خطب ومحاضرات
الصدقة برهان
الحلقة مفرغة
الحمد لله، وعاقبته الحسنى لمن اتقاه، وصلاة الله وسلامه على نبيه ومصطفاه، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وجميع من آمن به واستن بسنته واهتدى بهداه، أما بعد:
معشر الأبناء والإخوان الحضور! نحييكم جميعاً بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فقد أخرج مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها ) .
هذا الحديث الجليل الشريف أخذنا فقراته واحدة بعد أخرى، درساً وتعلماً، وها نحن مع تلك الفقرات وهي عبارة عن جواهر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قوله فداه أبي وأمي: ( والصدقة برهان ) فهيا نتدارس سوياً هذه الجملة من الكلمات النبوية.
( والصدقة برهان ) الصدقة معاشر الأبناء والإخوان! ما يبذله المؤمن في سبيل الله من مال صامتاً كان أو ناطقاً، والمال: كل ما يتمول، ويدخل فيه كل ما يحتاج الناس إليه من كساء أو غذاء أو ماء، فضلاً عن الدينار والدرهم والشاة والبعير.
والصدقة سميت صدقة؛ لأنها دليل صدق إيمان صاحبها؛ لأن المال شقيق الروح، فمن الناس من يفدي ماله بروحه، ومع هذا يخرجه فيضعه في يد أرملة، لا يمكنه أن ينتفع بحياتها قط، وقد يضعه في يد أعمى لا يراه حتى الحشر، وقد يضعه في يد بائس فقير لاصق بالأرض لا يؤمل فيه أن ينفع أحداً، وقد يضعه في يد غريب، مسافر، ابن سبيل، قد لا يلتقي معه الدهر كله.
هذه العملية ما دام الباعث عليها رجاء ما عند الله، ما دام الباعث عليها ابتغاء ما عند الله تسمى صدقة، وهي دالة على صدق إيمان فاعلها، حقاً إنه يؤمن بالله وبلقاء الله، يؤمن بالله وبالبعث الآخر الذي يتلقى فيه الناس جزاء كسبهم من خير أو شر.
قد يتصدق المتصدق يريد وجوه الناس ليلفتها إليه، يريد من الناس أن يكفوا عنه فلا يؤذونه بذم، ولكن تلك النفقة لا تسمى صدقة، الصدقة ما ابتغي به وجه الله، هذه دالة دلالة قوية على صدق إيمان صاحبها، فلولا الإيمان ما خرج الرجل من بستانه وتركه لله.
لما نزل قول الله تعالى من سورة آل عمران: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92] قام أبو طلحة وكان أكثر الأنصار نخلاً ومالاً، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا رسول الله! لقد أنزل عليك قول الله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] وإن من أحب مالي إلي بيرحاء ) حديقة غناء ذات ماء وشجر ونخيل، وكانت قبالة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من المسجد فيدخلها فيشرب من مائها وكان ماؤها عذباً.
والآن ما زالت كما هي، وهي المساحة التي عليها قصر المدينة وتلك الفنادق، قال: ( يا رسول الله! ضعها حيث أراك الله ) ليكون قد استجاب لهذا الخبر وحقق إيمانه، وأخرج منها زوجته وأولاده وخلاها لله.
إذاً: من هنا يقول عليه الصلاة والسلام: ( والصدقة برهان ) والبرهان الحجة، فكيف تكون الصدقة حجة، حجة على من ولمن؟ حجة لصاحبها على أنه مؤمن، ولن يتصدق ابتغاء مرضاة الله وطلباً لما عند الله إلا مؤمن، فإذا أردت أن تستدل على إيمان عبد فانظر: هل يتصدق سراً وخفاء؟
إن وجدته يتصدق سراً فاعلم أنه مؤمن، إذ صدقة العلن قد تكون لاعتبارات، لكن السرية لن تكون إلا من الإيمان، هذه الصدقة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( والصدقة برهان ) من باب العلم نقول: إنها تشمل الزكاة التي فرض الله، وتشمل صدقات التطوع، فالزكاة سميت زكاة؛ لأنها تزكي النفس، وسميت صدقة؛ لأنها برهان على إيمان صاحبها، تدل على صدقه في الإيمان.
