فتاوى نور على الدرب [154]


الحلقة مفرغة

السؤال: خرجت حاجاً من بلدي, وأرسل مع أخ قيمة حجتين عن شخصين, وأعطيت المبلغ لشخصين من أهل المدينة, وأنا لا أعرف الأشخاص معرفة جيدة, وقلت لصاحب المال: لا أعرف أحداً, فقال: أعطِ أي شخص على ذمتي وذمتك بريئة؟

الجواب: إن تصرف الوكيل بحسب ما أذن له موكل فيه إذا لم يكن مما يخالف الشرع نافذ ولا حرج عليه ولا ضمان عليه، ولا تبعة إذا لم يتعدَّ ما أذن له فيه, فأنت بالنسبة لهاتين الحاجتين ليس عليك تبعة, ولكن قد تكون التبعة على هذا الذي قال لك مثل هذا الكلام المطلق إذا كانت الحجتان وصية لميت أو لحي وكِّل موكلك بذلك, ولهذا ينبغي للإنسان إذا كان يريد أن يعطي من يحج عنه أن يتحرى في أمانة الآخذ ودينه, فإن بعض الناس قد لا يكون عنده تقوى لله عز وجل, ولا رحمة بخلقه, فيأخذ هذه الدراهم ليحج بها ولكنه لا يحج بها, بل يصرفها فيما يريد من متاع الدنيا, فيكون بذلك خائناً لأمانته وواقعاً في الإثم.

السؤال: أنا بعد أن قدمت إلى مكة نزلت في الأبطح, وأريد أن أذهب إلى منى, لكنني أخشى من عدم وجود مكان, فهل إذا نزلت في المزدلفة أو عرفة في اليوم الثامن وبعد العودة من عرفة, هل يجوز لي ذلك أم لا؟

الجواب: النزول في منى في اليوم الثامن إلى صباح اليوم التاسع سنة, وليس بواجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عروة بن المضرس وقد صادفه في مزدلفة قال له: ( من شهد صلاتنا هذه, ووقف معنا حتى ندفع, وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً, فقد تم حجه وقضى تفثه ) ولم يذكر المبيت بمنى ليلة التاسع, فأنت إذا لم تجد مكاناً في منى ذلك اليوم ونزلت في مزدلفة أو في عرفة أو في الأبطح, فلا حرج عليك, ولكن احرص على أن تجد مكاناً؛ لأنك إذا لم تجد مكاناً في ذلك اليوم في اليوم الثامن, فمن باب أولى أن لا تجد مكاناً في يوم العيد وما بعده, ولهذا ينبغي للإنسان أن يحتاط لنفسه في هذا الأمر.

مداخلة: يقول: وبعد العودة من عرفة هل يجوز لي ذلك أم لا؟

الشيخ: لا يجوز لك بعد العودة من عرفة إلا أن تكون في منى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل فيها ولم يرخص لأحد بترك ذلك إلا للرعاة أو السقاة, والواجب على الحاج بعد الرجوع من عرفة ومزدلفة أن يبقى في منى ويبيت بها, ولا يجوز له أن يتخلف عن ذلك, لكن إذا لم يجد مكاناً في منى, وطلب طلباً حقيقياً دقيقاً فلم يجد, فلا حرج عليه أن ينزل في آخر الناس مهما وصلوا إليه, حتى لو وصلوا إلى مزدلفة وما وراء مزدلفة, ونزل في آخرهم بحيث كان مع الحجيج, فإنه لا حرج, فقد كان بعض الناس يقول: إذا لم تجد مكاناً في منى فلا حرج عليك أن تبيت في مكة أو في ما شئت؛ لأن هذا المكان سقط وجوب المبيت فيه بالتعذر, فسقط الفرض, كالإنسان إذا قطعت يده من فوق الفرض, فإنه يسقط عنه غسلها, ولكننا نقول: الذي نرى في هذه المسألة أنه يجب عليه أن يكون في أخريات القوم ليكون منهر الحجيج واحداً, وهو نظير من أتى إلى المسجد ووجد الناس قد ملئوا المسجد، فإنه يصلي في الشارع الذي حول المسجد ليتصل الناس مع بعضهم البعض، والشارع له نظر كبير في اجتماع الناس على العبادة وعدم تفرقهم.

