هذا الحبيب يا محب 83


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فقد انتهى بنا الدرس إلى نتائج وعبر من غزوة خيبر، وعند ذكر كل نتيجة وعبرة نرجع بأذهاننا إلى الدرس السابق، فلا حاجة إلى إعادته.

قال المؤلف غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [نتائج وعبر:

إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً نوجزها فيما يلي]

أولاً: جواز الحداء والأناشيد الحسنة الخالية من السوء والبذاءة

[أولاً: جواز الحداء والأناشيد الحسنة الخالية من السوء والبذاءة] والحِداء والحُداء بمعنى واحد، ويستعمله سائق الإبل أحياناً لكي تواصل الإبل سيرها في ظلام الليل وضوء النهار، ولا بأس بالحداء إذا كان بالكلم الطيب، الخالي من البذاءة والسوء، فتندفع الإبل به وتواصل سيرها، وكذلك العمال البناءون يتقاولون كلمات طيبة تشجعهم على البناء ليس فيها ما حرم الله من الكلام البذيء واللفظ السيء أو ما يدعو إلى الفاحشة والباطل والمنكر.

وهذا أخذناه من عامر بن الأكوع وهو يحدو بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومن هنا: إذا اجتمع المؤمنات ليلة الزفاف في بيت مؤمن أو مؤمنة يضربن بالدف، وهو عبارة عن جلد مدبوغ على عيدان، له صوت خاص، ويتغنين بالكلم الطيب، والألفاظ الحسنة إعلاناً عن النكاح، فلا بأس بذلك، فالنكاح يستحب الإعلان عنه، وإذا وجدت الوليمة فحسن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( أولم ولو بشاة ).

أما أن نستقدم عاهرة أو ماهرة في الأغاني من الشرق أو الغرب لتحيي ليلة العرس فهذا باطل ومنكر، وأعظم من هذا أن يكون صوت تلك المرأة بمكبر الصوت يسمعه الرجال والنساء معاً، وهذا النوع من الحياة ليس كحياة محمد وأصحابه والمحبين له.

ثانياً: بيان آية النبوة المحمدية في نعي عامر بن الأكوع

قال: [ثانياً: بيان آية النبوة المحمدية في نعي عامر بن الأكوع قبل استشهاده ودخوله المعركة] فقد قال له الرسول: ( رحمك )، ففهم الأصحاب أنه يودعه، وهو كذلك فما إن دخل المعركة حتى كان أول من استشهد.

ثالثاً: استحباب قول: (اللهم رب السموات السبع وما أظللن ..)

قال: [ثالثاً: استحباب قول ( اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين، ورب الشيطان وما أضللن، نسألك من خير هذا البلد .. ) إلخ] وهذه دعوة محمدية فاضلة، فأيما مؤمن نزل ببلد ضيفاً أو ذا عمل أو حاجة، عند دخوله يدعو بهذا الدعاء، فيحصل على أجر وعلى عناية إلهية إن شاء الله، وهو توسل بالمشروع؛ توسل بأسماء الله وصفاته.

رابعاً: حرمة الغلول

قال: [رابعاً: حرمة الغلول، أي: الأخذ من الغنائم قبل قسمتها] والغلول: مصدر غل يغُل غلولاً، وهو أن يأخذ سراً من الغنيمة ويخفيه قبل أن تقسم، والله تعالى يقول: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران:161] -وفي القراءات السبع: (أن يُغَل)- وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [آل عمران:161].

ومثل الغلول: الشركاء في بستان أو تجارة لا يحل لأحدهم أن يأخذ شيئاً قبل القسمة وقبل إجراء الحساب، ومن هذا أيضاً: من تسند إليه أموال الدولة أو صناديق من المسئولين، لا يحل له أن يأخذ قرشاً واحداً بدون حقه، فالمجاهد وقد انتصر ورغب في شيء من تلك الأكوام من الغنائم لا يأخذ شيئاً فما بالك بمن دونه.

خامساً: حرمة وطء المسبية قبل استبرائها

قال: [خامساً: حرمة وطء المسبية قبل استبرائها] والمسبية هي من سبيت في الحرب؛ الحرب الجهادية الإسلامية، فإذا غزونا بلداً وانتصرنا ماذا نصنع بالأسرى من النساء والرجال والأطفال؟ أما الكفار فيحرقون الأسرى، أو يجمعونهم بالآلاف ويقتلونهم، أما المسلمون -أيام كانوا لا نعني الآن- لما تنتهي المعركة يقسم القائد من لم يقتل من الرجال والنساء والأطفال على المجاهدين، ويوصيهم بأن يطعموهم مما يطعمون، وأن يكسوهم مما يكتسون، وأن لا يحمّلوهم ما لا يطيقون، فإن حملوهم أمراً صعباً أعانوهم وكانوا معهم.

فإذا أراد أحد أن يستمتع بمسبيته ويسعدها بقضاء شهوتها فيجب أن لا يطأها حتى يستبرئها، أي: يتعرف إلى براءة رحمها، وأنه ليس به جنين من رجل كافر، فإذا حاضت عرف أنها ليست حبلى، وحينئذٍ يستمتع بها إن أراد وليس بلازم، ولكن هذا الاستمتاع في صالح الأسيرة كونها تبقى خادمة طوال عمرها، وقد لا تتزوج، ألا تستمتع بتلك الغريزة الجنسية؟ فمولاها يستمتع بها، وهذه حال تتطلب منه -كذلك- أن يحسن ثيابها وفراشها وما إلى ذلك. تدبير من هذا؟ تدبير الله رب العالمين.

أين الحيوانات البهيمية الكافرة بالله، أنى لها أن ترقى لهذه الكمالات السماوية؟! لا يعرفون إلا السب والشتم والطعن في الإسلام وأهله، وهم شر من البهائم!!

سادساً: بيان فضل علي بن أبي طالب وما فاز به من حب الله ورسوله

قال: [سادساً: بيان فضل علي بن أبي طالب وما فاز به من حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم] هل فاز بجائزة كبيرة قدرها مليار دولار؟ لا، ولكن أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الله ورسوله يحبانه، ومن عرف أن الله يحبه هل يشقى في الدنيا؟ هل يخطر بباله حزن أو غم أو هم وقد علم أن الله يحبه ورسوله؟! لا.

سابعاً: بيان صدق وعد الله تعالى في غنائم خيبر

قال: [سابعاً: بيان صدق وعد الله تعالى في غنائم خيبر؛ إذ وعد المؤمنين بها، فأنجزها لهم، وله الحمد والمنة] أين وعدهم بها؟ في غزوة الحديبية، فقد خرج الحبيب صلى الله عليه وسلم برجاله وكانوا ألفاً وأربعمائة بعدما انتصروا في غزوة الخندق -نصرهم الله بالملائكة وما كان قتالاً- وكان المشركون قد تجمعوا بمكر اليهود حول المدينة من غرب وشرق وحاصروا النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة، وما استطاعوا أن يتجاوزوا الخندق الذي حفره الرسول والمؤمنون، وأخيراً أصابهم الله بريح تسمى: (ريح الصبا) فاقتلعت الخيام، وكفأت القدور الضخمة، فقرروا الهرب، وطلعت الشمس وما كافر موجود حول الرسول والمؤمنين.

وعندها قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( الآن نغزوهم ولا يغزونا )، وعاد أبو سفيان بجيشه وعاد كل المشركين مهزومين، وقال تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ [التوبة:25]، وهناك آيات كثيرة في هذا، والشاهد عندنا أنه لما خرج صلى الله عليه وسلم للعمرة بعد الانتصار الرباني وسمعت قريش بخروجه وأنه على مقربة من مكة جهزت جيوشها وقالت: لا يدخلها عنوة علينا! وشاء الله أن يجري الصلح بين الرسول والمشركين، وكانت مدته عشر سنوات.

ونذكر للتعليم -وإن كنا لا نستفيد- أنه لما كان يُكتب الصك أو العقد بين الطائفتين قال النبي لـعلي -وهو سكرتيره- ( اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ) ، فقال سهيل بن عمرو وكان ممثل قريش وسفيرها: لا نعرف الرحمن الرحيم، ولكن اكتب باسمك اللهم فقط، فماذا يصنع الرسول وقد تألم الأصحاب؟ قال: ( اكتب باسمك اللهم )، وتنازل عن كلمة (الرحمن الرحيم).

ثم قال صلى الله عليه وسلم:( هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله قريشاً ) فقال سهيل: لو عرفناك رسول الله ما قاتلناك! ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فيتنازل رسول الله عن كلمة (الرسول)، ولما غضب من غضب، قال: اسكتوا ( أنا رسول الله ولن يضيعني )؛ لأنه يريد أن يهيئ الفرصة للمؤمنين في أن يتجولوا في البلاد يتجرون ويربحون وينتهي الحصار على المدينة من كل جهة.

والآن إخوانكم المتعنترون لو تنازل حاكم عن مثل هذه لكفروه مليون مرة، ولو استطاعوا ذبحه لذبحوه ألف مرة، ولا يفكرون في ما هي الأسباب والعوامل أبداً؛ لأنه لا بصيرة لنا، ولا علم رباني صحيح في قلوبنا!!

إذاً: صبر الحبيب وصبّر رجاله، وأقبلوا عائدين إلى المدينة وقد عُقد صلح مدته عشر سنوات، ونزل قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2]، يتلوها صلى الله عليه وسلم على ناقته، وفيها: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ [الفتح:20]، وهي غنائم خيبر، فما إن وصل المدينة حتى عزم صلى الله عليه وسلم على غزو اليهود في خيبر؛ لأنهم هم الذين ألبوا المشركين من كل جهة يوم الأحزاب، وفتح الله خيبر، وغنم المسلمون كل ما فيها من غنائم، وتحقق وعد الله تعالى للمؤمنين.

ثامناً: فضل صفية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها

قال: [ثامناً: فضل صفية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها] من صفية هذه؟ إنها أمكم رضي الله عنها، ولعل البعض لا يعرفونها؛ لأنهم مشغولون بالدينار والدرهم! صفية بنت حيي بن أخطب هذه لما انتصر الرسول والمؤمنون في خيبر أخذت مسبية من جملة السبايا، وكانت من أسرة -في الحقيقة- شريفة في قومها، فأعتقها الرسول صلى الله عليه وسلم وتزوجها.

ونذكر لها لطيفة وهي: لما تزوجها ابن عمها ابن أبي الحقيق قصت عليه رؤيا رأتها في المنام فقالت: رأيت القمر سقط في حجري، فما كان من هذا اليهودي إلا أن لطمها حتى أثر في خدها بالزرقة أو الخضرة، وقال: أتريدين ملك يثرب، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خلا بها الحبيب ليلة زفافها وجد الخضرة في وجهها، فقال: ما هذا يا صفية ؟! فقصت له القصة.

تاسعاً: مشروعية تقبيل جبهة الإنسان إن كان أهلاً لذلك

قال: [تاسعاً: مشروعية تقبيل جبهة الإنسان إن كان أهلاً لذلك؛ لصلاحه أو قربه] أما ما يفعله بعض الناس من تقبيل الرجل في خده أو فمه، فهو من الجاهلية، وإن شاء الله نتوب.

كيف يقبّل الرجل الرجل في عينه أو فمه أو خده، ولماذا؟ أي داع لهذا؟ هل سن أبو القاسم هذا؟ الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أحب عبداً وأراد إكرامه قبله بين عينيه، وهذه هي السنة، ولا بأس أن يقبّل الأب أو الشيخ الكبير أو ذو الفضل بين عينيه فقط، ليس في خده أو وجهه، وله كذلك أن يحتضنه، أما التقبيل فهو عادة سيئة.

من أين استنبطنا هذه القضية؟

لما جاء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه من الحبشة -وقد هاجر إليها بأمر رسول الله أيام كان في مكة- بعد أن انتصر الإسلام ولم يجد رسول الله في المدينة، وأخبروه بأنه في خيبر، شد على راحلته والتحق به، فما إن رآه الرسول حتى احتضنه وقبّله.

عاشراً: في مصالحة أهل فدك قبل غزوهم تقرير معنى حديث: (نصرت بالرعب مسيرة شهر)

قال: [عاشراً: في مصالحة أهل فدك قبل غزوهم تقرير معنى الحديث: ( نصرت بالرعب مسيرة شهر )] ما إن انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر وانهزم اليهود حتى أرسل أهل فدك إلى الرسول وقالوا: نصالحك أيضاً.

[أولاً: جواز الحداء والأناشيد الحسنة الخالية من السوء والبذاءة] والحِداء والحُداء بمعنى واحد، ويستعمله سائق الإبل أحياناً لكي تواصل الإبل سيرها في ظلام الليل وضوء النهار، ولا بأس بالحداء إذا كان بالكلم الطيب، الخالي من البذاءة والسوء، فتندفع الإبل به وتواصل سيرها، وكذلك العمال البناءون يتقاولون كلمات طيبة تشجعهم على البناء ليس فيها ما حرم الله من الكلام البذيء واللفظ السيء أو ما يدعو إلى الفاحشة والباطل والمنكر.

وهذا أخذناه من عامر بن الأكوع وهو يحدو بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومن هنا: إذا اجتمع المؤمنات ليلة الزفاف في بيت مؤمن أو مؤمنة يضربن بالدف، وهو عبارة عن جلد مدبوغ على عيدان، له صوت خاص، ويتغنين بالكلم الطيب، والألفاظ الحسنة إعلاناً عن النكاح، فلا بأس بذلك، فالنكاح يستحب الإعلان عنه، وإذا وجدت الوليمة فحسن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( أولم ولو بشاة ).

أما أن نستقدم عاهرة أو ماهرة في الأغاني من الشرق أو الغرب لتحيي ليلة العرس فهذا باطل ومنكر، وأعظم من هذا أن يكون صوت تلك المرأة بمكبر الصوت يسمعه الرجال والنساء معاً، وهذا النوع من الحياة ليس كحياة محمد وأصحابه والمحبين له.

قال: [ثانياً: بيان آية النبوة المحمدية في نعي عامر بن الأكوع قبل استشهاده ودخوله المعركة] فقد قال له الرسول: ( رحمك )، ففهم الأصحاب أنه يودعه، وهو كذلك فما إن دخل المعركة حتى كان أول من استشهد.