والزكاة -كما يعلم الجميع- قاعدة الإسلام، وهي أخت الصلاة وشقيقتها، والتفرقة بينهما لا تصح، كما قال أبو بكر رضي الله عنه: (ما كنت أبداً لأفرق بين الصلاة والزكاة وقد جمع الله بينهما). فما ذكرت الصلاة في الكتاب إلا وذكرت الزكاة معها، فهل يفرق العبد بين ما جمع الله؟ وقد قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع أصحابه، قاتلوا مانعي الزكاة حتى أجبروهم على أدائها، وهذا الحكم باقٍ ببقاء الدين والأمة، أيما جماعة أو فرد يمنع الزكاة إلا وعلى إمام المسلمين قتاله حتى يفيء إلى طاعة الله، ويؤدي الزكاة التي أوجب الله، وهي -كما تعلمون- واجبة في المعشرات، والتي هي الحبوب والثمار.
فالزكاة واجبة في سائر الحبوب كالبر والشعير والذرة... وما إلى ذلك، كما هي في الثمار: كالتمر والزيتون والعنب. ويقال فيها: المعشرات؛ لأنها تؤخذ منها نسبة العشر، فمن عشرة قناطير يؤخذ قنطار، فلهذا تسمى بالمعشرات، إلا أن تسقى بكلفة كالدلاء والحبال والسواني، فإنها حينئذ نصف العشر (5%).
وتجب الزكاة في المواشي وهي الأنعام: الإبل والبقر والغنم، ولا تتجاوز ذلك إلى أجناس الطير على اختلافها، وحتى ما هو داجن كالوز والبط وما إلى ذلك لا زكاة فيه، فسائر الطيور لا تزكى، فالزكاة محصورة في الأنعام: الإبل والبقر والغنم، والغنم منها الضأن ومنها الماعز، والبقر منها الجاموس ومنها البقر، والإبل منها البخت ومنها العراب، فالأنعام أجناس، ولكل جنس نصاب معين إذا انتهى إليه العدد وجبت فيه الزكاة، ويجب على المؤمنين أن يعرفوا تلك الأنصبة، فكما يعرفون المقادير يعرفون الأنصبة، وتعلم هذا هو تعلم الفقه، و( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).
وتجب في النقدين، ويقال في العين والمراد بذلك: الذهب والفضة، الدينار الذهبي والدرهم الفضي، والآن استعاض الناس عن الذهب والفضة بالعُمَل المختلفة كالجنيه والدينار والريال والدرهم وما إلى ذلك من هذه الأوراق المالية، وهي قائمة مقام العين، ويكذبنا أو يضللنا من يقول: لا زكاة في هذه الأوراق؛ لأنها ليست مطعومة ولا مشروبة وليست ذهباً ولا فضة، فهذه مغالطة، إنها سندات تحمل قيمتها من العين: الذهب والفضة، وزكاتها عبارة عن ربع العشر، في كل مائة اثنان ونصف، والنصاب -والحمد لله- عرفناه، إذا حال الحول عليك يا عبد الله ورمضان قريب، اذهب إلى الصائغ أو بائع المجوهرات واسأله عن قيمة أربعمائة وستين جراماً من الفضة كم تساوي، يا صائغ! أخبرني من فضلك، أربعمائة وستون جراماً بكم تباع بالريال السعودي؟
فالقيمة التي يقولها لك هي النصاب، وانظر إلى جيبك، فإن وجدت نقودك التي حال عليها الحول تساوي ذلك المبلغ الذي علمك به فقد وجبت عليك الزكاة، وإن وجدت مالك أقل فلا زكاة عليك في هذا العام؛ لأن رأس مالك ما وصل إلى نصاب الزكاة، وهذا سهل وميسور ولا كلفة فيه، تأتي إلى الصائغ: أي عم! أربعمائة وستون جراماً فضة كم تساوي، فإن قال: تساوي ثمانمائة ريال، ثمانمائة وخمسين انظر أنت هل عندك هذا المبلغ؟ فإن قلت: نعم عندي وزيادة، وجبت الزكاة، وإن قلت: أنا عندي سبعمائة فقط وحال عليها الحول فلا زكاة، وإن شئت أيضاً أن تسأله عن الذهب فقل له: سبعون جراماً من الذهب كم تساوي، فإن قال: تساوي ألفين وخمسمائة ريال. انظر أنت: هل تملك هذا القدر؟ فإن كنت تملكه وزيادة فقد وجبت عليك الزكاة فأخرج زكاتها، وإن كنت لا تملك هذا المبلغ -أي: قيمة سبعين جراماً- فلا زكاة عليك. وأنا أرجح للأبناء والإخوان أن يسألوا عن الفضة، لأن هذا أرفق بالفقراء والمساكين.
