فتاوى نور على الدرب [228]


الحلقة مفرغة

السؤال: نحن نسكن في قرية نائية والفقراء بها ولله الحمد قليلون، فحينما ندفع الزكاة يبقى منها أحياناً، وقد يتأخر هذا الباقي عندي حتى أبحث عن مستحق بها خارج القرية، فهل علينا في ذلك شيء؟ وهل يجوز دفعها لمن لم يكن مستحقاً جداً كمن حالته متوسطة؟ ولو كان هناك فقير غائب أعرفه فهل يجوز أن أؤخر حصته من الزكاة لحين عودته؟

الجواب: ما ذكره السائل من كون بلدهم ليس فيه فقراء وأنه يؤخر بعض زكاته إلى حين يجد فقراء، نقول له: إنه لا ينبغي أن يؤخرها، بل إذا كان عارفاً بأنه ليس عندهم فقراء مستحقون للزكاة فإنه يخرجها في بلد أقرب ما يكون إليه، ولا حرج في هذه الحال أن يخرجها من البلد الذي هو فيه، بل له أن يخرجها من البلد الذي هو فيه للمصلحة، وإن لم يكن للضرورة في هذه المسألة، وعلى هذا فنقول: إذا أردت أن تخرج زكاتك فإنك تحصيها ثم تبعث بها إلى بلد فيه فقراء إن كان قريباً منك فهو أولى وإلا فللبعيد، ثم اعلم أن من كان عليه دين لا وفاء له، فإنه يجوز أن يقضى دينه من الزكاة، وعلى هذا فإذا كان لديكم في البلد من لا يحتاجون للنفقات اليومية ولكن عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها، فإنه لا بأس أن تقضي عنهم ديونهم من الزكاة، حتى لو دفعت زكاتك كلها إلى شخص واحد ودينه يتحملها فإنه لا حرج عليك، وأما إذا كانت أحوالهم قائمة ولو كانت وسطاً وليس عليهم ديون فإنه لا يجوز أن تصرف الزكاة إليهم.

السؤال: إذا كان لزوجتي مثلاً أو لأحد أقربائي مال أودعه عندي واختلط بمالي بإذن صاحبيه، هل زكاته إذا حال عليه الحول تكون علي أو على صاحبي؟

الجواب: تكون زكاته على صاحبه وليست عليك؛ لأنك لست مالكاً له، اللهم إلا إذا أذن لك باستقراضه وأخذته قرضاً، فإنك إذا أخذته قرضاً ملكته فإذا ملكته صار من جملة مالك تزكيه مع مالك.

مداخلة: وليس على صاحبه زكاة في هذه الحالة؟

الشيخ: أما صاحبه فإن عليه الزكاة فيه أيضاً مادام المقترض غنياً، في أي ساعة يطلب منه القرض يرده عليه، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، ويرى بعض أهل العلم: أن من عليه دين فإنه لا تهمه زكاة فيما يقابل ذلك الدين، وبناءً على هذا القول يكون هذا المقترض ليس عليه زكاة فيما يقابل ما استقرضه من صاحبه، ولكن عموم الكتاب والسنة يدل على وجوب الزكاة فيمن عنده مال ولو كان عليه دين، إلا أنه إذا كان دينه قد حل قبل وجوب الزكاة فإن الزكاة تسقط عنه في هذه الحال؛ لأنه روي عن عثمان رضي الله عنه أنه كان يقول: إن هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه يعني: ثم يؤدي زكاته بعد.

السؤال: يقول: إذا أخرج المدين زكاة عن الدين الذي عليه، بدون إذن صاحبه وأخرجها ليس عن نفسه ولكن عن صاحب الدين فهل تجزئ عن صاحب الدين أو يلزمه إخراجها مرة أخرى؟

الجواب: كل من أخرج زكاة عن شخص لم يوكله فإنها لا تجزئ عنه؛ لأن الزكاة لابد فيها من النية وليست كقضاء الدين، فإذا قضيت ديناً عن شخص بدون إذنه ونويت الرجوع عليه ترجع عليه، أما الزكاة فإنها لا تصح إذا أخرجتها عن شخص بدون توكيله؛ وذلك لأن الزكاة عبادة تحتاج إلى نية ممن هي عليه، وإذا لم يوكلك فإنك تكون قد أخرجتها عنه بدون نية منه وحينئذٍ لا تصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ).

السؤال: سمعت حديثاً شريفاً: ( أن الشهداء خمسة وذكر منهم المبطون ) فمن هم الباقون إن كان الحديث صحيحاً؟ وما معنى المبطون؟

الجواب: نعم هذا الحديث صحيح رواه البخاري و مسلم وغيرهما، والباقون هم: المطعون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله، ولكن هذه الشهادة تختلف أحكامها في الدنيا، فإن الشهيد في سبيل الله لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، وإنما يدفن في ثيابه التي استشهد فيها، بخلاف هؤلاء الأربعة يعني يجب تغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم والمبطون هو: الذي أصيب بداء البطن بمعنى: أنه يكون فيه إسهال أو وجع في بطنه، ومنه ما يسمى بالزائدة إذا انفجرت وما أشبه ذلك، فكل أدواء البطن التي تكون سبباً للموت فإنها داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم المبطون، ولا سيما التي يكون الموت فيها محققاً عاجلاً.

السؤال: أنا أقرأ القرآن ولكني لست ماهراً بقراءته فقد يحدث مني أخطاء بتحريف بعض الآيات بدون قصد، فهل علي إثم في ذلك؟ وهل أترك قراءته لهذا السبب أم أقرأ على حسب علمي ومقدرتي وليس علي إثم فيما أخطأت؟

الجواب: يجب عليك أن تقرأ القرآن كما هو موجود في المصحف معرباً محركاً بحركاته، وهذا أمر ميسر لمن كان يعرف الحروف والحركات، ولا يجوز لك أن تتهاون وتقرأ على حسب ما كنت تقرأ، بل يجب عليك أن تقف عند الآية أو عند الكلمة حتى تنطق بها نطقاً صحيحاً؛ لأن هذا القرآن كلام الله عز وجل، تكلم الله به لفظاً فهو كلامه لفظاً ومعنىً، والواجب أن تقرأه كما هو في المصحف ولو تتعتعت فيه فإن ذلك أجر لك كما جاء في الحديث: ( الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران، والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة )، فمرن نفسك على التلاوة الصحيحة ولا تتهاون ولا تفرط.

السؤال: نحن جميعاً نؤمن بأن الزواج واجب على الشاب القادر المستطيع من جميع النواحي امتثالاً لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم لكي يحصن المرء نفسه، ولكننا الآن وفي هذا الزمان قد نحرم من الاستمتاع بهذا الحق الشرعي، لما أحيط به من عقبات وعثرات جعلت منه أمراً عسيراً إن لم يكن مستحيلاً، وذلك مثل غلاء المهور، وتكاليف الزفاف، والإسراف والتبذير وغير ذلك، من الأمور التي جعلت كأنها مفروضة، والإسلام منها براء، فأرجو منكم التكرم بإسداء نصيحة إلى أولياء أمور الفتيات بعدم المغالاة في الشروط وبتيسير أمر الزواج وتسهيله وبالاقتصاد في الولائم جزاكم الله خيراً؟

الجواب: ما ذكره الأخ من العقبات في النكاح هو أمر واقع كغلاء المهور، والإسراف في الولائم، والهدايا للزوجة وأقاربها وما أشبه ذلك، وهناك عقبات أخرى وهي أن بعض الناس والعياذ بالله يجعل ابنته بمنزلة السلعة يبيعها، فأي إنسان أعطاه أكثر وافقه على تزويجه إياها، ولو كان غير كفء لها في دينه وخلقه، ومن الأولياء من يكون منتفعاً من موليته حيث تدر عليه رزقاً من راتبها فيخشى إذا تزوجها أن يحرم من ذلك الراتب إلى غير ذلك من الأمور التي يرثى لها ويؤسف لها أن تقع من شخص يومن بالله واليوم الآخر، والواجب على أولياء الأمور أن يتقوا الله عز وجل فيمن ولاهم الله عليه، وأن يعلموا أنه ليس لهم حق في المهر، فالمهر للمرأة؛ لأن الله أضافه إليها في قوله: وَآتُوا النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ [النساء:4] أي: مهورهن وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4] وليس لأبيها ولا لغيره حق فيه، فلا يحل لا للأب ولا لغيره أن يشترط لنفسه شيئاً منه، ولكن للأب إذا تم العقد وملكت الزوجة الصداق أن يتملك منه؛ لأن الأب له حق التملك من مال ولده إذا لم يكن في ذلك ضرر على الابن، ولم يكن هذا الشيء متعلقاً بحاجة الابن، ثم إني أرى أن حل هذه المشكلة إنما تكون من اتفاق أعيان البلد ووجهائه وكبرائه، ويكون هؤلاء أول الناس منفذاً لهذا الأمر؛ لأن الناس تبع لأعيانهم وشرفائهم ووجهائهم، فإذا قام الأكابر في البلاد بهذا الأمر ورأى العامة أنهم قد نفذوه فعلاً فإنه سوف يهون ولو بالتدريج، والشيء لا يمكن أن ينخفض طفرة، كما أنه لا يعدو طفرة ولكن يكون بالتدريج والله المستعان.

السؤال: يقول: أنا أعمل في دار عرض للسينما وعملي هو تشغيل مكائن العرض ومراقبتها، وأحياناً تعرض بعض الأفلام الخليعة والهابطة ولذلك فإني لست راضياً عن هذا العمل، ولكني لم أجد غيره مع أني أشعر أنني أتحمل إثماً كبيراً بسببه، فماذا ترون أنه يجب علي وبماذا تنصحوني وما حكم الكسب السابق من هذا العمل؟

الجواب: يجب عليك ألا تعمل في هذا العمل لتحريمه وفساده وإفساده، والواجب عليك أن تنفصل منه وأن تطلب الرزق من سواه، والله عز وجل يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، ويقول سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، ويقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الأحزاب:70-71]، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ورزق الله تعالى لا يستجلب من معاصيه، فعليك أن تنفصل من هذا العمل فوراً، وأن تطلب الرزق فيما سواه وأبواب الرزق والحمد لله كثيرة، أما ما كسبته من هذا المال المحرم فإن كنت جاهلاً حين دخلت فيه ولم تعلم أن ذلك حرام عليك فإنه لا شيء عليك؛ لأنك اكتسبته عن جهل وليس فيه أكل مال لأحد، ولكن إن تصدقت بما يقابل القيام على تشغيل الأفلام المحرمة فهو أولى وأحسن والله أعلم.

السؤال: كيف تكون قسمة ميراث المرأة إن تركت ولداً مع زوجها وقسمة ميراث الرجل إن لم يترك ولداً مع زوجته؟

الجواب: أما الصورة الأولى: إذا ماتت المرأة عن زوجها مع ولد لها والولد في اللغة: يشمل الذكر والأنثى، فإن زوجها في هذه الحال يكون له الربع -أي: ربع مالها- لقول تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12].

وأما الصورة الثانية: وهي إذا مات الزوج عن زوجته وليس له ولد، فإن لزوجته الربع حتى لو كانت الزوجة معها ضرات، يعني: أن الزوج له أكثر من زوجة فمات عنهن ولم يكن له ولد فإن لهن الربع؛ لقوله تعالى: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ [النساء:12] هذه هي قسمة المال في هذه الصورة.

السؤال: ماذا يجب على الرجل إن واقع زوجته وهو محرم؟

الجواب: إذا واقع الرجل زوجته وهو محرم فإما أن يكون محرماً بعمرة أو محرماً بحج، فإن كان محرماً بعمرة فإن عليه على ما ذكره أهل العلم إما شاة يذبحها ويتصدق بها على الفقراء، وإما أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وهو في ذلك على التخيير لكن إن كان مواقعته لزوجته قبل تمام سعي العمرة فإن عمرته تفسد ويجب عليه قضاؤها؛ لأنها وقعت فاسدة، وإذا كان مواقعة زوجته في الحج فإنه يجب عليه بدنة يذبحها ويتصدق بها على الفقراء، إذا كان ذلك قبل التحلل الأول ويفسد نسكه أيضاً فيلزمه قضاؤه، مثل: لو جامع زوجته في ليلة مزدلفة فإنه يكون قد جامعها قبل التحلل الأول، وحينئذٍ يفسد حجه ويلزمه الاستمرار فيه حتى يكمله، ويلزمه أن يقضيه من العام القادم، ويلزمه ذبح بدنة يذبحها ويوزعها على فقراء الحرم، أما إذا كان مواقعته لزوجته في الحج بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني مثل: أن يجامعها بعد أن رمى جمرة العقبة يوم العيد وبعد أن حلق أو قصر فإنه لا يفسد حجه ولكن الفقهاء رحمهم الله ذكروا أنه يفسد إحرامه، أي: ما بقي منه فيلزمه أن يخرج إلى الحل ويحرم ثم يطوف طواف الإفاضة وهو محرم ويسعى سعي الحج، وفي هذه الحال لا تلزمه بدنة وإنما يجب عليه شاة أو صيام ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع؛ لأن الفقهاء رحمهم الله يقولون: كل ما أوجب شاة من مباشرة أو وطء فإن حكمه كفدية الأذى، أي: أنه يخير الجاني فيه بين أن يصوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يذبح شاة ويوزعها على الفقراء.

ثم إن كلامنا هذا في بيان ما يجب على الفاعل وليس معنى ذلك أن الأمر سهل وهين بمعنى: أنه إن شاء فعل هذا الشيء وقام بالتكفير والقضاء وإن شاء لم يفعله، بل الأمر صعب ومحرم وهو من الأمور الكبيرة العظيمة حيث يتجرأ على ما حرم الله عليه، فإن الله يقول: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يظن بعض الناس أن الإنسان فيها مخير، وهي: ترك الواجب والفدية، يظن بعض الناس أن العلماء لما قالوا في ترك الواجب دم أن الإنسان مخير بين أن يفعل هذا الواجب وأن يذبح الدم ويوزعه على الفقراء مثال ذلك يقول بعض الناس: إذا كان يوم العيد فأطوف وأسعى وأسافر إلى بلدي ويبقى علي المبيت في منى ورمي الجمرات وهما واجبان من واجبات الحج فأنا أفدي عن كل واحد منهما بذبح شاة، يظن أن الإنسان مخير بين فعل الواجب وبين ما يجب فيه من الفدية، والأمر ليس كذلك، ولكن إذا وقع وصدر من الإنسان ترك واجب فحينئذٍ تكون الفدية مكفرة له مع التوبة والاستغفار.

السؤال: تقدم رجل لخطبة فتاة ووافق أهلها، ودفع شيئاً مقدماً من المهر ثم توفيت الفتاة قبل عقده عليها فهل له الحق في استرداد ما دفعه من مقدم المهر ولو فرض أنها ماتت بعد العقد وقبل دخوله بها فهل له أيضاً أن يسترد ما دفعه وهل له الحق في الإرث منها أم لا؟

الجواب: هذا السؤال يشتمل على صورتين:

الصورة الأولى: أنه خطب فتاة ودفع إليها ما دفع من المهر وماتت قبل أن يعقد عليها ففي هذا الحال لا يرث منها شيئاً وله الحق في استرداد جميع ما دفع؛ لأنه لم يحصل العقد.

أما الصورة الثانية: رجل عقد على امرأة ودفع إليها المهر ثم توفيت قبل أن يدخل بها ففي هذه الحال يكون مهره لها كاملاً داخلاً في تركتها ولكنه له الميراث يرث من تركتها ما يستحقه منها فإن كان لها أولاد من زوج قبله يكون له الربع وإن لم يكن لها أولاد فله النصف.