فتاوى نور على الدرب [240]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز للأب أن يرغم ابنه الشاب على الجلوس في المنزل وعدم البحث عن عمل شريف يكسب منه حلالاً؟ وماذا يفعل الابن في هذه الحالة؟ هل تلزمه طاعة أبيه أم يجوز له أن يخالف أمره فالإسلام يحث على العمل والاكتساب الحلال؟

الجواب: إذا كان هذا الشاب بالغاً عاقلاً محسناً للتصرف فإنه لا يجوز لوالده أن يمنعه من الكسب الحلال؛ وذلك لأنه في هذه الحال ليس عليه حجر وليس عليه منع من التكسب ما دام يريد أن يكتسب اكتساباً حلالاً، فإن الإنسان محتاج إلى ذلك إلى أن يعف نفسه بالزواج، وإلى أن يكف نفسه عن المسألة، ولا طريق إلى ذلك إلا بالسعي في طلب الرزق الحلال، ثم إنه لو فرض أن الأب عنده مال يستطيع به أن يكمل لهذا الشخص ما يحتاجه من نفقة وزواج فإن بقاء الإنسان بدون عمل قد يضره نفسياً وبدنياً؛ لأن الإنسان كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( كلكم حارث وهمام )، لا بد أن يكون له شيء يحرك همته وشيء يحرك بدنه حتى يكون قد فرج عن نفسه ما يكمن في داخلها؛ وعلى هذا فالذي أشير به وأنصح به هذا الوالد ألا يحجر على ولده، وأن يدعه يتكسب بما هو حلال ما دام بالغاً عاقلاً رشيداً، وأما الولد فإني أنصحه ألا يعصي والده معصية ظاهرة، ويبادره بالعصيان وإن كان الوالد ليس له حق في أن يمنعه من التكسب، ولكن يصانع والده ويداريه ويترجى منه بإلحاح أن يرخص له في طلب العمل لعل الله أن يهديه فإن لم يفعل والده، فإن كان محتاجاً إلى هذا الكسب فليس عليه أن يطيع أباه بتركه، وإن كان غير محتاج فإنه ينظر في هذا الأمر وأيهما أنفع وأصلح في أن يوافق والده أو يخالفه، وهذا ما لم يكن الأب في ضرورة إلى بقاء ابنه في البيت، فإن كان في ضرورة إلى بقائه في البيت بحيث يكون مريضاً أو به عاهة تمنعه من القيام بمصالح بيته، ففي هذا الحال يجب على الابن أن يوافق أباه؛ لأن ذلك من البر، والبر واجب.

السؤال: يقول الله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157]، إلى قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:159]، ويقول الله تعالى في سورة المائدة: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة:117]، يقول السائل: ما معنى هاتين الآيتين عن النبي عيسى بن مريم؟ وهل توفاه الله تعالى أو ما زال حياً؟ وإذا كان حياً فما معنى قوله تعالى: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة:117]؟

الجواب: هذه الآيات في عيسى بن مريم يبين الله تعالى فيها كذب دعوى اليهود في قولهم: إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله، فإن اليهود ادعوا ذلك ولكن الله أكذبهم بقوله: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] أي: أن الله ألقى شبهه على رجل كان هناك فقتلوا ذلك الرجل وصلبوه، وادعوا أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم وصلبوه، ولكن الله تعالى كذبهم، ثم قال مؤكداً ذلك: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157-158] ، فعيسى بن مريم لم يقتل ولم يمت بل رفعه إليه الله سبحانه وتعالى حياً على القول الراجح من أقوال أهل العلم، أما أن اليهود لم يقتلوه فإنه نص القرآن، ومن ادعى أنهم قتلوه فقد كذب القرآن، ومن كذب القرآن فهو كافر بالله عز وجل فإن الله يقول: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا [النساء:157] أي: قولاً متيقناً أنهم لم يقتلوا المسيح عيسى بن مريم، يبقى النظر في قوله تعالى: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة:117] ، وقوله: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وقوله: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا وما أشبه ذلك فكيف يجمع بين هذه الآيات؟

والجواب: أن الجمع بينها هو أن المراد بالوفاة في قوله تعالى: فلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي [المائدة:117] إما القبض، فقبض الشيء يسمى وفاة، ومنه قولهم: توفى حقه أي: قبضه وافياً كاملاً، وإما أن يراد بالوفاة النوم فإن النوم يسمى وفاة، كما قال الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى [الأنعام:60]، ويكون معنى ذلك أن الله تعالى ألقى عليه النوم ثم رفعه من الأرض نائماً، وليس المراد بالوفاة وفاة الموت؛ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام لم يكن قد مات الآن وسينزل في آخر الزمان ينزل إلى الأرض فيحكم بين الناس بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقبل الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وبهذا تبين أنه لا منافاة بين قوله: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة:117]، وبين قوله: وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ، وقوله: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ .

مداخلة: يعني: نزول النبي عليه السلام عيسى إلى الأرض وحكمه بشريعة الإسلام، هل من كان غير مؤمن بشريعة الإسلام قبل نزول عيسى عليه السلام ثم آمن به بعد نزوله؟ هل يعد هذا مؤمناً حقيقياً؟

الشيخ: نعم يعد مؤمناً حقيقة؟

مداخلة: يعني لا تنتهي التوبة إلى هذا الوقت؟

الشيخ: لا تنتهي التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها.

السؤال: قبل مجيئي للعمل هنا في المملكة كنت دائماً أدعو الله تعالى أن ييسر لي أمر المجيء إلى هنا لأحظى بأداء فريضة الحج وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونذرت لله تعالى إن مَنَّ عليَّ بذلك أن أحجج والدي ووالدتي، وبعد أن حصل لي ما تمنيته والحمد لله أديت فريضة الحج في العام الأول، وفي العام الثاني عزمت على الوفاء بنذري بالنسبة لوالدي فأرسلت أطلب مجيئهما للحج على نفقتي، ولكن فوجئت بالرد بأن والدي قد توفاه الله فحججت عنه في ذلك العام، أما والدتي فقد اعتمرت عدة مرات وأهب ثوابها لها فهل فعلي ذلك يعتبر وفاء بالنذر بالنسبة لأبي وكذلك أمي؟ هل يكفي الاعتمار لها عن الحج؟ وإن لم يكفِ فهل يجزئ أن أحج عنها بنفسي أم لا بد أن تحج هي بنفسها ما دامت قادرة؟

الجواب: أما بالنسبة لأبيك فإنك قد أديت الواجب؛ لأنه لما تعذر أن يحج بنفسه لموته حججت عنه، وبهذا قمت بما يجب عليك فاحمد الله على ذلك، وأما بالنسبة لأمك فإنه لا بد أن تحج هي بنفسها إلا أن يتعذر ذلك لمرض لا يرجى برؤه أو بموت فتحج عنها أنت، وبعد هذا فإني أنصحك وجميع من يسمع هذا البرنامج أنصحك عن النذر فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وقال: ( إنه لا يأتي بخير )، وأنت إذا رزقك الله تعالى نعمة فإن وظيفتك في هذه النعمة أن تشكر الله عز وجل لا أن تلزم نفسك بنذور أنت في حل منها، ثم بعد ذلك ربما لا تستطيع الوفاء بالنذر ربما تتهاون بالوفاء بالنذر، والتهاون في الوفاء بالنذر سببٌ لحصول النفاق في القلب، كما قال الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة:75-77].

وعلى كل حال فإني أنصح إخواني المسلمين أنصحهم أن لا ينذروا، لأن النذر دائر بين المكروه والمحرم؛ لأنه أولاً وقوع فيما عنه نهى النبي عليه الصلاة والسلام.

الثاني: أن بعض الناس يظن أنه إذا لم ينذر لم يحصل له من الله تعالى ما يتمنى، وهذا قد يكون سوء ظن بالله عز وجل وسوء اعتقاد به، وأن الله تعالى لا يمن عليك إلا إذا جعلت له جعلاً، وهذا لاشك أنه معتقد سيئ.

وثالثاً: أن الإنسان يلزم نفسه بأمر هو في حل منه.

ورابعاً: أن كثيراً من الناذرين بعد أن يحصل لهم ما علقوا النذر عليه تجدهم يتهاونون ويتكاسلون، فيعرضون أنفسهم لذلك الوعيد الشديد الذي ذكرناه قبل.

