أرشيف المقالات

الصفات الذاتية

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
الصِفاتٌ الذاتِيَّةٌ
 

قال شيخ الإسلام ابنُ تَيميَّةَ (ت: 728هـ) - رحمه الله-:
"وجميعُ الطَّوائِفِ يُقَسِّمونَ الصِّفاتِ إلى صِفاتٍ ذاتيَّةٍ وصِفاتٍ فِعليَّةٍ، ومُتَّفِقونَ على تَنزيهِه عن النَّقصِ في هذا وفي هذا"[1].

وقال شيخنا الفقيه العلامة ابنُ عُثَيمين (ت 1421هـ) - رحمه الله-:
"الصِّفاتُ الثُّبوتيَّةُ تَنقَسِمُ إلى قِسمَينِ: ذاتيَّةٍ، وفِعليَّةٍ.

فالذاتيَّةُ: هي التي لم يَزَلْ ولا يزالُ متَّصِفًا بها؛ كالعِلْمِ، والقُدرةِ، والسَّمعِ، والبَصَرِ، والعِزَّةِ، والحِكمةِ، والعُلُوِّ، والعَظَمةِ، ومنها الصِّفاتُ الخَبَريَّةُ: كالوَجهِ واليَدَينِ والعَينَينِ.

والفِعليَّةُ: هي التي تتعَلَّقُ بمشيئتِه؛ إن شاء فعَلَها، وإن شاء لم يفعَلْها، كالاستواءِ على العَرْشِ، والنُّزولِ إلى السَّماءِ الدُّنيا.

وقد تكونُ الصِّفةُ ذاتيَّةً فِعليَّةً باعتبارينِ، كالكلامِ؛ فإنَّه باعتبارِ أصلِه صِفةٌ ذاتيَّةٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لم يَزَلْ ولا يَزالُ مُتكَلِّمًا، وباعتبارِ آحادِ الكلامِ صِفةٌ فِعليَّةٌ؛ لأنَّ الكلامَ يتعَلَّقُ بمشيئتِه، يتكَلَّمُ متى شاء بما شاء، كما في قَولِه تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، وكُلُّ صِفةٍ تعلَّقَت بمشيئتِه تعالى فإنَّها تابِعةٌ لحِكمتِه.

وقد تكونُ الحِكمةُ مَعْلُومةً لنا، وقد نَعجِزُ عن إدراكِها، ولكِنَّنا نَعلَمُ عِلمَ اليَقينِ أنَّه سُبحانَه لا يشاءُ شَيئًا إلَّا وهو موافِقٌ للحِكمةِ؛ كما يشيرُ إليه قَولُه تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الإنسان: 30]"[2].

وفيه ست مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الصِفاتِ الذاتِيَّة:
والصِفاتٌ الذاتِيَّةٌ: هي الصِفاتٌالَّتي لم يَزَلْ ولا يَزالُ اللهُ متَّصِفًا بها؛ كالعِلمِ، والقُدرةِ، والحياةِ، والوَجْهِ، واليدينِ، والسمع والبصر، وهي صفات ذاتية لازمة للرب سبحانه وتعالى، من كماله جلَّ وعلا.

المسألة الثانية: سبب تسميتها بالصِفاتِ الذاتِيَّةٌ:
الصفات الذاتية هي: الصفات الملازمة لذات الرب تعالى منذ القدم، وهو متصف بها أزلًا وأبدًا، ولا يمكن أن يخلو منها؛ لأن ضدها نقص ينزه عنه الرب تعالى، وهذه الصفات لا تتعلق بالمشيئة والإرادة؛ مثل: صفة الحياة، فهو موصوف بها تعالى دائمًا؛ لأن ضدها الموت وهو تعالى منزه عنه، ومنها: العلم، فضده الجهل فما يزال تعالى عليمًا، وكذا صفة السمع، والبصر، والوجه، واليدين، والقدرة، والقوة، والعزة، والعظمة، والعلو، وأمثال ذلك[3].

وسُميت صفات ذاتية؛ لأنها لازمة لذات الرب - فلا تنفك عن ذاته - جلَّ في علاه - بحال أبدًا.

قال أبو جعفر الطحاوي (ت 231هـ) - رحمه الله -:
"ما زال بصِفاتِه قديمًا [4] قَبلَ خَلْقِه، لم يَزدَدْ بكَونهِم شيئًا لم يكُنْ قَبْلَهم مِن صِفاتِه، وكما كان كذلك لا يَزالُ عليها أبدِيًّا، ليس بعد خَلْقِ الخَلقِ استفادَ اسمَ الخالِقِ، ولا بإحداثِ البَريَّةِ استفادَ اسمَ الباري"[5].

المسألة الثالثة: أدلة إثبات الصفات الذاتية:
من المعلوم أن صفات الرب جلَّ في علاه كلها صفات سمعية مُتلقاة من وحيي التنزيل - الكتاب والسنة - كما أن منها صفات يُستدل عليها بعامل الفطرة وبالعقل.

فبعامل الفطر يُستدل على علو الله سبحانه فوق خلقه، كما يُستدل به على قهره وسلطانه وعظمته وكمال قدرته، وأنه رب الكون وخالقه ومدبر أمره، وهذه الفطرة خلقية جبلية فطر الله عليها عباده وجبلهم عليها، فهم يستدلون عليها ويهتدون لها بعامل الفطرة والجبلة التي فطرهم وجبَلهم عليها خالقُهم وبارئهم - سبحانه وتعالى - والسمع جاء بها من وحيي التنزيل - الكتاب والسنة - وهي قسمان: ذاتية، وفعلية، وكلها متعلقة بمشيئته الرب جلَّ في علاه.

فهو- سبحانه - يتكلم بما شاء متى شاء، ويرضى عمن يشاء متى شاء، ويغضب عمن يشاء متى شاء، ويُحب مَن يشاء، ويبغض مَن يشاء، فهي إذًا صفات مقيَّدة بالمشيئة، وذلك كله وفق حكمته وعدله في خلقه، وذلك كله وفق ما دلَّت عليه أدلة وحيي التنزيل - الكتاب والسنة.

المسألة الرابعة: أقسام الصفات الذاتية:
تنقسم الصفات الذاتية عند التحقيق إلى قسمين:
القسم الأول: الصفات الذاتية المعنوية، وسُميت بالمعنوية؛ لأنها اسم للمعنى، فضابطها: أنها ما ترجع إلى أمر معنوي؛ كالعليم والقدير والسميع ونحو ذلك.

والقسم الثاني: الصفات الذاتية الخبرية، وضابطها أنها ما ترجع إلى نفس ذات الله - عز وجل - أو أفعاله؛ كالوجه واليدين، والعينين وغير ذلك.


قال شيخنا العلامة الفقيه ابن عثيمين - رحمه الله -:
"فالصفات الذاتية هي التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها، وهي نوعان: معنوية وخبرية:
فالمعنوية، مثل: الحياة، والعلم، القدرة، والحكمة.
وما أشبه ذلك، وهذا على سبيل التمثيل لا الحصر.

والخبرية، مثل: اليدين، والوجه، والعينين.
وما أشبه ذلك مما سماه...
فالله تعالى لم يزل له يدان ووجه وعينان، لم يحدث له شيء من ذلك بعد أن لم يكن، ولن ينفك عن شيء منه، كما أن الله لم يزل حيًّا ولا يزال حيًّا، ولم يزل عالِمًا ولا يزال عالِمًا، ولم يزل قادرًا ولا يزال قادرًا، وهكذا.

يعنى ليس حياته تتجدد، ولا قدرته تتجدد، ولا سمعه يتجدد، بل هو موصوف بهذا أزلًا وأبدًا، وتجدُّد المسموع لا يستلزم تجدد السمع"[6].

المسألة الخامسة: الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية:
الصفات الذاتية: هي الصفات اللازمة لذات الرب، لا تنفك عنها ولا تخلو عنها بحال، كصفة يده ووجهه ورجله ونحو ذلك، فهي صفات قديمة أزلية.

والصفات الفعلية: هي الصفات الاختيارية المتعلقة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، فيفعلها متى شاء، مثل صفة النزول، والمحبة، والرضا، والغضب.

قال شيخ الإسلام ابنُ تَيميَّة َ(ت: 728هـ) - رحمه الله - في تعريف الصفات الاختيارية:
"هي الأمور التي يتصف بها الرب عز وجل، فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته، مثل كلامه وسمعه وبصره وإرادته ومحبته ورضاه، ورحمته وغضبه وسخطه، ومثل خلقه وإحسانه وعدله، ومثل استوائه ومجيئه وإتيانه ونزوله، ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسنة.

فالجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم يقولون: لا يقوم بذاته شيء من هذه الصفات ولا غيرها.

والكلابية ومن وافقهم من السالمية وغيرهم يقولون: تقوم صفات بغير مشيئته وقدرته"[7].

المسألة السادسة: الخلاصة في الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية:
ويمكن أن نجمل أهم الفروق بين الصفات الذاتية والفعلية، في الآتي:
الصفات الذاتية:
1- لا تتعلق بالمشيئة ولا الإرادة.
2- لا تنفك عن الذات.
3- لا تعود إلى صفات الفعل.

الصفات الفعلية:
1- متعلقة بالمشيئة والإرادة.
2- تنفك عن الذات، فيفعلها - سبحانه - متى شاء، وفي أي وقت شاء.
3- عائدة إلى الصفات الذاتية[8].

[1] درء تعارض العقل والنقل، شيخ الإسلام ابن تيمية: (4/ 89).


[2] القواعد المثلى: (ص: 25).

[3] شرح الطحاوية، مؤسسة الرسالة، ابن أبي العز، الطبعة العاشرة: (1/ 96).


[4] القديم " ليس أسما من أسماء الله الحسنى، ولا صفة من صفاته، وإنما يجوز إطلاقه على الله تعالى في مقام الإخبار عنه، لا مقام التسمية والوصف.
قال ابن القيم - رحمه الله-: " أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى، أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته؛ كالشيء، والموجود، والقائم بنفسه، فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا" انتهى من "بدائع الفوائد" (1/ 284).
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)؛ رواه أبو داود (466) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فالقديم في الحديث وصف لسلطان الله تعالى، وليس وصفًا لله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " وَيُفَرِّقُ بَيْنَ دُعَائِهِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ فَلَا يُدْعَى إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى؛ وَأَمَّا الْإِخْبَارُ عَنْهُ: فَلَا يَكُونُ بِاسْمِ سَيِّئٍ؛ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بِاسْمِ حَسَنٍ أَوْ بِاسْمِ لَيْسَ بِسَيِّئِ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِحُسْنِهِ.
مِثْلَ اسْمِ شَيْءٍ وَذَاتٍ وَمَوْجُودٍ...
" انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 142).
وقال ابن القيم - رحمه الله-:
"ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه" انتهى من "بدائع الفوائد" (1/ 285).
للاستزادة: يُنظر: الإسلام سؤال وجواب، سؤال رقم: (198069)، تاريخ النشر: 15-07-2013م.

[5] متن الطحاوية: (ص: 24).


[6] بدائع الفوائد، محمد ابن القيم، دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى (1/ 280، 281)، مجموع فتاوى ورسائل محمد بن صالح العثيمين، دار الوطن، محمد ابن عثيمين (8/ 60، 61).

[7] مجموع الفتاوى: (6/ 217).

[8] لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات، المطبعة الشرفية بمصر، فخر الدين الرازي، الطبعة الأولى: (ص: 24).

شارك الخبر

المرئيات-١