خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [723]
الحلقة مفرغة
السؤال: أرجو تفسير الآية الكريمة: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]؟ مع التمثيل لكلٍ من الآيات المحكمات والمتشابهات؟
الجواب: قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]، قسم الله تبارك وتعالى القرآن الكريم إلى قسمين: محكم ومتشابه، والمراد بالمحكم هنا الواضح البين الذي لا يخفى على أحدٍ معناه، مثل: السماء والأرض والنجوم والجبال والشجر والدواب وما أشبهها، هذا محكم، لأنه لا اشتباه في معناه، وأما المتشابهات فهي الآيات التي يشتبه معناها ويخفى على أكثر الناس، ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم، مثل بعض الآيات المجملة التي ليس فيها تفصيل فتفصلها السنة، مثل قوله تعالى: أَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، فإن إقامة الصلاة غير معلومة، والمعلوم من هذه الآية وجوب إقامة الصلاة فقط، لكن كيف الإقامة؟ هذا يعرف من دليل آخر.
والحكمة من أن القرآن نزل على هذين الوجهين الابتلاء والامتحان، لأن من في قلبه زيغ يتبع المتشابه، فيبقى في حيرةٍ من أمره، وأما الراسخون في العلم فإنهم يؤمنون به كله متشابهه ومحكمه، ويعلمون أنه من عند الله، وأنه لا تناقض فيه، ومن أمثلة المتشابه قول الله تبارك وتعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23]، مع قوله: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42]، فيأتي الإنسان ويقول: هذا متناقض! كيف يقول: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23]، ثم يقال عنهم: إنهم لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:42]، فيضرب الآيات بعضها ببعض ليوقع الناس في حيرة، لكن الراسخين في العلم يقولون: كل من عند الله ولا تناقض في كلام الله، ويقولون: إن يوم القيامة يومٌ مقداره خمسون ألف سنة، فتتغير الأحوال وتتبدل، فتنزل هذه على حال، وهذه على حال.
السؤال: ما معنى قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24]؟
الجواب: معنى هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى يحول بين المرء وقلبه، فيريد الإنسان شيئاً ويعزم عليه وإذا به ينتقض عزمه ويتغير اتجاهه، فيكون الله تعالى حائلاً بين المرء وقلبه، وفي هذا تحذيرٌ للعباد من أن يحول الله تعالى بين العبد وقلبه فيزل ويهلك، فعلى المرء أن يراقب قلبه دائماً وينظر ما هو عليه حتى لا يزيغ ويهلك.
السؤال: تسأل عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ( نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأوتيت مفاتيح الأرض )، تقول: ما هي مفاتيح الأرض؟
الجواب: معنى مفاتيح الأرض أن الله سبحانه وتعالى سوف يكتب له النصر حتى يملك مفاتيح الأرض، وتكون خزائن الأرض بيده، وهذا هو الذي وقع؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتح مدائن الفرس والروم على يد الخلفاء الراشدين المتبعين له، فحصل له مفاتيح الأرض.
السؤال: فتاة مصابة بالصرع، وتحمد الله تعالى على ما قدر لها، تقول: لها عشر سنين تشكو من هذا المرض، والآن تستخدم العلاج، وهذا المرض يكون على هيئة تشنج، ويحدث لها إغماء ثم تسقط على الأرض بعد ذلك، تقول: أجد نفسي في الإسعاف مكشوفة الشعر والوجه أمام الأطباء، فقلت لوالدتي: لم لم تغط شعري ووجهي؟! فقالت: أنت تنزعينها! والسؤال تقول: هل علي إثم في عدم تستري أمام الأطباء وأنا في هذه الحالة من المرض؟
الجواب: أسأل الله تعالى لها الشفاء العاجل، وأن يثيبها ويأجرها على ما يصيبها من هذه المصيبة، وليس عليها جناحٌ ولا حرج إذا كشفت وجهها حال الصرع، لأنها تكشفه بدون قصد ولا إرادة، وكذلك لو أن الأطباء احتاجوا إلى كشف وجهها للنظر والعلاج فلا حرج في هذا، ولكن لا بد أن يكون معها محرم بحيث لا يخلو بها الطبيب، أو يكون مع الطبيب رجلٌ آخر أو ممرضة أو ما أشبه ذلك، المهم أنه لا يجوز للأطباء أن يخلو واحدٌ منهم بالمرأة بدون محرم.
السؤال: هل وجود الشخص في مكانٍ توجد به منكرات شرعية يعتبر من المحظورات؟
الجواب: لا يحل لإنسان أن يجلس مجلساً فيه منكرات، إلا إذا كان قادراً على إزالتها، فيجب عليه أن يبقى حتى تزول، أما إذا كان غير قادر فالواجب عليه مغادرة المكان؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140]، يعني: إنكم إن قعدتم فإنكم مثلهم -أي: في الإثم- والواجب على المرء إنكار المنكر بقدر ما يستطيع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان )، والإنكار بالقلب لا يمكن مع بقاء الإنسان في محل المنكر أبداً، لأن الإنكار بالقلب هو كراهة المنكر ومغادرة المكان إذا لم يستطع أن يغير المنكر.
السؤال: فيما يخص التكبير في أيام العيدين وكذا أيام التشريق لا يختلف اثنان في سنية ذلك، لكن نرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لنا هل هذا التكبير يكون جماعياً وبصوتٍ واحد؟ وإذا فعلنا ذلك هل يكون من البدع؟
الجواب: الصحيح أنه لا يكون بصوتٍ واحد، وإنما يكبر كل إنسانٍ لنفسه، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع منهم الملبي ومنهم المكبر، فكل إنسانٍ يكبر بنفسه على حسب اللهجة التي يريدها، وأما الاجتماع على التكبير بصوتٍ واحد فلا أعلمه في السنة.
السؤال: فيما يتعلق بحديث أنس رضي الله عنه قال رجلٌ: يا رسول الله! الرجل يعانق أخاه أو صديقه، أينحني له؟ قال: لا. قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم. والسؤال: هل النهي الوارد في الحديث للكراهة أم للتحذير؟
الجواب: الظاهر أنه للكراهة، إلا إذا علمنا أن الشخص الآخر يتأذى بذلك فإنه يكون للتحريم، وما يفعله بعض الناس اليوم من كونه كلما لاقى الإنسان قبله لا أصل له من السنة كما في هذا الحديث، وإنما المشروع المصافحة فقط، لكن لو أراد أحدٌ أن يقبل رأس شخص تعظيماً له، كأبيه وأمه وأخيه الكبير وشيخه وما أشبه ذلك فلا حرج، لكن كونه كلما رآه صافحه وقبل رأسه هذا ليس من السنة، نعم. لو قدم أحدهما من سفر ولقيه الآخر بعد هذا السفر فلا حرج، وهنا شيء آخر وهو ما اعتاده كثير من الناس اليوم إذا لاقى الإنسان أخذ برأسه وقبله بدون مصافحة، وهذا لا شك أنه خلاف السنة، يقول بعض الناس: إنني أريد أن أقبل رأسك فنقول: نعم، تقبيل الرأس، لا بأس به، لكن صافح أولاً حتى تأتي بالسنة، ثم قبل الرأس ثانياً، أما أن تأخذ بالرأس مباشرةً فهذا ليس من السنة.
السؤال: بعض الإخوة يقول بأنه لا تجوز المذهبية، أي: تقليد أحد المذاهب الأربعة، وإنما العمل بالدليل، لكن ذلك يجعلني أتساءل دائماً، لقد كانت منابع هؤلاء الأئمة الكتاب والسنة، والسؤال: هل يجوز تقليد أي مذهب من المذاهب الأربعة دون التعصب لها، مع العلم بأنني لست عالماً ولا طالب علم؟
الجواب: إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يستخرج الحكم بنفسه من الكتاب والسنة، فما عليه إلا التقليد؛ لقول الله تبارك وتعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، ومن المعلوم أن العامي لا يمكن أن يستخلص الحكم من الأدلة لأنه عامي، فما عليه إلا أن يقلد، وفي هذه الحال يجب عليه أن يقلد من يرى أنه أقرب إلى الصواب؛ لسعة علمه وقوة دينه وأمانته، ولا يحل لإنسان أن يقلد على وجه التشهي، بمعنى أنه إذا رأى القول السهل الميسر تبعه، سواءٌ كان من فلان أو من فلان، فهذا ربما يقلد عشرة أشخاص في يومٍ واحد حسبما يقتضيه مزاجه، والواجب اتباع من يرى أنه أقرب إلى الصواب لعلمه وأمانته.
أما التزام التمذهب بمذهبٍ معين يأخذ برخصه وعزائمه على كل حال، فهذا ليس بجائز، وذلك لأنه فيه طاعة غير الله ورسوله على وجه الإطلاق، ولا أحد تجب طاعته والعمل بقوله على وجه الإطلاق إلا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
السؤال: يقول: بأنه نذر إذا أتم الله له أمراً فإنه سيذبح ذبيحةً للفقراء والمساكين، ولم يحدد المكان الذي يتم فيه الذبح، فهل يحق له أن يذبح في بلده حيث إن هناك كما يقول: أعرف مساكين وفقراء؟
الجواب: أولاً: يجب أن نعلم أن النذر أقل أحواله أن يكون مكروهاً، ومن العلماء من حرمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه وقال: ( إنه لا يأتي بخير )، وقال: ( إنه لا يرد قضاءً )، فالنذر ليس هو الذي يجلب الخير للإنسان، ولا هو الذي يدفع الضرر عنه، ( وإنما يستخرج به من البخيل )، كما جاء في الحديث، ولهذا حرم النذر طائفةٌ كبيرة من أهل العلم، وما أكثر الذين يسألون عن النذر فتجدهم ينذرون ثم يماطلون في الوفاء بالنذر، وربما يتساهلون فلا يوفون، وهؤلاء على خطرٍ عظيم؛ لقول الله تبارك وتعالى في المنافقين: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77]، فأكرر لإخواني المسلمين النهي عن النذر، أي: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه، وأقول: احذروا النذر، احذروه، ومن نذر أن يطيع الله فليطعه، هذا الرجل نذر أن يذبح ذبيحة لحصول أمرٍ ما يتصدق بها على الفقراء، وهذا النذر نذر طاعة، ولا فرق بين أن يوفيه في بلده أو في بلدٍ آخر، إلا إذا عين البلد فيتعين ما عينه هو.
السؤال: والدي متوفى منذ فترة طويلة وهو بعيدٌ عني ولا أستطيع أن أقوم بزيارته إلا بعد السنتين أو الثلاث، فهل باستطاعتي أن أبره بشيء وأنا بعيدٌ عنه؟
الجواب: المقصود من زيارة الموتى هو الدعاء لهم، والدعاء لهم واصلٌ في أي مكانٍ كان الداعي؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )، فأنت ادع الله لوالدك في أي مكانٍ كنت، بعيداً كنت أم قريباً، ولا حاجة إلى زيارة قبره، نعم لو كنت جلست في البلد جئت لحاجة وذهبت تزور أباك فهذا لا بأس به، أما أن تشد الرحل إلى قبره لتزوره، فهذا منهيٌ عنه.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3342 استماع |