فتاوى نور على الدرب [431]


الحلقة مفرغة

السؤال: امرأة ملتزمة بالشرع الإسلامي، وتحمد الله على ذلك، وتقول: أشكو من ضعف البصر، وأنا مدرسة، وعندما أخرج من المنزل أكون ساترة لجسمي بثوب فضفاض أسود، ووجهي مغطى، ولا يخرج من ذلك سوى العينين، أي: أنني منقبة؟

الجواب: الواجب على المرأة إذا خرجت إلى السوق أن تستر وجهها عن الرجال؛ وذلك لأن ستر المرأة وجهها عن الرجال غير المحارم واجب قد دل عليه القرآن والسنة، وهو الراجح من أقوال أهل العلم، ولكن إذا دعت الحاجة إلى أن تفتح نقباً لعينيها فلا حرج، بشرط أن لا يعدو ذلك سعة العين، إلا أنه إذا خيف من توسع النساء في هذه المسألة، فإنه يجب سد الذرائع الموصلة إلى المحرم، وهذه قاعدة أصولية شرعية، وهي أن الذرائع الموصلة إلى المحرم يجب منعها، قال الله تبارك وتعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108]، فنهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين، مع أنها حقيقة به، لئلا يكون ذريعة إلى سب الله عز وجل، والله عز وجل منزه عن السب، وهو أهل للثناء والمجد، فإذا كانت المرأة كما ذكرت السائلة محتاجة إلى فتح نقب لعينيها فلا بأس به، لكن بشرط ألا يكون ذلك ذريعة إلى المنكر، بحيث يتوسع النساء في ذلك حتى يفتحن جزءاً أكبر يشمل أسفل الجبهة وأعلى الخد، وربما يتوسعن في ذلك توسعاً كبيراً.

السؤال: ما مدى صحة هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا )؟ وما حكم القنوت في صلاة الصبح؟

الجواب: هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن جميع الواصفين لصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه قنت في الفجر إلا في النوازل، فإنه كان يقنت في الفجر وفي غير الفجر أيضاً، بل يقنت في جميع الصلوات الخمس، وبناء على ذلك فإنه لا يسن القنوت في صلاة الفجر، إلا إذا كان هناك سبب، كنازلة تنزل بالمسلمين، والنازلة إذا نزلت بالمسلمين فإن القنوت لا يختص بصلاة الفجر، بل يكون فيها وفي غيرها، وذهب بعض أهل العلم إلى أن القنوت في صلاة الفجر سنة، ولكن القنوت الذي يُقنت في صلاة الفجر، ليس هو قنوت الوتر كما يظنه بعض العامة، ولكنه قنوت يدعو فيه الإنسان بدعاء عام للمسلمين مناسب للوقت الذي يعيشه، فإذا ائتم الإنسان بشخص يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه، ويؤمن على دعائه، ولا ينفرد عن المصلين كما نص على ذلك إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله.

السؤال: ما هو موضع اليدين في صفة الصلاة عند الاعتدال والتشهد؟

الجواب: السنة في وضع اليدين بعد القيام من الركوع كالسنة في وضعهما قبل الركوع، أي: أنه يسن أن يضع الإنسان يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة، ودليل ذلك حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى في الصلاة )، وهذا الحديث عام، لكنه يخرج منه حال الركوع فإن وضع اليدين على الركب، وحال السجود فإن وضع اليدين على الأرض، وحال الجلوس فإن وضع اليدين على الفخذين، أما في التشهد فإن اليد اليمنى تكون على الفخذ اليمنى، واليد اليسرى على الفخذ اليسرى، وتكون اليمنى مقبوضة الخنصر والبنصر والوسطى، ويضم إليها الإبهام، وتبقى السباحة مفتوحة غير مضمومة، ويحركها كلما دعا، أما اليسرى فتكون مبسوطة على الفخذ اليسرى، وإن شاء ألقمها ركبته، فإن هذا من السنة.

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في تقصير اللحية، ورفع اليدين بعد كل صلاة للدعاء؟

الجواب: تقصير اللحية مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في إعفاء اللحى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحية وإرخائها وتركها على ما كانت عليه، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن هذا مخالفة للمجوس، فقال عليه الصلاة والسلام: ( خالفوا المجوس، أعفوا اللحى وحفوا الشوارب )، وعلى هذا فإنه لا يقص شيئاً من شعر لحيته، بل يبقيها على ما هي عليه، والإنسان كلما تمسك بالشرع ازداد إيماناً ويقيناً ومحبة لطاعة الله، وسهل عليه مخالفة العادات التي يعتادها أهل بلده وأهل زمنه.

وأما رفع اليدين للدعاء بعد كل صلاة: فإن هذا ليس من السنة، والسنة للإنسان إذا أراد أن يدعو الله عز وجل أن يدعوه بعد إكمال التشهد وقبل السلام كما أمر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، حيث قال بعد أن ذكر التشهد: ( ثم ليتخير من الدعاء ما شاء )، ومعلوم أن كون الإنسان يدعو قبل أن يسلم أولى من حيث النظر من كونه يدعو بعد أن يسلم؛ لأنه إذا كان في صلاته كان يناجي ربه، فإذا انصرف من صلاته انقطعت المناجاة، وكون الإنسان يدعو الله عز وجل في حال المناجاة أولى من كونه يدعوه بعد انقضاء المناجاة.

إذاً: فقد دل الأثر والنظر على أن الدعاء قبل السلام أفضل من الدعاء بعده، ثم إننا نقول: هل كان من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كلما سلَّم دعا؟ لا، ليس من هديه لا في الفريضة ولا في النافلة، ونحن نعلم علم اليقين أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فاتخاذ هذا سنة في الراتبة، أي: كلما فرغ من الصلاة دعا في فرض أو نفل، يعتبر من البدع التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو دعا الإنسان أحياناً فإننا نرجو أن لا يكون في ذلك بأس، ما لم يكن الإنسان أسوة وقدوة، كالعالم الذي إذا رآه العامة ربما يرون أن هذه سنة راتبة دائمة، فإنه في هذه الحال لا يدعو، بل يجعل دعاءه قبل أن يسلم.

السؤال: ما الحكم في عمل أربعين للمتوفى يقرأ فيها القرآن ويجتمع الناس للتعزية؟

الجواب: هذه من البدع التي يصنعها بعض الناس، إذا تم الميت أربعين يوماً أقاموا له مأتماً يجتمعون فيه إلى بيت الميت، ويقرءون القرآن، وينيرون المكان، وهو في الحقيقة من باب تجديد الحزن المنهي عنه، وكذلك نقول في اجتماع الناس بعد الوفاة في بيت يقرءون فيه القرآن، ويوقدون فيه الشموع واللمبات، ويصفون الكراسي، كل هذا من البدع، والسنة لمن مات له ميت أن يغلق بابه، وألا يجلس لأحد، لكن من كان من أقاربه الذين يعتبر عدم حضورهم إلى بيته قطيعة رحم، فلا حرج عليهم أن يحضروا إلى البيت، ويعزون المصاب وينصرفوا، أما إقامة الولائم التي هي مآتم في الحقيقة، وهي مآثم أيضاً، فإن هذا من البدع والمنكرات التي لا يليق بالمسلم أن يفعلها، وقد كان السلف الصالح يعدون صنع الطعام والاجتماع إلى أهل الميت من النياحة، وهذه المسألة يعني: اجتماع أهل الميت في بيته على الوجه الذي ذكرته، توجد في كثير من البلدان الإسلامية، ولكني أرجو الله عز وجل بما منّ الله به من اليقظة في الشباب، أن يكون الجيل المقابل قاضياً على هذه العادات التي لم تكن من عادات السلف.

