فتاوى نور على الدرب [443]


الحلقة مفرغة

السؤال: توفي والدي يرحمه الله منذ ثلاث سنوات، ونحن أكثر من عشرة من الوارثين كلنا قد بلغ سن الرشد ذكوراً وإناثاً، فأود أن أعرف هل لأخي الأكبر حق شرعي في شراء أي شيء من أموالنا جميعاً باستثناء أموال جدي وجدتي؟ هما أيضاً من ضمن الورثة، فمثلاً: إذا قام أخي بشراء سيارة كمصلحة للجميع، علماً بأن هذا الشراء يتم برضاء الجميع وأخي هو المسئول عن إدارة أموالنا برضانا وتوكيل منا، فهل لأحد أن يتدخل بهذا الشراء بحجة أن أخي يلعب بأموالنا، ونحن طبعاً نرفض مثل هذا التدخل، كما أن البعض ممن تدخل من الأهل يقول: بأن السيارة لا بد أن تحسب من إرث أخي فقط، فهل هذا صحيح ونحن جميعاً لنا مصلحة في شراء هذه السيارة، نرجو الإفادة مأجورين؟

الجواب: ما خلفه أبوك من الميراث فهو بينكم حسب ما فرضه الله عز وجل لذوي الفروض فروضهم، والعصبة وهم الأبناء والبنات لهم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا كان كلكم بالغاً عاقلاً رشيداً فالأمر إليكم وليس لأحد سواكم، وإذا كنتم واثقين بأخيكم الكبير أن يفعل ما شاء مما يراه مصلحة فلا اعتراض لأحد عليكم، والذي أرى ألا تسمعوا إلى أقوال الناس؛ لأن الناس منهم أصحاب هوى، ومنهم من هو مستعجل لا يتأنى في الأمور، ومنهم من هو مغرض يريد أن يفرقكم ويلقي العداوة بينكم، فما دام أخوكم قد أرضاكم ورأيتم حسن تصرفه فلا تلتفتوا إلى أحد بشيء، والأمر في أموالكم إليكم ولا اعتراض لأحدـ، فأنتم إذا كنتم بالغين عقلاء رشيدين أحرار في التصرف بأموالكم حسب ما تقضيه الشريعة الإسلامية.

السؤال: سمعت في إحدى حلقات برنامج نور على الدرب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم: لعن زائرات القبور من النساء فهل تحرم هذه الزيارة إن كانت للدعاء للأموات من الأقارب وغيرهم دون نياحة أو شق أو لطم؟ علماً بأن لي أختاً في اليمن توفيت قريباً، وأنا الآن أريد أن أقوم بزيارة إلى اليمن إن شاء الله، فهل يحرم عليّ زيارة قبر أختي يرحمها الله للدعاء لها والسلام عليها أفيدونا أيضاً بهذا مأجورين؟

الجواب: الذي نرى أن زيارة النساء للقبور من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن زائرات القبور ) ، واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وهذا وعيد، وقال أهل العلم رحمهم الله في حد الكبيرة: ما فيه عقوبة في الدنيا أو وعيد في الآخرة أو لعنة أو غضب أو نفي إيمان أو ما أشبه ذلك من العقوبات التي ترتب على المعصية فإن ذلك يدل على أنها من كبائر الذنوب، فلا يحل للمرأة أن تزور المقبرة ولا أن تزور قبر أحد من الناس، ولكن لو خرجت لحاجة لها ومرت بالمقبرة ووقفت وسلمت على أهل القبور ودعت لهم فإن هذا لا بأس به كما يدل عليه ظاهر حديث عائشة الذي أخرجه مسلم ، وأما أن تخرج من بيتها لقصد -الزيارة أي: زيارة القبور- فإن ذلك من كبائر الذنوب وحرام عليها.

