فتاوى نور على الدرب [428]


الحلقة مفرغة

السؤال: أسأل عن الآية الكريمة: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:71-72]، ما معنى هذه الآية الكريمة؟

الجواب: معنى هذه الآية: ما منكم أحد إلا وارد للنار، وهذا الخبر كان حتماً على الله عز وجل، مقضياً لا بد منه، ولكن بعد هذا الورود ينقسم الناس إلى قسمين: قسم قد اتقى الله عز وجل، وقام بما يلزمه من شرائع الله في الدنيا، فينجيه الله عز وجل من النار.

وقسم آخر: ظالم لنفسه مضيع لحق الله عز وجل، فهذا يترك في النار جاثياً.

واختلف العلماء في المقصود بالورود هنا، فمنهم من قال: إن المراد بالورود المرور على متن جهنم على الصراط الذي يوضع على متن النار، فيكردس من كان ظالماً في النار، ويعذب بقدر ذنوبه، ثم يخرج، ومن كان متقياً فإنه ينجو ولا يكردس في النار.

ومنهم من قال: إن الورود هو الوقوع في النار نفسها، وأن كل واحد يدخل النار، ولكن المتقين لا تضرهم النار شيئاً، ولا يجدون شيئاً من عذابها.

السؤال: بعض الطالبات يلحن في القرآن الكريم، وأحياناً يزدن أو ينقصن في أحرف الآيات، فإذا أرشدناهن إلى الصواب يغضبن ويقلن: ليس قصدكنَّ تصحيح القراءة، بل الاستهزاء بنا، فهل نتركهن على الخطأ، أم نبين لهن الصواب؟

الجواب: الواجب على من سمع أخاً له يلحن في كتاب الله أن ينبهه عليه، لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، ولا يجوز لأحد أن يتعمد تغيير كتاب الله عز وجل باللحن، لأن الله تكلم بالقرآن بلسان عربي مبين على الوجه الموافق للغة العربية، وإذا حصل اللحن كان تحريفاً للكلم عن مواضعه، وتعّمُده حرام، وإذا كان تعمده حراماً كان التنبيه عليه واجباً، فيجب على المعلمة أو على غير المعلمة إذا سمعت من يلحن في القرآن أن تنبهه عليه، سواء غضب أم رضي، وكون المخطئ الذي لحن في القرآن ينحى هذا المنحى المشار إليه في السؤال -وهو إساءة الظن بأخيه الذي أعانه على البر والتقوى- من الخطأ، بل الواجب على من قدم له أخوه نصيحة أن يحملها على الظن الحسن، وأن يشكر له هذه النصيحة، لأنه يكون -أعني: الناصح -معيناً له على طاعة الله وتجنب محارمه، ولو أننا تركنا التعاون على البر والتقوى والتناهي عن المنكر من أجل غضب من وجه له ذلك ما استقام أمر ولا نهي.

السؤال: كنا مسافرين، ومررنا بقرية لنصلي الجمعة، وأثناء بحثنا عن الماء خرج أحد الناس من المسجد ودلنا عليه، والإمام يخطب، فهل كلامه هذا يعتبر حراماً أم لا؟

الجواب: لا يجوز للإنسان حال خطبة الجمعة أن يتكلم مع أحد إلا عند الضرورة، مثل أن يرى شخصاً يقع في مهلكة أو نحو ذلك، فينبهه لئلا يقع في المهلكة، وهذه الصورة التي ذكرها السائل أنهم كانوا يبحثون عن الماء، فخرج أحد الرجال من المسجد والإمام يخطب ودلهم على موضع الماء شبيهة بالضرورة، لأن هؤلاء محتاجون إلى الطهارة بالماء، ولكن لو أن هذا الرجل الذي خرج من المسجد ليدلهم على الماء، لو أنه سكت وصار يرشدهم بالإشارة، لجمع هنا بين عدم الكلام وبين دلالة إخوانه على موضع الماء، فيكون هذا أحسن من كونه يتكلم معهم كلاماً يخشى أن يقع في المحظور.

إذاً نقول: إذا حصلت مثل هذه الحادثة فإن الأولى والأفضل أن يسلك الدليل الذي دلهم على الماء، أن يسلك في دلالتهم طريق الإشارة، فيشير إليهم بيده ويرشدهم إلى المكان بالإشارة.

السؤال: رجل يسكن مع والده ويعمل في مدينة مجاورة ويتردد عليها يومياً، وأحياناً يقول: أفكر في السكن قرب عملي، ولأجل أن أحضر حلقات العلم في ذلك البلد؟

الجواب: إذا كان يشق عليه التردد إلى والديه في بلدهما، فلا حرج عليه أن يتخذ مسكناً في البلد الذي يعمل فيه، ولكن إذا كان الوالدان مضطرين إلى وجوده عندهما، فإنه يجب عليه أن يحاول الانتقال إلى البلد الذي فيه الوالدان، وإذا علم الله من نيته أنه يريد دفع ضرورة الوالدين بالانتقال، فإن الله سييسر له الأمر؛ لقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وإذا لم يمكن هذا فليعرض على والديه الانتقال إلى البلد الذي يعمل فيها ليكون سكناهما معه، فيقوم بالوظيفة وبواجب والديه بدون تعب.

السؤال: شخص يعمل أمين صندوق في إحدى المؤسسات، ومدير المؤسسة وكيل لورثة أبيهم، ويقوم هذا الوكيل وهو أخوهم بإصدار أوامره لأمين الصندوق بصرف مكافآت العمال وصدقات وتبرعات وقروض لبعض المحتاجين، فهل على أمين الصندوق إثم فيما لو تعدى الوكيل الصلاحيات الممنوحة له؟

الجواب: إذا تعدى الوكيل الصلاحيات الممنوحة له، وأمين الصندوق يعلم بذلك، فإنه لا يجوز له أن يصرف شيئاً من الصندوق، لأن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان، وعليه أن ينصح الوكيل ويخوفه من الله، ومن المعلوم أن الولي على مال القصار لا يحل له أن يتبرع بشيء من أموالهم ولا بالصدقة، وأما القرض فإنه قد يجوز بشرط أن يكون المقترض مليّاً، أو يقيم ضامناً مليّاً، أو يرهن رهناً يمكن الوفاء منه، وبشرط آخر هو أن يكون للمولى عليهم مصلحة في هذا القرض، ولا أريد بالمصلحة الزيادة؛ لأن الزيادة في القرض من الربا، ولكن أريد مصلحة إذا كان قرضه لهذا الرجل يحميه من اعتداء الغير عليه ويحفظه، فهذا مصلحة للمولى عليه، فإن اجتمع هذان الشرطان؛ الأول: المصلحة، والثاني: انتفاء الخطر بإقامة ضامن بحيث يكون المستقرض مليّاً أو يقيم ضامناً مليّاً أو يدفع رهناً يحرز، ويمكن القضاء منه، فإن ذلك لا بأس به، وحينئذٍ نقول: تصرفات الولي في مال المولى عليه تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم جائز، وهو ما كان فيه مصلحة، كالبيع والشراء والاتجار إذا رأى المصلحة في ذلك، قسم ممنوع على كل حال، كالصدقات والتبرعات، وقسم جائز بشرط وهو القرض، والشرط هنا أشرت إليه أولاً وهو أن نضمن هذا المال بحيث يكون المقترض مليّاً أو يقيم ضامناً ملياً أو يدفع رهناً محرزاً، والثاني: أن يكون في ذلك مصلحة.

السؤال: مدرس حصل عنده تقصير في إحدى السنوات، يقول: فهل أخرج من مرتبي مبالغ وأتصدق بها، أم ماذا أعمل؟

الجواب: الذي أرى أنه يجب عليه أن يخرج من مرتبه بمقدار ما حصل منه من تقصير، وأن يجعل ذلك في صندوق المدرسة، فإن لم يمكن فليتصدق به، ويفضل أن تكون الصدقة على الفقراء من الطلاب، لأن هذا التقصير كان من حقوق الطلاب الذين قصر في حقهم، فصرف عوضه إلى طلاب ينتفعون به أولى من صرفه إلى أجانب عن المدرسة.

السؤال: إن رسالة التدريس رسالة سامية إن رزق صاحبها الإخلاص، فنرجو توجيه نصح وإرشاد للإخوة المدرسين؟

الجواب: إن نصيحتي لأخوتي المدرسين أن يتقوا الله عز وجل في عملهم، وذلك بالإخلاص لله تعالى، بأن يكون قصدهم بتعليمهم إحياء شريعة الله، ونفع عباد الله، وأن يكون قصدهم إصلاح الخلق، وحينئذٍ لا بد أن يضمن تعليمهم شيئاً من التربية الشرعية بالتوجيه والنصح للطلبة، وأن يظهر أمامهم مظهر الرجل المربي المعلم، وألا يريهم شيئاً من التقصير في واجبه، لأن التلميذ يقتدي بأستاذه أكثر مما يقتدي بأبيه وأمه، ويجب على المعلم أن يقوم بالتدريس على الوجه الذي يطلب منه، بأن يكون حين لقاء الدرس متأهباً لما يلقى إليه من الأسئلة، هاضماً للدرس الذي يدرسه حتى يؤديه على الوجه المطلوب.

السؤال: حصل نزاع بين رجل وبين ابن عمه بسبب أن الآخر قال لهذا الرجل: أنت نحتني، والآن أكثر من سنة وهما متهاجران، علماً بأن الرجلين شارفا على الثمانين عاماً؟

الجواب: الواجب على المسلم أن لا يهجر أخاه فوق ثلاث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )، ودعوى أنه أصابه بالعين، أي: نحته، قد تكون باطلة، ومن الأوهام التي يلقيها الشيطان في قلبه، وإذا قدر أن الاحتمال وارد، فإنه ينبغي لأخيه الثاني أن يفعل ما تطيب به نفس الأول، بحيث يتوضأ ويغسل مغابنه، ويتلقى الماء الذي يتناثر منه من أجل أن يستعمله مدعي الإصابة بالعين، وهذا لا يضر، من اتهم بأنه قد عانه أن يفعله، فقد يجعل الله في ذلك خيراً وفكاكاً، على أنني أنصح هذا وغيره من الأوهام التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، فإن كثيراً من الناس إذا أحس بنفسه بأدنى مرض، قال: هذه عين، هذا سحر، وما أشبه ذلك، فتتولد هذه الأوهام حتى تكون عقداً في نفسه، ثم تكون مرضاً حقيقياً، وما أكثر ما يمرض الإنسان بسبب أوهام تتولد في قلبه حتى تتطور وتكون حقيقة، وإذا غفل الإنسان عن الشيء، وأعرض عنه، وتلهى عنه، فإنه يزول بإذن الله، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام من أحس في نفسه بأفكار سيئة قد تخرج الإنسان من الملة، أمره أن يستعيذ بالله وينتهي عن هذا، فإن الصحابة شكوا إليه أنهم يجدون في أنفسهم ما يحب الواحد أن يخر من السماء، أو يكون حمنة، أي: فحمة محترقة، أحب إليه من أن ينطق به، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ذاك صريح الإيمان )، وفي حديث آخر قال: ( الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة )، ثم أمر بأن يستعين الإنسان بالله، وينتهي عما حصل في قلبه من هذه الأوهام.

السؤال: شاب خرج للجهاد ولم يحج، فهل الأولى أن يقدم الجهاد أم الحج؟

الجواب: الواجب تقديم الحج، لأن الحج ركن من أركان الإسلام بالنص والإجماع، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام )، وأجمع المسلمون على أن الحج فريضة وركن من أركان الإسلام، فلا يجوز للقادر عليه أن ينصرف إلى الجهاد ويدع الحج.

السؤال: لهم جيران يتخلفون عن الصلاة لاسيما صلاة الفجر، يقول: وقد نصحتهم مراراً وتكراراً ولكن بدون جدوى، والآن أميل إلى هجرهم، هل عملي صحيح يا فضيلة الشيخ؟

الجواب: نعم عملك صحيح من حيث النصح والإرشاد، ولكن يطلب منك أن تستمر في هذا العمل، لأنك لا تجني منه إلا خيراً، سواء هدوا إلى ما تقول أم لم يهتدوا، وأما الهجر فإنه لا يجوز إلا إذا كان في ذلك مصلحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى أن يهجر المؤمن أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، قال: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )، وطريقة أهل السنة والجماعة أن الإنسان لا يخرج من الإيمان بالمعصية، بل هو باقٍ على إيمانه، فإذا كان كذلك، فإن صاحب المعصية إذا كان في هجره فائدة بحيث يخجل ويعود إلى صوابه، فيكون هجره واجباً لما يترتب عليه من المصلحة، وإذا كان لا ينتفع بهذا الهجر، بل ربما لا يزيده الهجر إلا تمادياً فيما هو عليه من الباطل، كان هجره حينئذٍ حراماً، فالهجر دواء، فإن أفاد كان مطلوباً، وإن لم يفد فالأصل في هجر المؤمن التحريم.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع