تعدد الزوجات والحرب الإعلامية [2]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد.

في قصة يوسف عليه السلام عبر كثيرة جداً، لكن من العبر التي نقف عليها، وهي متعلقة بالكلام الذي قلناه آنفاً عمن أورد قصة يوسف مع إخوته في معرض التمثيل على أضرار تعدد الزوجات، فقال: إن يعقوب عليه السلام فرق ما بين الأولاد، وهو يريد أن يقول: فإذا كان هذا حال الأنبياء فكيف بحال العوام؟ هو يريد أن يقول هذا.

فغمز ذلك النبي الكريم بالظلم، فهل في قصة يوسف من أولها إلى آخرها أية إشارةٍ من رب الأرباب إلى ظلم يعقوب عليه السلام لولده؟ وهذا الرجل من أين أخذ هذا الكلام؟

أخذه مما جاء على لسان إخوة يوسف : إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:8] فهم الخصم في هذه القضية، فهل الخصم تؤخذ منه الدعوى؟!

فإذا جاء رجل مدعٍ، يقول عن آخر: هو ظالم، أقول له: ما هو الدليل؟ فيقول لي: لأنه ظالم، فهذا رجل مدع ولم يقدم دليلاً إلا الدعوى، والدعاوى إنما يستدل لها لا بها، وملخص دعواهم؟ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:8] هذه هي الدعوى: أنه يحبهما أكثر مما يحبنا.

فأنا آتي على هذا وأقول له: ما هو الدليل على أنه ظلمك؟ لا أقبل منه أن يقول: إنه ظالم لي.. لا، بل يقول: لا يعطيني كذا، ويعطيني كذا، وحرمني لي من كذا وكذا.. أما أن يستدل بنفس الدعوى على الدعوى! فهذا لا يقبل منه، فهم قالوا هذه الدعوى، فهل هم محقون فيها؛ حتى أسلم لهم، وألمز هذا النبي الكريم؟

ومما يدل أيضاً على أنهم من العوام أنهم يزنون الأمور بالكيلو، مثل العوام تماماً، فيقولون: بما أننا نحن عصبة؛ إذاً: نحن أولى بالحنان والحب من الاثنين، وهكذا مقياس العوام، إذا قمت في الناس تذكر وتنذر بآيات الوحي، وبكلام النبي عليه الصلاة والسلام، يأتي من يقول لك: هل أنت على هدى وكل هؤلاء على ضلال؟! يزنونها بالكيلو أيضاً، مع أن الحق لا يخضع لمثل هذه القسمة، بل الأنبياء جاءوا في وسط المخالفين، وكل المخالفين سفهوهم واحتقروهم، وأخرجوهم وهموا بقتلهم، بل وقتلوا بعضهم، كيحيى عليه السلام لما قتلوه وأهدوا رأسه لامرأة بغي.

فهؤلاء هذا ميزانهم، والمسائل عندهم لا تخضع لمقياس الحق، إنما تخضع للكثرة، والعجيب في المسألة: أن هذه الكثرة يمكن أن تنقلب على ضلال في رأيهم لو كانت ضد أهوائهم، وهذا هو العجيب في الموضوع!

ولو عاملتهم بنفس مقاييسهم وقلت لأحدهم: أنت تزن بالكيلو وأنا سأزن لك بالكيلو، لو جاء واحد فقط من المفتين -والجماعة الذين معه لا يؤبه لهم- فقال: إن الفوائد الربوية حلال، ووضع الفلوس في البنوك حلال، وخالفه البقية ولجنة الفتوى، وكل المجامع العلمية في البلاد الإسلامية، قالوا: لا، هذا ربا صريح. يقول لك: لكن أنا مع المفتي فلان! فنقول له: لماذا لا تزنها بالكيلو على مذهبك؟ فالمفروض أن كل هؤلاء يكونون على حق، وأنه يكون على ضلال..

إذاً: لماذا قلبنا المسألة هنا؟ لأنه صار فيها هوى، ولذلك ليس للعوام مذهب إلا الهوى.

