خطب ومحاضرات
مع النبيين
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال الله جل جلاله، وعظم سلطانه في كتابه العظيم القرآن الكريم من سورة النساء، قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69-70].
معاشر المستمعين والمستمعات! هذه آية من كتاب الله ندرسها سوياً؛ رجاء الموعود الذي جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
هذه الآية الكريمة هي قوله تعالى: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69]، من هذا الذي أثبت الله تعالى وجوده مع من أنعم عليهم؟ إنه من يطيع الله ورسوله.
عبد أو أمة أطاع الله تعالى في أمره ونهيه، وأطاع رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم فيما أمر به ونهى عنه، هذا العبد المطيع، وهذه الأمة المطيعة؛ أثبت الله تعالى لهم الرفقة الصالحة والمعية الكريمة لهذه المواكب؛ مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
إن أرواح المطيعين بعد أن تفارق أبدانهم يعرج بها إلى الملكوت الأعلى، وتفتح لها أبواب السماء، وتدخل دار السلام، وتقضي فترة هذه الحياة الموقوتة المعدودة الساعات بل الدقائق واللحظات، هذه الأرواح الطاهرة، الأرواح الطيبة، التي طابت وطهرت بعامل تلك الطاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الأرواح هي في صحبة ومرافقة ومواكبة من سمعتم عنهم وعرفتم، إنهم النبيون أفضل الخلق على الإطلاق، والصديقون، والشهداء، والصالحون.
أرواح المطيعين لله والرسول، والمطيعات من المؤمنات، هذه الأرواح بعد خروجها من أجسادها ومفارقتها لهذه الأبدان التي عمرتها زمناً محدوداً، هذه الأرواح تواكب أولئك السامين الذين أكرمنا الله ببيانهم، وعرفنا بهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
إن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فلسفتها، ثمرتها، نتيجتها: هي أنها تطيب الروح البشرية، تزكي النفس الإنسانية، فتصبح بذلك الطهر وذلك الزكاء أهلاً لأن تواكب المواكب التي ذكر تعالى.
التكذيب بآيات الله
إنها ممنوعة الوصول إلى عالم الطهر والقداسة؛ وذلكم لعدم طهرها، وانعدام زكاتها، فهي إذاً: خبيثة ملوثة منتنة كأرواح الشياطين والكافرين والمجرمين والظالمين.
فهيهات هيهات أن تواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين!
واسمعوا قضاء الله وحكمه فيها: إذ جاء من سورة الأعراف يا أهل القرآن العظيم! جاء قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41].
هذا قضاء الله، هذا حكم الله، لم لا تفتح لها أبواب السماء؟ لأن صاحبها إما مكذب بالله وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ملحد، فلسفي، علماني، عقلاني، مادي، مجوسي، بوذي، هندوسي، يهودي، نصراني، مشرك، على أي شيء تطهر نفسه إذا امتنع من استعمال مواد التطهير؟!
هل رأيتم ثوباً مدنساً متسخاً ينظف بلا مادة تنظيف؟! لا ماء ولا صابون، هل صح هذا في الناس؟ هل رأيتم أي جسم ملوث متعفن بأدران الأوساخ طاب وطهر ونظف بدون استعمال مادة تطهير؟ اللهم لا!
مادة التزكية والتطهير هي الإيمان والأعمال الصالحة، أسائلكم بالله! معشر المستمعين والمستمعات! هذا الذي كذب بمادة التطهير أيستعملها؟ الجواب: لا.
إذاً: قولوا: على أي شيء تزكو هذه النفس، وقد كذب بمواد التنظيف والتطهير؟
لا تطهر هذه النفس؛ لأن مواد التطهير كذب بها هذا الرجل!
الاستكبار عن آيات الله
وأضرب لهذا مثلاً، وبالمثال تتضح الحال: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:25].
شريعة الله التي حواها كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، هذه الشريعة اشتملت وحوت وضمت خلال ثناياها كل ما من شأنه أن يكمل الآدمي ويسعده، أن يكمله روحاً وخلقاً، وأن يسعده روحاً وبدناً، وفي الدارين.
هذه الشريعة التي ما تركت صغيرة ولا كبيرة تعوق الإنسان عن إكماله وإسعاده إلا بينتها وحرمتها، وما تركت مادة من شأنها أن تزكي الإنسان وتطهره وتكمله وتسعده إلا أمرت بها وسعت إليها.
هذه الشريعة طبقها وعمل بها أسلافنا طيلة ثلاثة قرون، فكملوا في أخلاقهم، في آدابهم، في أرواحهم، سعدوا تمام السعادة، عزوا، كملوا، سادوا؛ نتيجة تطبيق تلك المواد الشرعية.
لما احتال عليهم العدو فأطفأ نور الإيمان في قلوبهم، وكره إليهم شرع الله، وأبعدهم من ساحته؛ فتركوا استعمال هذه المواد المحققة للإسعاد والإكمال، شقوا، وضلوا وضعفوا، والتاريخ يشهد.
والشريعة بين أيديهم رفضوا أن يطبقوها اليوم وقبل اليوم؛ استكباراً فقط لا تكذيباً لصلاحيتها، فما الذي حصل؟ ما الذي تم؟ ما الذي كان؟ أن لا سعادة ولا كمال، ضعف وشقاء، مع إيمانهم بصلاحية هذه الشريعة.
والمكذبون بها من غير المسلمين كاليهود والنصارى والبوذيين والمشركين لم يستعملوها، فهل زكوا أو طهروا؟ لا زكاة ولا طهر ولا صفاء، بل ولا سعادة ولا كمال.
فلننظر هل هناك فرق بين من كذب ومن استكبر؟ هذا شك فيها فلم يطبق هذه المواد ليكمل ويطهر، وهذا آمن وحمله الكبر والاستكبار على ألا يستعمل هذه المواد ليفعل ويترك؛ فلم يسعد ولم يكمل، فما الفرق بينهما؟! لا فرق!
مثلهما: مريضان بين أيدينا، مرضهما واحد، أتينا بالطبيب ففحص، ووصف الدواء لكل منهما، إذ علتهما واحدة.
فأحد المريضين قال: لا أسلّم أبداً أن هذا الدواء ينفعني، أي: كذب، أنكر أن يكون هذا الدواء شافياً، فلم يستعمله فهلك بعلته.
وتقدمنا إلى الثاني فقال: أنا أعرف أن هذا دواء، وجزيتم خيراً، ولكن نفسي غير قابلة لاستعماله! وما حمله إلا الكبر فقط، كيف يتنازل ويأخذ الدواء من يد هذه العجوز أو هذا الرجل؟ فأبى أن يأخذ من الدواء فهلك بعلته.
فهل هناك فرق بين الأول والآخر؟ كلاهما هلك، وهذا سر التعبير الإلهي في قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40].
الإجرام والظلم
فانظر يا بني! إلى هؤلاء الأشقياء ما سبب شقائهم؟ التكذيب مانع، والاستكبار مانع، والظلم مانع، والإجرام مانع، فلم تطهر أرواحهم ولم تزك، فكيف تفتح لهم أبواب السماء وقد حرمها الله على غير الأطهار الأتقياء؟
ولنتأمل تقريراً لهذه الحقائق القرآنية، نتأمل قول الله عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].
معاشر المستمعين والمستمعات! لنتدبر هذه الجملة! هذا قضاء الله، هذا حكم الله، وإذا حكم الله وأصدر حكمه هل هناك من يعقب عليه وينقضه؟ والله ما كان، فقد قال وقوله الحق من سورة الرعد: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41].
قد أفلح من زكى نفسه، وقد خاب وخسر من دسى نفسه، دساها بما أفرغ عليها من صنوف الذنوب، وصنوف الآثام، ما غسلها ولا طهرها، كل يوم يصب عليها أطنان السيئات والمعاصي! فعلى أي شيء تزكو؟ وأنى تتزكى؟ ما هي أهل للملكوت الأعلى، لن تواكب النبيين، ولكن تواكب المشركين والكافرين والمجرمين والظالمين والمكذبين والمستكبرين والفاسقين، إذ هؤلاء علتهم واحدة صدر الحكم أنهم ما طهروا أنفسهم، كذبوا بمادة التطهير، استكبروا عنها، رفضوها، حملهم الشيطان وحملتهم الشقاوة على ألا يقربوا منها؛ حتى يمكنهم أن يستعملوها، عاشوا على الزنا والربا والخمور واللواط والخداع والغش والسرقة والباطل، لا يذكرون الله ولا يستغفرونه، ولا ينيبون إليه، ولا يتوبون إليه، أرواحهم خبيثة، من يقبلها في السماء؟ ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ).
أولاً: بدون طاعة الله تعالى وطاعة رسوله يتعذر، بل يستحيل أن هذه الروح البشرية تعرج إلى الملكوت الأعلى، وتقبل فيه!
إنها ممنوعة الوصول إلى عالم الطهر والقداسة؛ وذلكم لعدم طهرها، وانعدام زكاتها، فهي إذاً: خبيثة ملوثة منتنة كأرواح الشياطين والكافرين والمجرمين والظالمين.
فهيهات هيهات أن تواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين!
واسمعوا قضاء الله وحكمه فيها: إذ جاء من سورة الأعراف يا أهل القرآن العظيم! جاء قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41].
هذا قضاء الله، هذا حكم الله، لم لا تفتح لها أبواب السماء؟ لأن صاحبها إما مكذب بالله وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ملحد، فلسفي، علماني، عقلاني، مادي، مجوسي، بوذي، هندوسي، يهودي، نصراني، مشرك، على أي شيء تطهر نفسه إذا امتنع من استعمال مواد التطهير؟!
هل رأيتم ثوباً مدنساً متسخاً ينظف بلا مادة تنظيف؟! لا ماء ولا صابون، هل صح هذا في الناس؟ هل رأيتم أي جسم ملوث متعفن بأدران الأوساخ طاب وطهر ونظف بدون استعمال مادة تطهير؟ اللهم لا!
مادة التزكية والتطهير هي الإيمان والأعمال الصالحة، أسائلكم بالله! معشر المستمعين والمستمعات! هذا الذي كذب بمادة التطهير أيستعملها؟ الجواب: لا.
إذاً: قولوا: على أي شيء تزكو هذه النفس، وقد كذب بمواد التنظيف والتطهير؟
لا تطهر هذه النفس؛ لأن مواد التطهير كذب بها هذا الرجل!
ثانياً: المستكبر الذي يعرف أن الماء والصابون من شأنهما تطهير الثياب وتنظيفها، فقيل: أي عبد الله! اغسل ثوبك، طهر جسمك، هذا الماء، هذا الصابون؛ حمله الكبر والاستكبار: كيف يستعمل هذه المواد؟ فعزفت نفسه كبرياء وقال: دعوني بنجاساتي ولا أغتسل ولا أتطيب، فهل هذا تطيب نفسه؟ استكبر، حمله الكبر على ألا يغتسل لجنابة، حمله الكبر على ألا يتوضأ ولا يصلي ركعة، حمله الكبر على ألا يقول: أستغفر الله! فعلى أي شيء تطيب هذه الروح وتزكو؟!
وأضرب لهذا مثلاً، وبالمثال تتضح الحال: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:25].
شريعة الله التي حواها كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، هذه الشريعة اشتملت وحوت وضمت خلال ثناياها كل ما من شأنه أن يكمل الآدمي ويسعده، أن يكمله روحاً وخلقاً، وأن يسعده روحاً وبدناً، وفي الدارين.
هذه الشريعة التي ما تركت صغيرة ولا كبيرة تعوق الإنسان عن إكماله وإسعاده إلا بينتها وحرمتها، وما تركت مادة من شأنها أن تزكي الإنسان وتطهره وتكمله وتسعده إلا أمرت بها وسعت إليها.
هذه الشريعة طبقها وعمل بها أسلافنا طيلة ثلاثة قرون، فكملوا في أخلاقهم، في آدابهم، في أرواحهم، سعدوا تمام السعادة، عزوا، كملوا، سادوا؛ نتيجة تطبيق تلك المواد الشرعية.
لما احتال عليهم العدو فأطفأ نور الإيمان في قلوبهم، وكره إليهم شرع الله، وأبعدهم من ساحته؛ فتركوا استعمال هذه المواد المحققة للإسعاد والإكمال، شقوا، وضلوا وضعفوا، والتاريخ يشهد.
والشريعة بين أيديهم رفضوا أن يطبقوها اليوم وقبل اليوم؛ استكباراً فقط لا تكذيباً لصلاحيتها، فما الذي حصل؟ ما الذي تم؟ ما الذي كان؟ أن لا سعادة ولا كمال، ضعف وشقاء، مع إيمانهم بصلاحية هذه الشريعة.
والمكذبون بها من غير المسلمين كاليهود والنصارى والبوذيين والمشركين لم يستعملوها، فهل زكوا أو طهروا؟ لا زكاة ولا طهر ولا صفاء، بل ولا سعادة ولا كمال.
فلننظر هل هناك فرق بين من كذب ومن استكبر؟ هذا شك فيها فلم يطبق هذه المواد ليكمل ويطهر، وهذا آمن وحمله الكبر والاستكبار على ألا يستعمل هذه المواد ليفعل ويترك؛ فلم يسعد ولم يكمل، فما الفرق بينهما؟! لا فرق!
مثلهما: مريضان بين أيدينا، مرضهما واحد، أتينا بالطبيب ففحص، ووصف الدواء لكل منهما، إذ علتهما واحدة.
فأحد المريضين قال: لا أسلّم أبداً أن هذا الدواء ينفعني، أي: كذب، أنكر أن يكون هذا الدواء شافياً، فلم يستعمله فهلك بعلته.
وتقدمنا إلى الثاني فقال: أنا أعرف أن هذا دواء، وجزيتم خيراً، ولكن نفسي غير قابلة لاستعماله! وما حمله إلا الكبر فقط، كيف يتنازل ويأخذ الدواء من يد هذه العجوز أو هذا الرجل؟ فأبى أن يأخذ من الدواء فهلك بعلته.
فهل هناك فرق بين الأول والآخر؟ كلاهما هلك، وهذا سر التعبير الإلهي في قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40].
في الآية السابقة أضاف تعالى إلى المكذبين والمستكبرين المجرمين، وذكر ما أعد لهم من جزاء، فقال تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ [الأعراف:41] فراش وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41] أغطية، النار من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ثم قال: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:41].
فانظر يا بني! إلى هؤلاء الأشقياء ما سبب شقائهم؟ التكذيب مانع، والاستكبار مانع، والظلم مانع، والإجرام مانع، فلم تطهر أرواحهم ولم تزك، فكيف تفتح لهم أبواب السماء وقد حرمها الله على غير الأطهار الأتقياء؟
ولنتأمل تقريراً لهذه الحقائق القرآنية، نتأمل قول الله عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].
معاشر المستمعين والمستمعات! لنتدبر هذه الجملة! هذا قضاء الله، هذا حكم الله، وإذا حكم الله وأصدر حكمه هل هناك من يعقب عليه وينقضه؟ والله ما كان، فقد قال وقوله الحق من سورة الرعد: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41].
قد أفلح من زكى نفسه، وقد خاب وخسر من دسى نفسه، دساها بما أفرغ عليها من صنوف الذنوب، وصنوف الآثام، ما غسلها ولا طهرها، كل يوم يصب عليها أطنان السيئات والمعاصي! فعلى أي شيء تزكو؟ وأنى تتزكى؟ ما هي أهل للملكوت الأعلى، لن تواكب النبيين، ولكن تواكب المشركين والكافرين والمجرمين والظالمين والمكذبين والمستكبرين والفاسقين، إذ هؤلاء علتهم واحدة صدر الحكم أنهم ما طهروا أنفسهم، كذبوا بمادة التطهير، استكبروا عنها، رفضوها، حملهم الشيطان وحملتهم الشقاوة على ألا يقربوا منها؛ حتى يمكنهم أن يستعملوها، عاشوا على الزنا والربا والخمور واللواط والخداع والغش والسرقة والباطل، لا يذكرون الله ولا يستغفرونه، ولا ينيبون إليه، ولا يتوبون إليه، أرواحهم خبيثة، من يقبلها في السماء؟ ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ).
قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ [النساء:69] أي: المطيعون، مع من، مع هامان وقارون؟ مع جماعات التلصص والإجرام وسفك الدماء؟ مع من؟ مع النَّبِيِّينَ [النساء:69].
هل بالإمكان أن نكون أنبياء؟ الجواب: لا، لا نطمع في هذا؛ لأن هذه منحة الله وهبها، يصطفي من يشاء، ولكن في الإمكان أن نكون من أولئك المواكب الثلاثة، ورجاؤنا في الله عظيم.
هيا ننظر هل نحن من الصديقين؟! من منا يقول: أنا إن شاء الله منهم؟ الآن طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تجعلنا نواكبهم، وإن لم نكن مثلهم، لكن نريد أن نطمع طمعاً في أن نكون من الصديقين.
فما هو موجب ذلك أو يقتضيه؟ اسمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الأحاديث الصحيحة: ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة ) عليكم بالصدق في أقوالكم وأعمالكم وفي نياتكم، ليكون الصدق طابعك؛ حتى لو أشير إلى صدّيق لقالوا: فلان صدّيق، ما جربنا عليه الكذب قط! ما خالف ظاهره باطنه ولا باطنه ظاهره، الصدق ظاهر فيه، صورة واضحة.
فقوله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالصدق ) أي: الزموه ( فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً )،لم ما نرجو أن نكون صديقين، ونصبح نحن المواكب، والمطيعون يواكبوننا بإذن ربنا؟! هل هناك صعوبة؟ مشقة؟ لا، عود نفسك على الصدق:
عود لسانك قول الصدق تحظ به إن اللسان لما عودت معتاد
يقول صلى الله عليه وسلم: ( ولا يزال الرجل -حتى المرأة- يتحرى الصدق ) ويطلبه، ولا يزال كذلك حتى يجيء قبوله من السماء: يكتب: فلان صديق مع الصديقين!
معاشر المستمعين والمستمعات! لو نصبح صديقين هل يبقى شيء اسمه أذى بيننا؟ هل يبقى شر ممكن أن يوجد بيننا؟ هل يبقى عداء؟ هل نخاف فتناً؟ انتهى كل باطل وشر! فقط بهذا المفتاح: ألزمنا أنفسنا الصدق فيما نعتقد ونقول ونعمل، وارتفعنا إلى مستوى الصديقية، وأصبحنا من الصديقين يطلب مواكبتنا.
ثانياً: هل في الإمكان أن نكون شهداء؛ حتى نواكب وتطلب مواكبتنا؟ لم لا نكون شهداء؟ من ينتظر أن يكون صديقاً يقدر أن يكون أيضاً شهيداً، إذاً: ما الطريق؟ الطريق: أن نحافظ على سلعة الله، بنية أنه متى طلبها سلمناها له، وأعطيناه إياها.
ما هي السلعة يا أبنائي؟! أموالنا وأنفسنا، لقد تمت الصفقة بيننا وبين مولانا منذ زمن، وترك لنا السلعة نتمتع بها بإذنه، إلى أن ينادي المنادي: أن حي على الجهاد، فنقدم لله ما اشترى منا: النفس والمال.
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111] والثمن: بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111].
نريد أن نكون شهداء؛ لنواكب وتطلب مواكبتنا، فـ:بسم الله نبدأ، لقد بعنا ولا نقبل الإقالة، بعنا أنفسنا وأموالنا لله، بثمن هو الجنة دار السلام، فترك البضاعة أمانة عندنا، فاحفظوا أمانة الله يا عباده! ويا إماءه!
الروح، البدن، النفس، لا يحل لمؤمن ولا لمؤمنة أن يدخل على بدنه أدنى أذى أو ضرر، فإن أدخل أذى على جسمه خان ربه، وعبث بأمانته، وأفسد البيعة.
فمن هنا والله العظيم! لا يحل لنا أن ندخل الأذى على أبداننا، فكل ما من شأنه يؤذي البدن الذي هو سلعة اشتراها مولاها فإنه حرام، ولنبدأ بالإسراف في الطعام والشراب، التخمة تهد الأجسام فتدخل القبر: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31].
إدخال الضرر على الأبدان كالسموم القاتلة حرام؛ لأنها تهد الأجسام.
إدخال ما يفقد العقل، وهل تقاتل وتجاهد بدون عقل؟ فكل ما يؤذي عقل المسلم من السيجارة إلى الأفيون والكوكايين، وما بينهما من نجس كالخمر ومشتقاتها.
حرام أن يدخل مؤمن أو مؤمنة ضرراً على هذا الجسم الذي باعه لله، غداً يطالب بالجهاد فيقول: مريض، لم تمرض؟ أدخلت المرض على نفسك.
يجب أن يبقى الجسم سليماً صالحاً للجهاد؛ لأن الله اشتراه لذلك، متى أمر إمام المسلمين: أن حي على الجهاد يجب أن نتقدم إلا من رده منا.
فعقولنا يجب أن تحفظ مع أبداننا، إذا كان هناك بدن عظيم كالطامة الكبرى ولا عقل فماذا ينفع هذا البدن؟ أي قيمة لهذه السلعة؟ فلا يحل إدخال ضرر على عقولنا، لا خرافة، ولا شرك، ولا سحر، ولا ما يسكر أو يخدر أو يذهب بالعقل من سائر المخدرات والمسكرات.
أموالنا ما هي بأموالنا بحق، هي فقط معارة، وديعة أودعنا الله نحافظ عليها.
وهنا أكتفي أن أقول: والمجاهدون يطالبون بالمال، هذا هو وقت بذله وعطائه، هذا المال مال الله.
عبد الله! أبق عندك ما يسد حاجتك، وما زاد فليس لك، قبل أن يفتح باب الجهاد بالمال كنا معذورين، أما اليوم لا عذر، منادي الله ينادي، هذا المال وديعة فقط، أمانة حافظ عليها، لا يحل لك أن تفسد درهماً منها، لا يحل أن تضيع ربع درهم منها.
إذاً: الذين يفسدونها، يحرقونها سجائر تتصاعد أدخنتها إلى السماء، الذين يفسدونها في الشهوات والأهواء، ويبذرونها في الأباطيل خانوا أمانتهم، يجب أن تحفظ أموالنا، فلا يدخلها تضييع ولا إفساد، حتى ينادي المنادي: أن حي على الجهاد، فنخرجها صامتة وناطقة ونقدمها؛ لأن المالك طلبها، بعنا: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ [التوبة:111].. الآية.
أردت أن أقول مذكراً معلماً: يا معاشر المستمعين! حافظوا على أجسامكم وعلى أموالكم، متى طلب الطالب ذلك بسم الله وجب أن نقدمها؛ لأننا بعنا واشترى الله منا.
هذا الجهاد، فمن استطاع أن يمشي بنفسه إلى معركة إخوانه في ديار الأفغان فليمش، وليقدم بضاعة الله له، ومن لم يستطع فالمال، فليؤثر ما يسد حاجته، أو ما يدخره لحادث يصيبه، والباقي لِمَ يخبؤه عن الله، والله به عليم؟ ومن لم يكن له مال ولا بدن فليحض إخوانه من المؤمنين والمؤمنات، وليذكرهم بواجبهم، بدفع هذه البضاعة بالذات لمشتريها.
إذاً: بهذا نكون شهداء ومع الشهداء، ومع هذا إن لم يقدر لنا أن نستشهد؛ لنكون الشهداء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق، أنزله الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه ) فبهذه النية قد يصبح أحدنا من الشهداء، تطلب مواكبته والكينونة معه! باب الله مفتوح.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
انتبه .. إنها الساعة الحاسمة | 3865 استماع |
لماذا نصوم - شرح آخر -1 | 3660 استماع |
القرآن حجة لك أو عليك | 3559 استماع |
لماذا نصوم -1 | 3499 استماع |
سر الوجود | 3493 استماع |
الأمة الوسط | 3486 استماع |
وصايا لقمان كما وردت في القرآن | 3351 استماع |
دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى أن تقوم الساعة | 3292 استماع |
مناسك الحج | 3194 استماع |
الذكر والشكر | 3146 استماع |