السؤال: أنا أريد أن أقوم بزيارة لوالدي وإخواني وأخواتي كل عام في اليمن برضا من زوجي إذا وجد المحرم وتسهلت الظروف، فهل أعتبر مبذرة لأموال زوجي بسبب هذه الزيارات كل عام؟ علماً بأنني لا أكلفه إلا في حدود طاقته وأنا لا أستطيع أن أقطع الصلة عن والدتي وأهلي أكثر من عام فهل علي حرج في هذا السفر؟

الجواب: ليس عليك حرج في هذا السفر؛ لأن هذا السفر سفر طاعة يقصد به بر الوالدين، وزوجك جزاه الله خيراً على مساعدته إياك، وهو مثاب ومأجور، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يخلف عليه ما أنفقه على هذا السفر، ولا شك أن من أعان على خير فله مثل أجر فاعله.

السؤال: إذا طهرت من الحيض في اليوم الثالث عشر من أي شهر فهل يجوز لي أن أصوم يوم الرابع عشر والخامس عشر وهي الأيام البيض؟ وأيضاً إذا طهرت في اليوم الرابع عشر هل يجوز لي صيام يوم الخامس عشر فقط من هذه الأيام أم الواجب في صيام هذه الأيام أن تكون متتالية؟

الجواب: صيام الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر سنة وليس بواجب، فلو تركها الإنسان ولم يصمها فلا حرج، ولو صام يوماً وترك يومين فلا حرج، ولو صام يومين وترك يوماً فلا حرج، ولو صام ثلاثة أيام متفرقة أو متوالية أو متتابعة فلا حرج، ولو صام في أول الشهر أو وسطه أو آخرها فلا حرج، قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، لا يبالي من أول الشهر صامها أو من وسطه أو من آخره ) ، ولكن لا شك أن الأفضل أن يكون صيام هذه الأيام الثلاثة في يوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر، ولكن ليس هذا على سبيل الوجوب ولا على سبيل أنه لو يصم في هذه الأيام الثلاثة لم يحصل الأجر بل من صام ثلاثة أيام من كل شهر فهو كصوم الدهر كله سواء كان من أول الشهر أو وسطه أو آخره.

والخلاصة: أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر سنة، وأن صيام ثلاثة أيام من كل شهر تعادل صوم الدهر كله، وأن صيام ثلاثة أيام من كل شهر جائز في أول الشهر أو وسطه أو آخره، وأن الأفضل أن تكون هذه الأيام الثلاثة في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.

السؤال: إذا سافر الإنسان إلى مدينة غير المدينة التي هو مقيم فيها، ومكث فيها فترة من الزمن كأن يمكث فيها شهراً أو نصف الشهر، هل يجوز له أن يقصر من الصلاة؟ وكم المدة التي يقصر الصلاة فيها؟ وما هو الأفضل يا فضيلة الشيخ؟

الجواب: الواجب على الإنسان إذا سافر إلى بلد ونزل فيها لقضاء حاجته ثم يرجع إلى بلده، الواجب أن يصلي مع الجماعة؛ لأن الجماعة لا تسقط عن المسافر بدليل أن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي بأصحابه جماعة في حال القتال، وهذا يكون في السفر غالباً، بل إنني لا أعلم حتى الآن أن النبي قاتل في الحضر، فصلاة الجماعة واجبة على المسافرين وعلى المقيمين، وعلى من أقام في بلد لقضاء حاجته ثم يرجع إلى بلده، ولكن إذا فاتته الصلاة فلا حرج عليه أن يقصر الصلاة مادام مسافراً؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أن مدة القصر تنقطع بأيام معدودة معلومة، بل ما دام الإنسان قد مكث بهذا البلد لقضاء حاجته ومتى انتهت رجع فإنه مسافر، سواء حدد المدة أم لم يحددها، هذا هو الذي ظهر لي من الأدلة الشرعية، وبعض العلماء يرى أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ووجب عليه الإتمام، وبعضهم يرى إذا أقام تسعة عشر يوماً، وبعضهم يرى إذا أقام خمسة عشرة يوماً، والخلاف في هذا كثير حتى أنه تجاوز عشرين قولاً لأهل العلم، ولكن ليس هناك نص صريح صحيح في تحديد المدة بأي عدد كان.

