يوجد حمل، علماً بأنه قبل الطلاق كانت تأخذ مثل هذا الدواء وترجو من فضيلة الشيخ الإجابة؟
الجواب: إذا وجبت العدة على المطلقة وهي من ذوات الحيض فإن عدتها ثلاث حيض كاملة لا يمكن أن تخرج من العدة إلا بهذه الحيض ولو طالت المدة، وعلى هذا لو أن شخصاً طلق امرأته وهي ترضع في طهر لم يجامعها فيه وبقيت ولم يأتها الحيض إلا بعد أن فطم الصبي فإنها تبقى في عدتها؛ لعموم قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، وبناءً على ذلك نقول لهذه السائلة: لو أنها أبقت الأمر على ما كان عليه فلعل زوجها يراجعها؛ لأنه له الرجعة ما دامت في العدة لكان هذا أولى بها، ولكن ما دامت تعجلت وهي لم تقصد إسقاط حق الزوج وإنما تقصد الخلاص من العدة لعل الله أن يرزقها زوجاً جديداً فإن ما قامت به من تناول هذه الحبوب التي أدت إلى نزول الحيض لا بأس به ولا حرج عليها في ذلك.
السؤال: قبل ثلاث سنوات وقعت في شهر رمضان بخطأ استوجب مني صيام شهرين متتابعين، وبعد صيام ثلاثين يوماً أبلغت من شخص بأن هذه الفترة مجزية أي تحقق التتابع؟
الجواب: على كل حال نقول لهذا الأخ: إن الرجل إذا جامع زوجته في نهار رمضان في حال يجب عليه الصيام فيها فإن عليه أن يكفر بعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وإذا كان هذا الرجل قد اقتصر على صيام الشهر الواحد فإن ذلك لا يجزئه، ويجب عليه أن يستأنف من جديد؛ لأنه لو أتم لفات التتابع، والتتابع شرط لقول النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي جاء يتستفتيه وقد جامع امرأته في نهار رمضان قال: ( هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )، وهذه القضية تبين لنا الخطر العظيم الذي يحصل من فتوى بعض الناس لبعض عن غير علم، فإن هذا المفتي الذي أفتاه لا شك أنه لا علم عنده، والفتوى بغير علم محرمة في كتاب الله، وهي قول على الله، وقد قال الله سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة:44-46]، وقال الله عز وجل: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، فعلى إخوتنا الذين يتسرعون في الفتوى ويفتون بغير علم أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم وأن يحذروا عقاب الله، وأن يعلموا أنهم مسؤولون عن هذا كما قال تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، ثم إن الذين يفتون بغير علم قد يترتب على فتواهم ضرر على غيرهم كما حصل في هذه القضية، فإن هذا الرجل بعد أن كان قائماً بما يجب عليه من الصيام وعازماً على أن يتم الشهرين قد اغتر بفتوى هذا الرجل الذي أفتاه بالاقتصار على شهر، وهذا ضرر على الغير في الفتوى بغير علم. ثم إنه ينبغي لعامة الناس إذا أفتاهم أحد بما يستنكرونه ويخالف ما هم عليه ألا يتسرعوا في قبول فتواه حتى يسألوا من هو أعلم منه؛ لأنه ربما يكون هذا الذي أفتاهم قد فهم خطأ أو لم يدرس المسألة دراسة وافية فيحصل بذلك الخلل.
السؤال: ما حكم الشرع في تلك النساء السافرات المتبرجات ويقلن: نحن نصلي ونصوم فهل عملهن مقبول اعتماداً على قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7]؟
الجواب: نعم المؤمن إذا عصى الله عز وجل فإنه لا يخرج من الإيمان بمجرد المعصية، وإنما يخرج من الإيمان بالكفر، وعلى هذا فإذا عصى الله عز وجل فإن معصيته هذه لا تمنع قبول أعماله الصالحة بل أعماله الصالحة مقبولة ولو مع استمراره على هذه المعصية، ولكن يجب عليه -أي: على المؤمن- إذا علم بالمعصية أن ينزع عنها ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى ليتحقق بذلك إيمانه، فإن من كمال الإيمان وتمام الإيمان أن لا يصر الإنسان على معصية، قال الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136]، فعلى المؤمن إذا علم بالمعصية أن يقلع عنها وأن يتوب إلى الله، وأن يسأل الله العلم النافع الذي يتمكن به من معرفة الأمور على ما هي عليه.
