فتاوى نور على الدرب [340]


الحلقة مفرغة

السؤال: وجدت في كتاب الروض المربع للإمام أحمد بن حنبل أن سبعة أماكن لا تجوز فيها الصلاة, ومن هذه الأماكن المقبرة, وعندنا في بلدنا يصلون على الميت في المقبرة قبل الدفن, فما حكم ذلك أفيدونا مأجورين؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فإن السائل يقول: وجدت في الروض المربع للإمام أحمد بن حنبل , والكتاب المذكور ليس للإمام أحمد بن حنبل لكنه لأحد المنتسبين إلى الإمام أحمد بن حنبل وهو منصور بن يونس البهوتي ، شرح فيه زاد المستقنع للشيخ موسى بن سالم الحجاوي , والكتاب المذكور وأصله كلاهما على المشهور من مذهب أحمد عند المتأخرين من أصحابه, ومن جملة المواضع التي ذكر أن الصلاة لا تصح فيها المقبرة؛ وهي مدفن الموتى, وقد ورد في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ), وروى مسلم عن أبي مرثد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ).

وعلى هذا فإن الصلاة في المقبرة لا تجوز والصلاة إلى القبر لا تجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن المقبرة ليست محلاً للصلاة, ونهى عن الصلاة إلى القبر.

والحكمة من ذلك: أن الصلاة في المقبرة أو إلى القبر ذريعة إلى الشرك, وما كان ذريعة إلى الشرك كان محرماً؛ لأن الشارع قد سد كل طريق يوصل إلى الشرك, والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم, فيبدأ به أولاً في الذرائع والوسائل ثم يبلغ به الغايات, فلو أن أحداً من الناس صلى صلاة فريضة أو صلاة تطوع في مقبرة أو إلى قبر فصلاته غير صحيحة.

أما الصلاة على الجنازة فلا بأس بها, فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى على القبر في قصة المرأة أو الرجل الذي كان يقم المسجد فمات ليلاً, فلم يخبر الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم بموته, فلما أصبح قال صلى الله عليه وسلم: ( دلوني على قبره أو قبرها، فدلوه فصلى عليه )، فيستثنى من الصلاة الصلاة على القبر، وكذلك الصلاة على الجنازة قبل دفنها؛ لأن هذه صلاة خاصة تتعلق بالميت, فكما جازت الصلاة على القبر على الميت فإنها تجوز الصلاة عليه قبل الدفن.

السؤال: هل يجوز لبس الثوب الأسود على المتوفى، وخاصة إذا كان على الزوج؟

الجواب: لبس السواد عند المصائب شعار باطل لا أصل له, والإنسان عند المصيبة ينبغي له أن يفعل ما جاء به الشرع, فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها, فإنه إذا قال ذلك بإيمان واحتساب فإن الله سبحانه وتعالى يأجره على ذلك, ويبدله بخير منها.

وقد جرى هذا لـ أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها حين مات أبو سلمة زوجها وابن عمها, وكان من أحب الناس إليها, فقالت هذا, قالت: وكنت أقول في نفسي: من خير من أبي سلمة ؟ فلما انتهت عدتها خطبها النبي صلى الله عليه وسلم, فكان النبي صلى الله عليه وسلم خيراً من أبي سلمة !

وهكذا كل من قال ذلك بإيمان واحتساب, فإن الله تعالى يأجره على مصيبته ويخلف له خيراً منها, أما التزيي بزي معين كالسواد وشبهه، فإن هذا لا أصل له, وهو أمر باطل ومذموم.

السؤال: قال الله تعالى في كتابه العزيز: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [السجدة:4]؛ هل هذه الأيام من أيام الدنيا أم من أيام الآخرة؟

الجواب: يقول الله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس:3]، وأطلق الله تعالى هذه الأيام, وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3]، أي صيرناه بلغة العرب لتعقلوه وتفهموا معناه.

وقال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195].

وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4].

فإذا أطلق الله تعالى شيئاً في كتابه ولم يكن له معنى شرعي يرجع إليه، فإنه يجب أن يحمل على ما تقتضيه اللغة العربية, والأيام هنا مطلقة، قال: فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فتحمل هذه الأيام على الأيام المعهودة المعروفة لنا, وهي هذه الأيام التي نعدها: الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة, فهذه ستة أيام خلق الله تعالى فيها السماوات والأرض, قال الله تعالى مفسراً ذلك في سورة فصلت: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت:9-12].

ففصل الله تعالى هذه الأيام في هذه السورة تفصيلاً بيناً واضحاً, فتحمل هذه الأيام على الأيام المعهودة التي يعرفها الناس في هذه الدنيا.

أما أيام الآخرة فإن الله تعالى قال عن يوم القيامة: مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4].

