خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/142"> الشيخ ابو بكر الجزائري . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/142?sub=113"> هذا الحبيب يا محب
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
هذا الحبيب يا محب 37
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فقد انتهى بنا الدرس إلى مقطوعة: (جهود الحبيب صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتأسيس والبناء بالمدينة النبوية) فهيا بنا نعايش رسولنا ساعة بقلوبنا وأرواحنا، كما أننا لولا الغفلة لكنا نسلم عليه في كل يوم على الأقل خمس مرات أو سبعاً، ولكن الغفلة حبستنا ومنعتنا، وإلا إذا صلينا الفريضة أو النافلة وجلسنا بين يدي الله نحييه قائلين: التحيات لله والصلوات والطيبات، ونستقبل رسول الله وكأنه بين أيدينا ونقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، لوصلته على الفور، أدق وأخف من أي جهاز، فرأساً يسمعها ويرد السلام.
فأهل الغفلة لا نصيب لهم من هذا، أما الذاكرين الله، وأولو البصائر والنهى يسلمون على رسول الله وجهاً لوجه، ويجدون لذة ذلك وطعمه وريحه، كأنهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال: ( صلوا علي وسلموا حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني ). وإن شاء الله من الليلة نسلم عليه وجهاً لوجه.
وها نحن معه صلى الله عليه وسلم وقد وصل إلى المدينة مهاجراً، وتقدمه بعض أصحابه ..
قال: [إنه من ساعة حلوله بالمدينة] أي: نزوله فيها [أخذ صلى الله عليه وسلم على عاتقه مهمة الإصلاح والتأسيس والبناء للمجتمع المسلم والدولة الإسلامية الوارثة لأكبر دولتين عالميتين -وهما دولة الفرس ودولة الروم-] وهذا كلام صحيح، لا ينكره إلا ميت.
الخطوة الأولى: بناء المسجد النبوي الشريف والحجرات الطاهرات
الخطوة الأولى] التي خطاها في هذا المضمار، مضمار البناء والتأسيس للدولة الإسلامية التي ستأكل الدول، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت بالهجرة إلى قرية تأكل القرى)، وقد أكلتها كلها.
[إن أول خطوة كانت في الإصلاح والبناء والتأسيس هي بناء المسجد النبوي الشريف والحجرات الطاهرات] فما إن بركت القصواء وألقت بجرانها في ذلك المكان حتى قال: (دعوها فإنها مأمورة)، ومن الغد ساوم أهل الأرض وثامنهم واشترى الأرض وبنى مسجده وحجراته الطاهرة الشريفة.
الخطوة الثانية: استقدام الأسرتين الشريفتين
قال: [إنه لما كان عبد الله بن أريقط الخبير] أو الخريت الجغرافي العالم [بالطرق استأجره الرسول صلى الله عليه وسلم مع صاحبه في هجرتهما عائداً إلى مكة] جاء بهما إلى المدينة بأجرة، فلما أراد أن يعود إلى مكة اتفقا معه على أجرة ثانية ويأتيهما بعائلتهما، فـ[استأجره الرسول صلى الله عليه وسلم مع صاحبه] أبو بكر الصديق ، وهو الذي صحبه في الغار ثلاثة أيام بين الحيات والعقارب، ثم في رحلة من أخطر الرحلات. إنه صاحبٌ حق، والله أثبت له هذه الصحبة؛ إذ قال تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].
قال: [بعث معه الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ومولاه أبا رافع بمال ورواحل] بمال للأكل والشرب والحمل، ورواحل جمع راحلة من الإبل، لأنه سيأتي بأسرة كاملة، وأدوات منزلها وغير ذلك .. [وأمره أن يأتي ببقية أسرته الشريفة، فجاء فعلاً ببناته الطاهرات فاطمة وغيرها ما عدا زينب فإنها تحت أبي العاص بن الربيع ] كانت متزوجة، فلا يستطيع أن يأتي بها وهي زوجة كافر [كما جاء بـسودة بنت زمعة إحدى أمهات المؤمنين، وكذلك فعل الصديق أيضاً، إذ بعث في طلب أسرته، فجاء بها ولده عبد الله بن أبي بكر ، ومن بينهم عائشة أم المؤمنين] وهي طفلة صغيرة [كما جاء بـأم أيمن زوج زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة دار هجرته، والتي أصبحت تعرف: بالمدينة النبوية] وقد كانت تعرف بيثرب، وبعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم فيها أصبحت تعرف عند أهل الأرض والسماء: بالمدينة النبوية، وحولها العوام إلى المدينة المنورة وسكتنا، وإلا هي المدينة النبوية، والنبوية أفضل من المنورة، لكن جاءت على ألسنة العوام والعلماء سكتوا، وإلا فاسمها: المدينة النبوية؛ إذ لا توجد بقعة على الأرض تحلف بالله أن هذا نبينا قط إلا هذه.
الخطوة الثالثة: الاتصال باليهود
قال: [فيسأله الأسئلة التالية، فيقول له: إني سائلك عن ثلاثة لا يعلمهن إلا نبي وهي] سيسأله عن ثلاث مسائل لا يعلمها إلا نبي، فإن أجاب وعرف فهو نبي، وإن عجز فهو مدّعٍ. إذاً: ما هذه الأسئلة الثلاثة؟
السؤال الأول: [ما أول أشراط الساعة] ما أول علامات قيام القيامة وانتهاء هذه الحياة؟
وقد علمنا أن للساعة أشراطاً بعضها صغرى -وقد ظهر منها الكثير- وبعضها كبرى وهي عشر، لم يظهر منها شرط؛ لأنه متى ظهر شرط منها تتابعت الأخرى وتتالت كالمسبحة إذا سقطت منها حبة تساقطت واحدة بعد واحدة، وأول هذه الأشراط: طلوع الشمس من مغربها؛ لأن هذا إيذان باختلال الفلك الذي تدور فيه الشمس، فما أكملت دورتها ورجعت إلى الوراء، وإذا ظهرت هذه العلامة فالمؤمن مؤمن والكافر كافر، قال الله عز وجل: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا [الأنعام:158] وهي آتية لا محالة.
ثم قال: [ما أول طعام يأكله أهل الجنة؟] ما هو أول طعام يأكله المؤمن عندما يدخل دار السلام؟
والثالث: [ما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟] فيصبح شبيهاً بأبيه أو بأمه، أو بأهل أبيه أو بأهل أمه. هذه هي الأسئلة.
[فأجابه الحبيب صلى الله عليه وسلم قائلاً: (أخبرني بهن جبريل آنفاً)] يعني: قبلما تجيء أنت وصلني هذا [( فقال
[وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يشرح مضمون الأسئلة فقال: (أما أول أشراط الساعة فنار تخرج على الناس من المشرق تسوقهم إلى المغرب)] تخرج من قعر عدن وتسوق الناس إلى بيت المقدس، وهي آتية لا محالة [(وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت)] الحوت له كبد فيها قطعة مدلاة ناعمة طرية جداً، وهي موجودة الآن -وحوت دار السلام ليس كحوت دار الوبال- فتلك القطعة ألذ ما يكون وأهش، فزائدة كبد الحوت هذه أو طعام يأكله أهل الجنة [(وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل -أي: منيه- ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه)] إذا تدفق ماء الرجل قبل ماء المرأة فالشبه يكون للأب [(وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه)] وعبد الله بن سلام عرف هذا من التوراة، ومن الجائز أنه سئل موسى أو هارون عن ذلك فأجابهما الله، فجاء عبد الله يمتحن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[وهنا قال عبد الله بن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله] فدخل في الإسلام. وهو مبشر بالجنة، كان يمشي والصحابة يقولون: هذا مبشر بالجنة [ولما أسلم عبد الله بن سلام وحسن إسلامه كانت الفرصة مواتية] ملائمة [للاتصال باليهود ودعوتهم إلى الإسلام] خطى النبي صلى الله عليه وسلم خطوة بتدبير الله، فجاءه عبد الله بن سلام العالم الحبر وأسلم، والآن يستخدمه أو يستعمله في الدعوة.
مناظرة النبي لليهود بعد إسلام عبد الله بن سلام
[( فأخرجهم الرسول صلى الله عليه وسلم )] ما بقي مجال للنظر في وجوههم [وقال عبد الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الذي كنتُ أخاف، وكان عبد الله بن سلام يقول: لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة نظرت إلى وجهه فعرفت أنه ليس بوجه كذاب] لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة والتف حوله الأنصار والمهاجرون نظرت إليه عبد الله بن سلام ، فقال: هذا والله ما هو بوجه كذاب. إنها أنوار الإيمان والرسالة!
ما حفظه عبد الله بن سلام من وصايا النبي أول دخوله المدينة
أتدرون ما هي الحكمة المحمدية؟ ومن أين يتلقاها؟ من الحكيم العليم، من خالق الحكمة والعلم، ووالله! لو أن أهل قرية أو مدينة أخذوا بهذا المبدأ -إفشاء السلام- لأصبح جو المدينة كله سلام، فالناس يحتكون ببعضهم البعض جماعات وأفراداً، هذا داخل وهذا خارج، فلو ألقى كل واحد منهم السلام على أخيه لأصبح الجو كله سلام، وفي هذا المناخ الذي كله سلام ينتهي القبح والشر والفساد.
والثانية: [(وأطعموا الطعام)] أي: لا تتركوا جائعاً بينكم يا أهل المدينة أو يا أهل القرية، فإذا كانوا يطعمون الطعام أصبح بيت كل مؤمن مطعم، وما بقي جائع بالقرية أو بالمدينة، تجد المسلم يطبخ الطعام ويبحث عمن يأكل معه فيجد اثنين أو ثلاثة، والآخر كذلك فما يبقى من يطلب الطعام، وهذا كله موجب للحب، فالذي تأكل في بيته لا تستطيع أن تلعنه أو تشتمه أو تكذب عليه ..
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإحسان إنسانا
والثالثة: [(وصلوا بالليل والناس نيام)] وإذا كان الرجال الفحول كلهم يبيتون يصلون فهل يسرقون غداً؟ هل يفجرون؟ والله ما كان، إن الذي يبيت يتململ بين يدي الله ويعفر في وجهه بالتراب ويبكي لا يقول الباطل أو يفعل الشر، مستحيل هذا! وبالتالي يصبح جو المدينة كله طهر وسلام.
لقد اختصر النبي صلى الله عليه وسلم هذا كله في ثلاث كلمات: (أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام).
قال: [(تدخلوا الجنة بسلام)] ولم يذكر إيجابيات الناحية الاجتماعية، وما يتحقق من الأمن والأخوة والمحبة بناء على ذلك، ولكن أغفل هذا؛ لأن تطلعهم إلى دار السلام أسمى وأعظم. فهم الذين تركوا أموالهم وديارهم وأهاليهم وهاجروا لأجل الجنة، وأولئك هم الذين استقبلوا المهاجرين وفتحوا ديارهم وأسهموهم وشاركوهم في الطعام والشراب، لأجل الجنة، فعرف رغبتهم وما يريدون فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في ثلاث خطوات فقال: (أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام).
وعندنا قصة كي أضحككم بعض الشيء: قال أحد الإخوان ممن عرفناه في الديار الجزائرية ويزورنا في الحج والعمرة دائماً، وهو رجل صالح: استضافني رجل رياضي -كان في الكشافة- وجاء آخر في القرية مداح، والمداح صاحب دف يمدح الصالحين أو غيرهم ويعطونه مقابل مدحه مالاً.
قال: فركبنا حافلة من عدن إلى سيدي مبروك أو قرية أخرى، وكنا قد طلعنا مع أمين عام الجامعة الإسلامية والشيخ عمر ، وما إن ركبنا الحافلة حتى طلع أعمى مداح في يده دف، وآخر معه يقوده ويجمع المال، فلما ركبنا قال المداح في مدحه: يا سعود يا يهود! يا سعودي يا يهودي!!
أي أنه كان يجمع المال بسب آل سعود، أين وصلت هذه الأمة؟ أين هبطت؟ لا تأسف! أما عفستهم بريطانيا وأذلتهم واستخدمتهم؟! ولو كانوا أولياء الله ما كان لها أن تحكمهم، وما إن أفاقوا حتى جاءت بالشيوعية فمزقت قلوبهم وعقائدهم وفعلت بهم الأعاجيب وأكل بعضهم بعضاً، وهذا كله من مظاهر هبوط هذه الأمة، ولا تعجب عما ينزل بها ويصيبها.
ونعود إلى المداح الجزائري. قال: فنام الرياضي وله شخير عجب، فما استطاع الضيف المداح أن ينام إلى جنبه في الحجرة، لأن الغرفة ضيقة؛ ولا تسأل عن الشخير، فأحياناً لا يطاق! فماذا يصنع المداح؟ استيقظ وجاء بمنديله ودفه وبدأ يعمل، فاستيقظ الرياضي فزعاً، يسأل عما يحصل؟ ما لك أنت؟ فقال: اسكت. ما استطعت أن أنام!. تسلى بالدف حتى لا يسمع صوت الشخير.
والشاهد عندنا في هذه القصة هو الشخير، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا بالليل والناس نيام) ونحن نشخر.
وبعد هذه التسلية نعود إلى الحضرة المحمدية، ونعيد الأسباب التي نصبح بها من أهل الجنة:
الخطوة الأولى: إفشاء السلام على الأبيض والأسود، والغني والفقير، حتى يصبح جو البلاد كله سلام، وترحل الشياطين ولا يبقى شر ولا فساد، وهذه وحدها تنقي البلاد من الخبث.
الثانية: إطعام الطعام. ضع مائدتك وابحث عن فقير من جيرانك يتغدى معك؛ لتسد خلته وتقضي حاجته.
الثالثة: صلوا بالليل -النافلة والتهجد- والناس نيام.
الخطوة الرابعة: وضع النبي ميثاقاً للمهاجرين والأنصار متضمناً موادعة اليهود بالمدينة
[إن من أبرز الجهود التي بذلها الحبيب صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتأسيس والبناء: كتابه الذي كتبه فضمنه ميثاقاً في غاية الدقة، وحسن السياسة، فآلف بين سكان المدينة من الأنصار والمهاجرين وجيرانهم من طوائف اليهود، وربط بينهم فأصبحوا به كتلة واحدة يستطيعون أن يقفوا في وجه كل من يريد أهل المدينة بسوء. وهذه ديباجة الكتاب المذكور] أي: مقدمته [وبعض ما حواه من مواد الميثاق الذي اشتمل عليه] وهو:
مواد كتاب النبي بين المؤمنين والمسلمين من المهاجرين والأنصار
[أولاً: إن المؤمنين لا يتركون مفرّحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل] والمفرح هو: المثقل بالدين أو بالعقل، والعقل هي الدية، كأن يقتل خطأً -مثلاً- فتجب عليه الدية[ثانياً: لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه] لا يحالف هذا ويترك مولاه [ثالثاً: إن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلمة أو إثم أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم] كلمتهم ويدهم واحدة على من أراد أن يُدخل غشاً أو مكراً بينهم [رابعاً: لا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن، وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم] إذا قتل مؤمن كافراً لا يقتل به؛ لأن الكافر -كما علمنا- ميت والمؤمن حي، فكيف يقتل الحي بالميت؟ ولا ينصر الكافر على المؤمن. قال: (وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم) أي: أدنى واحد منهم يتولى الحماية [خامساً: إن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس] أي: الكفار [وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم] حماية كاملة [سادساً: إن سلم المؤمنين واحد، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم] ما في فرق بين مؤمن ومؤمن، لا يسالم مؤمن دون المؤمن، كلهم سواء [سابعاً: من اغتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه] إذا قتل مؤمن مؤمناً عن بينة فإنه يقتاد منه، إلا أن يرضى الولي بالدية [ثامناً: إن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين] فإذا دخل المسلمون في جهاد فإن اليهود ينفقون معهم المال [وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
تاسعاً: إن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفة، وإن النصر للمظلوم، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم] عجب [عاشراً: إنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً، ولا يؤويه، وإنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
الحادي عشر: وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم] عجب هذا الكتاب! من علم الرسول هذه السياسة؟
قال: [وبتتبع الخطوات التالية تتجلى] تظهر وتنكشف [هذه الحقيقة وتتأكد بإذن الله تعالى:
الخطوة الأولى] التي خطاها في هذا المضمار، مضمار البناء والتأسيس للدولة الإسلامية التي ستأكل الدول، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت بالهجرة إلى قرية تأكل القرى)، وقد أكلتها كلها.
[إن أول خطوة كانت في الإصلاح والبناء والتأسيس هي بناء المسجد النبوي الشريف والحجرات الطاهرات] فما إن بركت القصواء وألقت بجرانها في ذلك المكان حتى قال: (دعوها فإنها مأمورة)، ومن الغد ساوم أهل الأرض وثامنهم واشترى الأرض وبنى مسجده وحجراته الطاهرة الشريفة.