السؤال: الصلاة على المذياع وأداء الفرائض بشكل تام مع الإمام هل تصح كما يقال إنما الأعمال بالنيات؟
الجواب: لا تصح الصلاة خلف المذياع أو خلف التلفزيون اقتداءً بالإمام الذي يسمعه من خلال ذلك؛ لأن صلاة الجماعة لا بد أن يكون الناس فيها مجتمعين وأن تتصل صفوفهم، فإذا كانوا خارج المسجد ولم تتصل الصفوف فإن صلاتهم لا تصح ولو سمعوا تكبير الإمام وتسميعه وقراءته؛ لأن الجماعة مشتقة من الجمع ولا بد من الاجتماع، والاجتماع لا يحصل مع هذا البعد والتفرق، ثم إنه لو فتح للناس هذا الباب لتكاسل الناس عن صلاة الجماعة، ولصار كل واحد منهم يصلي خلف المذياع أو خلف التلفزيون ويقول: أنا أدركت الجماعة ولا حاجة إلى أن أخرج وأتعب نفسي.
السؤال: إذا حلف الشخص أن يعمل عملاً في الحاضر وعمله في المستقبل فهل يلزمه كفارة؟
الجواب: إذا حلف الإنسان على شيء أن يفعله وقيد هذا الفعل بوقت وفات الوقت قبل فعله لزمته الكفارة، مثال ذلك إذا قال: والله لأصلين اليوم ركعتين ففات اليوم فإن عليه كفارة، أما إذا قال: والله لأصلين ركعتين ولم يقيدها فهو بالخيار إن شاء عجل وهو أفضل وأبرأ للذمة، وإن أخر فلا بأس.
السؤال: إذا كان في الحلي عليه صورة حيوان هل يجوز لي أن ألبسه أم أنه لا يجوز؟
الجواب: لا يجوز للإنسان أن يلبس شيئاً عليه صورة سواء كان حلياً أو ثياباً، وسواء كانت ثياباً كاملة كالقمص أو نصف ثوب كالفنايل، فكل شيء فيه صورة أو صنع على شكل صورة فإنه لا يجوز للإنسان أن يلبسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة )، وهذا إذا لبسه حرم نفسه من مصاحبة الملائكة له.
السؤال: إذا كان شخص عنده دين لشخص ما وأعطاه حاجة ثمنها يساوي هذا الدين الذي عنده هل هذا العمل جائز؟
الجواب: لا يجوز للدائن إذا أهدى إليه المدين شيئاً أن يقبل منه إلا إذا نوى احتسابه من دينه أو نوى بمكافأته مثله أو حسن منه، مثال ذلك: لو كان لشخص على آخر مائة ريال ثم أهدى إليه المطلوب ما يساوي خمسين ريالاً فإنه لا يجوز له قبوله إلا إذا أراد أن يخصمه من دينه ويبقى على المدين خمسين ريالاً فقط، أو إذا نوى مكافأته عليه بإعطائه ما يساوي خمسين ريالاً أو أكثر، أما أن يأخذ هذه الهدية التي تساوي نصف دينه ثم يطالب بدينه كاملاً فإن ذلك لا يجوز.
السؤال: ما حكم الشرع في تعدد الجوامع في الحي الواحد مما يؤدي إلى قلة المصلين في هذه المساجد؟
الجواب: الذي نرى أنه لا تجوز إقامة الجمعة في أكثر من مسجد واحد إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك كتباعد البلد أو ضيق المسجد أو خوف الفتنة أو ما أشبه ذلك، وقد نص على ذلك أهل العلم رحمهم الله وأخص بذلك فقهاء الحنابلة؛ ولأن تعداد الجمعة لغير حاجة مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجمع في عهده إلا جمعة واحدة، بل إن تعدد الجمعة لم يحصل إلا في القرن الثالث الهجري كما ذكر ذلك بعض أهل العلم؛ ولأن تعدد الجمعة بدون حاجة يؤدي إلى فوات ميزتها على غيرها، فإن صلاة الجمعة كاسمها لا بد فيها من اجتماع، فإذا توزعت في المساجد لم يكن بينها وبين غيرها فرق، فيفوت بهذا التعدد مقصود الجمعة وهو اجتماع الناس على إمام واحد وائتلافهم، ومن مفاسد التعدد أنه يكون فتح باب للكسلان؛ لأن الغالب أن الجمعة لا تتحد في فعل الصلاة ابتداء وانتهاء، فربما يكون هذا حجة للمتكاسل يتأخر عن الجمعة، وإذا قيل: لماذا؟ قال: لأني صليت في مسجد آخر؛ ولأن هذا يؤدي إلى تفريق المسلمين وتوزيعهم في يوم عيدهم عيد الأسبوع، وهذا ينافي ما تقتضيه الشريعة من الائتلاف والاجتماع، والمخاطب في هذا ولاة الأمور الذين لهم ولاية على المساجد، أما عامة الناس فلا حرج عليهم إذا صلوا في واحد من هذه الجوامع.
السؤال: لاحظت في أحد المساجد أشخاصاً يتكلمون والإمام يخطب وهم في مؤخرة المسجد والإمام لا يراهم، فهل أشير عليهم بالسكوت أم عليّ أن أتركهم حتى تنتهي الخطبة؟
الجواب: الكلام حال الخطبة يوم الجمعة حرام بل إن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالحمار يحمل أسفاراً، ولا يجوز أن نسكته بالقول، أي: لا يجوز أن نقول له: أنصت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا قلت لصاحبك أنصت: يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت )، أي: فقد فاتك الأجر أجر الجمعة، ولكن لا حرج أن تنبههم بالإشارة بأن تضع أصبعك على شفتيك إشارة لهم؛ لأنك لم تتكلم، وفي منعهم من الكلام حال الخطبة كف شر على غيرهم؛ لأنهم إذا صاروا يتكلمون أثناء الخطبة شغلوا الناس وشوشوا عليهم، فإذا سكتوا بالإشارة زال هذا المحظور.
السؤال: إذا سمعت المؤذن عبر الإذاعة فهل أقول مثل ما يقول؟ وهل هناك فرق بين نقل الأذان عبر الهواء مباشرة وبين نقله بواسطة التسجيل؟
الجواب: نقل الأذان بواسطة التسجيل لا يجزئ عن الأذان الشرعي؛ وذلك لأن الأذان الشرعي ذكر وثناء على الله ولا بد فيه من عمل، والتسجيل ليس بعمل، فإنك إذا سمعت المسجل فلا يعني ذلك إن المسجل يعمل عبادة يتقرب بها إلى الله، وإنما هو سماع صوت شخص ربما يكون قد مات أيضاً فلا يجزئ عن الأذان الشرعي، فلا بد من أذان شرعي يقوم به المكلف يكبر الله ويشهد له بالوحدانية ولنبيه بالرسالة ويدعو إلى الصلاة وإلى الفلاح لا بد من هذا، وإذا قلنا: إن ما سجل ليس بأذان مشروع فإنه لا تشرع إجابته، أي: لا يشرع للإنسان أن يتابعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن )، ونحن في الحقيقة لم نسمع المؤذن وإنما سمعنا صوتاً مسجلاً سابقاً.
وأما قول السائل: ما الفرق بين ما نقل عن الهواء أو ما نقل بواسطة التسجيل؟ فالفرق ظاهر؛ لأن ما نقل على الهواء فهو صوت المؤذن الذي يؤذن الأذان الشرعي، فهذا يجاب ويتابع ويدعى بعد المتابعة بما وردت به السنة، وأما الأذان المسجل فليس أذاناً في الواقع كما أشرنا إليه.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3342 استماع |