فتاوى نور على الدرب [179]


الحلقة مفرغة

السؤال: قدمت من خارج المملكة قاصداً العمرة, وقبل وصولي إلى مطار جدة غيرت ملابسي للإحرام في الطائرة, وكان في الطائرة شيخٌ أعرفه يعتمد عليه في العلم, ولما سألته قال لي: بإمكاننا الإحرام من مطار جدة فتمسكت برأيه وأحرمت بالمطار, وبعدما قضيت العمرة ذهبت للمدينة المنورة, حيث مكثت هناك شهري شوال وذي القعدة, وسألت بعض من أثق بعلمهم من أصدقائي: هل أنا متمتعٌ بهذه الحالة؟ حيث قد وافق إحرامي بالعمرة أول يومٍ من شوال, وهل يلزمني دمٌ إذ قد سمعت وتأكدت من أفواه العلماء أن مطار جدة لا يصح أن يكون ميقاتاً لمن يمر عليه؟ وأفتاني بأن التمتع قد زال بمغادرة الحرم المكي مع أنني لم أقصد التمتع عندما أحرمت بالعمرة, وأنه يمكنني الآن أن أحرم بالحج كما يحرم المقيم بالمدينة المنورة, فأحرمت بالحج مفرداً, وأما تجاوز الميقات فقال لي: ليس عليك شيء؛ لأنك جاوزته جاهلاً ومقتدياً برأي هذا الشيخ, واطمأننت بذلك وأديت مناسك حجي, ولكن بعض زملائي لا يزالون يشكلون علي ويناقشوني بأنه كان يلزمني الدم بأحد الأمرين, أرجو أن تزيلوا عني هذا الشك, بإجابةٍ شافية ونصيحةٍ كافية جزاكم الله خيراً.

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذا السؤال يتضمن شيئين: الشيء الأول: أنك لم تحرم وأنت في الطائرة حتى وصلت إلى جدة, والثاني: أنك عندما أحرمت بالعمرة تذكر أنك لم تنوِ التمتع, وأنك سافرت إلى المدينة وأحرمت من ذي الحليفة بالحج.

فأما الأول فاعلم أن من كان في الطائرة وهو يريد الحج أو العمرة فإنه يجب عليه أن يحرم إذا حاذى الميقات, أي: إذا كان فوقه, ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة), وقال عمر رضي الله عنه: وقد جاءه أهل العراق يقولون له: إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجدٍ قرناً, وإنها جورٌ عن طريقنا يا أمير المؤمنين, فقال رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها من طريقكم, فقوله رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها, يدل على أن المحاذاة معتبرة, سواءٌ كنت في الأرض فحاذيت الميقات عن يمينك أو شمالك, أو كنت من فوق فحاذيته من فوق, وتأخيرك الإحرام إلى جدة معناه:أنك تجاوزت الميقات بدون إحرام وأنت تريد عمرة, وقد ذكر أهل العلم أن هذا موجبٌ للفدية, وهي: دمٌ تذبحه في مكة, وتوزعه على الفقراء, ولكن ما دمت قد سألت هذا الشيخ وقد ذكرت أنه قدوة, وأنه ذو علم, وأفتاك بأنه يجوز الإحرام من مطار جدة, وغلب على ظنك رجحان قوله على ما تقرر عندك من قبل, بأنه يجب عليك الإحرام إذا حاذيت الميقات فإنه لا شيء عليك؛ لأنك أديت ما أوجب الله عليك, في قوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] ، ومن سأل من يظنه أهلاً للفتوى فأفتاه فأخطأ فإنما إثمه على من أفتاه, أما هو فلا يلزمه شيء؛ لأنه أتى بما أوجب الله عليه.

وأما الثاني: وهو أنك ذكرت أنك لم تنوِ التمتع, وسافرت إلى المدينة وأحرمت بالحج من ذي الحليفة, أي: من أبيار علي, فإنه يجب أن تعلم أن من قدم إلى مكة في أشهر الحج وهو يريد أن يحج فأتى بالعمرة قبل الحج فإنه متمتع؛ لأن هذا هو معنى التمتع, فإن الله تعالى يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196], ومعنى ذلك: أن الإنسان إذا قدم مكة في أشهر الحج وكان يريده فإن المفروض أن يحرم بالحج, ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد, فإذا أتى بعمرة وتحلل منها صدق عليه أنه تمتع بها, أي: بسببها إلى الحج, أي: إلى أن أتى وقت الحج, ومعنى تمتع بها: أنه تمتع بما أحل الله له, حيث تحلل من عمرته فأصبح حلالاً الحل كله, يتمتع بكل محظورات الإحرام, وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى أنه خفف عن العبد, حتى أباح له أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج؛ ليتحلل منها ويتمتع بما أحل الله له إلى أن يأتي وقت الحج, وعلى هذا فما دمت قادماً من بلادك وأنت تريد الحج وأحرمت بالعمرة في أشهر الحج فأنت متمتع سواءٌ نويت أنك متمتع أم لم تنو؛ لأن هذا الذي نويته هو حق التمتع.

بقي أن يقال: هل سفرك إلى المدينة مسقطٌ للهدي عنك أم لا؟ فهذه المسألة فيها خلافٌ بين أهل العلم, فمن العلماء من يرى أن الإنسان إذا سافر بين العمرة والحج مسافة قصر, انقطع تمتعه, وسقط عنه دم التمتع, ولكن هذا قولٌ ضعيف؛ لأن هذا الشرط لم يذكره الله تعالى في القرآن, ولم ترد به سنة النبي صلى الله عليه وسلم, وعلى هذا فلا يسقط الدم إذا سافر المتمتع إلى العمرة والحج إلا إذا رجع إلى بلده, فإنه إذا رجع إلى بلده انقطع سفره برجوعه إلى بلده, وصار منشئاً للحج سفراً جديداً غير سفره الأول, وحينئذٍ يسقط عنه هدي التمتع؛ لأنه في الواقع أتى بالحج في سفرٍ جديدٍ غير السفر الأول, فهذه الصورة فقط هي التي يسقط بها هدي التمتع؛ لأنه لا يثبت عليه أنه تمتع بالعمرة إلى الحج, حيث إنه انقطع حكم السفر في حقه وأنشأ سفراً جديداً لحجه.

السؤال: ما مدى صحة الحديث الذي معناه: أن من أراد أن يضحي أو يضحى عنه فلا يأخذ من شعره أو ظفره شيئاً حتى يضحي, وذلك من أول أيام عشر ذي الحجة, وكيف ذلك؟ وما هي الأشياء التي يمتنع من سيضحي عن فعلها؟ وهل هذا النهي يصل إلى درجة التحريم أم أنه للاستحباب؟ وهل يلتزم به المقيم والحاج على السواء أم هو خاصٌ بالمقيم دون الحاج؟

الجواب: هذا الحديث صحيح رواه مسلم , وحكمه التحريم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من ظفره شيئاً), وفي روايةٍ ( ولا من بشره), والبشر الجلد يعني: أنه لا ينتف شيئاً من جلده, كما يفعله بعض الناس ينتف من عقبه, من قدمه, فهذه الثلاثة هي محل النهي: الشعر, والظفر, والبشرة, والأصل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم التحريم حتى يرد دليلٌ يسقطه إلى الكراهة أو غيرها, وعلى هذا فيحرم على من أراد أن يضحي أن يأخذ في العشر من بشرته, أو شعره, أو ظفره شيئاً حتى يضحي, وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده؛ لأنه لما فات أهل المدن والقرى والأمصار الحج والتعبد لله سبحانه وتعالى بترك الترفه شرع لمن في الأمصار هذا الأمر ليشاركوا الحجاج في بعض ما يتعبد لله تعالى بتركه, وإنما قلت ذلك؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد بترك شيء أو بفعل شيء إلا بنصٍ من الشرع, فلو أراد أحدٌ أن يتعبد لله تعالى في خلال عشرة أيام بترك تقليم الأظفار, أو الأخذ من شعره, أو بشرته, لو أراد أن يتعبد بدون دليل شرعي لكان مبتدعاً آثماً, فإذا كان بمقتضى دليل شرعي كان مثاباً مأجوراً؛ لأنه تعبد لله تعالى بهذا الترك, وعلى هذا فاجتناب الإنسان الذي يريد أن يضحي الأخذ من شعره وبشرته وظفره يعتبر طاعةً لله ورسوله مثاباً عليها, وهذه من نعمة الله بلا شك, وهذا الحكم إنما يختص بمن أراد أن يضحي فقط, أما من يضحى عنه فلا حرج عليه أن يأخذ, وذلك لأن الحديث إنما ورد لو أراد أحدكم أن يضحي فقط, فيقتصر على ما جاء به النص, ثم إنه قد علم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يضحي عن أهل بيته, ولم ينقل أنه كان ينهاهم عن أخذ شيء من شعورهم, وأظفارهم, وأبشارهم, فدل هذا على أن هذا الحكم خاصٌ بمن يريد أن يضحي فقط, ثم إن المراد من أراد أن يضحي من نفسه, لا من أراد أن يضحي وصيةً لآبائه أو أجداده أو أحدٍ من أقاربه, فإن هذا ليس مضحياً في الحقيقة, ولكنه وكيلٌ لغيره, فلا يتعلق به حكم الأضحية, ولهذا لا يثاب على هذه الأضحية ثواب المضحي, إنما يثاب عليها ثواب المحسن, الذي أحسن إلى أمواته, وقام بتنفيذ وصاياهم.

ثم إننا نسمع من كثيرٍ من الناس من العامة أن من أراد أن يضحي وأحب أن يأخذ من شعره أو من ظفره أو من بشرته شيئاً يوكل غيره في التضحية وتسمية الأضحية, ويظن أن هذا يرفع عنه النهي وهذا خطأ, فإن الإنسان الذي يريد أن يضحي ولو وكل غيره لا يحل له أن يأخذ شيئاً من شعره أو بشرته أو ظفره.

ثم إن بعض النساء في هذه الحال يسألن عمن طهرت في أثناء هذه المدة وهي تريد أن تضحي, فماذا تصنع في رأسها نقول لها: تصنع في رأسها أنها تنقضه, وتغسله, وترويه, ولا حاجة إلا تسريحه وكده, فإنه لا ضرورة إلى ذلك, وكذلك بالنسبة للرجل لا ينبغي أن يسرح شعره أو يكده في هذه الأيام, وهو يريد أن يضحي.

وأما قول السائل: هل هذا خاصٌ بأهل الأمصار أو بالذين يحجون أيضاً؟ فنقول: إن الحاج إذا اعتمر فلا بد له من التقصير, فيقصر ولو كان يريد أن يضحي في بلده؛ لأنه يجوز للإنسان إذا كان له عائلة لم تحج أن يشتري لهم أضحية, أو يوكل من يشتري لهم أو يوكل أحداً من إخوانه, أو أولاده, بأن يشتري له أضحية ويضحي عنه وعن أهل بيته, وفي هذه الحال إذا كان معتمراً فلا حرج عليه أن يقصر من شعر رأسه؛ لأن التقصير في العمرة نسك.

السؤال: ما هي العيوب التي تكون في بعض البهائم ولا تجعلها صالحةً للأضحية؟ وما هو أول وقتٍ للذبح وآخره؟ وهل يجزئ أن يذبح عن الإنسان غيره ولو لم يذكر أنها عن فلان؟

الجواب: العيوب التي تمنع من الإجزاء بينها النبي عليه الصلاة والسلام في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه, قال عليه الصلاة والسلام: ( أربعة لا تجوز في الأضاحي: المريضة البين مرضها, والعوراء البين عورها, والعرجاء البين ضلعها, والكبيرة, أو الهزيلة, أو العجفاء, التي لا مخ فيها), هذه هي العيوب الأربعة التي تمنع من الإجزاء, ولا يجوز التضحية إذا كانت البهيمة متصفةً بها, وما كان بمعناها أو مثلها فهو مثلها في الحكم, فالعوراء البين عورها هي التي يتبين لمن رآها أنها عوراء, بحيث تكون العين ناتئةً أو غائرةً, أو عليها بياضٌ بين, يتبين لمن رآها بأنها عوراء, وأما إذا كانت العين قائمة وهي لا تبصر بها, فإنها لا تمنع من الإجزاء.

أما المريضة البين مرضها فهي التي يظهر عليها آثار المرض وأعراض المرض, بأن تكون غير نشيطة, ولا تأكل وحارة وما أشبه ذلك مما يستدل بها على مرضها.

والعرجاء البين ضلعها, قال أهل العلم: إنها هي التي لا تستطيع المشي مع الصحيحة, وأما التي تستطيع المشي مع الصحيحة وتباريها وإن كانت تعرج فإنها لا بأس بها.

وأما الهزيلة التي لا مخ فيها, فهي التي لا يكون في أعضائها مخ؛ لأنها تكون غالباً غير طيبة اللحم, فلهذا نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام.

ومثل العوراء العمياء لا تجزئ في الأضحية, ومثل العرجاء البين ضلعها ما قطع إحدى أعضائها, وكذلك لو كانت زمنى لا تمشي أبداً, فإنها لا تجزئ, ومثل المريضة البين مرضها الحامل إذا أخذها الطلق, أي: إذا كانت تتولد ولو علمها تحيا أو تموت, فإنها لا تجزئ حتى تمشي, وقال أهل العلم: ومثل ذلك أيضاً التي بشمت من تمر أو غيره, فإنها لا تجزئ حتى تثلط؛ لأنها معرضة للخطر.

مداخلة: بشمت يعني أكلت؟

الشيخ: يعني أكلت تمراً وانبشمت, بحيث انسد دبرها فلا تتنفس وينتفخ بطنها, فهذه وأمثالها لا تجزئ, أما ما كانت فيها عيب في أذنها, أو في قرنها, أو في سنها, أو في ذيلها فإنها تجزئ ولكنها ولكن غيرها أحسن منها وأفضل.

مداخلة: أول وقتٍ للذبح وآخره؟

الشيخ: وأما أول وقتٍ للذبح بعد صلاة العيد, والأفضل أن يكون بعد الصلاة والخطبة, وأما آخره فهو آخر أيام التشريق, فيكون وقت الذبح أربعة أيام, ويجزئ الذبح في هذه الأيام ليلاً ونهاراً.

مداخلة: في أي وقتٍ شاء؟

الشيخ: نعم.

السؤال: هل يجزئ أن يذبح عن الإنسان غيره دون أن يذكر أنها عنه؟

الجواب: نعم, يجوز أن يوكل من يذبح إذا كان هذا الموكل يعرف أن يذبح, والأفضل في هذه الحال أن يحضر الذبح من هي له, والأفضل أن يباشر ذبحها هو بيده إذا كان يحسن, وأن يضجعها على الجنب الأيسر إن كان يذبح بيمينه, فإن كان يذبح بيساره فإنه يضجعها على الجنب الأيمن, والمقصود بذلك راحة البهيمة, والإنسان الذي يذبح باليسرى ما ترتاح البهيمة إلا إذا كانت على الجنب الأيمن, ثم إن الأفضل أن يضع رجله على عنقها حين الذبح, وأما أيديها وأرجلها فإن الأفضل أن تبقى مطلقةٌ غير ممسوكة, فإن ذلك أريح لها؛ ولأن ذلك أبلغ في إخراج الدم منها؛ لأن الدم مع الحركة يخرج، فهذا أفضل.

مداخلة: هل يشترط أن يذكر أنها عن فلان؟

الشيخ: إن ذكر أنها عن فلان فهو أفضل, لفعل النبي عليه الصلاة والسلام, فإنه يقول: هذا منك ولك عن محمد وآل محمد, وإن لم يذكره كفت النية, ولكن الأفضل الذكر, ثم إن تسمية المضحى عنه تكون عند الذبح يقول: بسم الله الله أكبر اللهم هذا منك ولك عن محمدٍ, أو عن فلان وفلان ويسميه, وأما ما يفعله بعض العامة إذا كان ليلة العيد ذهب إلى المواشي ليسمي منها له, وجعل يمسحها من مقدم الرأس إلى الذيل ويكرر التسمية, فهذا بدعة لا أصل له عن النبي عليه الصلاة والسلام.

مداخلة: هل يجوز توكيل غير المسلم في الذبح؟

الشيخ: أما في غير القربة فيجوز, في غير قربة يعني في غير الأضحية والهدي, وأما في الهدي والأضحية فلا أدري عنها.

السؤال يقول: هل تستحب الأضحية عن الأموات كما هي بالنسبة للأحياء حتى ولو لم يوصوا بها, أم هي عبادةٌ خاصةٌ بالأحياء فقط إلا من أوصى من الأموات؟

الجواب: الذي نرى أن الأضحية مشروعةٌ في حق الأحياء فقط؛ لأن هذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي عن الأحياء فقط, إلا إذا أوصى بها الميت فإنها تفعل عنه؛ وذلك لأن الميت إذا أوصى بها فقد أوصى بها من ماله, وماله له أن يصرفه بما شاء في غير معصية الله, فتنفذ كما أوصى, وأما الحي فإنه يضحي عن نفسه ولكن لا مانع من أن يضحي ويقول: هذا عن أهل بيتي وينوي به الأحياء والأموات, فإن ظاهر فعل النبي عليه الصلاة والسلام حيث كان يقول: هذا عن محمد وعن آل محمد وعن أمة محمد, ظاهره أنه يشمل الحي والميت، أما أن يضحي عن الميت خاصة فهذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام, وقد ماتت ثلاث من بنات النبي صلى الله عليه وسلم في عهده ولم يضحِ عنهن, وماتت زوجته خديجة وهي من أحب نسائه إليه ولم يضحِ عنها, واستشهد عمه حمزة رضي الله عنه ولم يضحِ عنه, ولو كان هذا من الأمور المشروعة لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يشرعه لأمته, إما بقوله, وإما بفعله, وإما بإقراره, ولما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس بمشروع, ولكن مع هذا لا نقول: إنه محرم, أو إنه بدعة, أو إنه لا يجوز؛ لأنه أشبه ما يكون بالصدقة كما قاس بعض أهل العلم الأضحية عن الميت بالصدقة عنه, والصدقة عن الميت قد ثبتت بها السنة.

السؤال: إذا اشترى إنسان ذبيحتين يقصد إحداهما للأضحية والأخرى لحماً فهل يشترط أن يعين التي سيضحي بها بعينها، ولا يجوز له تبديله بالأخرى؟

الجواب:لا, ليس بشرط, والذي ينبغي أن لا يعين الأضحية إلا عند ذبحها؛ لأجل أن يكون حراً في تبديلها وتغييرها, فإذا أراد أن يذبحها، يقول: هذه أضحية فلان, أضحية عني وعن أهل بيتي, أو عن فلان الذي أوصى بها وما أشبه ذلك.

مداخلة: ولو حصل وعينها؟

الشيخ: لو حصل وعينها تعينت, وإذا تعينت فإنه يتعلق بها حكم الأضحية, ويجب عليه تنفيذها, وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا أبدلها بخير منها فلا حرج.

السؤال: أنا أعمل بقوة الحج والمواسم في مكة المكرمة, ولا يسمح لنا في عملنا بإجازة لأداء فريضة الحج, فهل يحق لي أن أغيب بدون إذنٍ أو أن أؤدي فريضة الحج, مع العلم بأني لم أحج حجة الفريضة, وقد سألت بعض العلماء فقالوا لي: إنه لا يجوز لي الحج بدون إذنٍ من مرجعي, فهل هذا صحيح أم لا أفيدونا ولكم جزيل الشكر؟

الجواب: نعم هذا صحيح, فمن كان موظفاً يلتزم بأداء وظيفته حسبما يوجه إليه, وقد قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34] , وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] فالعقد الذي جرى بينك وبين الدولة عهد يجب عليك أن توفي به على حسب ما يوجهونك به, ولكني أرجو أن يكون للمسئولين في هذه الأمور نظرٌ, بحيث يوزعون هؤلاء الجنود جنود المرور, وجنود الأمن, جنود المطافئ وغيرهم, ينظموهم بحيث يكون إذا أمكن لبعضهم فرصة أن يؤدوا الحج في هذا العام, وللبعض الآخر فرصة أن يؤدوه في العام الآخر, وهكذا.., حتى يتم للجميع أداء الفريضة, وأما أن تختفي وتؤدي الفريضة وأنت مطالبٌ بالعمل ليس عندك إجازة, فإن هذا محرمٌ عليك.

السؤال: أدينا فريضة الحج أنا وزوجي للعام الماضي والحمد لله, فقد أدينا المناسك جميعاً عدا طواف الإفاضة بالنسبة لي فقط, وأنا والحمد لله في كامل صحتي وقوتي, ولكن لشدة الزحام وخوفاً من أن يغمى علي وقد بدأت فعلاً أكاد أختنق, ثم خرجت في الشوط الأول من الطواف, وأدى زوجي الطواف في اليوم الثاني فجراً, وخرجنا من مكة المكرمة ولم يبق لدي الوقت الكافي, أفيدوني أثابكم الله ماذا يجب علي أن أفعل بعد هذه المدة، وأنا أنتظر جوابكم؟

الجواب: الحقيقة إن هذه المسألة من المسائل الهامة التي لا ينبغي تأخير السؤال عنها إلى مثل هذا الوقت, بعد مضي أحد عشر شهراً من الحج, إن كنتِ أديته في العام الماضي, أو أكثر إن كنتِ أديته قبل ذلك, ومثل هذه الحال على حسب ما نعرفه من كلام أهل العلم ما زلت على حجك؛ لأن طواف الإفاضة ركنٌ لا بد منه, ولهذا لما قيل للنبي عليه الصلاة والسلام إن صفية رضي الله عنها حائض قال: ( أحابستنا هي ) ولو كان أحد ينوب عن أحد في طواف الإفاضة ما كان هناك حبس لإمكان أن يطاف عن صفية , ولا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( أحابستنا هي)؟ وعلى هذا فأنتِ لا تزالين في الحج, والواجب عليك الآن أن تذهبي إلى مكة, وأن تؤدي هذا الركن الذي فرضه الله عليك في قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] وهو أيضاً على قواعد أهل العلم, بل على ما جاءت به السنة أيضاً, من أن التحلل الثاني لا يحصل إلا بطواف الفرض والسعي, تعتبرين لم تحلي التحلل الأول, فنسأل الله أن يعيننا وإياك, هذا ما نراه في هذه المسألة, وإن رأيتِ أن تستفتي غيرنا في هذا فلا حرج.