فتاوى نور على الدرب [1]


الحلقة مفرغة

السؤال: يوجد بطاقات مكتوب عليها أسماء الله جل جلاله، ومثل هذه الصورة التي بجانب هذه الرسالة، وقد ضمنوا هذه الرسالة صورة لكسوة الكعبة وعليها آيات من كتاب الله المبين، وترمى في الأرض من قبل أناس لا يعرفون الإسلام، وهذه فقط إشارة، فما تنصحون الباعة بذلك أو من يهمه الأمر بذلك؟

الجواب: هذه المسألة كثرت في الناس على أوجه متعددة: منها بطاقات تحمل الله، وأخرى إلى جانبها تحمل محمد، ثم توضع البطاقتان متوازيتين على الجدار أو على لوحة أو ما أشبه ذلك، ونحن نتكلم على هذه الصورة:

أولاً: ما فائدة تعليق كلمة الله فقط، ومحمد فقط؟

إذا كان الإنسان يظن أنه يستفيد من ذلك بركة فإن البركة لا تحصل بمثل هذا العمل، إذ إن هذا ليس بجملة مفيدة تكسب معنى يمكن أن يحمل على أنه للتبرك، ثم إن التبرك بمثل هذا لا يسوغ؛ لأن التبرك بالله وأسمائه لا يمكن أن يستعمل إلا على الوجه الذي ورد؛ لأنه عبادة، والعبادة مبناها على التوقيف، ثم إن هذا الوضع الذي أشرنا إليه سابقاً أن توضع كلمة (الله) وبجانبها موازية لها كلمة (محمد)، هذا نوع من التشريك والموازنة بين الله وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر لا يجوز،

(وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده).

ثم إن التبرك بمجرد وضع اسم النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً لا يجوز، إنما يكون بالتزام شريعة النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بها، هذه صورة مما يستعمله الناس في هذه البطاقات، وقد تبين ما فيها من مخالفة للشرع، أما بالنسبة للصورة الثانية التي أشار إليها الأخ السائل فهي أيضاً جوازها محل نظر؛ وذلك لأن الأصل في كتابة القرآن على الأوراق والألواح الأصل فيه الجواز، لكن تعليقه أيضاً على الجدران في المنازل لم يرد ذلك عن السلف الصالح رحمهم الله؛ لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، ولا عن التابعين، ولا أدري بالتحديد متى حصلت هذه البدعة،فهي في الحقيقة بدعة لأن القرآن إنما نزل ليتلى لا ليعلق على الجدران وغيرها.

ثم إن في تعليقه على الجدران مفسدة زائدة على أن ذلك لم يرد عن السلف، تلك المفسدة هي أن يعتمد الإنسان على هذا المعلق ويعتقد أنه حرز له فيستغني به عن الحرز الصحيح وهو التلاوة باللسان، فإنها هي الحرز النافع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في آية الكرسي: (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح)، فالإنسان إذا شعر أن تعليق هذه الآيات على الجدران مما يحفظه فإنه سيشعر باستغنائه بها عن تلاوة القرآن.

ثم إن فيها نوعاً من اتخاذ آيات الله هزواً؛ لأن المجالس لا تخلو غالباً من أقوال محرمة.. من غيبة أو سباب وشتم أو أفعال محرمة، وربما يكون في هذه المجالس شيء من آلات اللهو التي حرمها الشرع، فتوجد هذه الأشياء والقرآن معلق فوق رءوس الناس، فكأنهم يسخرون به؛ لأن هذا القرآن يحرم هذه الأشياء سواء كانت الآية المكتوبة هي الآية التي تحرم هذه الأشياء أو آية غيرها من القرآن، فإن هذا بلا شك نوع من الاستهزاء بآيات الله.

لذلك ننصح إخواننا المسلمين عن استعمال مثل هذه التعليقات؛ لا بالنسبة لاسم من أسماء الله، أو اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، أو آيات من القرآن، وعليهم أن يستعملوا ما استعمله سلفهم الصالح، فإن في ذلك الخير والبركة.

وبالنسبة لما أشار إليه الأخ من أن هذه البطاقات التي يكتب عليها القرآن ترمى في الأسواق وفي الزبل وفي مواطئ الأقدام، فهذا أيضاً لا يجوز؛ لما فيه من امتهان القرآن الكريم، ولكن المخاطب بذلك من هي في يده، إلا أن الباعة الذين يبيعونها إذا علموا أن هذا يفعل بها غالباً يكون ذلك موجباً لتحريم بيعها والاتجار بها؛ لأن القاعدة الشرعية أنه إذا كان العقد وسيلة لازمة أو غالبةً إلى شيء محرم فإن ذلك العقد يكون حراماً؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وأظن أن الإجابة على السؤال انتهت.

