فتاوى نور على الدرب [438]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم الدعاء على النفس بالموت؟ وما جزاء ذلك؟ وماذا يفعل الإنسان إذا أحس بضيق في نفسه وهم ينتابه؟

الجواب: لا يحل لأحد أن يدعو على نفسه بالموت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يتمنينّ أحدكم الموت لضر نزل به؛ فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي )، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتمنى الإنسان الموت فكيف بالذي يدعو على نفسه بالموت؟! والواجب على من أصيب بأمر يضيق به صدره، ويتكاتف عليه غمه، الواجب عليه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله عز وجل، وينتظر الفرج، فهذه ثلاثة أمور: الصبر واحتساب الأجر وانتظار الفرج من الله عز وجل، وذلك أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة من غم أو غيره فإنه يكفر الله بها عنه سيئاته وخطيئاته، وما أكثر السيئات والخطيئات من بني آدم، ( فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون )، وإذا صبر واحتسب الأجر من الله أثيب على ذلك، أي: حصل له أمران: التكفير والثواب، وإذا انتظر الفرج من الله عز وجل أثيب على ذلك مرة ثالثة، لأنه -أعني انتظار الفرج -حسن ظنٍ بالله عز وجل، وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى عمل صالح يثاب عليه الإنسان.

وإذا استعمل الإنسان في حال الغم والهم ما يزيل ذلك من الأذكار، مثل قوله تعالى: لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]، فإنه ينتفع بذلك، كما قال الله تبارك وتعالى في ذي النون: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:87-88]، أي: مثل هذا الإنجاء بهذا السبب ننجي المؤمنين، ثم ليعلم أن من أصيب بمثل هذا أنه كلما أكثر من ذكر الله بلسانه وقلبه، فإنه لا بد أن تتغير حاله ويطمئن قلبه؛ لقول الله تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، ولم تكثر الإصابة بهذه الأمور في العصر الحاضر إلا بسبب تكالب الناس على الدنيا، والتماسهم ترفيه أبدانهم دون تنقية قلوبهم، ولهذا تجد عند كثير من الناس غفلة عن ذكر الله عز وجل وإعراضاً عنه وتكالباً على الدنيا وزهرتها، فلهذا كثرت الإصابات جداً في هذا العصر في هذه الأمور -أعني: الأمراض النفسية والهموم والغموم- ولو أن الناس كثر تعلقهم بالله سبحانه وتعالى وبذكره لزالت عنهم هذه الأمور، قال الله عز وجل: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]، وهذا هو حال كثير من الناس اليوم مع الأسف، أن الله أغفل قلوبهم عن ذكره، واتبعوا أهواءهم، وكانت أمورهم فرطاً تمضي عليهم الساعات بل الأيام وهم لم ينتجوا شيئاً.

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في قراءة القرآن بالنسبة للمرأة وهي حائض، إذا كان هناك ضرورة امتحان أو مرض أو غير ذلك ؟

الجواب: لا حرج على المرأة أن تقرأ القرآن للحاجة أو المصلحة، فمثال الحاجة ما تقرأه المرأة من الأوراد القرآنية، كآية الكرسي والمعوذتين، وكذلك ما تقرأه المدرسة بل ما تقرأه الطالبة من أجل الامتحان أو غير ذلك، ولا بأس أيضاً أن تقرأ القرآن للمصلحة، كالمرأة التي تلقن أبناءها أو بناتها، وكالمدرسة تلقن البنات، وذلك لأنه لم يكن في السنة أحاديث صحيحة صريحة تمنع الحائض من قراءة القرآن، أما إذا كانت قراءة الحائض القرآن لمجرد التعبد به، فإن الأولى ألا تفعل، لأن كثيراً من أهل العلم قالوا وبتحريم قراءة القرآن للمرأة الحائض، فهي إذا تركت القرآن سالمة، ولكنها إن قرأت القرآن فأمرها خطر دائر بين الغنم وبين الإثم، والسلامة أولى.

وخلاصة القول: أن قراءة الحائض للقرآن لحاجة أو مصلحة لا بأس بها، أما إذا كان لمجرد التعبد بذلك فإن الأولى أن لا تقرأ.

