فتاوى نور على الدرب [86]


الحلقة مفرغة

السؤال: لقد عرفنا مصير الرجال في الجنة أن لهم زوجات حور عين، ويقصد الرجال من المسلمين، ولكن ما مصير النساء في الجنة ألهم أزواجٌ أم لا؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين.

يقول الله تبارك وتعالى في نعيم أهل الجنة: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:31-32].

ويقول تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71]. ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس فهو حاصلٌ في الجنة لأهل الجنة ذكوراً كانوا أم إناثاً، فالمرأة يزوجها الله تبارك وتعالى في الجنة يزوجها بزوجها الذي كان زوجاً لها في الدنيا، كما قال الله تعالى: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر:8].

وإذا كانت لها زوجان في الدنيا فإنها تخير بينهما يوم القيامة في الجنة، وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر به عينها في الجنة، فالنعيم في الجنة ليس قاصراً على الذكور، وإنما هو للذكور وللإناث، ومن جملة النعيم الزواج، ولكن قد يقول قائل: إن الله تعالى ذكر الحور العين وهن زوجات ولم يذكر للنساء أزواجاً؟ فنقول: إنما ذكر الزوجات للأزواج لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة، فلذلك ذكرت الأزواج للرجال في الجنة، وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس معنى ذلك أنه ليس لهن أزواج بل لهن أزواج من بني آدم.

السؤال: يقال: إنه إذا قامت يوم القيامة فإن المسلمين الذين هم مؤدون للشريعة الإسلامية والمؤمنين بوجود الله ويوم القيامة وغير مؤدين لشعائر الإسلام ستأتيهم ريحٌ فيموتون، إلا الكفار فهم يرون أهوال يوم القيامة والأشياء التي تحصل حين قيام الساعة، ما مدى صحة ذلك؟

الجواب: ليس هذا بصحيح، بل إذا قامت الساعة فإن جميع الناس مسلمهم وكافرهم يشاهدون هذا اليوم العظيم، وينالهم ما ينالهم من شدائده وهمومه وكروبه وغمومه، ولكن الله تعالى ييسره على المسلم كما قال الله تعالى: وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [الفرقان:26]، وقال تعالى: عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر:10].

فاليوم عسير وشديد، وعسره وشدته على الجميع، ولكن هذا العسر والشدة ييسر على المؤمنين، ويكون غير شاقٍ عليهم بخلاف الكافرين.

السؤال: ذهبنا أنا وأصدقائي للعمرة في رمضان، وكان يوم وصولنا إلى مكة يوم جمعة قبل صلاة الظهر، طفنا على الكعبة ثم جلسنا لكي نصلي الجمعة، وبعدما بدأ يخطب الإمام وفي الخطبة كان بجنبي صديق لي فتكلمت معه لكي أسأله عن بعض ما بقي لنا من مناسك العمرة، ولكن لم يرد عليّ فسكت ولم يكلمني، وبعدما رجعنا إلى مدينتنا عرفت أن الذي يتكلم والإمام يخطب لا جمعة له، هل عليّ أن أقضي الجمعة ظهراً؟ أفيدوني أفادكم الله وشكراً.

الجواب: الفائدة في هذا أنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم والإمام يخطب، ( ومن تكلم والإمام يخطب فقد لغى، ومن لغى فلا جمعة له).

والمراد بنفي جمعته: أن يحرم من ثوابها وفضلها، وليس المراد أن لا تجزئ عنه، وعلى هذا فصلاتك الجمعة مجزية، ولا يجب عليك إعادتها بل لا يشرع لك إعادتها؛ لأن المقصود بنفي الجمعة نفي فضلها وثوابها، ومع هذا نقول لك أيها الأخ السائل: ما دمت جاهلاً بهذا الأمر حينما تكلمت فإنه ليس عليك إثم، ولا يفوتك هذا الفضل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت ) كما ثبت ذلك في صحيح مسلم .

وعلى هذا فجمعتك تامة، وقد نلت أجرها؛ لأنك حينما تكلمت مع أخيك كنت جاهلاً بالتحريم.

السؤال: امرأة متزوجة وعندها ثلاثة أولاد والحمد لله، وتقول: إن عندها ضعفاً في الجسم وعندما تحمل تمرض مرضاً شديداً، وعندما تضع الطفل تفقد الوعي، هل يجوز لها أن تتناول حبوب منع الحمل وفقكم الله؟

الجواب: حبوب منع الحمل هي فيما ذكر لنا ضارة على الرحم، قد تسبب القرحة فيه، ثم إن محاولة منع الحمل في الأصل جائزة، لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعزلون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينهوا عن ذلك، ولكن هي خلاف الأولى؛ لأن تكثير الأولاد أمرٌ مشروعٌ ومطلوب، ولكن مع هذا الضرر الذي أشارت إليه السائلة نقول: إنه لا بأس أن تتناول هذه الحبوب إذا أذن بذلك زوجها، وإذا تحسنت حالها وصارت بحالٍ تشعر بأنه لا يصيبها هذا الأذى فإنها تمسك عنها.

السؤال: هل عندما تحيض المرأة يجوز أن تغتسل أو تغسل شعرها؛ لأنها لا تحمل القذارة في هذه المدة؟

الجواب: نعم يجوز لها أن تتنظف بغسل جسمها وشعرها وغير ذلك، بل إذا أصابتها جنابة فإنه يسن لها أن تغتسل، وإن كانت لا تستفيد بهذا الغسل شيئاً؛ لأنه لا يمكن أن تصلي وعليها حيض، لكن من أجل إزالة أثر الجنابة عنها.

