فتاوى نور على الدرب [19]


الحلقة مفرغة

السؤال: لي أخت وأخ قد بلغا سن الزواج ولنا أقارب، فقام أبي وخطب بنت أحد الأقارب لأخي، وكذلك خطب أهل البنت أختي لأخي البنت، واتفق الآباء على أن تكون واحدة بواحدة دون أن يدفع أحدهم أي شيء، وأن يجهز كل واحد ابنته، وأجبرت أختي على ذلك، وتم الزواج، وحاولت أن أقف دون ذلك ولكن لم أتمكن، فما الحكم في ذلك؟

الجواب: هذا العقد الذي أشار إليه الأخ جمع بين محظورين:

أحدهما: أنه من الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه: ( لا شغار في الإسلام ) وذلك أن كل واحد منهما زوج موليته الآخر على أن يزوجه الآخر موليته، وهذا هو الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما وأنه ليس بينهما مهر.

أما المحظور الثاني: فهو إكراه البنت على النكاح، وهذا حرام ولا يجوز، ولا يصح النكاح مع الإكراه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر ) و( سئل عن إذن البكر؟ فقال: أن تسكت ) وفي رواية:( إذنها صماتها ) وفي رواية لـ مسلم :( البكر يستأمرها أبوها ) فنص النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث على البكر ونص على الأب، وفي هذا دليل على ضعف قول من يقول من أهل العلم: إن البكر يجوز لأبيها أن يجبرها على النكاح، فإن هذا الحديث نص صريح واضح في البكر وفي الأب، البكر يستأمرها أبوها.

لهذا لا يجوز للمسلم أن يجبر ابنته على النكاح سواء أكانت بكراً أم ثيباً، وفي هذه الحال إذا كان يعرض عليها الذين يخطبون ولكنها لا تقبل في هذه الحال حتى ولو ماتت وهي لم تتزوج فلا إثم عليه إذا كانت هي التي لا تريد أن تتزوج، إنما الإثم إذا رغبت أن تتزوج بشخص كفؤ في دينه وخلقه ثم يأتي الأب ويمنع من ذلك، فإن هذا حرام عليه ولا يجوز، وقد ذكر أهل العلم أنه إذا تكرر منه هذا الشيء أصبح فاسقاً لا ولاية له على ابنته، وتنتقل الولاية إلى أولى الناس بتزوجها بعده.

وعلى كل حال هذا السؤال الذي سأل عنه الأخ العقدان فيه غير صحيحين إذا كان الأمر على ما ذكره الأخ السائل، والذي أرى في هذه المسألة أنه يجب رفعها إلى المحكمة الشرعية لتنظر في الأمر وتحقيق ذلك، وفيما يجب نحو هذين العقدين إبقاء أو فسخاً.

مداخلة: إذاً: نقول للسائل: بعد أن سمع هذه الإجابة ورسالته أيضاً طويلة جداً وقد اقتصرنا بما ذكر، نقول له: عليه أن يتوجه إلى المحكمة إذا كان عنده ما يثبت ذلك، ويكون له في ذلك متنفس إن شاء الله تعالى ولأخته.

الشيخ: نعم.

السؤال: في أي وقت يتم قضاء الصلاة من الأوقات الخمسة التي لم يصلها الإنسان؟

الجواب: إذا ترك الإنسان إحدى الصلوات الخمس لعذر من الأعذار كالنسيان والنوم وما أشبه ذلك من الأعذار، فإنه يقضيها متى زال ذلك العذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك ) ولما نام صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه عن صلاة الفجر وهم في سفر واستيقظوا بعد طلوع الشمس قضوها، وقضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفتها، فإنه أمر فأذن لها ثم صلوا ركعتين ثم صلاها كما كان يصليها كل يوم، ومعنى ذلك أنه صلاها جهراً، فعلى هذا لو يقع مثل هذه المسألة بقوم مسافرين فإننا نقول لهم: افعلوا ما كنتم تفعلون في أيامكم الماضية، بمعنى: يؤذن لصلاة الفجر وتصلى سنة الفجر ركعتين، وتصلى صلاة الفجر بقراءة جهرية كما تصلى لو كانت في وقتها، إلا أنه ينبغي في مثل هذه الحال أن يرتحلوا عن مكانهم كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ويصلوا في مكان سواه.

أما إذا كان ترك الصلاة عمداً بدون عذر شرعي فهذه المسألة مما اختلف أهل العلم فيها، فقال بعض العلماء وهم الجمهور: يجب القضاء كما يجب على المعذور، فعليه إذا ترك الإنسان صلاة حتى خرج وقتها عمداً وجب عليه قضاؤها، وقال بعض أهل العلم: إن من ترك الصلاة عمداً بدون عذر شرعي فإنه لا ينفعه القضاء ولو صلاها ألف مرة؛ لأن ذلك من تعدي حدود الله، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) وهذا -أي: تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها- ليس عليه أمر الله ولا رسوله فيكون مردوداً غير نافع، وعلى هذا الرأي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يجب على هذا أن يصلح عمله وأن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى توبة نصوحاً، ويكثر من الاستغفار ومن الأعمال الصالحة التي تكفر عنه، وهذا القول هو الراجح عندي؛ لأن أدلته أقوى من أدلة القائلين بوجوب القضاء.

السؤال: ما حكم الابنة في الإسلام البالغة من العمر ثماني عشرة سنة ولم تصل؟

الجواب: هذا السؤال قد نقول: إنه فرد من أفراد السؤال الأول، بمعنى أن نقول: هذه الابنة التي تركت الصلاة ولها ثماني عشرة سنة إذا كانت تركتها متعمدة وبدون عذر شرعي فإنه على ما رجحناه لا ينفعها القضاء ولو صلت آلاف المرات، وعليها أن تتوب إلى الله توبة صالحة نصوحة صادقة وتكثر من الأعمال الصالحة؛ حتى يمحو الله عنها ما عملت من هذه السيئات الكبيرة، وأما على رأي جمهور العلماء فإنه يجب عليها أن تقضي كل فرض كان بعد بلوغها، فالفروض التي تركتها بعد بلوغها يجب عليها قضاؤها، هذا عند الجمهور سوء تركتها عمداً أم لعذر شرعي، ولكن الصحيح الذي اخترناه هو أنها إذا كانت تركتها عمداً بدون عذر شرعي أنها لا تقضى؛ لأنه لا ينفعها القضاء، والبلوغ كما هو معروف عند أهل العلم يحصل بواحد من أمور أربعة بالنسبة للمرأة، وهي: إنزال المني، وإنبات شعر العانة، وتمام خمس عشرة سنة على القول الراجح، والرابع: الحيض.

السؤال: كيف يكون غسل الجنابة؟

الجواب: غسل الجنابة له صفتان: واجبة ومستحبة، أما الواجبة فأن يغسل الإنسان بدنه كله؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] فإذا غسل الإنسان بدنه كله على أي صفة كانت بنية أجزأه ذلك، ومن المعلوم أن المضمضة والاستنشاق داخلان في هذا؛ لأن الأنف والفم في حكم الظاهر لا في حكم الباطن، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتمضمض ويستنشق في الوضوء، وهذا كالتفسير لقوله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] فعلى كل حال: هذه هي الصفة الواجبة في الغسل، أن يعم الإنسان جميع بدنه بالماء مرة واحدة، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق.

وأما الصفة المستحبة فهو أن يغسل فرجه وما لوثه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة وضوءاً كاملاً يغسل وجهه بعد المضمضة والاستنشاق ويغسل يديه إلى المرفقين، ويمسح رأسه وأذنيه، ويغسل رجليه، ثم بعد ذلك يفيض الماء على رأسه حتى يروِي أصوله إذا كان ذا شعر كثير، ثم يفيض عليه ثلاث مرات على الرأس ثم يغسل سائر جسده، هذا على صفة ما روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أما ما روته ميمونة رضي الله عنها فإن الأمر يختلف بعض الشيء، فإنه يغسل فرجه وما لوثه، ويضرب بيده على الأرض أو على الحائط مرتين أو ثلاثاً لينظفها بعد هذا الغسل ويغسلها، ثم يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، ثم يغسل رأسه غسلاً كاملاً ولا يغسل رجليه، ثم بعد ذلك يفيض الماء على سائر جسده، ثم يغسل رجليه في مكان آخر، هكذا روت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها.

والأفضل للإنسان أن يفعل الصفتين جميعاً، بمعنى: أن يغتسل على صفة ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أحياناً، وعلى صفة ما جاء عن ميمونة أحياناً؛ ليكون عاملاً للسنتين جميعاً، وإذا كان الإنسان لا يدرك إلا صفة واحدة من هاتين الصفتين فلا حرج عليه في ملازمتهما، والله الموفق.

مداخلة: هل يلزم مثلاً إعادة الوضوء والصلاة بعد غسل الجنابة؟

الشيخ: لا يلزم.

مداخلة: لأن الإنسان سينسى إما القبل أو الدبر.

الشيخ: هذا لا يلزم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوضأ بعد الغسل، لكن إن مس ذكره فإنه يجب عليه الوضوء لا من أجل الجنابة السابقة، ولكن من أجل الحدث الطارئ وهو مس الذكر، إذا قلنا بأن مس الذكر ينقض الوضوء؛ لأن المسالة ذات خلاف بين أهل العلم.

السؤال: هل يجوز الصلاة في الثياب التي احتلم فيها الشخص؟

الجواب: نعم يجوز أن يصلي في الثياب التي احتلم فيها، إلا أنه ينبغي أن يغسل المني إن كان رطباً، ويفركه إن كان يابساً، هذا إذا كان قد نام على استنجاء بالماء أو استجمار شرعي، أما إذا كان قد نام ليس على استنجاء بالماء ولا على استجمار شرعي فإنه لا يجوز أن يصلي بالثوب الذي تأثر بهذا المني حتى يغسله؛ لأن المني إذا باشر المحل النجس تلوث به، فإذا تلوث به وأصاب الثوب فإنه يجب غسله.

السؤال: ما حكم جلوس العائلة برجالها مع عائلة أخرى برجالها، وهذا فيه جلوس الأجنبي مع الأجنبية؟

الجواب: أما الجلوس المجرد مع المعارف فهذا لا بأس به، لكن إن لزم منه تبرج أو كشف وجه أو غيره مما لا يجوز كشفه للأجانب فإنه لا يجوز من هذه الناحية؛ لما في ذلك من الفتنة أو ارتكاب المحرم بكشف الوجه وما يجب ستره؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يجوز للمرأة كشف وجهها إلا لزوجها أو محارمها، وأما من ليس محرماً لها ولا زوجاً فلا يجوز لها أن تكشف وجهها لأدلة ليس هذا موضع ذكرها، وقد كتبنا في ذلك رسالة طبعت مرتين.

السؤال: الكتب الدينية غالية مثل تفسير ابن كثير والصحيحين، فكيف للشباب أن يتثقفوا في دينهم؟

الجواب: مسألة كونها غالية هذا أمر نسبي في الحقيقة يختلف باختلاف البلدان، وباختلاف حال الشخص، لكن هي موجودة ولله الحمد في المكاتب، فبإمكان الشاب الحريص أن يذهب إلى أي مكتبة ويجد بغيته هذه، وإذا لم يكن عنده مكتبة في بلده فإنه إن كان يستطيع أن يشتري فليشتر، وإلا فإنه يجوز أن يعطى من الزكاة ليشتري بها هذه الكتب التي يحتاجها في دينه.