وخامساً: أنك تجدهم -أي: الناذرين- إذا حصل لهم ما علقوا النذر عليه تجدهم يتتبعون العلماء لعلهم يجدون رخصة في التخلص منه، ومعلوم أن تتبع الرخص كما قال أهل العلم: فسق، وإن كان مع الأسف قد وقع فيه بعض الناس إذا استفتى عالماً وهو حين استفتائه له يعتقد أن ما يقوله هذا العالم هو الشرع الذي يسير عليه تجده إذا أفتاه بغير هواه ذهب يسأل عالماً آخر، فإن أفتاه بما يهواه وإلا ذهب إلى عالم ثالث وهكذا، وقد ذكر أهل العلم أن من استفتى عالماً ملتزماً بقوله فإنه لا يجوز له أن يستفتي آخر؛ لما يحصل في ذلك من التلاعب بالدين وتذبذب الإنسان وعدم استقراره على قاعدة يبني عليها سيره إلى الله عز وجل، نعم لو أفتاك عالم بفتوى، وأنت إنما استفتيته للضرورة حيث لم تجد حولك أحداً أوثق منه في نفسك، فلك حينئذ إذا وجدت عالماً أوثق منه أن تسأله وأن تعدل إلى قوله إذا خالف قول المفتي الأول؛ لأنك إنما استفتيت الأول للضرورة، وكذلك أيضاً لا حرج عليك إذا استفتيت شخصاً واثقاً بفتواه ولكنه حصل لك علم جديد من عالم آخر بدون تسبب منك، فلا حرج عليك أن تنتقل إلى قول العالم الآخر، بل قد يجب عليك إذا تبين لك أن الدليل مع الثاني فإنه في هذه الحال يجب عليك أن ترجع إلى قول العالم الثاني لوجود الدليل معه، ولكن إذا سمع من عالم آخر بدون بحث ما يرى أنه هو الحق لقوة دليله فعليه أن يتبعه من أجل الدليل، كذلك إذا استفتى عالماً حوله للضرورة؛ لأنه لا يجد أحداً أوثق منه في نفسه فلا حرج عليه إذا طلب عالماً آخر أوثق في حال السعة.

السؤال: لي أخت مطلقة ولها راتب تتقاضاه من الحكومة كغيرها من المطلقات، وهي ميسورة الحال أكثر منا نحن إخوتها الذكور، وهي تعيش معنا في البيت وقد حدث شجار بيننا وبينها فغضبت منا ورفعت علينا دعوى في المحكمة تطلب حقها في النفقة عليها بعوض شهري فهل لها الحق في هذا أم لا؟

الجواب: ما دامت هذه المرأة رفعت الأمر إلى المحكمة فإنكم تمشون على ما تحكم به المحكمة وفيه الخير إن شاء الله تعالى.

السؤال: رجل صلى صلاة الظهر ثم سلم من ثلاث ركعات ثم ذكر بعد سلامه أنه صلى ثلاث ركعات فقط فماذا يصنع في هذه الحالة؟

الجواب: هذا السؤال مهم جداً؛ لأنه يكثر وقوعه ويخفى على كثير من الناس حكمه، وبهذه المناسبة أود أن أحث إخواني الأئمة بالذات للمساجد أن يتفقهوا في أحكام سجود السهو؛ لأنها كثيرة الوقوع، بل لأنه -أي: السهو- كثير الوقوع ويشكل على كثير من الناس، فإذا كان الإمام فقيهاً في أحكام سجود السهو انتفع هو بنفسه ونفع غيره من الناس بفعله وبقوله حتى تنتشر أحكام الله عز وجل في الأمة، ويعبدوا الله تعالى على بصيرة.

ثم الجواب على هذا السؤال أن نقول: إذا كنت ذكرت بعد السلام مباشرة أو في وقت قصير لا تنقطع به الصلاة بعضها عن بعض فإنك تأتي بالركعة التي تركت ثم تسلم منها ثم تسجد للسهو بعد السلام سجدتين وتسلم؛ وذلك لأنه ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم في صلاة الظهر من ركعتين ثم ذكروه فتقدم وصلى ما ترك ثم سلم ثم سجد سجدتين بعدما سلم، وهذا الرجل هنا زاد في صلاته تشهداً في غير محله وتسليماً في غير محله، ومن حديث أبي هريرة ومن حديث ابن مسعود الذي ذكر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمس ركعات فذكروه بعدما سلم فسجد سجدتين ثم سلم ).

أقول: من حديث أبي هريرة وحديث ابن مسعود يتبين لنا أنه إذا كان سبب سجود السهو زيادة فإن السجود يكون بعد السلام هذه هي السنة، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى أن سجود السهو إذا كان محله بعد السلام فإنه يجب أن يكون بعد السلام، وأنه إذا كان محله قبل السلام فإنه يجب أن يكون قبل السلام، ولم ير هذا البعض أن كون السجود بعد السلام أو قبله سنة بل يراه واجباً.

وعلى كل حال فإذا كان السهو زيادة فإن السجود له يكون بعد السلام لحديث أبي هريرة و ابن مسعود رضي الله عنهما.

يقول بعض الناس: إننا إذا سجدنا بعد السلام أوجبنا الإشكال على الناس فنقول: إن هذا صحيح إذا لم يخبروا بالسنة ولم تطبق السنة تطبيقاً عملياً لكن إذا أخبروا بالسنة وطبقت السنة تطبيقاً عملياً زال هذا الإشكال عندهم وصار الأمر معلوماً لديهم، وقد جربنا ذلك في صلاتنا فرأينا أن الناس أول ما فعلنا هذا الأمر أشكل عليه حتى إن بعضهم إذا سلم الإمام سبح يظن أن الإمام أخطأ، ويريده يسجد للسهو بعد أن علموا وفهموا صاروا لا يستغربون هذا وألفوا هذا، وأقول: إنه يجب على أهل العلم إذا خفيت السنن بين العامة أن يبينوها بالقول وبالفعل حتى لا تموت السنن. قد يقول قائل: أن كون السجود بعد السلام أو قبله على سبيل الندب فلا يهم، نقول: لو سلمنا ذلك أنه على سبيل الندب فإنه لا ينبغي أن تترك السنن حتى تموت وحتى تنكر لو فعلت فإن معنى ذلك أن المعروف صار منكراً بين العامة حيث لم يخبروا به ولم يطبق تطبيقاً عملياً بينهم.

إذا عرفنا الآن أن سجود السهو بعد السلام فيما إذا كان عن زيادة فنقول: ويكون بعد السلام أيضاً فيما إذا كان عن شك ترجح فيه أحد الطرفين، مثل: لو شككت هل صليت ثلاثاً أم أربعاً وغلب على ظنك أنها ثلاث فأنت تأتي بالرابعة وتسلم وتسجد للسهو بعد السلام ولو شككت هل صليت اثنتين أم ثلاثاً وترجح عندك أنها ثلاث فأت بالرابعة فقط وسلم واسجد للسهو بعد السلام، فالشك إذا ترجح فيه أحد الطرفين يكون سجود السهو فيه بعد السلام ويبنى فيه على ما ترجح، أما إذا كان الشك لم يترجح فيه أحد الطرفين فإنك تبنى على الأقل وتسجد للسهو قبل السلام، مثل: إذا شككت هل صليت ثلاث ركعات أم ركعتين ولم يترجح عندك شيء فاجعل ذلك ركعتين وأتِ بركعتين تتميماً للصلاة الرباعية ثم اسجد للسهو قبل أن تسلم، هكذا جاءت السنة في الفرق بين الأمرين أي: بين الشك الذي ترجح فيه أحد الطرفين والشك الذي لم يترجح فيه أحد الطرفين، والذي أحب أن يكون من إخواني المسلمين أن يتنبهوا لأحكام سجود السهو، وأن يفهموها ويدرسوها؛ لأنها تتعلق بالصلاة التي هي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والله الموفق.

السؤال: في مثل هذه الحالة إذا ما سلم الإمام بعد ثلاث ركعات في الصلاة الرباعية؛ المأموم الذي قد دخل في أول الصلاة ولكنه بعد أن سلم الإمام ظن أنه قد فاتته ركعة فقام ليكمل ما فاته، ماذا يعمل في مثل هذه الحالة؟

الجواب: في مثل هذه الحال يكون هذا المأموم قد انفرد عن إمامه بعذر شرعي؛ لأنه ظن أن الإمام قد أتم صلاته فإذا نبه الإمام وقام ليتم صلاته فإن هذا المأموم يخير بين أن يرجع مع إمامه وبين أن يكمل صلاته وحده، والرجوع مع الإمام أولى وأحسن؛ لأن الإمام حين سلم سلم قبل تمام صلاته فرجوعه معه أحسن.

مداخلة: لو أتم وحده منفرداً هل يسجد للسهو؟

الشيخ: نعم يسجد للسهو؛ لأن هذا السهو حصل لإمامه وهو معه، فإذا كان حصل لمن هو معه فإنه يسجد له والإمام لم يسجد بعد، وإلا لو حصل للإمام سهو وسجد الإمام له والإمام لم يسهُ ولم يوافقه في مكان السهو فإنه لا يعيد السجود مرة ثانية.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3919 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3699 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3651 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3505 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3481 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3451 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3444 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3426 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3346 استماع