السؤال: هل السبحة سباحة في ذكر الله، أي: يذكر بها الله عز وجل أم لا؟

الجواب: السبحة لا ينبغي للمرء أن يجعلها وسيلة لضبط التسبيح الذي يقول أو التهليل أو التكبير, وإنما الذي ينبغي أن يكون تسبيحه وتكبيره وتهليله بأصابعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات ). ولأن استعمال السبحة فيه مفاسد:

منها: العدول عن السنة.

ومنها: أنه قد يكون فيه رياء حين يراه الناس يسبح بمسبحته.

ومنها: أن المسبح بالسبحة يطير قلبه في الخيال والوساوس, وهو ليس عنده إلا أن يعدد هذه الحصيات أو هذه الخرزات, فيكون بذلك ذاكراً غافلاً, وأما العقد بالأنامل فإنه أقرب إلى حضور القلب, والذكر روحه ولبه أن يكون قلب الذاكر حاضراً, ولهذا نرى أن السبحة وإن كان التسبيح بها جائزاً, لكنه لا ينبغي استعمالها بل الأفضل والأولى أن يسبح بأنامله.

السؤال: بعض الناس يقولون: إن علينا بأنفسنا فقط, وليس لنا بالناس الآخرين شيء, أي: أننا نصوم ونصلي ونؤدي ما فرضه الله علينا, ولا علاقة لنا بالآخرين؟

الجواب: هذا القول ليس بصحيح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه ). ولقوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:104-105]. وفي قوله: (ولا تفرقوا), بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل على أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوجب تفرق الأمة وتشتتها, وكون كل واحد منهم له منحى ينحو إليه, ويذهب إليه, ويصير عليه؛ ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سياج هذه الأمة, وقيام عزها وكرامتها؛ ولأن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للخسران لقوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]. نعم لو فسد الزمان وفسدت الأمة ولم يمكن الإصلاح بحال فحينئذٍ نقول للإنسان: لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127]. وعليك بخاصة نفسك والله المستعان.

السؤال: ما هي الصفات الطيبة التي يجب أن تتوفر في الإمام الذي يصلي بالناس؟

الجواب: الصفات الطيبة التي ينبغي في الإمام الذي يصلي بالناس, أن يكون قارئاً لكتاب الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ). وأن يكون عالماً بالسنة لاسيما فيما يتعلق بأمور الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ) وأن يكون أميناً؛ لأن الإمام مؤتمن, فإنه يصلي لنفسه ولغيره, فإن لم يكن أميناً, فإنه يخشى أن يصلي الصلاة على وجه غير كامل, بحيث يسرع إسراعاً يمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يسن, أو فعل ما يجب, كما يوجد في بعض الأئمة يسرعون إسراعاً ليس بمشروع, وهو ضرر على من خلفهم, فالمهم كلما كان الإنسان أقوم للصلاة وأرعى لأمانته, فهو أولى وأقوم للصفات المطلوبة في الإمام.

السؤال: اعتمرت في أول شوال, ثم ذهبت إلى تبوك وقدمت إلى الحرم من الميقات؛ لأنني أعتبر نفسي متمتعاً من العمرة إلى الحج, فما حكم تجاوزي للميقات على هذه النية بدون إحرام؟

الجواب: مثل هذا نقول: إذا كان اعتماره في شوال بنية الحج هذا العام فهو متمتع؛ لأنه تمتع بالعمرة إلى الحج, وحينئذٍ فإذا ذهب إلى تبوك ثم رجع فإنه لا يتجاوز الإحرام الميقات إلا محرماً, لكن ما دام على نيته أنه يرجع, ولكنه وصل تبوك لعذر أو لغرض وبنيته أن يرجع إلى مكة, فلا حرج عليه أن يدخل إلى مكة، ويبقى إلى أن يأتي يوم الثامن من ذي الحجة, فيحرم من مكانه, وأما إذا كان دخل مكة في شوال وليس نيته أن يحج هذا العام, وإنما جاء معتمراً فقط, ثم رجع إلى تبوك, فإنه إذا رجع إلى مكة لا يتجاوز الميقات إلا محرماً؛ لأنه ليس من نيته الرجوع إلى مكة في هذا السفر.

مداخلة: إذاً لا شيء عليه حينما تجاوز الميقات بدون إحرام.

الشيخ: أي نعم, ما دام ما دام على نيته الأولى ناوياً أن يحج.

مداخلة: لأنه يقول: وقدمت من الميقات؛ لأنني أعتبر نفسي متمتعاً من العمرة إلى الحج؟

الشيخ: نعم.

