فتاوى نور على الدرب [91]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم من ترك فاتحة الكتاب ناسياً ولم يقرأها؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، من ترك قراءة الفاتحة في ركعة فقد ترك ركناً من أركان الصلاة؛ لأن قراءة الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)، و( كل صلاةٍ لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج) أي: فاسدة غير صحيحة، وعلى هذا فإذا نسي أن يقرأ الفاتحة في ركعة، وجب عليه أن يرجع إليها أي إلى القيام ليقرأها ما لم يصل إلى القيام من الركعة التالية، فإن وصل إلى القيام من الركعة التالية قامت الركعة التالية مقام الركعة الأولى وصار كأنه الآن في الركعة الأولى، وعلى كلا الحالين أو كلتا الحالين يجب عليه سجود السهو، ويكون بعد السلام من أجل الزيادة التي حصلت له، ونحن نمثل الآن بمثالين يتضح بهما الكلام:

رجلٌ نسي قراءة الفاتحة من الركعة الأولى، فبينما هو جالسٌ بين السجدتين تذكر أنه نسي قراءة الفاتحة نقول له: قم الآن قائماً واقرأ الفاتحة واركع وامضِ في صلاتك وعليك سجود السهو بعد السلام، هذا مثالٌ لما إذا ذكر نسيان الفاتحة قبل أن يقوم إلى الركعة التالية.

مداخلة: ويقوم بتكبير أو يقوم بدون تكبير؟

الشيخ: يقوم بدون تكبير لأن هذا ليس محل قيام، القيام هذا مقصودٌ لغيره فهو واجبٌ لغيره.

والمثال الثاني إذا نسي الفاتحة وذكر بعد أن قام إلى الركعة التالية نقول: رجل نسي الفاتحة من الركعة الأولى ولم يذكر إلا وهو قائمٌ في الركعة الثانية، فنقول له: ركعتك الأولى لغت لعدم قراءة الفاتحة فيها وتكون هذه الركعة الثانية بدلاً عنها، فكأنك الآن دخلت في صلاتك من جديد، فتستمر وتكمل صلاتك وتسلم وتسجد للسهو بعد السلام.

وفي هذه الحالة لا يلزمه قراءة الاستفتاح، أولاً: لأن الاستفتاح ليس بواجب.

والثاني: لأن الاستفتاح قد استفتح من قبل في الركعة الأولى الباطلة التي لم يعتد بها.

السؤال: هل يقرأ دعاء التوجه ( اللهم إني وجهت وجهي... ) إلخ في كل صلاة الفريضة والتطوع أم في الفريضة فقط؟

الجواب: ينبغي أن يعرف أن الاستفتاح ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجوهٍ متنوعة، هذه الوجوه السنة أن يأتي الإنسان بكل وجهٍ منها أحياناً من هذا وأحياناً من هذا؛ ليكون فاعلاً للسنة، فمما ورد قول: ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد )، وكذلك: ( سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، واستفتاحات أخرى وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام، أي استفتاح استفتح به الإنسان منها فإنه يجزئه، سواءٌ في الفريضة أم في النافلة، وسواءٌ في صلاة الليل أم في صلاة النهار.

السؤال: ما حكم من أدرك الركعتين الأخيرتين من صلاة العشاء والتي يسر فيهما الإمام؟ فهل يستحب للمأموم عندما يكمل ما فاته أن يجهر بالركعتين الأوليين؟ وهل يقرأ فيهما سوراً من القرآن أم يقتصر على فاتحة الكتاب؟

الجواب: نقول: إن من أدرك مع الإمام آخر صلاته وقام ليقضي ما فاته، فقد اختلف أهل العلم هل ما يقضيه أول صلاته أو آخر صلاته؟ فمن العلماء من يقول: إن المسبوق إذا قام ليقضي بعد إمامه فإنما يقضي أول صلاته، وعلى هذا فيقرأ الفاتحة ويقرأ السورة بعد الفاتحة أيضاً؛ لأن هاتين الركعتين اللتين يقضيهما هما أول صلاته.

ومنهم من يقول: إن الذي يقضيه آخر صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)، وإتمام الشيء معناه الإتيان بآخره ليتم أوله، ورواية ( وما فاتكم فاقضوا )، تفسرها هذه ( فأتموا )،وذلك لأن القضاء يَردُ بمعنى الإتمام كما في قوله تعالى: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:12]، أي: أتمهن، وكما في قوله: ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2]، أي: أتمه وأنهاه.

فعليه نقول: إن الصحيح أن ما يقضيه المسبوق آخر صلاته وليس أولها، ويدل على ذلك بوضوح أنه لو أدرك الركعة الأخيرة من صلاة المغرب ثم قام يقضي فإنه يجلس للتشهد الأول إذا صلى ركعةً، ولو كان ما يقضيه أول صلاته لكان لا يجلس للتشهد الأول بعد الركعة الأولى لكان يقضي ركعتين بتشهدٍ واحد، فلما كان يجلس للتشهد الأول إذا صلى ركعة من فاتته من أدرك من صلاة المغرب ركعة دل هذا على أن ما يقضيه هو آخر صلاته، فعلى هذا نقول: لا تقرأ مع الفاتحة سورة ولا تجهر بالقراءة، هذا هو القول الراجح في المسألة.

السؤال: اعتمرنا في شهر رمضان، وقد أحرمنا بعد وصولنا مطار جدة وكنا جاهلين وليس متعمدين حيث أخذنا سائق التاكسي إلى مكانٍ في جدة به مسجد صغير وأحرمنا من هناك، فهل إحرامنا صحيح؟ وإذا كان لا هل يلزمنا شيء؟ وشكراً لكم.

الجواب: إحرامكم صحيح ولازم، ولكنكم أخطأتم في عدم الإحرام من الميقات حيث أخرتم الإحرام إلى جدة، وبناءً على كونكم جاهلين فإنه لا شيء عليكم ولا يلزمكم شيء من فديةٍ ولا غيرها، ولكن عليكم أن لا تعودوا لمثل هذا وأن تحرموا من محاذاة الميقات وأنتم في الطائرة.

السؤال: لدي أخوان لا يصليان فهل يجوز لي أن أكلمهم أم لا وفقكم الله؟

الجواب: اللذان لا يصليان إن كانا لا يصليان مع الجماعة فهما فاسقان عاصيان لله ورسوله، وإن كانا لا يصليان أبداً لا مع الجماعة ولا على الإنفراد فهما كافران؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة )، وفي السنن: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )، ولكن مع كونهما كافرين فلهما حق القرابة، تصلهما لقرابتهما، ولكن يجب عليك أن تنصحهما وتخوفهما بالله عز وجل، وتحذرهما من هذا العمل المؤدي إلى الكفر، فإن هداهما الله فقد حصلت خيراً كثيراً وسلما من النار بذلك وإلا فعليك أن تبلغ ولاة الأمور عنهما؛ لأن ذلك من النصح لهما، وإذا بلغت ولاة الأمور برئت بذلك ذمتك.

السؤال: كيف أصلي إذا فاتتني ثلاث ركعات من صلاة العشاء، هل أقوم فأصلي ركعتين ثم أجلس للتشهد الأول ثم أقوم فأصلي ركعة ثم أجلس للتشهد الأخير أم ماذا أفعل؟ وفقكم الله.

الجواب: تقوم وتصلي ركعة وتجلس للتشهد الأول ثم تقوم وتأتي بركعتين، هذا هو الواجب عليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )، وأنت الآن صليت ركعة فتصلي ركعة وتجلس للتشهد الأول؛ لأن التشهد الأول يكون في الركعة الثانية.

السؤال: أريد أن أتجنب الغيبة والنميمة فأخبرونا عن صفة الغيبة وأخبرونا أيضاً عن صفة النميمة؟

الجواب: الغيبة فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوضح تفسير حيث قال: ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره )، يعني: أن تذكر أخاك بما يكره أن يذكر به من وصفٍ خِلقي أو وصفٍ خُلقي أو وصفٍ عملي، فإذا قلت مثلاً: فلانٌ أعور، فلانٌ أعمى، فلانٌ قصير، فلانٌ فيه كذا وكذا تعيره بذلك فهذه غيبة، كذلك أيضاً إذا قلت: فلان أحمق، سيء الخلق، فيه كذا وكذا تعيره بذلك أيضاً فهو غيبة، كذلك إذا قلت: فلانٌ فاسق، فلانٌ فيه كذا وكذا من الأعمال السيئة تعيره بذلك فإنه من الغيبة، فالغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، أي: بما يكره أن يذكر به من صفةً خِلقية أو خُلقية أو عمليه.

وأما النميمة: فهي السعي بين الناس بما يفرق بينهم بأن تأتي مثلاً إلى فلان وتقول: يذكرك فلان بكذا وكذا، يسبك يشتمك، يقول فيك، يقول فيك؛ لأجل أن تفرق بينهما، فالنميمة: هي السعي بين الناس بما يفرق بينهم، وكلا العملين عمل ذميم، ومن كبائر الذنوب، فالغيبة ضرب الله لها مثلاً تنفر منه كل نفس فقال سبحانه وتعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]، فجعل الله تبارك وتعالى غيبة المرء كمثل أكل لحمه وهو ميت، وإنما وصف ذلك بأكل لحمه وهو ميت؛ لأن الغائب لا يستطيع الدفاع عن نفسه فهو كالميت الذي يؤكل لحمه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، وقد ذكر بعض العلماء أن المغتاب للناس يعرضون عليه يوم القيامة أمواتاً ويكلف بأكل لحومهم، وهذه بلا شك نوعٌ من العقوبة العظيمة.

وأما النميمة فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)، وبهذا علم أن النميمة من أسباب عذاب القبر نسأل الله السلامة والعافية.

السؤال: هل القبر إذا زاد عن الأربعين عام أو أكثر هل يجوز أن يدفن معه جنازة ثانية في نفس القبر أم لا بحيث أن عندنا مقابر ضيقة؟ والسلام عليكم ورحمة الله.

الجواب: المدة التي يبلى لها الميت في قبره ليس لها حد لا أربعون سنة ولا مائة سنة ولا أكثر ولا أقل؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأراضي، فمن الأراضي ما يكون حاراً يأكل اللحم والعظم بسرعة، ومنها ما يكون بارداً يكثر فيه اللحم والعظم باقياً، ثم إن من الناس من يُكرم فلا تأكله الأرض وذلك ثابتٌ في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء )، أما غير الأنبياء فليس بمؤكد، لا بالنسبة للشهداء ولا لغيرهم، لكن قد يُكرم الإنسان فيبقى جسمه لا تأكله الأرض.

وعلى كل حال إذا كنتم مضطرين إلى الدفن في المقبرة القديمة لعدم وجود أمكنة فإنه من الممكن اختبار هذا بأن يحفر القبر، فإذا وجد فيه جثة دفن ويحفر مكانٌ آخر حتى يكون الميت التالي وحده ليس معه أحد.