السؤال: إذا كان الصف الأول من المصلين في المسجد يفصله عن بعضه منبر الخطيب, فهل يعتبر صفاً أولاً في الصلاة؟

الجواب: الصف الأول هو الذي يلي الإمام, فإذا كان هذا الصف الذي يفصله المنبر هو الذي يلي الإمام كان هو الصف الأول على كل حال, والصف الثاني ما بعده، وهكذا حتى تنتهي الصفوف؛ لكن ينبغي إذا كان المسجد واسعاً أن يتأخر الإمام حتى يكون الصف الذي خلفه متصلاً بعضه ببعض غير مفصول بالمنبر؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتقون الصف بين السواري, أي: بين الأعمدة لأنها تقطع الصف, فأما إذا لم يمكن بأن كان العدد كثيراً ولا بد من تقدم الإمام فحينئذ يكون قطع الصف بالمنبر لحاجة، ولا بأس به.

السؤال: هل يجوز للمصلي في يوم الجمعة أن يترك المسجد الموجود في منطقته, ويذهب إلى مسجد آخر بعيد المسافة، وذلك لكون الخطيب الثاني لديه اطلاع واسع في أمور الدين، وكذلك لديه أسلوب جيد في إلقاء الخطبة؟

الجواب: الأحسن أن يصلي أهل الحي في مسجدهم للتعارف والتآلف بينهم، وتشجيع بعضهم بعضاً، وتطييب قلب الإمام الذي يصلي بهم.

فإذا ذهب أحد إلى مسجد آخر لمصلحة دينية كتحصيل علم أو استماع إلى خطبة تكون أشد تأثيراً وأكثر علماً، فإن هذا لا بأس به, وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده لإدراك فضل الإمام وفضل المسجد, ثم يذهبون يصلون في أهل حيهم، كما كان معاذ رضي الله عنه يفعل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم, ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم.

السؤال: ما حكم من يجمع بين الصلاتين المفروضة من غير عذر شرعي؟

الجواب: حكم من يجمع بين صلاتين من غير عذر شرعي أن صلاته التي جمعها إلى ما قبلها غير صحيحة، مثل أن يجمع العصر إلى الظهر في وقت الظهر فإن صلاة العصر هنا لا تصح؛ لأنه صلاها قبل وقتها, والنبي صلى الله عليه وسلم وقت مواقيت محددة مفصلة, فلا يجوز لإنسان أن يقدم الصلاة على وقتها إلا لعذر شرعي أو نحو ذلك.

وأما إذا كان جمعه جمع تأخير بأن يؤخر الأولى إلى الثانية، فإن تأخير الأولى إلى الثانية إثم عظيم كبير, واختلف العلماء في هذه الحال هل تصح أو لا تصح؟ فجمهور العلماء أنها تصح مع الإثم.

والصحيح: أنها لا تصح، أي أنه إذا أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر فإنها لا تصح ولو صلاها ألف مرة؛ لأنه أخرجها عن وقتها بلا عذر كتقديمها عن وقتها بلا عذر يبيح ذلك؛ لأن كل ذلك داخل في مخالفة قول الرسول عليه الصلاة والسلام, بل إن الكل داخل في مخالفة حدود الله عز وجل التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليها أمرنا فهو رد )، ولهذا يجب على الإنسان الحذر من تأخير الصلاة عن وقتها بلا عذر؛ لأنه إذا أخرها لا تقبل منه أبداً ولو صلاها آلاف المرات.

السؤال: ما حكم الزيادة في الأذان؟

الجواب: الأذان عبادة مشروعة بأذكار مخصوصة بينها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بإقراره لها، فلا يجوز للإنسان أن يتعدى حدود الله تعالى فيها أو يزيد فيها شيئاً من عنده لم يثبت فيها النص, فإن فعل كان ذلك مردوداً عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وفي لفظ: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

وإذا زاد الإنسان في الأذان شيئاً لم يثبت به النص كان خارجاً عما عليه النبي صلى الله عليه وسلم فيما زاده, والشرع -كما يعلم جميع المسلمين- توقيفي يتلقى من الشارع, فما جاء به الشرع وجب علينا التعبد به استحباباً في المستحبات, وإلزاماً في الواجبات, وما لم يرد به الشرع فليس لنا أن نتقدم بين يدي الله ورسوله بزيادة فيه أو نقص.

السؤال: أنا شاب متدين ولله الحمد, أبلغ من العمر الثانية والعشرين, أعاني من مشكلة أرجو من الله ثم منكم أن تساعدوني على التخلص منها, وهي أنني حينما أشرع في الصلاة أبدأ بالتثاؤب من غير قصد, وهذه الحالة دائماً تلازمني حتى عند قراءة آية الكرسي بالذات, ولا أعرف سبباً لذلك، حيث إنني أتثاءب أكثر من عشر مرات في الصلاة الواحدة! أرجو بهذا إفادة.