وهنا مسألة في جنابة المرأة الحائض، فأخشى أن يفهم أحد من ذلك أن الحائض يجوز مجامعتها، وهذا الفهم غير وارد؛ لأن الجنابة قد تأتي المرأة من احتلام، المرأة إذا احتلمت ورأت الماء وجب عليها أن تغتسل كما يجب على الرجل كذلك.

وأيضاً ربما يكون قد جامعها زوجها قبل أن ترى الحيض، ثم يأتيها الحيض قبل أن تغتسل من هذه الجنابة، فحينئذٍ نقول لها: اغتسلي من هذه الجنابة ولو كان عليك الحيض.

كذلك ربما يستمتع الزوج بها وهي في حال الحيض بدون وطء أي: بدون الجماع، فإن استمتاع الرجل بزوجته حال الحيض بما سوى الفرج جائزٌ، فهي في هذه الحال ربما تنزل مع الشهوة، ويكون الغسل واجباً عليها فنقول لها: ينبغي أن تغتسل قبل أن تطهر من الحيض إزالةً لهذه الجنابة.

فهذه ثلاثة صور صورناها يمكن فيها أن تكون المرأة عليها الجنابة وهي حائض.

السؤال: هل الرسول صلى الله عليه وسلم كان عندما يتثاءب يضع يده اليمنى أم يده اليسرى، أم يضعهما معاً على فمه الطاهر؟

الجواب: لا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده على فمه إذا تثاءب، وإنما ورد ذلك من قوله حيث أمر صلى الله عليه وسلم الرجل أو المرأة عند التثاؤب أن يكظم، يعني: يمنع فتح فمه ما استطاع، فإن لم يستطع فليضع يده على فمه، ويضع اليد اليمنى أو اليسرى المهم ألا يبقي فمه مفتوحاً عند التثاؤب.

السؤال: هل ذبح الديك الأبيض حلال أم حرام في الإسلام؛ لأنه يقال: إذا صاح الديك يسبح ويقول: اذكروا الله يا غافلين؟

الجواب: الديك الأبيض وغير الأبيض من البهائم التي أحلها الله عز وجل، فيجوز ذبحه ولا حرج فيه.

وأما كونه يسبح عند أذانه أو عند صياحه فإن هذا يكون له ولغيره، فما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا يسبح بحمد الله ولكن لا تفقهون تسبيحهم كما قال الله تبارك وتعالى، وصياح الديكة ينبغي لمن سمعه أن يسأل الله من فضله كما جاء به الأمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنها رأت ملكاً، فإذا سمعت صياح الديك الأبيض أو غيره فإن المشروع أن تسأل الله من فضله.

السؤال: ما هو التهليل الذي يقال بعد صلاة المغرب وبعد صلاة الفجر؟

الجواب: التهليل بل ذكر الله تعالى بعد الصلوات قد أمر الله به في قوله: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103].

وهذا الذكر الذي أمر الله به مجملاً بينه النبي صلى الله عليه وسلم فتقول إذا سلمت: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله. اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم! لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وتسبح الله تعالى بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك: أن تسبح الله وتحمده وتكبره ثلاثاً وثلاثين، تقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، وتقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وسواءٌ سبحتها مجموعة: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، أو سبحت التسبيح وحده والتحميد وحده والتكبير وحده، فقلت: سبحان الله سبحان الله سبحان الله حتى تكمل ثلاثاً وثلاثين، الحمد لله الحمد لله الحمد لله حتى تكمل ثلاثاً وثلاثين، الله أكبر الله أكبر الله أكبر حتى تكمل ثلاثاً وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

كذلك يجوز أن تسبح وتحمد وتكبر عشراً عشراً بدلاً من الثلاثة والثلاثين فتقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله عشر مرات، الحمد لله الحمد لله الحمد لله عشر مرات، الله أكبر الله أكبر الله أكبر عشر مرات، فهذه ثلاثون.

أيضاً هذا مما جاءت به السنة، ومما جاءت به السنة في هذا أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هذه الأربع خمساً وعشرين مرة، فيكون المجموع مائةً، فأي نوع من هذه الأنواع سبحت به فهو جائز، لأن القاعدة الشرعية: أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة يجوز فعلها بل يسن فعلها على هذه الوجوه كلها، هذه مرة وهذه مرة لأجل أن يأتي الإنسان بالسنة بجميع وجوهها.

هذه الأذكار التي قلت عامة في الصلوات: المغرب، والفجر، والظهر، والعصر، والعشاء، في المغرب يزاد والفجر أيضاً يزاد التهليل عشر مرات، وكذلك ربي أجرني من النار سبع مرات.

وإجابة السؤال التهليل الذي هو: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.

السؤال: هل يجوز للإنسان أن يقول للآخر: كلب أم لا؟ وفقكم الله.

الجواب: لا يجوز للإنسان أن يصف أخاه المسلم بالكلب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس لنا مثل السوء: العائد في هيبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)، ولكن لك أن تشبه حامل القرآن الذي لا يعمل به بالحمار، فتقول مثلاً: من لم يعمل بالقرآن فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، كذلك أيضاً تقول للإنسان الذي آتاه الله العلم فأراد به غير الله وأراد به الدنيا: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176].

أما أن تنادي شخصاً بعينه فتقول: يا كلب! يا حمار! فهذا لا يجوز؛ لأن الله تعالى يقول: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70].

وقد ذكر أهل العلم بأنه يجوز لمن قيل له هذا أن يطالب القائل، وأن القائل يعزر إذا لم يحلله المقول له.