فإخوة يوسف عندما جاءوا قسموا هذه القسمة، واتهموا أباهم بالضلال، لم يتفطنوا لمقياس الأب في الحنان.

نعم.. بالنسبة للعدل المادي يجب عليه أن يعدل، وكذلك ينبغي عليه أن يعدل حتى في القبلات، لكن قد يقوم مقتضى يمنع دون ذلك، ولا يكون من الظلم، ولد عاق يشتم أباه ويضربه، شيء طبيعي أن الوالد ينفر منه ويكرهه ويدعو عليه، فهل تريد أن تسوي بين هذا العاق، وبين الذي جعل خده مداساً لوالده؟ لا، لا يستويان مثلاً.. أبداً.

فعندما يوصل الحنان والعطف لهذا ويمنعه عن ذاك؛ فإنما فعله لقيام مقتضى، لكن إذا لم يكن هناك مقتضى فالأصل العدل بين الأولاد في كل شيء. (جاء بشير -والد النعمان بن بشير رضي الله عنهما- إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يخص النعمان بشيءٍ دون إخوته، فقالت امرأته: لا والله؛ حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، فذهب بشير بابنه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله! إني أريد أن أنحل ابني هذا نُحلاً -أي: أعطيه عطاءً- قال: أكل ولدك أعطيت -أي: مثل النعمان -؟ قال له: لا. قال: أشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور، اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، ثم قال له: أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم. قال: فاعدل بينهم) لأنه حين يرى الأخ أخاه الآخر هو المحبوب، وهو الذي يأخذ كل شيء، فمن الطبيعي أن يحقد على أخيه وأبيه، ولا يوصل البر لأبيه، فلذلك نبهه النبي عليه الصلاة والسلام تنبيهاً لطيفاً بما جبل عليه، فأقامه كالدليل على ما يريد، قال: (أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم. قال: فاعدل بينهم) لماذا؟ لأنه هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، تعطي عدل تأخذ بر، لكن تعطي ظلم وجور وتنتظر البر؟ لا.

إن دعاة حقوق المرأة الذين يطالبون بمنع التعدد هم أنفسهم الذين يباركون اتخاذ الخليلات والعشيقات، أي: يمنعون الرجل من التعدد في الحلال ويبيحون المرأة له في الحرام، وقد ذكر أن أحد الدعاة إلى مثل ذلك -وقد أهلكه الله عز وجل في ليلةٍ مباركة- كان يرد على علماء الأزهر في زواج المتعة، ويقول: أليس الأزهر سنة كذا وستين قال: إن الشيعة مذهب إسلامي معتبر؟ فالشيعة يقولون بزواج المتعة، لماذا لا تبيحون زواج المتعة للشباب الضائع الذي لا يعرف كيف يتزوج؟

وصفة زواج المتعة: أن يتزوج الرجل لوقتٍ معلوم، وبمهرٍ معلوم، كأن المرأة تستأجر، كما روى الصحابي الجليل ابن سبرة الذي هو راوي حديث تحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة، قال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لنا: (استمتعوا بهذه النساء فأحلت المتعة للصحابة ثلاثة أيام ثم حرمت إلى أبد الآبد).

يقول: (خرجت أنا وصاحبٌ لي، وكل رجل عليه شملة -أي:عباءة- فذهبوا إلى امرأة يعرضون أنفسهم عليها -أي: تقضي معنا شهرين وتأخذ هذه العباءة- قال: فاستملحت صاحبي -كانت عباءته جديدة، أو كان به مميزات أخرى؛ فاختارته- وما هي إلا ثلاثة أيام إلا ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمها).

زواج المتعة فيه إهانة للنساء، كأنهن مستأجرات؛ فلذلك حرمت.

فهو يقول: طالما أن الشيعة مذهب معتبر، والآن الشباب غير قادرين على دفع المهر، لا عشرة آلاف، ولا حتى خمسة آلاف، فالذي معه مائة جنية لماذا لا يتزوج شهراً؟

ويظل يتكلم، ويصف العلماء المعارضين لهذه المسألة بأنهم حمير، وهذا كان ينشر في صحيفة الأحرار منذ ثلاث سنين، بدعوى حرية الرأي.

فنقول: نحن نقترح اقتراحاً أحسن من هذا إلا أنه حلال:

الآن الشباب يفتتنون من العهر والعري الموجود في الشارع، فهلا قلت: أيتها النساء! ادخلن مساكنكن، وتسترن، وهلا قلت لأولياء الأمور: خففوا على الشباب: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).

لا.. هو يعتبر تحجب المرأة نوعاً من التخلف، ولا يجوز أن تفرط المرأة في مكاسبها، وهذا يعتبر مكسباً عظيماً أخذته المرأة.

هل تعلمون سبب تسمية ميدان التحرير بهذا الاسم؟ كان اسمه ميدان الإسماعيلية قبل هذا، وسمي ميدان التحرير لأن صفية زغلول لما خرجت مع من خرج للتظاهر ضد الإنجيلز، فراحوا عند معسكرات الإنجليز يحتجون ويهتفون ضد الإنجليز: يسقط الإنجليز، يسقط الإنجليز..

وإذا بها ومن معها من النسوة يخلعن الحجاب ويشعلن فيه النار.

فما هي المناسبة والرابط في الموضوع بين الأمرين؟ حتى أن التمثيلية ليست محبوكة، يعني: كون المرأة تخلع الحجاب نكاية بالإنجليز! فهل الإنجليز هم الذين فرضوا الحجاب أصلاً؟ وسمي ذلك الميدان بميدان التحرير من أجل تحرير المرأة من دين الله عز وجل، ومن أوامر الله تبارك وتعالى.

وبدأت المرأة تسير نحو الهاوية شيئاً فشيئاً، وكل هذا بدعوى تحرير المرأة والحفاظ على مكاسبها.

عندما تقول للمرأة: تحجبي. فالله تبارك وتعالى أمر النساء بالحجاب، وأمرهن بالقرار في البيت، فلا تخرج المرأة من البيت إلا لضرورة أو لحاجةٍ ملحة، أما أن تخرج المرأة فيفتتن بها الشباب حتى يقعوا في الزنا، وبعد ذلك تقول: نبيح زواج المتعة..! ظلمات بعضها فوق بعض، عصوا الله في أول الأمر، ويريدونا أن نعصي الله أيضاً بجبر هذا العصيان الأول.. كيف يكون ذلك؟!!

نحن أمام مخطط رهيب وتغريب خطير، وهذا هو الذي يمشي فيه أعداؤنا من اليهود الآن، فالحزب الحاكم في إسرائيل الآن خطته غير خطة إسحاق شامير ؛ لأن إسحاق شامير كان يذهب إلى استعمال القوة، فيبني المستوطنات على أراضي الفلسطينيين لكن إسحاق رابين كان مذهبه يعتمد على أسلوب المراوغة لنيل أكبر قدر من المكاسب.

ولذلك هم الآن يسعون بقضهم وقضيضهم لإقامة السوق الشرأوسطية -الشرق أوسطية-؛ لأنهم حين يغرقون الدول العربية ببضاعتهم هذه سيضيعون اقتصادنا نحن.

قرأت بحثاً لرجل ناصح، وهو أستاذ خبير في الزراعة، قال: إن نسبة الفشل الكلوي ارتفعت بسبب البذور التي تأتينا من إسرائيل عن طريق النمسا وسويسرا فهم يحقنون البذور بأشياء تضر التربة وتضر الآدميين، ولكن القاتل لا يعرف.

وقرأت خبراً مفاده أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لما علم أن امرأة يهودية قتلت في الضفة الغربية أصدر بياناً قال فيه: نحن نعترض، ولابد أن نثأر.

أما نحن فشعب البوسنة والهرسك يكاد يفنى، وكل الذي في جعبتنا الشجب والاستنكار.

علينا أن نأخذ العبرة من حرب رمضان، حين تجمع العرب لأول مرة ومنعوا البترول عن أوروبا مات الناس في النمسا وفي البلاد الباردة من البرد، ورأينا صورهم وهم يركبون الجحوش -جمع جحش- ويركبون الدراجات الهوائية .. لماذا؟ لا يوجد بترول، ولم يكن يأخذ البنزين إلا السادة الكبار.

أسباب الحياة في أيدينا.. لكننا حمقى! فنحن نستطيع أن نحول الحضارة الغربية إلى صفيح لو منعنا عنهم البترول، ولذلك النظام العالمي الجديد ركز على منابع النفط، ومما لا يخفى أن حرب الخليج أعدّ لها منذ نحو خمس عشرة سنة؛ وعندهم نفس طويل جداً في إعداد مثل هذه المخططات.

فأسلوب الغزو بأن يدخل على المسلمين ويحتل الأرض بالطائرات.. هذا كان فيما مضى، أما الآن فالمستعمر يمكث في بيته، ويضع رجلاً على رجل، ويمارس لعبة تحريك العرائس، فيحرك أعوانه كالدمى بالخيط، فهم هنا يعملون ما يريده منهم، وهو هناك يضع رجلاً على رجل!

كان أحد الأدباء -وقد أفضى إلى ما قدم- تربطه صداقة وطيدة بأديب آخر يكتب في عمود اسمه (مواقف في الأهرام) فكتب عن صاحبه في أحد أعمدته قائلاً: أنا رأيته في المنام في جهنم، وقال: أنت ستلحقني إن شاء الله. ولم يستح هذا الرجل أن يكتب هذا الكلام في عمود (مواقف)..!

وبعد ذلك أقر وقال: فعلاً؛ لأن الأدباء لصوص... وظل يشتم قليلاً.

وهذا الرجل ليس موفقاً ولا حكيماً، فعندما ذهب فرنسا سنه (1979م)، يعني الرجل كما يقال: (ما بقي في الكرم إلا الحطب) قيل له: ما الذي أعجبك في فرنسا؟ قال: أعجبني الزواج الجماعي، والزواج الجماعي يقصد به أنهم يتبادلون الزوجات فيما بينهم. هذا هو الذي أعجبه في فرنسا؟!

فنحن لا ينقل إلينا من تلك الحضارة إلا مثل هذا، فمثلاً لو أن عندنا طائرات، وحصلنا على معونة من الغرب في مجال الطيران، فإنهم يشترطون علينا مثلاً شراء قطع غيار بمبلغ عشرة مليون دولار، وهذه القطع تكون متعلقة بهيكل الطائرة الخارجي أو ما شابه ذلك، فلو قلنا: أعطونا قطع غيار خاصة بالمحرك يقول لك: المعذرة، يوجد لدينا عجز، خذ أبواباً وشبابيك، فتمتلئ المخازن عندنا بالأبواب والشبابيك لكنه لا يعطيك أسباب الحياة؛ لأنه عدوك، فكيف نسينا أنه عدونا؟ لأن عقيدة الولاء والبراء ليس لها أثر في حياتنا.

أصبحت الحرب الآن فكرية إعلامية رهيبة، سئل مسئول إعلامي عن المسلسلات الفاضحة التي تدعو إلى المجون صراحة.

فرد المسئول قائلاً: التلفاز هذا أليس له مفتاح؟ فليغلقله يا أخي!

فنقول له: وأنت ما عملك؟

فلماذا لا تدعني أقتل خلق الله، وأسرق البنوك، وأعمل كل شيء وأنا حر في ذلك، فلماذا تقتلني وتضعني في السجن وتشنقني؟!

يقول لك: أصلاً أنت متعدٍ على القانون، وهذا ليس في مصلحة الناس.

وهل من مصلحة الناس نشر الفجور فيهم؟ وأنت رجل وضعت أميناً عليهم ومسئولاً أمام الله تبارك وتعالى، فكيف تسرب الفساد، ثم تأتي وتقول: للتلفاز مفتاح، والذي يريد أن يقفله يقفله وأنت تعلم أن الناس لا يلتزمون أهذا منطق؟!

وهلاّ اعتمدت هذا المنطق في بقية المسائل، دعني أفعل ما أريد، فلماذا تحاسبني على أي خطأ آخر..؟

لكن هذا مخطط رهيب لتغريب هذه الأمة، فكتب الدين والمناهج الدراسية، رفعت منها الآيات التي تسب اليهود وتلعنهم، كأنها ليست قرآناً.

جاءتني نشرة من شخص أرسلها إلي في خطبة من الخطب، وكنت أظنها سؤالاً، فإذا بها منشور من وزارة الأوقاف لفلان من مديرية الأوقاف لهذا البلد، وتطلب من هذا الرجل ألا يتكلم عن عمر بن الخطاب، وفيها ختم المدير وإمضائه، وبعث لي الورقة أقرأها، فضربت كفاً بكف.. عمر بن الخطاب ! نعم؛ لأن عمر بن الخطاب ذكره يؤلم أناساً، فالكلام عن عمر بن الخطاب يعد مشكلة، لأنه كلام عن العدل والإيثار وهذه الأشياء مشكلة..!

وفي كل يوم تدفع إلينا أرحام المطابع بسموم كثيرة جداً، ولا يُمكن للدعاة إلى الله تبارك وتعالى أن يصلوا إلى هذه الجماهير التي وصل إليها المفسدون..

فعلى الأقل لو جعلت وسائل الإعلام منبراً للجميع، وكل واحد يعرض فيها بضاعته، على سبيل العدل، فلو جاء شخص يدعو لزواج المتعة، فدعني أرد عليه، وهذا شيخ الأزهر نفسه تألم حين أرسل رداً إلى الصحف ولم يتم نشره، وهو أكبر شخصية إسلامية في البلد، فكيف يمكن أن يتم البنيان؟

فهل يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

وأورد هنا حادثة حصلت عندنا حين عرضت وزارة الإعلام مسرحية ماجنة، قاموا فيها بالإتيان بمجسم يمثل الكعبة، وأتوا ببئر بترول تحت الكعبة، وجاءوا براقصة عارية ترقص فوق الكعبة..! وهذه عرضت، وفي النهاية المخرج قال: أنا مسلم، موحد الله، حتى إني ألبس خاتم فضة.

فكأننا إذا لبسنا خواتم من فضة! يعني أننا وصلنا إلى قمة الالتزام!!

فهل يفعل هذا في صورة الكعبة، التي هي البيت العتيق الذي تحن إليه أفئدة المسلمين من جميع العالم! أنت عندما تذهب إلى البيت العتيق وتدخل وتراه يقف شعرك، وجلدك يقشعر من عظمة البيت! وأنت ترى الناس وهم يطوفون حوله.

الشيء المعظم عندنا يصل به الامتهان أن يصور، ويؤتى براقصة لترقص فوق البيت؛ بدعوى أن الجماعة الذين عندهم البترول هم الراقصون وهم... إلخ، ولا يستخدمون المال فيما يريد الله، فيأتي هذا المخرج لبيان هذا الواقع فيعرض البيت للمهانة..!

إن هذه رموز دينية، فلو جاء رجل ورسم صورة الكعبة، ووضعها على الأرض، وقال للناس: دوسوا. فهذا يعزر؛ لأن هذه ليست مجرد صورة، بل هو رمز ديني.

لما سقطت الخلافة الإسلامية في تركيا ، وفرضوا القبعة على الشعب التركي بدل العمامة -والقبعة شعار غربي- قام علماء الدين جميعاً يقاومون القبعة، فقبض على جماعة منهم، وجيء بواحد من العلماء -طبعاً حكموا عليه بالإعدام- فقال له القاضي وهو يحاكمه: ما أتفهكم يا علماء الدين! أقمتم الدنيا ولم تقعدوها لقبعة، وهي قماش، وتقولون: البسوا العمامة. وهي قماش، فما الفرق بين القماشين؟!

قال له: أيها القاضي! إنك تقضي وخلفك علم تركيا ، فهل تستطيع أن تبدله بعلم أمريكا، وهذا قماش وهذا قماش؟! فألقمه حجراً وأسكته.

لأن هذا يمثل عنواناً، فكما أنك لا تستطيع أن ترفع علم بلد غير بلدك فوق رأسك وأنت تتكلم؛ لأن هذا يعتبر عندكم من الخيانة العظمى والعلم عبارة عن قماش، ثم هم يطالبونا بتحية العلم أيضاً.. لماذا؟ أليس العلم قماشاً؟ قال لك: لا، الذي لا يؤدي تحية هذا العلم نفصله.. لأن هذا رمز البلد، وشعارها، وعنوانها.

فنحن نخاطبهم بنفس الطريقة ونستخدم نفس الأصل، فنقول: هذا أيضاً عنوان، فالكعبة عنوان، فليس من الضروري أن يصعد فوق الكعبة المشرفة نفسها ويعمل هذه العملية..

ومع ذلك لم يحاكم المخرج بل أخذ الجوائز عن هذا العمل.

ولو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالث

وإذا تتابعت السهام، وتكسرت النصال في الجسد؛ لا يستطيع المقاومة، فلا تأخذوا دينكم لا من صحف ولا مجلات، وأخرجوا التلفاز من البيوت، فهو والله دمار، وهو من أخطر ما يكون! وأنا على استعداد لأن آتي لكم بتقرير شركة إنترناشونال -شركة يابانية منتجة لجهاز للتلفاز- وهذا نشر في مجلة البيان التي تصدر في لندن، يقول العالم الذي كتب هذا التقرير: إن الأشعة التي يرسلها التلفاز تجعل العقل نصف نائم، بحيث أنه يتلقى كل الذي يقذف إليه بلا أي مقاومة، فهذه الأشعة من خصائصها أنها تؤثر على العقل، وتجعله نصف نائم، ويقول: إن علماء الأشعة لم يستطيعوا الحد من خطورة الأشعة تحت الحمراء -التي في التلفاز الملون- وهي تصيب المدمن الذي يشاهد كثيراً بالسرطان.

وقد قرأت هذا التقرير مرة على المنبر، وقد صار لنا ثلاث سنوات نردد هذا الكلام وكأننا نحرث في الماء، ونقول: أخرجوا التلفاز، فهو حرام، ونأتي بالأدلة الشرعية على أن وجود التلفاز في البيوت حرام، ومع ذلك يرفض كلام العالم ويقال: هذا ليس خبيراً. طيب: فالآن أتينا لكم برأي الخبراء. وبالفعل هناك أناس رفعوا جهاز التلفاز لما لوحت بهذا التقرير على المنبر، فقفز إلى ذهني قوله تبارك وتعالى: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45]، فحين نسمع كلام (الخواجة) نسلم له لأن (الخواجة) يفهم، والخواجة دقيق في أحكامه ودراساته، لكن كلام الشيخ.. لا.

لماذا؟!! بل العالم هو أنصح الناس للناس، لاسيما إذا كان من بني جلدتك .. إذا كان مسلماً مثلك، هو يأخذ بيدك إلى الله تبارك وتعالى.

المشكلة حتى في عرضهم للمادة الإعلامية، عرض خبيث جداً.

طيب! مدرسة المشاغبين، عندما نشروها، ألم يزدد الشغب في المدارس؟ فما الذي استفدناه؟ يقول لك: لكي نبين أن الحق ينتصر في النهاية؟

ليتها ما زنت ولا تصدقت، كانت امرأة دائماً تزني.. لماذا يا امرأة؟ قالت: أريد أن أبني مسجداً .. هذا لا يصلح.

إنهم في وسائل الإعلام يعرضون الشر بالتفصيل الممل، يعني مثلاً: إذا عرض الشر في ثلاثين حلقة، بأن يعرض الممثل مبيناً كيف يضرب، وكيف يكسر القفل، وكيف يسرق، وكيف يعمل، وبعد ذلك لم يستطع أن يكسر القفل، فقام وقعد يخترع مفتاحاً ووسيلة لكسر القفل، ويستغرق خمس أو ست حلقات في هذا العمل، وأخيراً يفتحه، ثم إذا به عندما قبضت عليه الشرطة وأدخل السجن، يقول: يا ليتني ما أقدمت على هذا العمل، وينتهي المسلسل على هذا.

فهلا جُعلت أيضاً ثلاثون حلقة تصوره وهو يتجرع المر؛ لكي يحصل نوع من التصور، فاعتقاد الشيء فرعٌ عن تصوره، فحين تريد أن تنفر إنساناً من شيء تأتي له بتفاصيل هذا الشيء.

فأنت مثلاً حين تصور حاله بعد دخول السجن وقد تشرد عياله، وهو لا يستطيع النوم، ويظل يتقلب على فراشه يجافيه النوم، ويظهر عليه الندم على ما اقترفت يداه، فعند ذلك يحصل تصور لدى المشاهد.

لكن أتيت له بتصور مفصل للجريمة، ولما جاء الإصلاح قمت واختزلته في مشهد وأنهيت المسلسل، فهذا هو الذي يحصل، فهل هذا عرض يرجى به نصيحة؟ وأنا دائماً أقول: لابد من اقتران التربية بالتعليم، لأي مصلحة أعمل لافتة طويلة عريضة، أظهر فيها صورة علج على حصان، وبيده علبة سجائر (مالبورو) وأكتب بخط يرى بالميكروسكوب: التدخين مضر جداً بالصحة، هلا كتبت ذلك على رأس هذا العلج، لكي أراه أنا أيضاً.

ولماذا هذه القسمة الضيزى، فأنت تعلم أن هذه العبارة الصغيرة هي في صالح الناس، فلماذا تكتبه بهذا الحجم الذي لا يرى؟!!

وهذا يذكرني بقصة رجل وجد عنزاً، فذهب إلى الشيخ وقال: يا شيخ! أنا وجدت عنزاً. قال له: لابد أن تعرفها سنة. قال: وكيف أعرفها؟ قال: تطوف في الشوارع وتقول: من الذي ضاعت عليه عنزاً؛ فكان يمشي في الشارع ويقول: من الذي ضاعت عليه عنز بصوت خفيف جداً -أي: أنه يرفع صوته بالكلام ثم يخفضه إذا جاء عند ذكر العنز- فماذا استفاد الناس من صراخ هذا الذي ينادي؟ لم يستفيدوا شيئاً.

فكذلك عندما يأتي من يقول: التدخين مضر جداً بالصحة، لا تدخن، فهل هذا مؤتمن عليَّ؟ والأساتذة في كلية الطب والمجامع العلمية الطبية تعقد المؤتمرات في كل مكان، وتعرض في شتى وسائل الإعلام خطورة هذا التدخين.

إذاً: أنا مثلما أقاوم المخدرات، والهيروين، أقاوم التدخين.. وما الفرق؟ بعدما ثبت طبياً عند الكفرة -ودعك منا؛ حتى لا نكون متطرفين- أن هذا مضر جداً بالصحة.

وإذا كان الناس لا يعرفون مصلحتهم فلماذا لا أضرب على أيديهم؟ وإلا فلم أتأمر عليهم؟ فيحق لي أن أضرب على يد المخطئ كي لا يضر نفسه؛ لأنني أدرى بمصلحته.

فنحن أمام مخطط رهيب، يجب التفطن له، ويجب الركون إلى علماء الدين الأعلام، لا تأخذوا دينكم من الصحف والمجلات، ولا ممن لا تثقون بدينه، الذين يتقلبون كل يوم كالحرباء، إنما خذوا دينكم من أهل العلم، وهم كثر والحمد لله، فإن الله لم يخل العصر من قائم له بالحجة.

نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يجعل ما سمعناه وما قلناه زاداً إلى حسن المصير إليه، وعتاداً إلى يوم القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.