الجواب: التثاؤب من الشيطان كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم, وكما يتسلط الشيطان على المصلي بإلقاء الوساوس في قلبه والهواجس التي لا زمام لها ولا فائدة منها ربما يتسلط عليه بالتثاؤب, فيتثاءب كثيراً حتى يشغله عن صلاته, فإذا وجد ذلك فليفعل ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم يكظم ما استطاع, فإن لم يستطع يضع يده على فمه حتى لا يجعل للشيطان سبيلاً إليه, وليحرص على أن يقبل على الصلاة بنشاط وهمة وعزيمة صادقة, وليسأل الله سبحانه وتعالى العافية مما يحدث له في صلاته, وإذا سأل الله تعالى بصدق وفعل ما يستطيع من محاولة إزالة هذه الظاهرة, فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

السؤال: قرأت في يوم من الأيام حديثاً فيما معناه: أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: ( من قرأ القرآن ونسيه يأتي يوم القيامة وهو أجذم ), وأنا في الحقيقة إنسان أنسى بسرعة ولا أتذكر شيئاً إلا بشق الأنفس, وهذا ما يخيفني, وحاولت العلاج وعرضت نفسي على عدد من الأطباء, فبماذا تنصحونني بارك الله فيكم؟

الجواب: أقول: إن نسيان القرآن ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: أن يكون سببه إعراض القاري وإهماله وتفريطه, فهذا قد يكون إثماً لكونه أهدر نعمة الله عليه بحفظ كتابه حتى أضاعه ونسيه.

وأما القسم الثاني: فهو أن يكون نسيانه عن غير إعراض وغفلة, ولكنه لآفة به مثل كونه سريع النسيان كما في هذا السؤال, أو لكونه ينشغل بأمور لا بد له منها في دينه ودنياه فينسى بذلك, فهذا لا يضر ولا يؤثر, وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم بأصحابه فقرأ بهم ونسي آية من القرآن, فلما انصرف ذكره بها أبي بن كعب , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( هلا كنت ذكرتنيها ) يعني: في الصلاة.

ومر بقارئ يقرأ ليلاً فقال: ( رحم الله فلاناً لقد أذكرني بآية كنت أُنسيتها )، فالنسيان الذي يأتي بمقتضى طبيعة البشر لا يلام الإنسان عليه.

السؤال: أنا مقيم في السويد, ويعرض في مطاعمهم لحم الخنزير, ولقد تعرضت لسؤال من بعض الأشخاص, وهو: لماذا حرم أكل لحم الخنزير؟ وما هو السبب؟ وما هو الدليل على هذا؟

أرجو من فضيلة الشيخ إعطائي إجابة وافية حول هذا.

الجواب: لحم الخنزير حرمه الله عز وجل في كتابه في عدة مواضع, وأجمع المسلمين على تحريمه, وبين الله سبحانه وتعالى الحكمة من تحريمه: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام:145]، فبين الله سبحانه وتعالى الحكمة من تحريمه وهو أنه رجس, أي نجس مضر بالإنسان في دينه وبدنه, والرب عز وجل هو الخالق وهو العالم بما في مخلوقاته من أضرار ومنافع, فإذا قال لنا إنه حرم الخنزير لأنه رجس، علمنا بأن هذه الرجسية ضارة لنا في ديننا وأبداننا.

وحينئذ نقول لكل إنسان سأل عن الحكمة في تحريم لحم الخنزير: إنه رجس, أي نجس ضار بالنسبة للبدن وبالنسبة للدين.

وقد قيل: إن من خلق هذا الحيوان النجس قلة الغيرة, فإذا تغذى الإنسان به فقد تسلب منه الغيرة على محارمه وأهله؛ لأن الإنسان قد يتأثر بما يتغذى به, أفلم تر إلى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير؛ لأن هذه السباع وهذه الطيور من طبيعتها العدوان والافتراس, فيخشى إذا تغذى بها الإنسان أن ينال منها هذا الطبع؛ لأن الإنسان يتأثر بما يتغذى به.

فهذه هي الحكمة من تحريم لحم الخنزير, وهذا نقوله حينما نقوله لإنسان لا يؤمن بالقرآن ولا بأحكام الله, وقد نقوله لإنسان يؤمن بذلك, ولكن ليطمئن قلبه وليزداد ثباتاً, والمهم بمجرد ما يقال: إن هذا حكم الله ورسوله فهو عنده حِكْمَة الحِكَمْ كما قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، وقال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:51-52].

ولما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ ذكرت أن العلة في ذلك أمر الله ورسوله فقالت: ( كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، فالمؤمن يقتنع بالحكم الشرعي بمجرد ثبوت كونه حكماً من الله ورسوله, ويستسلم لذلك ويرضى به, لكن إذا كنا نخاطب شخصاً ضعيف الإيمان أو شخصاً لا يؤمن بالله ورسوله فحينئذ يتعين علينا أن نتطلب الحكمة وأن نبينها.