مداخلة: يعني: بعمرته في أول الشهر.

الشيخ: فليس عليه شيء.

السؤال: إذا تعجل الحاج من منى في اليوم الثاني من أيام التشريق, ونزل منى لمتابعة عمله, يعني: ذهب إلى مكة وعاد إلى منى, ونزل إلى منى لمتابعة عمله وغربت عليه الشمس هناك, فهل يلزمه المبيت أم لا؟

الجواب: ما دام قد تعجل, وخرج من منى بعد أن رمى الجمرات بعد الزوال بنية أنه أنهى نسكه, فقد انتهى نسكه, فإذا عاد إلى منى بعد العصر مثلاً: لمتابعة عمل, فهو حر, متى شاء خرج؛ لأنه قطع نية العبادة, وخرج فعلاً من منى قبل غروب الشمس, فإذا عاد فهو حر, إن شاء بقي وإن شاء لم يبق, ولكننا ننصح هذا الأخ الذي سيبقى في منى في عمل أن لا يتعجل, بل أن يبقى في منى على نية النسك ليكتب له أجر في ذلك, فإنه إذا بقي على نية النسك فله أجر تلك الليلة, وله أجر رمي الجمرات في اليوم الثالث عشر.

السؤال: نحن من موظفي الدولة, كل سنة ننتدب من قبل الدولة إلى مكة المكرمة من أول شوال, فإذا ذهبنا إلى مكة أخذنا العمرة, ثم وزعنا رؤسائنا في الدولة, فمنا من يذهب إلى جدة, ومنا من يذهب إلى الليث, والطائف, والمدينة, وعندما يأتي قبل اليوم الثامن بيومين أو ثلاثة, نعود إلى مكة, فهل يلزمنا الإحرام قبل الدخول إلى مكة, أم نحرم من أماكننا التي نعيش فيها وفقكم الله؟

الجواب: تحرمون في هذه الحال من الميقات؛ لأنكم حينما خرجتم من مكة خرجتم إلى أداء عمل, فإذا رجعتم إلى مكة فقد مررتم بالميقات وأنتم تريدون الحج, فعليكم أن تحرموا من الميقات, الذين في الطائف يحرمون من السيل, والذين في الجهة الأخرى يحرمون إذا مروا من مواقيتهم.

مداخلة: لكن في سؤاله الأول ذكر أنه خرج إلى تبوك, وفي سؤاله الأخير: أخبرنا بأنه يذهب في بداية شوال للحج وهو منتدب, لكنه عندما يأتي ويأخذ العمرة يخرج إلى عمله خارج مكة؟

الشيخ: هو الأول لم يبين أنه ذهب إلى تبوك لمقتضى العمل, إنما هو لغرض ثم رجع, أما إذا كان ذهب إلى تبوك بمقتضى العمل, فإنه إذا رجع إلى مكة يكون يحرم من الميقات.

مداخلة: طيب ما الفرق بين الخروجين؟

الشيخ: الفرق بين الخروجين, أنه إذا خرج إلى عمل فقد انفصل الدخول الأول والثاني, أما إذا خرج إلى غرض ورجع سريعاً, فإنه لا يكون هذا السفر منقطعاً عن هذا السفر؛ لأنه في الحقيقة بمنزلة الباقي في مكة حكماً.

مداخلة: إذن الذي يأتي لعمل إلى مكة مثلاً: قبل الحج بأشهر أو بأيام, ثم يأتيه الحج له أن يحج مفرداً وإن كان قد أخذ عمرة في أشهر الحج؟

الشيخ: هو إذا أخذ عمرة في أشهر الحج, ثم رجع إلى بلده ورجع, من بلده مفرداً فهو مفرد, أما إذا أخذ العمرة وذهب إلى بلد آخر, فهذا اختلف العلماء فيه, إذا سافر بين العمرة والحج مسافة قصر لغير بلده, فمنهم من يرى أنه إذا سافر إلى مسافة قصر بين العمرة والحج إلى غير بلده أو إلى بلده, فإن التمتع ينقطع, ويسقط عنه هدي التمتع, ومنهم من يرى أن من سافر إلى بلده انقطع منه التمتع؛ لأنه في الحقيقة أنشأ سفراً جديداً للحج, وأما إذا ذهب إلى غير بلده ولو فوق المسافة, فإنه لا ينقطع؛ لأنه ما زال في سفر وهذا هو الراجح عندنا.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3341 استماع