السؤال: ما حكم حرق السور التي تسقط من القرآن الكريم ولا يمكن إرجاعها؟

الجواب: كأن المرأة تريد أنه إذا سقطت ورقة من المصحف، ولم يمكن إرجاعها إليه، ما حكم إحراقها؟ أقول: إن إحراق القرآن الكريم من أجل تعظيمه وإبعاده عن الامتهان لا بأس به، مثل أن يكون هناك مصحف متنتفاً لا يمكن القراءة به، فيحرق من أجل ذلك، فهذا لا بأس به، ولكن ينبغي بعد إحراقه أن يدق حتى لا يبقى قطع من الأوراق، لأن الإحراق تبقى معه صورة الحرف كما يشاهد كثيراً، فإذا دق وصار رماداً زال هذا المحذور، ولكن ما ذكرته من أنه إذا سقطت ورقة لا يمكن إلحاقها بالمصحف، فهل يجوز إحراقها؟ فيه إشكال، وهو أن هذه الورقة إذا سقطت من المصحف فإن القارئ في هذا المصحف سوف يختل عليه ترتيب الآيات من أجل الورقة الساقطة، وحينئذٍ نقول: لا بد من محاولة إلصاقها بمكانها حتى يكون القرآن مرتباً على ما هو عليه، فإذا انقطعت ورقة من المصحف فلا بد من إلصاقها به، ووسائل الإلصاق موجودة بكثرة الحمد لله.

السؤال: متى يبدأ وقت التهجد؟ هل هو بعد الثانية؟

الجواب: قال الله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79]، وقال تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]، قال العلماء: ناشئة الليل هي التهجد بعد النوم، والأفضل أن يتهجد الإنسان بعد منتصف الليل مباشرة، فيقوم ثلث الليل ثم ينام سحراً قبل الفجر من أجل أن يقوم لصلاة الفجر نشيطاً، فإن هذه النومة اليسيرة تنقض له ما حصل له من التعب، هذا هو الأفضل، ولكن إذا لم يتيسر للإنسان هذا الشيء فإنه يتهجد في آخر الليل في الثلث الأخير من الليل، فإنه قد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له )؟ وما أحسن أن يقوم النائم في هذا الجزء من الليل ليتهجد إلى الله عز وجل في هذه الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعاء، فإذا قام الإنسان من الليل فإنه يذكر الله عز وجل، ويدعو ويقرأ الآيات العشر الأخيرة من سورة آل عمران من قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190]، إلى آخر السورة، ثم يتوضأ ثم يصلي ركعتين خفيفتين، ثم يتهجد ويختم صلاته بالوتر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المتهجد القائم من النوم أن يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، وكان هو صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وسئل عن صلاة الليل؟ فقال: ( مثنى مثنى؛ فإذا خشي أحدكم الصبح فصل واحدة فأوترت له ما قد صلى ).

السؤال: هناك بعض الأهالي يسبون أبناءهم، ما جزاء ذلك؟ وما نصيحتكم لهم؟

الجواب: سب الأبناء يقع على وجهين؛ الوجه الأول: أن يكون مقصوداً قد عقد عليه القلب، فهذا لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )، إلا إذا كان هناك ضرورة أو حاجة تدعو إليه، فإنه يجوز منه ما تدعو الحاجة أو الضرورة إليه فقط، والثاني: أن يقع على وجه غير مقصود ولا مراد، ولكنه يجري على اللسان بغير قصد، فهذا يعتبر لغواً لا يؤاخذ عليه العبد، ولكن ينبغي أن يطهر لسانه منه، كما يقع كثيراً من النساء تدعو على أولادهن بالموت وبالعذاب وبالكسر وبالمرض وما أشبه ذلك، لكن بغير قصد، لأننا نعلم علم اليقين أنها تكره أشد الكراهة أن يقع ما تكرهه على ابنها، ولكن يحدث هذا بلا قصد، فهذا لا يعاقب عليه الإنسان، ولكن ينبغي له أن يطهر لسانه من ذلك.

السؤال: لقد قمنا بأداء فريضة الحج العام الماضي، وكان من المفروض أن نحرم من أبيار علي، ولكننا لم نتمكن من ذلك وأحرمنا من مكة، فما الحكم في ذلك، علماً بأني أديت الفريضة مع زوجتي وأخي مع زوجته، فإذا كان هناك حكم؟ فهل أؤديه عن أخي وعني، أم هل هو يؤديه عن نفسه وعن زوجته، علماً بأنه غير موجود بالمملكة؟

الجواب: الإحرام من الميقات لمن أراد الحج أو العمرة واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما صح عنه في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ( يهل أهل المدينة من ذي الحليفة )، وذكر تمام الحديث، وهذا الخبر خبر بمعنى الأمر، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة من ذي الحليفة )، الحديث، وعلى هذا فلا يحل لمن أراد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات بدون إحرام، فإن فعل وتجاوز الميقات بغير إحرام وأحرم من مكة أو مما بين مكة والميقات، فعليه على ما ذكره أهل العلم فدية يذبحها في مكة ويفرقها على المساكين، والفدية شاة أنثى من الضأن أو ذكر من الضأن أو أنثى من الماعز أو ذكر من الماعز.

وعلى هذا فيجب على هذا السائل على نفسه شاة، وعلى زوجته شاة، وعلى أخيه شاة، وعلى زوجة أخيه شاة، وإذا كان أخوه وزوجته خارج البلد فلا حرج أن يبلغهما بما يجب عليهما، ويوكلاه هو في أداء الواجب عليهما من الفدية، لأن التوكيل في مثل هذا جائز.

السؤال: والدي أدى معنا فريضة الحج، ونظراً لتعبه وكبر سنه لم يكمل طواف الشوط الأخير من طواف الوداع، فقد طاف ستة أشواط فقط، فما الحكم؟

الجواب: الطواف لابد أن يكون سبعة أشواط يبتدئ بها من الحجر وينتهي بها إلى الحجر، فإن نقص شوطاً واحداً أو خطوة واحدة لم يصح الطواف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وبناء على ذلك فإن طواف أبيك للوداع الذي نقص فيه شوطاً واحداً لم يصح، فيكون كتاركه، وطواف الوداع على القول الراجح من أقوال أهل العلم واجب، والقاعدة عند العلماء أن ترك الواجب فيه فدية، شاة أنثى من الضأن أو ذكر من الضان أو أنثى من الماعز أو ذكر من الماعز، تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، وعليه فأبلغ أباك بأن عليه هذا، ثم لا بأس أن يوكلك في القيام به.

السؤال: إننا لم نتمكن من مغادرة مكة بعد طواف الوداع، لأن الطواف كان ليلاً، ومعنا أطفال، وغادرنا مكة في اليوم التالي، فما الحكم؟

الجواب: الواجب على من أراد السفر من مكة بعد حجه أو عمرته أن يجعل الطواف آخر عهده؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف )، ولكن لو فرض أن الرجل طاف للوداع بناء على أنه مغادر، ولكنه اشتغل بشيء يتعلق بالسيارة بإصلاحها مثلاً، أو انتظار رفقة، أو ما أشبه ذلك، فلا تجب عليه إعادة الطواف، وكذلك قال العلماء: لو اشترى حاجة في طريقه لا لقصد التجارة، فإنه لا تجب عليه إعادة الطواف، ولكن إذا قرر الإنسان بعد أن طاف طواف الوداع البقاء في مكة من الليل إلى النهار، أو من النهار إلى الليل؛ فإن عليه أن يعيد طواف الوداع من أجل أن يكون آخر عهده بالبيت.

السؤال: يقول بأنه يعمل في مصنع ينتج مواداً غذائية، فهل إذا أكلت منه بالمعروف حرام أم حلال، علماً بأن الرجل المسئول يعلم بذلك وبإذن منه، أفيدوني مأجورين؟

الجواب: هذا لا إشكال فيه، لأن المصنع إذا كان لشخص واحد، وأذن للعاملين فيه أن يأكلوا منه بالمعروف، فهو ملكه، له أن يتصرف فيه بما شاء، أما إذا كان المصنع مشتركاً بين جماعة، فإنه لا بد أن يصدر الإذن من الجماعة جميعاً، أو ممن فوضوا إليه الأمر بذلك، لأن الأصل في أعمال الغير أنها محترمة، لا يجوز أخذ شيء منها، ولا أكل شيء منها إلا بعد موافقتهم.

السؤال: يقول بأنه يعمل في مدينة تبعد عن القرية التي هو فيها مسافة أربعين كيلو متراً تقريباً، فهل يجوز لي القصر بها، علماً بأنني قد أسافر يوم السبت إلى المدينة التي أعمل بها، وأعود إلى القرية يوم الأربعاء، أو قد أسافر يومياً إلى العمل؟

الجواب: الأولى ألا يقصر في هذه الحال، وذلك لوجهين؛ الوجه الأول: أن المسافة وهي أربعون كيلو ليست هي المسافة التي يقصر فيها عند جمهور أهل العلم، وثانياً: أن هذا الرجل قد جعل مدينة عمله أو قرية عمله كمسكنه الأصلي، لأنه يعتبر نفسه مقيماً فيه دائماً، إلا أنه يزور بلده في آخر الأسبوع، وهذا شبه استيطان، فالواجب عليه في هذه الحال أن يتم الصلاة، وأن يقتصر على يوم وليلة في المسح على الخفين أو الجوربين، وألا يفطر في رمضان إذا صادف رمضان وهو في محل عمله.