السؤال: ما هي الكتب الشرعية التي تنصحون بها طالب العلم المتوسط؟

الجواب: أولاً: أقول: لا كتاب أفضل من كتاب الله سبحانه وتعالى، فالذي أحث إخواني عليه هو أن يعتنوا بالقرآن حفظاً وفهماً وعملاً، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل جميعاً، ثم بعد ذلك الاعتناء بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث، ومعلوم أنها -أعني: الأحاديث التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم- كثيرة جداً، وطالب العلم المبتدئ أو المتوسط لا يمكنه الإحاطة بها، لكن هناك كتب مصنفة في هذا الباب يمكن الرجوع إليها، مثل كتاب عمدة الأحكام لـعبد الغني النابلسي ، ومثل كتاب الأربعين النووية للنووي رحمه الله، وغير ذلك من الكتب المختصرة، ثم بعد هذا يرتقي إلى الكتب المطولة نوعاً ما، كبلوغ المرام والمنتقى من أخبار المصطفى، ثم بعد هذا يزداد بقراءة كتب الأحاديث المصنفة، كصحيح البخاري وصحيح مسلم .

أما في الفقه فينظر إلى أخصر كتاب ألف في ذلك يقرأه لينتفع به، ويطبقه على ما عرفه من الأدلة، حتى يكون جامعاً بين المسائل والدلائل.

أما في النحو فيأخذ بالكتب المختصرة أولاً، مثل كتاب الآجرومية، فإنه كتاب مختصر مبارك مفيد مقسم تقسيماً يحيط به المبتدئ، ولا سيما إذا يسر الله له من يقرب له الشرح.

ثم بعد هذا أنصحه بأن يحفظ ألفية ابن مالك رحمه الله وأن يتفهم معناه؛ لأنها ألفية مباركة فيها خير كثير، ثم إني أنصح أيضاً أن يلازم شيخاً يثق به في علمه ودينه وأخلاقه؛ لأن تلقي العلم على المشايخ أقرب إلى الإحاطة بالعلم وإلى معرفة الصواب، وأخصر لطالب العلم؛ ولأن طالب العلم الذي يقرأ من الكتب إذا لم يكرس جهوده ليلاً ونهاراً، فإنه لا يحصل شيئاً، ثم إن الكتب أيضاً متنوعة، منها ما هو ملتزم بالصحيح، أو ملتزم بترجيح ما ينبغي ترجيحه، ومنها ما هو متعصب للمذهب الذي هو عليه، حتى أن بعض المؤلفين عفا الله عنا وعنهم أحياناً يلوون أعناق النصوص لتكون مطابقة لما يذهبون إليه، لذلك أرى أن يعتني الإنسان بالشيخ الذي يدرس عليه في علمه ودينه وخلقه.

السؤال: أرجو أن تذكروا إخواننا المسلمين بأدلة تحريم شرب الدخان؟

الجواب: هناك رسائل كتبها من كتبها من أهل العلم المعاصرين ومن سبقهم بعد حدوث استعمال هذا الدخان، فليرجع إليها السائل، وقد أجمع الأطباء في الآونة الأخيرة على ضرر هذا الدخان، وأنه سبب لأمراض مستعصية مثل السرطان نسأل الله العافية، ولهذا نحن ننصح جميع إخواننا المسلمين بالابتعاد عن شربه؛ لما يتضمنه من إضاعة المال، وفساد الأحوال، والأمراض التي تكون مستعصية حتى على الأطباء، وقد شاهدنا من عصمه الله منه بعد أن كان مبتلى به، فوجدناه زاد صحة ونشاطاً وقوة، وسلم ماله من الضياع الذي كان عليه قبل أن يتوب إلى الله.

