أرشيف المقالات

فلا ممسك لها

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
فلا ممسك لها
 
• قال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2].
• قال تعالى: ﴿ وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163].
• قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
• قال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ...
[الفتح: 29].
 
• الرحمن اسم من الأسماء الحسنى، وهو اسم مُختص بالله تعالى، لا يجوز أن يُسمَّى به غيره.
قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى...
[الإسراء: 110].
 
• عندما تجرَّأ (مُسيلمة) وأطلق على نفسه (رحمن اليمامة)، ألبسه الله تعالى لباسَ الذلِّ والكذب والمهانة، وعُرِف بـ (مُسيلمة الكذاب)؛ فلا يُنطق اسمه إلا قُرِن بالكذب.
 
• الرحمن؛ أي: ذو الرحمة الواسعة، التي وسِعَت جميعَ أقطار السموات والأرض من الإنس والجن، مؤمنهم وكافرهم، وبهائمهم.
إن رحمة الله تعالى في الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر؛ يعطيهم الله مقومات حياتهم، ولا يؤاخذهم بذنوبهم، يَرزق مَن آمن به ومَن لم يؤمن به، ويعفو عن كثير.
 
• قال سعيد بن جبير وعامر الشعبي: (الرحمن) فاتحة ثلاث سور إذا جُمعن كنَّ اسمًا من أسماء الله تعالى (الر)، و(حم) و(ن)، فيكون مجموع هذه (الرحمن).
 
• الرحيم: هو ذو الرَّحمة للمؤمنين يوم القيامة، وهي خاصة بهم، فالله تعالى (رحيم) بالمؤمنين فقط؛ فالكفَّار والمشركون مطرودون من رحمة الله تعالى.
 
• عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن، خلقتُ الرَّحِم، وشقَقتُ لها من اسمي؛ فمَن وصلها وصلتُه، ومن قطعها بتَتُّه))؛ (رواه الترمذي وأبو داود وأحمد في المسند، وصححه الترمذي والألباني)، بتَتُّه: قطعته.
 
• عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لن تؤمنوا حتى تراحموا))، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: ((إنَّه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنَّها رحمة النَّاس رحمة العامة))؛ (رواه الطبراني).
 
• عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمةً واحدة بين الجنِّ والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحشُ على ولدها، وأخَّر الله تسعًا وتسعين رحمة، يرحم بها عبادَه يوم القيامة)) (رواه مسلم).
 
• عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَبْيٍ، فإذا امرأة من السَّبي تبتغي، إذا وجدتْ صبيًّا في السَّبي أخذتْه فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أترون هذه المرأة طارحةً ولدَها في النار؟))، قلنا: لا والله، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للهُ أرحَمُ بعباده من هذه بولدها))؛ (متفق عليه).
 
• لقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم أرحم خلق الله تعالى؛ فلقد رَحم اليتيمَ والأرملةَ، والمسكين والضعيف، والعاصي والكافر والحيوان، وامتدَّت رحمتُه صلى الله عليه وسلم حتى شملتِ الجمادَ عندما سُمع أنين الجذع الذي كان يَخطب عليه، فنزل من على المنبر واحتضنه وهدَّأ من روعه حتى سكن.
 
قالوا عن الرحمة:
1 - قال عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "الرحمن، الرحيم، والبر، الكريم، الجواد، الرؤوف، الوهَّاب: هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدلُّ كلها على اتصاف الربِّ بالرحمة والبر، والجودِ والكرم، وعلى سَعة رحمته ومواهبه التي عمَّ بها جميعَ الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته، وخصَّ المؤمنين منها بالنصيب الأوفر والحظِّ الأكمل، ذكر القرآن قوله تعالى: ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156]، والنعم والإحسان كلها من آثار رحمته وجوده وكرمه، وخيرات الدنيا والآخرة كلُّها من آثار رحمته".
 
2 - قال ابن قيم الجوزية رحمه الله كما في كتاب موارد الظمآن لدروس الزمان: "وممَّا ينبغي أن يُعلم أنَّ الرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد وإن كرهتْها نفسُه وشقَّت عليها؛ فهذه هي الرحمة الحقيقية، فأرحم النَّاس بك مَن شقَّ عليك في إيصال مصالحك ودفع المضار عنك".
 
3 - قال سيد رحمه الله: "...
ورحمة الله تتمثَّل في مظاهر لا يحصيها العدُّ، ويَعجِز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه، وتكريمه بما كرمه، وفيما سخر له من حوله ومن فوقه ومن تحته، وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه، وهو كثير".
 
• ويقول: "...
ورحمة الله تتمثَّل في الممنوع تمثُّلَها في الممنوح، ويجدها مَن يفتحها الله له في كل شيء، وفي كلِّ وضع، وفي كل حال، وفي كلِّ مكان، يجدها في نفسه، وفي مشاعره، ويجدها فيما حوله، وحيثما كان، وكيفما كان ولو فقد كلَّ شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان! ويفتقدها مَن يمسكها اللهُ عنه في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حالة، وفي كل مكان، ولو وجد كلَّ شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان!
 
وما من نعمة - يُمسِك الله معها رحمتَه - حتى تنقلب هي بذاتها نقمة، وما من محنة • تحفها رحمة الله - حتى تكون هي بذاتها نعمة؛ ينام الإنسان على الشوك - مع رحمة الله - فإذا هو مهاد، وينام على الحرير - وقد أُمسكت عنه - فإذا هو شوك القتاد، ويعالج أعسر الأمور - برحمة الله - فإذا هي هوادة ويسر، ويعالج أيسر الأمور - وقد تخلَّت رحمة الله - فإذا هي مشقَّة وعسر، ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام، ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار! ولا ضيق مع رحمة الله؛ إنما الضيق في إمساكها دون سواه، لا ضيق ولو كان صاحبها في غياهب السجن، أو في جحيم العذاب، أو في شِعاب الهلاك، ولا سعة مع إمساكها ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم، وفي مراتع الرَّخاء، فمن داخل النفس برحمة الله تتفجَّر ينابيع السعادة والرضا والطمأنينة، ومن داخل النفس مع إمساكها تدب عقارب القلق والتعب والنصب والكد والمعاناة! هذا الباب وحده يفتح وتغلق جميع الأبواب، وتوصد جميع النوافذ، وتسد جميع المسالك..
فلا عليك".
 
• كما يقول أيضًا: "...
ورحمة الله لا تعزُّ على طالبٍ في أيِّ مكان ولا في أي حال؛ وجدها إبراهيم عليه السلام في النار، ووجدها يوسف عليه السلام في الجُبِّ كما وجدها في السجن، ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلُمات ثلاث، ووجدها موسى عليه السلام في اليمِّ وهو طفل مجرَّد من كلِّ قوة ومن كل حراسة، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدوٌّ له مُتربص به ويبحث عنه، ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدُّور، فقال بعضهم لبعض: ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ [الكهف: 16]، ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار والقوم يتعقَّبونهما ويقصُّون الآثار، ووجدها كل مَن آوى إليها يأسًا من كل ما سواها، مُنقطعًا عن كل شبهة في قوة، وعن كلِّ مظنة في رحمة، قاصدًا بابَ الله وحده دون الأبواب".
 
وأخيرًا أقول: إنَّ رحمة الله تعالى لا تحدُّها حدود، ولا يمنعها مانع، فعندما يأذن الله تعالى بنزول رحمته يجعل العاصي وليًّا، ويجعل الصحراءَ حدائقَ غنَّاء؛ بل يجعل الكهف الموحِش والسجن المظلم رحبًا فسيحًا، يَهنأ فيه صاحبه، ويأنس بالله تعالى، وينشرح صدره انشراحًا لا يَسعه الكون، وما ينطبق على الأفراد ينطبقُ على الكيانات والهيئات والمؤسسات والأمم كذلك.
 
وإذا كان المسلم لا يمل من طلب الرحمة، فعليه:
• أن يوفِّر في نفسه من الطاعات ما تجعله أهلًا لهذه الرحمة.
• وأن يخالط الصالحين، ويقرأ في سيَر الصَّحابة والتابعين؛ لينهل من مَعينهم، ويتخلَّق بخلُقهم.
• وأن يرحم نفسَه؛ فلا يوردها المهالك بالذنوب والمعاصي.
• وألا يَقسو على نفسه بتحميلها ما لا تطيق من مشاق الدنيا وكدرها.
• وأن يجتنب كلَّ ما يضرها أو يمرضها.
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن