هذا الحبيب يا محب 61


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وقد انتهى بنا الدرس إلى المواقف المخزية في غزوة أحد، هذه الغزوة التي تعتبر من أجلّ الغزوات وأعظمها، وقد جاء ذكرها في عشرات الآيات من سورة آل عمران، ودرسنا ما شاء الله منها وانتهينا إلى مواقف مشرفة، فعرفناها ولا بأس أن نشير إليها على عجل لننتقل إلى المواقف المخزية.

إذاً: كان هناك مواقف مشرفة هنيئاً لأهلها، ومواقف مخزية فيا حسرة أهلها، وهذا كله للعظة والعبرة. اللهم لا تحرمنا العظات ولا العبر!

أولاً: من المواقف المشرفة موقف أبي طلحة الأنصاري ، إذ وقف موقفاً لا يزال يذكر له ما بقي الإسلام والمسلمون، قال أنس رضي الله عنه: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مُجوّب عليه بجحفة له، وكان أبو طلحة رامياً، كسر يوم أحد قوسين أو ثلاثة، فإذا مر الرجل بجعبة من النبل يقول له: انثرها لـأبي طلحة ، ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم على القوم فيقول له أبو طلحة : بأبي أنت وأمي لا تشرف، يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك!!

وكذلك موقف عائشة بنت أبي بكر الصديق فقد كانت تعالج المرضى، وموقف طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وموقف الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ومواقفه كلها مشرفة، وموقف أنس بن النضر الأنصاري الذي استشهد وكان يقاتل دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموقف آخر للحبيب صلى الله عليه وسلم وحياته كلها مواقف، وموقف فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت تغسل جراح أبيها مع علي رضي الله عنه، وموقف عبد الله بن عمرو بن حرام الذي استشهد في هذه المعركة، وموقف حنظلة غسيل الملائكة، وموقف أم عمارة نسيبة ، فقد خرجت أول النهار تنظر ما يصنع الناس ومعها سقاء فيه ماء، فانتهت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والربح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله وباشرت القتال تذب بالسيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

باختصار هذه مواقف مشرفة، وقد مرت بنا، والآن مع مواقف ضدها محزنة مخزية.

قال: [مواقف مخزية: كانت تلك مواقف مشرفة لأهلها ولمحبيهم معهم] ونحن إن شاء الله نحبهم [وهذه مواقف مخزية لأهلها ولمحبيهم معهم أيضاً] ونعوذ بالله أن نكون من محبيهم [وأول هذه المواقف المخزية:]

أولاً: موقف عبد الله بن أبي ابن سلول

قال: [أولاً: موقف عبد الله بن أبي ابن سلول -رأس المنافقين بالمدينة- إنه ما إن خرج الجيش الإسلامي من المدينة في طريقه إلى أحد، وهو يشكك في صحة الجهاد وجدوى هذا الخروج، حتى استجاب له ثلاثمائة رجل من المنافقين وضعاف الإيمان، ورجعوا من الطريق، فخذلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الصادقين. فكان هذا موقفاً شر موقف وأخزاه لـابن أبي ومن والاه] فقد استخدم الطابور الخامس ونجح والعياذ بالله.

وتذكرون أنه نقم لأنه كان يرى أن على المسلمين ألا يخرجوا إلى المشركين خارج المدينة، ووافق موقفه موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استجاب الرسول للأنصار والمهاجرين ولم يستجب له غضب، فحمل الحقد وأصبح ينفخ نفخة السوء والشر، فرجع من الطريق بثلاثمائة مقاتل.

ثانياً: موقف مربع بن قيظي الأعمى

قال: [ثانياً: موقف مربع بن قيظي الأعمى عليه لعائن الله] وقد عرفتم عنه [إنه لما مر ببستانه الجيش الإسلامي] في طريقهم إلى أحد [بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع بحس الجيش، وعرف أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو قائده، رفع حفنة من تراب وحصى] بيديه [وقال: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك] والعياذ بالله! هذا مربع بن قيظي [وقال: إن كنت رسولاً فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي] بستاني، وهو منافق [فكان موقف هذا المنافق الأعمى القلب والبصر أخزى موقف وأقبحه على الإطلاق].

وهذا لتعرفوا البشرية يا أبناء الإسلام وأحوالها! فالبشر هم البشر، منهم الطيب ومنهم الخبيث، منهم الأعمى ومنهم البصير، منهم المحق ومنهم المبطل، وكل هذا تهيئة وإعداداً للنزول الأخير، إما في الملكوت الأعلى، وإما في الدركات السفلى، وتنطوي صفحة الحياة كلها، فلا بد من الطيب والخبيث.

ثالثاً: موقف أبي عامر الذي لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفاسق

قال: [ثالثاً: موقف أبي عامر الذي لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفاسق بدلاً عن الراهب الذي كان يعرف به في الجاهلية قبل الإسلام] فقد تنصّر وأصبح راهباً، وجاء يوم أحد للفتنة، وكان يعرف بالراهب في الجاهلية [إنه وقف -لعنه الله- بين الصفين صبيحة يوم أحد] بين صف المؤمنين والمشركين [ونادى قومه وتعرف إليهم] أنه فلان [وحرضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين] بوقاحة وجرأة [فوقف موقفاً مخزياً، ولذا أجابه رجال من الأنصار بقولهم: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق! فقال -لعنه الله-: لقد أصاب قومي بعدي شر] أي: تغيرت عقولهم وقلوبهم؛ لأنه كان خارج المدينة، فلما ناداهم وحرضهم على قتال الرسول صلى الله عليه وسلم أجابوه: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق! فقال: قد أصاب قومي بعدي شر، يعني: تغيرت نفوسهم [وقاتل مع المشركين قتالاً شديداً، فكان بئس الموقف، وموقف هذا الفاسق لا ينسى له الدهر كله] هذا أبو عامر الراهب الذي لقبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفاسق، وهو -والله- كذلك.

مداخلة: أين عمر منه؟

الشيخ: عمر في صفوف المقاتلين. وصفوف المقاتلين ليست كصفوف الصلاة، فالمجاهدون كانوا على سفح أحد والمشركون بمسافة أمامهم، وهذا الفاسق وقف في الوسط رافعاً صوته ليبلغ الأنصار من أهل المدينة ما يريد، فليس لـعمر أن يخرج بدون إذن القائد صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هناك مبارزة فإنها لا تكون إلا باسم القائد وإذنه. وعلى كل حال! سنبلغ عمر إن شاء الله إذا التقينا.

رابعاً: موقف هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان

قال: [رابعاً: موقف هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان : إنها بإغرائها] أغرت وحرشت وحشي على قتل حمزة [وبإثارتها الحماس في جيش المشركين وبتمثيلها بقتلى المسلمين، وببقرها بطن حمزة وأكلها كبده -وإن لم تبتلعها لعدم قدرتها عليها- بهذا قد وقفت شر موقف وأخزاه، ولولا أن من الله تعالى عليها بالإسلام لكانت مع أبي بن خلف وأبي جهل في جهنم، ولكن رحمها الله، فأسلمت وحسن إسلامها ونُسي لها موقفها هذا؛ لأن الإسلام جبَّ ما قبله] الإسلام يقطع ما قبله، فهذه هند رضي الله عنها وأرضاها امرأة أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه أسلمت وأسلم زوجها ودخل الكل في رحمة الله.

إذاً: هذه المواقف مخزية حقاً، وهي شر المواقف، وتقابلها المواقف المشرفة، وهكذا الناس منهم الصالح والطالح، فهذا يقف موقفاً يُسعد ويشرّف، وهذا يقف موقفاً يُخزي ويذل ويهين، والأمر يرجع إلى الله عز وجل.

قال: [أولاً: موقف عبد الله بن أبي ابن سلول -رأس المنافقين بالمدينة- إنه ما إن خرج الجيش الإسلامي من المدينة في طريقه إلى أحد، وهو يشكك في صحة الجهاد وجدوى هذا الخروج، حتى استجاب له ثلاثمائة رجل من المنافقين وضعاف الإيمان، ورجعوا من الطريق، فخذلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الصادقين. فكان هذا موقفاً شر موقف وأخزاه لـابن أبي ومن والاه] فقد استخدم الطابور الخامس ونجح والعياذ بالله.

وتذكرون أنه نقم لأنه كان يرى أن على المسلمين ألا يخرجوا إلى المشركين خارج المدينة، ووافق موقفه موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استجاب الرسول للأنصار والمهاجرين ولم يستجب له غضب، فحمل الحقد وأصبح ينفخ نفخة السوء والشر، فرجع من الطريق بثلاثمائة مقاتل.