أما بالنسبة لتعليق القرآن على المرضى سواء كانت أمراضهم جسدية أو نفسية للاستشفاء بها فإن هذه موضع خلاف بين السلف والخلف، فمن العلماء من يجيز ذلك؛ لما يشعر به المريض من الراحة النفسيه حيث إنه يحمل كلام الله عز وجل، وشعور المريض بالشيء له تأثير على المرض زيادةً ونقصاً وزوالاً كما هو معلوم، ومن العلماء من قال: إنه لا يجوز؛ وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعمل مثل ذلك للاستشفاء، وإنما الاستشفاء بقراءة ما ورد على المريض، وإذا كان لم يرد عن الشارع أن هذا سبب فإن إثباته سبباً نوع من الشرك؛ لأنه لا يجوز أن نثبت أن هذا الشيء سبب إلا بدليل من الشرع، فإذا أثبتنا سببيته فمعنى ذلك أننا أحدثنا أمراً لم يحدثه الشارع، وهذا نوع من الشرك.

السؤال: نحن نعيش في منطقة جبلية وعرة جداً، ونستخدم في الغالب الحيوانات في جميع تنقلاتنا مثل: الجمال والحمير والبغال، وعند ذهابنا إلى المدرسة التي تبعد عن القرية عشرة كيلو تقريباً، يقول:ونضربها ضرباً موجعاً لكي تمشي وتقطع المسافة إلى المدرسة بسرعة، فما الحكم في ضرب الحيوان لكي يسرع بقطع مسافةٍ ما، أو من ضربه عمداً، علماً أنني قرأت حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحيوانات تقتص من الإنسان يوم القيامة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

الجواب: لا شك أن الحيوان ذو روح وإحساس يتألم مما يؤلمه ويشق عليه ما يزيد على طاقته، فلا يجوز للمسلم أن يحمل الحيوان ما لا يطيق، سواء كان ذلك من محمول على ظهره، أو كان ذلك من طريق يقطعها ولا يستطيعها، أو غير ذلك مما يشق عليه.

وأما بالنسبة لضربه فإنه جائز عند الحاجة بشرط ألا يكون مبرحاً، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر في قصة جمله أن الرسول صلى الله عليه وسلم لحقه، وفيه: أنه ضرب الجمل، فالأصل في ضرب الحيوان إذا كان لحاجة ولم يكن مبرحاً الجواز، ودليله من السنة حديث جابر. أما إذا كان لغير حاجة، أو كان ضرباً مبرحاً، أو كان ضرباً يصل الحيوان إلى أمر شاق عليه فإن ذلك لا يجوز.

السؤال: ما حكم من لعن الوالدين من باب الزعل أو من لعنهما عمداً، وهل لذلك اللعن -سواء عمداً أو غيره- كفارة أو توبة أو ماذا يصنع اللاعن؟

الجواب: لعن الوالدين من كبائر الذنوب، فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لعن الله من لعن والديه)، وسواء كان ذلك اللعن مباشراً أو سبباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ( وهل يلعن الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)، فلعن الوالدين سواء كان مباشرة أو تسبباً من كبائر الذنوب، ولا فرق بين أن يحدث ذلك بدون سبب أو بسبب الزعل، إلا أنه في مسألة الزعل إذا وصل الإنسان من الغضب إلى حال لا يشعر بما يقول فإنه في تلك الحال لا جناح عليه؛ لأنه لا يعقل ما يقول، والله تعالى إنما يجازي العبد بما يعقل لا بما لا يعقل، إلا أنه ينبغي للإنسان عندما يكون شديد الغضب أو سريع الغضب أن يستعمل الأسباب التي تزيل ذلك أو تخففه؛ لأن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه بوصية فقال: ( لا تغضب، فردد مراراً، فقال: لا تغضب)، فإذا شعر بالغضب فإنه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويتوضأ، فإن ذلك من أسباب زوال الغضب، وأيضاً من أسباب إبعاد نتائج الغضب أن ينصرف الإنسان عن المكان وينسحب عن خصمه حتى لا يقع شيء من المحذور.

مداخلة: لكن من ناحية التوبة، هل له توبة؟

الشيخ: بالنسبة للتوبة فله توبة، وما من ذنب إلا وله توبة؛ لقوله تبارك وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، لكن لما كان هذا الذنب متعلقاً بمخلوق فلا بد من طلب العفو ممن جنى عليه حتى تتم التوبة.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع