أرشيف المقالات

بطاقة تعريف للشيطان

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
"الشيطان"..
دراسة تحليلية (2)
بطاقة تعريف للشيطان


1- الأصل:
إبليس أبو الجنِّ؛ كما أجمعتْ على ذلك تفاسيرُ القرآن رواية عن ثُلَّة كبيرة من الصحابة في تفسيرهم قولَه -تعالى-: ﴿ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾ [الرحمن: 15].
 
ولا يعارض ذلك قولَ الله -تعالى-: ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ﴾ [الكهف: 50]؛ لأن "مِن" هنا تبعيضيَّة؛ لبيان الجنْس والنوع، والبعضُ ينطبق على أيِّ بعضٍ من الجنْس؛ سواء أكان الأب أم الأبناء؛ كما تقول: آدم من البشر؛ أي: ليس من الجنِّ ولا الملائكة، فـ"مِن" هنا لبيان الجنْس كذلك؛ أي: هو من هذا الجنْس لا مِن غيره.
 
ودليلُه من القرآن: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾ [الرحمن: 14 - 15].
 
فالإنسان في مقابل الجان، ولَمَّا كان المرادُ بالأوَّل "آدم" خاصَّة، دلَّ على أنَّ المرادَ بالثاني "إبليس" خاصَّة، ويشهدُ لذلك حديثُ عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((خُلِقت الملائكة من نور، وخُلِقَ الجانُّ من مارجٍ من نار، وخُلِق آدمُ مما وُصِفَ لكم))؛ رواه مسلم؛ إذ قابَلَ بين الجان وآدم، فعُلِم أنَّ الإنسانَ في الآية ليس المرادُ به فروع الجنْس، وإنما أصلُه آدم.
 
والمادة التي خُلِق منها "إبليس" هي النار، مِن مارجٍ منها، والمارج من مادة "مَرج"، وهي أصلٌ دالٌّ على مَجِيء وذهاب واضطراب؛ "المقاييس" لابن فارس، والمارج: نارٌ لا دُخَان فيها؛ "اللسان" لابن منظور، وذلك أعلى اللَّهَب الذي يكون شفَّافًا حارِقًا.
 
ومادة الخَلْق أصلٌ لأخلاق المخلوق، فجاء كما يقول ابن كثير في تفسير قوله -تعالى-: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾ [الأعراف: 12]: "إنَّ الطين من شأْنه الرَّزانة والحِلم، والأَنَاة والتثبُّت، والطين محلُّ النبات والنمو، والزيادة والإصلاح، والنار من شأْنها الإحراقُ والطيش والسرعة؛ ولهذا خانَ إبليس عُنصرَه، ونفَعَ آدمُ عنصرَه في الرجوع والإنابة والاستكانة، والانقياد والاستسلام لأمر الله، والاعتراف وطلبِ التوبة والمغْفِرة".
 
2- أسماؤه وكناه:
ورَدَ من أسمائه:
♦ الشيطان؛ إمَّا من "شَطن"، فيكون بمعنى البُعد من رحمة الله، وإمَّا من شَاط، فيكون بمعنى هَلَكَ؛ "العُباب الزاخر"، والصواب الأول.
 
♦ إبليس: قيل: عَلَمٌ أعجمي، وقيل: مِن أبْلَس؛ أي: يَئِس وتحيَّر؛ "العُباب الزاخر"، وغيره، والأول أصوبُ؛ ولهذا يُمنع من الصرف، ولعلَّه لما عُرِّبَ قِيس واشْتُقَّ.
 
♦ الجان: وبه فُسِّر قولُه -تعالى-: ﴿ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾ [الحجر: 27].
 
♦ عزازيل؛ "الصحاح"، وكُتب التفاسير.
 
♦ السَّفِيف؛ "العُباب"، عن أبي عمرو.
 
ومِن كُناه:
♦ أبو قترة؛ "أساس البلاغة".
♦ أبو مُرَّة؛ "الصِّحَاح".
 
3- قصته:
أ - قبل آدم:
ذَكَرتِ التفاسير أنَّ إبليس كان متعبِّدًا مجتهدًا في العبادة؛ حتى أضحى في زُمرة الملائكة، ومنها ما ذُكِر أنَّه أَسَرتْه الملائكة طفْلاً في قتالها للجنِّ، والظاهر أنَّ ذلك من الإسرائيليَّات، وليس له ما يُعضِّده من السُّنَّة الصحيحة.
 
ب - العصيان الكبير:
ثَبَتَ بنصِّ القرآن أنَّه لَمَّا أُمِرَ بالسجود لآدمَ، عَصَى حَسَدًا وكِبْرًا، وطُرِد من رحمة الله، فكان من ذُريَّته المؤمنُ والكافر، كما كان من ذُريَّة آدمَ المؤمنُ والكافر.
 
ج - الإنظار وحِكْمته:
كان من حِكْمة الله -تعالى- أن أجابَ لإبليس طلبَه بِمَدِّ عُمره إلى يوم القيامة، من هذه الحِكَم: تمييز المؤمنِ من الكافر، وإظهار الدَّفْع بين الحقِّ والباطل لشتَّى مظاهر الإيمان، وشتَّى مظاهر الكفر، وبيان استقامة الحقِّ مقارنة باعوجاج الباطلِ، وبيان قُدرة الله في نصرِ الحقِّ وأهْله، وتفاوت الأجْرِ الإلهي على الأعمال، وظهور كثيرٍ من آثار أسمائه وصفاته - سبحانه وتعالى - إلى غير ذلك من الحِكَم.
 
د - المرحلة الأرضيَّة:
شَرَعَ إبليس في مضاهاة الله - عز وجل - فجَعَلَ له عرشًا على الماء؛ كما كان لله -تعالى- عرشٌ على الماء: ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7].
 
أمَّا عن عرش إبليس، فذَكَره الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه جابر، قال: ((إن عرشَ إبليس على البحر، فيبعث سراياه، فيفتنون الناس، فأعظمُهم عنده أعظمُهم فتنة))؛ مسلم: (7283)، وجاء في "حِلْية الأولياء": "إن إبليس ليَضَعُ عرْشَه على البحر ودونه الحُجب يتشبَّه بالله".وأخرجه ابن عساكر (23/201) والطبراني كما في مجمع الزوائد (1/114)، قال الهيثمي: فيه يحيى بن طلحة اليربوعي ضعَّفه النسائي وذكره ابن حِبَّان في الثِّقات.
 
وكذلك جعَلَ له جنودًا كما لله جنود؛ قال -تعالى-: ﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الفتح: 4]، وأمَّا عن جُنْد إبليس، ففي القرآن قال -تعالى-: ﴿ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ﴾ [الإسراء: 64].
 
الخيل: هم الفرسان، والرَّجْل: هم المُشَاة، وهو صريحٌ في كونه له جنود، وأمَّا من الحديث، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق: ((يبعثُ سراياه))، وفي "مصنَّف" ابن أبي شيبة يرويه من كلام أبي موسى: ((بعثَ جنودَه))، وهذا اللفظ كثيرُ التردُّد في أحاديثَ شتَّى، في حديث منْع استراق السمع، وحديث في فتْح مكَّةَ عند الضياء المقْدِسي بلفظ: ((اجتمعتْ إليه جنودُه))، و((النظرُة سهمٌ مسموم من سهام إبليس))، والسهم من أدوات الحرْب.
 
وثَمَّة تفصيلات كثيرة أُخصِّص لها مقالاً فردًا يتناول خُطواته وتلبيسه وإغوائه، ولكن في المقال القادمِ أتكلمُ عن المقتضى القَدري لخَلْق إبليس من نار.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