السؤال: لقد اعتدنا في نصف شهر شعبان كل سنة بتوزيع بعض الأطعمة والمأكولات على الجيران تصدقاً، فهل هذا العمل بدعة؟

الجواب: نعم هذا العمل بدعة؛ وذلك لأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكل ما يتقرب به العبد مما ليس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه يكون بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور )، حتى لو فرض أن الإنسان قال: أنا لا أقصد بذلك التقرب إلى الله، ولكنها عادة اعتدناها. نقول: تخصيص العادة بيوم معين يتكرر كل سنة، يجعل هذا اليوم بمنزلة العيد، ومن المعلوم أنه ليس هناك عيد في الشريعة الإسلامية إلا ما ثبت في الشريعة، كعيد الفطر وعيد الأضحى، وكذلك يوم الجمعة هو عيد للأسبوع، وأما النصف من شعبان فلم يثبت في الشريعة الإسلامية أنه عيد، فإذا اتخذ عيداً توزع فيه الصدقات، أو تهدى فيه الهدايا على الجيران، كان هذا من اتخاذه عيداً.

السؤال: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تقضي -أي: تصوم- ما قد يفوتها من شهر رمضان مقدماً، أي: قبل حلول شهر رمضان المبارك مقارنة بجواز تقديم زكاة الفطر لعدة سنوات خوفاً من القحط أو الفقر؟

الجواب: هذا السؤال غريب جداً، فإنه لا أحد يفرض أن يصوم الإنسان رمضان قبل حلول رمضان، كما أنه لا أحد يفرض أن يصلي صلاة الظهر قبل زوال الشمس، وإذا قدر أن أحداً صام رمضان قبل حلول رمضان، فإن هذا الصيام لا ينفعه، ولا يثيبه الله عليه، لأنه بدعة، بل هو إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه )، كل هذا خوفاً من أن يحتاط الإنسان فيتقدم على رمضان بيوم أو يومين.

وأما قياسه على زكاة الفطر فإن زكاة الفطر لا يجوز تقديمها ولو خاف القحط، بل لا تؤدى زكاة الفطر لشهر من شهور رمضان إلا قبل العيد بيوم أو يومين فقط، فإذا كان الرجل لو أخرج زكاة الفطر لهذا العام في منتصف رمضان لا تجزئه الزكاة على القول الراجح، فما بالك بمن يقدم زكاة الفطر لعدة سنوات؟! هذا لا يقوله أحد، وما كنت أظن أن أحداً يسأل هذا السؤال، ولكن على كل حال من سأل فإن الواجب إجابته، وحينئذٍ نقول: لا يجوز أن يصوم أحد رمضان قبل حلوله، ولا يجوز أن يقدم أحداً زكاة الفطر قبل الفطر إلا بيوم أو يومين فقط.

السؤال: لقد سمعت بعض أهل العلم ممن يرغب في صيام النصف من شهر شعبان، يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ومن ضمن هذه الأيام النصف من شعبان، ولذا فهو سنة وليس ببدعة، وأيضاً الاحتفال بأيام شعبان؛ لأنها الأيام التي تحولت فيها القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام؟

الجواب: أما صيام النصف من شعبان بناء على أنه أحد أيام البيض التي أمرنا بصيامها، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فإذا صام الإنسان أيام البيض في شعبان، فإنه كصيامها في رجب، وفي جمادى، وفي ربيع، وفي صفر، وفي محرم، وفي ذي القعدة، ولكن كونه يخصص يوم النصف فقط، هذا لا يدل على أنه صامه من أيام البيض، بل يدل على أنه صامه؛ لأنه يوم النصف من شعبان، وهذا يحتاج إلى دليل، والحديث الوارد في هذا ضعيف، وعلى هذا فلا يسن للإنسان أن يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام.

وأما ما ذكره من الاحتفال بأيام شعبان؛ لأن القبلة حولت فيه، فهذا يحتاج -أولاً- إلى صحة النقل؛ لأن القبلة تحولت في شعبان، وعلى تقدير صحة ذلك فإنه لا يجوز اتخاذ هذه الأيام عيداً يحتفل فيه، فإن هذه الأيام التي حولت فيها الكعبة قد مرت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، ومع هذا لم يكونوا يحتفلون بها، والواجب على المسلمين أن يتبعوا آثار من سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وألا يغتروا بما يعمله الناس اليوم، فإن كثيراً منها خارج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو محدث، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ).