خطب ومحاضرات
الدعوة إلى الله
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه والند، وعن المثيل والنظير لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
معاشر الأحباب: كلكم يعلم أن الدعوة إلى الله جل وعلا من أجل الوظائف وأطيب الأعمال، ولا غرو في ذلك فالله جل وعلا يقول في محكم كتابه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] ويقول الله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم).
أيها الأحبة في الله: لا شك أن كل مسلمٍ يعلم أن الدعوة إلى الله جل وعلا أجرها جزيلٌ والعمل بها جميل، ولكن كثيراً من المسلمين رغم تشوقهم إلى نيل شرف الدعوة إلى الله، ورغم حبهم إلى الدخول في هذا المجال، قد يحرمونه بسبب عدم توفر الشروط التي ينبغي للداعية أن ينالها أو يقوم بها، وليس ذلك من باب القصور الذاتي فيهم، بل إن جبلة البعض تختلف عن الآخرين، وإن الله جل وعلا جعل الخلق درجاتٍ بعضهم فوق بعض، ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون، أعني بذلك أن بعض الشباب وبعض المسلمين تجده محباً لأن يكون داعية إلى الله، ويشتاق أن يهدي الله على يده فرداً أو أفراداً من إخوانه المسلمين، ولكن قد يكون لقلة علمه، أو بسبب العلم الذي هو فيه أو بسبب أمرٍ من الأمور عاجزٌ عن تحقيق مطلبه هذا، فهل بعد هذا يمكن أن يكون محروماً من ثواب الدعوة إلى الله؟ هل يحرم من هداية الآخرين إلى صراط الله المستقيم؟ كلا وحاشا؛ لأن الله جل وعلا لم يجعل الدعوة إلى سبيله ولم يجعل الأمر بالمعروف الذي شرعه والنهي عن المنكر الذي زجر عن العمل به، لم يجعل ذلك قاصراً على العلماء، وإن كان ينالهم أوفر الحظ والنصيب من المسئولية في هذا الجانب، لم يجعل ذلك قصراً على حملة الشهادات، أو أرباب المناصب والمراتب، بل إن كل مسلم مسئولٌ مطالبٌ مرغوبٌ منه أن يكون داعيةً إلى الله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وذلك لعموم أدلة كثيرة لو لم يرد منها إلا قوله صلى الله عليه وسلم: (نظَّر الله امرءاً سمع منا مقالة، فبلغها كما سمعها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع) وتواترت الأحاديث لفظاً ومعنى في قوله صلى الله عليه وسلم: (ربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل علمٍ إلى من هو أوعى منه).
أيها الأحبة في الله: ما دام الأمر كذلك، وما دام كل واحدٍ منّا مسئولٌ ومطالبٌ بالدعوة إلى الله.
أيها الأحبة: إليكم جملة من الأساليب التي لا يعجز عنها أي واحدٍ منا مهما كان مستوى تعليمه، ومهما كانت وظيفته، ومهما كان موقعه الاجتماعي:
القدوة الحسنة
إذاً -أيها الإخوة- إن أول الأساليب في الدعوة إلى الله أن يكون الواحد منا قدوة ما أمكنه إلى ذلك، أن يكون راية، أن يكون نموذجاً صالحاً مطبقاً لكي يقتدي به من حوله من إخوانه المسلمين، وكلكم يعلم أن الإسلام إنما انتشر في دول شرق آسيا وكثيرٍ من المجاهل الإفريقية وغيرها، إنما انتشرت بالقدوة الصالحة من قبل التجار المسلمين، الذين رآهم أهل تلك البلاد فرأوا فيهم ليناً ولطفاً وأمانة في المعاملة، وصدقاً في الحديث والكلام، فتأثروا بأفعالهم قبل أن يتحدثوا بأقوالهم، فأسلموا، فهدى الله أولئك الأمم بفعل أولئك التجار الصالحين من المسلمين.
الكتاب النافع
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الشريط النافع
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام. وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.
معاشر الإخوة: إليكم مزيداً من الوسائل التي تحقق لكم فرصة الدعوة إلى الله بالأساليب المتيسرة بين يديكم، إذا كان الإنسان عاجزاً بلسانه أو بفعله أو بقوله، فمن ذلك: الشريط النافع، وهذه وسيلة نافعة جداً وإن كان أول من ابتكرها واخترعها الكفار، لكن الله جل وعلا قد ينفع عباده المؤمنين بما يفعله أعداؤهم الكفار، فما خطر ذات يومٍ على ذهن أعداء الله الكفار يوم أن صنعوا تلك المسجلات وغيرها، ويوم أن صنعوا الوسائل المرئية والمسموعة ووسائل النشر وغيرها، لم يخطر على بالهم أنها ستكون في يومٍ من الأيام عنصراً أساسياً وركيزة متينة من وسائل وركائز الدعوة إلى الله، فلو أنك أيها الأخ المسلم! رأيت أخاً لك أو شاباً -مثلاً- وقع في جريمة المخدرات، أو في جريمة حب السفر إلى الخارج بكثرة، وتعلمون ما يدور في الخارج عند بعض الشباب وهم قلة بحمد الله، من الذين تولعوا وشغفوا حباً بالسفر إلى بلاد الخارج فلا تراهم في أرضهم إلا قليلاً، فلوا أنك أردت نصيحته وأردت ضرب الأمثلة له، وأردت ضرب القصص والحكايات التي حصلت لأناس سافروا إلى الخارج فكانت نهايتهم دامية أليمة، قد تعجز عن بيان ذلك، ولكن تجد شريطاً مثل أشرطة ندوات الجامع الكبير، أو تجد شريطاً لعالمٍ من العلماء المعروفين الموثوقين المشهود لهم بالمعرفة والصلاح والاستقامة، قد حوى الحديث عن هذا الموضوع أو أي موضوعٍ من المواضيع التي ترغب أن تنصح صديقك أو أخاك أو قريبك فيها فتشتري هذا الشريط بقيمة رمزية متيسرة، فتهديه إليه، وتقول: أهدي لك هذا الشريط، إذ إن البعض لا يسره أن يعلم الناس بحاله، بل إن الكثير إن لم يكن الكل يرغبون ألا يعلم الناس بأحوالهم، والله جل وعلا ستار يحب الستر على عباده، فلو علمت في أحد إخوانك أو أحد أبناء مجتمعك أنه تورط في المخدرات أو المصائب أو الرشوة أو غير ذلك، فاشتريت هذا الشريط الذي يعالج هذه المشكلة، أو هذه القضية، فقدمته إليه هدية من دون سابق بيان علمك لما هو عليه من حال، فلعله أن يسمعه في سيارته، أو في بيته فيتأثر بذلك تأثراً بليغاً كبيراً.
إذاً -أيها الإخوة- هذه وسيلة نافعة من وسائل الدعوة إلى الله جل وعلا، وهي في متناول كل واحدٍ منا ولا يعجز عنها واحدٌ منا، إذاً فلنا فرصة، ولنا مكانة، ولنا دورٌ، وعلينا مسئولية في باب الدعوة إلى الله، ولا نحتج بقلة العلم أو قلة البضاعة، فإن الأمور تيسرت بحمد الله جل وعلا، وإنها لنعمة عظيمة تحسد عليها هذه البلاد دون سائر البلاد الأخرى، فلك اللهم الحمد على ما أنعمت وأتممت، ونسألك اللهم مزيداً، ونسألك اللهم التوفيق للشكر والإنابة إليك.
فأولها بعون الله وتوفيقه: القدوة الحسنة ؛ فإن الرجل إذا أراد أن يعمل بعملٍ، أو أراد أن يدعو إلى أمرٍ من الأمور، فعليه أن يطبقه تطبيقاً جيداً، فإن العباد ليرون من فعله، وليرون من تصرفاته، داعيةً إليهم إلى الاقتداء به، ولا عجب في ذلك، فإن النفوس تعجب وتحب من وافق قوله عمله، روي أن الحسن البصري جاءه طائفة من الرقيق الذين لم يعتقوا، فقالوا: يا أبا عبد الله ! حبذا لو حدثت الناس يوم الجمعة، أو في أي يومٍ عن العتق وفضله علهم أن يعتقونا، فقال لهم: خيراً، فمكث ثلاثة أسابيع لم يخطب عن هذا الموضوع، فلما جاء الأسبوع الرابع، خطب الناس في فضل العتق، ثم لما انصرف الناس من المسجد، كان كل من لاقى رقيقاً له، قال: اذهب فأنت حرٌ لوجه الله تعالى، فعجب الرقيق وجاءوا إلى أبي عبد الله- جاءوا إلى الحسن البصري- وقالوا نحمد الله على نعمة الحرية، فلو أنك بادرت بهذا الأمر ولم تتأخر فيه، فقال: جئتموني وليس عندي رقيقٌ أعتقه، فصبرت حتى جمعت مالاً فاشتريت رقيقاً، ثم أعتقته، ثم أمرت الناس بالعتق فعند ذلك فعلوا ما رأيتم.
إذاً -أيها الإخوة- إن أول الأساليب في الدعوة إلى الله أن يكون الواحد منا قدوة ما أمكنه إلى ذلك، أن يكون راية، أن يكون نموذجاً صالحاً مطبقاً لكي يقتدي به من حوله من إخوانه المسلمين، وكلكم يعلم أن الإسلام إنما انتشر في دول شرق آسيا وكثيرٍ من المجاهل الإفريقية وغيرها، إنما انتشرت بالقدوة الصالحة من قبل التجار المسلمين، الذين رآهم أهل تلك البلاد فرأوا فيهم ليناً ولطفاً وأمانة في المعاملة، وصدقاً في الحديث والكلام، فتأثروا بأفعالهم قبل أن يتحدثوا بأقوالهم، فأسلموا، فهدى الله أولئك الأمم بفعل أولئك التجار الصالحين من المسلمين.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أهمية الوقت في حياة المسلم | 2802 استماع |
حقوق ولاة الأمر | 2664 استماع |
المعوقون يتكلمون [2] | 2652 استماع |
توديع العام المنصرم | 2647 استماع |
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] | 2552 استماع |
من هنا نبدأ | 2495 استماع |
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] | 2461 استماع |
أنواع الجلساء | 2460 استماع |
إلى الله المشتكى | 2436 استماع |
الغفلة في حياة الناس | 2436 استماع |