السؤال: متى تقال أذكار المساء وفي أي ساعة؟ وهل تكون قبل أذان المغرب أم تكون بعد الأذان أفيدونا أفادكم الله؟

الجواب: أذكار المساء تكون من مساء النهار وأول الليل إلا ما ورد مقيداً بالليل مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ) ، فإنه يتقيد بما قيد به، وهكذا أذكار الصباح تبتدئ من طلوع الفجر إلى أول النهار بعد طلوع الشمس إلا ما قيد بالنهار فإنه يتقيد به حسب ما جاءت به السنة.

السؤال: ما صحة حديث: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم )؟ وهل هذا الحديث شامل؟

الجواب: هذا الحديث صحيح: ( إن الله تعالى تجاوز عن هذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم )، وهو شامل لكل شيء؛ لأن حديث النفس لا يستقر، فإن استقر في القلب واطمئن الإنسان إليه واعتقده صار عملاً، لكنه عمل القلب ليس عمل جوارح، أما مجرد حديث النفس مثل الوساوس والهواجيس التي لا يركن إليها الإنسان ولا يعتمدها ولا يعتقدها ولا يقر بها فإن الإنسان لا يؤاخذ عليها، وهذا من تخفيف الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة؛ لأن الإنسان لا يخلو أحياناً من مثل هذه الأحاديث النفسية.

السؤال: ما حكم صيام عشر من ذي الحجة؟

الجواب: صوم عشر ذي الحجة من الأمور المرغوب فيها لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء )، فعلى هذا نقول: إن الصيام من الأعمال الصالحة، فإذا صام الإنسان في عشر ذي الحجة كان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام عمله من أفضل الأعمال.

السؤال: يوجد أناس يقولون بعض الكلمات ولا نعلم عن جوازها وحرمتها، مثلاً شخص يبحث عن زميل له فلما وجده قال له: ما صدقت على الله أني أجدك؟

الجواب: هذه الكلمة لا بأس بها؛ لأن معناها ما ظننت أنني أجدك، ولم يقل: إني ما صدقت الله، بل يقول: ما صدقت على الله أي: أنني ما ظننت إن هذا يقع، ومادام هذا هو المراد فإن التعبير إذا لم يكن فيه محذور شرعي بنفسه يكون جائزاً، فالذي نرى أن هذه العبارة لا بأس بها ولا حرج فيها؛ لأن المقصود منها واضح، وهي في تركيبها لا تدل على معنى فاسد.

السؤال: صليت مع أناس المغرب، فزاد الإمام ركعة، مع العلم أنني قد فاتتني ركعة وقد أصبحت صليت ثلاث ركعات فهل أصلي ركعة أخرى؟

الجواب: هذه المسألة يعبر عنها أهل العلم بالركعة الزائدة هل يعتد بها المسبوق أو لا، وفيها خلاف بين العلماء، والقول الراجح أن المسبوق يعتد بها وأنها تحسب له، فمثلاً: إذا دخلت مع الإمام في صلاة المغرب في الركعة الثانية ونسي وزاد رابعة فإنك تسلم معه؛ لأنك أنت صليت ثلاثاً ولا يمكن أن تقوم فتصلي رابعة وأنت تعتقد إنها رابعة عالماً بأنها رابعة؛ لأن هذا زيادة في الصلاة عمداً وقصداً، فالإمام معذور بزيادته الرابعة؛ لأنه ناسي، أما أنت إذا زدت الرابعة فإنك لست بمعذور، فإن قال قائل: إن ما ذكرتموه يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )، قلنا: لا مخالفة؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما فاتكم فأتموا ) يدل على أن هذا الرجل لم تتم صلاته وهو الآن قد تم صلاته وصلى ثلاثاً فأي شيء يتمه بعد أن أتم الركعات المطلوبة منه!

إذن نقول: إن القول الراجح أن المأموم يعتد بالركعة الزائدة، فإذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية وزاد الإمام في صلاته فإنه يسلم مع الإمام؛ لأن صلاته انتهت.