إذاً: الصدقة نوعان: صدقة واجبة وصدقة تطوع، وكلا الصدقتين برهان ساطع وحجة قاطعة على أن المتصدق مؤمن، ومفهومه: أن الذي لا يتصدق ما هو بمؤمن، ما آمن إيماناً بعثه على أن ينفق ماله الآن ليتسلمه غداً، فهو إذاً ضعيف المعتقد في لقاء الله والبعث الآخر.
واسمع يا عبد الله! فضيلة الصدقة. روى مالك في الموطأ والبخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً ) أما أن تسرق وتتصدق فلا، لا تسرق ولا تتصدق.
( من تصدق بصدقة من كسب طيب ) أي: حلال، والطيب هنا بمعنى الحلال.
( من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً ) بهذا الشرط.
( كان كأنما وضعها في كف الرحمن، فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه ) أي: مهره ابن فرسه أو فصيله شك الراوي.
( حتى تكون مثل جبل أحد ) هنا عندما تخرج بصدقتك عبد الله! وتذكر هذا الخبر عن سيد البشر وتلاحظ وأنت تضعها على يد الفقير كأنما وضعتها في يد الرحمن، ويربيها لك وينميها فتنمو بصورة غريبة عجيبة على غرار نمو المهر، والمُهر من الحيوانات التي تكبر بسرعة حتى تكون مثل الجبل أو جبل أحد.
والصدقة ورد فيها أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( داووا مرضاكم بالصدقة )، ( حصنوا أموالكم بالزكاة ) من أراد أن تحفظ أمواله وتصان له ولا تعدو عليها عوادي الزمان ولا أيدي الشطار واللصوص فليحصنها بإخراج زكاتها.
( وداووا مرضاكم بالصدقة ) قد يقول الطبيب: الشيخ الآن صرف عنا المرضى، من نعالج؟ نافسنا، يا دكتور! المرضى كثير، ومن الأمراض ما لا يعالج إلا بالصدقة، ومن الأمراض ما يعالج بالعقاقير الطبية. إذاً: لو أن مؤمناً من المؤمنين يصاب وليه أو قريبه أو نفسه بمرض ويذكر هذا المعنى ويقبل على الله في صدق ويخرج ماله ويضعه في يد مستحقه، ويقول: يا رب! إنما فعلت هذا من أجلك لتشفي ما بي، لا إخاله إلا مشفياً بإذن الله.
( حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالتضرع والدعاء )، وصدق أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، إن للبلاء لأمواجاً.
( واستقبلوا أمواج البلاء بالتضرع والدعاء ) والحديث أخرجه أبو داود في سننه، ومع أنه مرسل من طريق، فهو مرفوع من أخرى ولا بأس به.
والشاهد من هذا في فضل الصدقة: ( داووا مرضاكم بالصدقة ).
وهناك معاشر الأبناء والحضور مرض لا يقدر عليه أي طبيب، ولا يستطيعه أطباء الشرق والغرب، ولا يداوى إلا بالصدقة، هذا المرض من ابتلي به ولم يشف منه لا يدخل الجنة، ولا ينجو، هذا المرض -عافاني الله وإياكم منه- يسمى الشح، واقرءوا قول الله تعالى فيه: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].
والبخل دون الشح، الشح بخل مع حرص والعياذ بالله، والبخيل قد يبخل ويمنع ولكن ليس بحريص، أما المنع والحرص مع بعضهما البعض فيقلقك.
فمفهوم هذا الخبر وما يسمى بمفهوم الشرع: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] من لم يوق شح نفسه ما أفلح، ومعنى (ما أفلح) ما دخل الجنة ولا نجا من النار، إذ الفلاح معروف وهو زحزحة عن النار ودخول الجنة. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10] .
إذاً: معاشر الأبناء! هذا المرض يحدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ، فيقول: ( اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) قد يقول غافل مثلي: وما يضرنا ظلمة يوم القيامة؟ وهذا جهل، وعدم علم، ولو شاهد الموقف ورأى حيرة المنافقين عندما يفقدون النور فيصرخون، يكون المؤمنون مع المنافقين في صعيد واحد في عرصات القيامة، والمؤمنون كما قال تعالى: نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [التحريم:8] فيه تغليب اليمين على الشمال.
نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا [التحريم:8] يخشون أن ينطفئ؛ لأن نور المنافقين فجأة ينطفئ كما تنطفئ الكهرباء على بيت فيظلم، ويبقى الإنسان في ظلام دامس.
قال تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد:12-13] وجوههم كأعين السيارات مشرقة، فيقول: انتظرونا حتى نقتبس من نوركم، فيسخرون منهم ويلذعونهم بلذعة كالميسم: ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد:13] فيظن البله أن رجوعهم إلى الوراء يحصلون فيه على النور، وهي نكتة: ارجعوا إلى الدنيا، هذا النور ما أخذناه من عرصات القيامة، هذا اكتسبناه من المشي في الظلام إلى بيوت الله، وفي الحديث الصحيح: ( بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة ).
ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد:13] اطلبوه في الحياة الأولى وأنى لهم أن يرجعوا، وكيف يمكنهم العودة إلى الدنيا؟ ولكن يرجعون إلى الوراء فيضرب بينهم على الفور بسور كامل له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من جهة المنافقين العذاب، والشاهد من هذا: أن أهل الصدقات يعطون هذا النور وتكون صدقتهم نوراً لهم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) لن تصل إلى باب الجنة إلا على نور؛ لأن الجسر الممدود بينك وبين الجنة لا يمكن أن يجتازه الشخص بدون نور، فإذا انطفأ نوره وقع في أتون الجحيم، فلا بد من النور، فمن أراده فليتصدق، فليمش في الظلم، ومن خاف الظلم فلا يظلم، لا تظلم أخاك حبة خردل، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
( واتقوا الشح؛ فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) وهذا هو الشاهد ( واتقوا الشح ) احذروه، خافوا منه، اجعلوا بينكم وبينه وقاية، عالجوه، استأصلوه كما تستأصل الزائدة، لم؟ ( فإنه أهلك من كان قبلكم من الأمم، حملهم على أن سفكوا دماءهم ) وإلى الآن الحروب الدائرة في العالم ما دارت إلا من شح النفس، والظن بما عند الإنسان من مال أو سلطان.
( حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) والشاهد عندنا: عالجوا هذا المرض إن كان فيكم، فلا بد من استئصاله وعلاجه، والحمد لله لا يحتاج إلى جراحة ولا إلى عمليات، أمره بسيط، فقط بالصدقة، واقرءوا قول الله عز وجل من سورة التوبة: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103] يطهرهم من ماذا؟ (يطهرهم) من مرض الشح، و(يزكيهم) يطهر أنفسهم من الذنوب والآثام.
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103] من صفتها أنها تطهر، وأنفع الصدقة -أبنائي- ما كان مستمراً بلا انقطاع، فاستعمال المركبات الكيماوية في حال المرض لا يأخذها المريض دفعة واحدة؛ لأنه سيموت، فلو أعطاه الدكتور عشرين إبرة واستعملها في يوم واحد تقتله، أو أعطاه خمسين حبة في كل يوم يستعمل ثلاث حبات، فإذا جرعها جرعة واحدة مات، فلهذا الصدقة التي تستأصل هذه النابتة في القلب هي الصدقة التي تستمر طول الحياة، وإن قليلاً دائماً خير من كثير منقطع، فيومياً تتصدق برغيف أو نصف الرغيف أو بريال أو نصف ريال على طول السنة أفضل مما تتصدق مرة واحدة بخمسة آلاف ريال ثم لا تعود إلى الصدقة إلا بعد حول أو بعد أحوال، فخير الصدقة ما كانت دائمة.
واعلموا أن عبداً يربي نفسه على الصدقة لوجه الله لا يمكن أن يسرق، أو يغش ويخدع المؤمنين والمؤمنات ليحصل على أموالهم، ولا يمكن أن يسأل الناس ويمد يده؛ لأنه عالج نفسه وشفي، فهل تتصورون أن عبداً يتصدق بماله ثم يسرق ليتصدق؟ يغش أو يطفف في كيل أو وزن أو يخدع حتى يصل إلى مال من أجل أن ينفقه في سبيل الله؟ هذا ما هو معقول أبداً، وما كان ولن يكون، وذلكم لأن هذه الصدقة باستمرارها مع إحسان أدائها من شأنها أن تزيل هذا المرض، فإذا زال الشح اطمأنت النفس، وسكن القلب، وأصبح الإيمان مهيمناً على النفس، وأصبح القليل كالكثير في نظر عبد الله.
إذاً: نداوي مرضانا بالصدقة، ونداوي هذا المرض الخطير مرض الشح كذلك بالصدقة، إلا أننا هنا نرى أن الصدقة تكون مستديمة ما تنقطع، فتكون يومياً، يوماً بعد يوم، فلا يمضي عليك الأسبوع وأنت ما تصدقت ولو باليسير، ليس شرطاً أن تكون ذهباً وفضة.
قد تكون الصدقة شيئاً يسيراً، ولو كتباً، ولو كلمة طيبة، ففي الحديث الصحيح: ( والكلمة الطيبة صدقة ) هذا بالنسبة لمن لم يجد، إذ هناك ضريبة ليست للبلدية، الضريبة هذه مضروبة من قبل المالك عز وجل وقررها رسوله في الناس وبينها، فقال: ( يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة ) والسلامى لفظ لا مفرد له، هو عبارة عن العرق في الجسم، العروق التي يتكون منها جسم الآدمي، كل واحد منها يجب أن تدفع عليه ضريبة يومياً مقابل الحياة، هذه ضريبة الحياة، تريد أن تعيش اليوم وغداً ادفع ضريبة الحياة، ما توهبها مجاناً، فيصبح على كل سلامى مفصل من مفاصل الجسم صدقة واجبة، فإن أنت أخرجت صدقتك مع الصباح أديت ما عليك وظل يومك كله وأنت على كامل الحرية، لا يطالبك الله بشيء، وإن لم تجد فالكلمة الطيبة.
قال: ( وركعتان في الضحى ) تسدان مسد هذا الواجب، لكن يا أستاذي! لا بد وأن تلاحظ أنه إذا لم يكن عندك ما تتصدق به، أو ما وجدت من يقبل صدقتك، فهنا تفزع إلى الركعتين، أما مع وجود المال ووجود الطالبين والراغبين فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه الضريبة إذا صلى المؤمن ركعتين في إشراق الشمس في أول النهار تجزيان، لكن الغالب أنهما عند عدم وجود المال أو وجود من يقبله، ومهما كان فركعتان في الضحى لا يتركهما العقلاء، والأصل أنها أربع ركعات، وسواء بعد طلوع الشمس مباشرة عندما ترتفع أو في الضحى، ولعلها صلاة الأوابين، فلا نزهد من قيمة هذه الصلاة.
إذاً: هذه فريضة أو ضريبة نؤديها صدقة، فإن لم نجد ( فلنصنع لأخرق ) كما قال صلى الله عليه وسلم. أخوك يعالج ماء من البئر ما عرف، عالجه معه، يعالج حذاء يخصفه ما عرف مد يدك واخصف له نعله، ولو أن تصنع لأخرق، أخوك حمال -هذه ما تطيقونها- يحمل زنبيلين في يديه وأنت تراه يتأرجح تحتهما، تقول: من فضلك أساعدك، وإن كان هو حمالك أعطيته خمسة ريالات ليصل لك بالحمالة إلى البيت، وأنت تمشي طلق اليدين وتراه يتأرجح تحت الحمل، لا، خذ واحداً وسجله على أنه من الضريبة.
معاشر الأبناء! هذه الصدقة لا تتقالوها، فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال والحديث في الصحيحين: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) التمرة اقسمها نصفين وتصدق بنصفها تكون قد آمنت حق الإيمان، ودللت على صدق إيمانك، وأنك تؤمن بالنار، وأردت أن تتقيها وتقي نفسك منها وما وجدت إلا هذه التمرة فقسمتها نصفين، فاتقيت بنصفها وأطعمت نفسك نصفها.
وروى مالك في الموطأ: أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها وهي أم الجميع- استطعمها مسكين، بمعنى: طلب منها طعاماً، وكان بين يديها رضي الله عنها عنقود عنب من الطائف أو من المدينة، فقالت لأحد الجالسين أو الجالسات: ناوليه حبة، أرادت أن تعلمها العلم عملياً، فأختنا تقالت الحبة، أخذتها وهي متعجبة ووضعتها في يد المستطعم، فلما رأت أم المؤمنين حال المرأة أو الخادم وأنها كالمتعجبة، قالت: أعجبتِ من هذا؟ كم فيها من ذرة؟ وأم المؤمنين ما عاشت إلى زمن الذرة ولا عرفت الهيدروجين، لكن عرفت أن الذرة لا توزن في ميزان ولا تدرك بالعيان إلا بموازين خاصة، جزء المادة، كم في هذه العنبة من ذرة؟ لم لا تتعجبين من هذا؟ وكأنها تنظر إلى قول الله تعالى: يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:6-8] فلهذا لا تتقال الصدقة، المهم أن تتصدق بما يشبع أو يكسي، المهم أن تتصدق، إذ هذه الحركة إيجابية تزكي النفس وتطهر لك المرض، وهي تدل على أنك المؤمن الحق الذي يرجو الله والدار الآخرة.
وإن أردتم أن تكون الصدقة من الفضل بمكان فأخفوها، عموها على الناس، ولا يستطيع إخفاءها إلا الشجعان، والشجاعة شجاعة قلب وشجاعة عقل، شجعان القلوب كثيرون من الأبطال وغيرهم؛ لكن هنا هم شجعان العقل.
ويدل على فضل الصدقة في السر ما جاء في الصحيحين والموطأ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ) إذا ما فوقنا إلا عرش الرحمن ( وذكر من بينهم: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) بمعنى: أنه تكتم وحاول إسرارها وغالب في ذلك حتى نفسه، فأعطاها بصورة لم يرها أحد، لو كانت شماله إنساناً ناطقاً مبصراً ما كانت تدري هل تصدق زيد أو لم يتصدق.
فالله الله في إخفاء الصدقة.
نروي من فضائل أهل المدينة إلى عهد قريب ونبكي تلك الأيام، كانت الحارات والأحواش يقرع الباب أحدهم وينفتح الباب ويرمي بصرة الدراهم أو الدقيق ويخرج، عبد الله! من أنت؟ ولا يلتفت.
هذه الصدقة التي هي من أشرف التوسلات إلى الله عز وجل، ولكن إخواننا ما يستطيعونها، إذا مات ميتهم تراهم يجمعون طلبة القرآن ويجعلون حلقة في المنزل ويقرءون القرآن ويطعمونهم الطعام ويوزعون عليهم دراهم أو ريالات وصاحب البيت يتعنتر عليهم ويقول: هذا عشاء القبر، عشاء الميت، ويقول أهل العلم: هذه الصدقة ما أريد بها وجه الله، ما عرفتم كيف تتصدقون، ما هكذا يتوسل إلى الله، إن كنت شجاع القلب والعقل اترك الظلام حتى يخيم وتنام عيون الناس ثم أخرج صدقتك إلى هذا الطالب المحتاج واقرع بابه وارم بالصدقة بين يديه أو يد خادمته أو والدته وانصرف، فإذا كنت بعيداً اتصلت بذي العرش على الفور، وأنت لك أن تتصل به في كل لحظة، فترفع يديك إليه وتقول: يا رب! إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك فاغفر الليلة لأبي وارحمه، أما صدقة الرياء والانتفاش والعنترية فلا تقبل، ما هي بشيء.
(سبعة) من بينهم رجل مؤمن -ذكراً كان أو أنثى- تصدق بصدقة وإن قلّت، والتنكير قد يكون للتقليل.
( فأخفاها ) عن أعين الناس.
( حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) هذا أهل لأن يكون مع السبعة، ومع هذا من حيث الحكم الشرعي كما تجوز صدقة السر تجوز صدقة العلن، والدليل قول الله عز وجل من سورة البقرة: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271].
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ [البقرة:271] أي: تظهرونها في رابعة النهار فنعم ما هي هذه الصدقة، ولكن: وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] لأنها تسلم، أما الأولى قد تلتهم، ففي الطريق قبل أن تصل تفسد برياء أو سمعة، لكن متى أخفيتموها فننصحكم بأن ذلك الإخفاء خير من الجهر والعلن، وبعض أهل العلم يقول: أحياناً تكون صدقة العلن أفضل من صدقة السر، وذلكم في حالة ما وهي: أن يكون قصد المتصدق حمل الإخوان الحاضرين على الصدقة، ليشجعهم بأن بدأ هو الأول وتصدق بمبلغ كبير ليرغبهم في الصدقة، وهذه حالة نادرة، فيبقى الأصل في الصدقة أن تكون سراً.
الله تعالى لما أفقر عبده زيداً ما أفقره لأنه يبغضه ويحبك أنت وإنما أفقره ليختبره، فهو عبده في قاعة الاختبار، وأنت أخوه في العبودية، وسيدكما واحد، إذاً: فلا تهن أخاك، لا تذله، لا تقتل كرامته وتهدرها، لأنه فقط مبتلى، وقد ينجح عما قريب وتبتلى أنت بعده، فلهذا ما يحب الله أبداً من عبده يتصدق بصدقة يهين بها وليه ويهدر فيها كرامته، واقرءوا إن شئتم من سورة البقرة: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة:263] لا تفهم أبداً أن هذا الفقير مبغوض من الله، ملعون عند الله، إياك أن تفهم هذا، فإن الله يبتلي بالغنى ويبتلي بالفقر، فالعبد ما دام في دور الابتلاء خف منه، احذره واحذر أن يأتيك فقير يقول: لوجه الله وما تعطيه، قد يكون أرسل إليك وأنت لا تشعر، فلهذا يقول عليه الصلاة والسلام كما في الموطأ: ( أعطوا السائل ولو جاءكم على فرس ) يا رسول الله! هذا على فرس تساوي عشرين ألف ريال، قال: أعطه ( أعطوا السائل ولو جاءكم على فرس ) قد يكون هذا ملك بعث إليك ليمتحنك وما تدري، ومن لم يجد فليصرفه بكلمة طيبة فإنها صدقة، أما أن يعنفه أو يغلظ له أو يندد بصنيعه فهذا المسكين قد تورط، قد يكون وقع، فلهذا لا بد وأن تكون كلمة طيبة فإنها خير من ألف ريال خبيثة مع الزمجرة والسخط.
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:263-264] هذان عاملان لإحباط الصدقة وإفسادها: (المن والأذى). المن يا معاشر الأبناء! أن تتصدق على أخيك ثم تمن عليه تلك الصدقة، كسوته مشلحاً كلما رأيته: ما شاء الله، ما زال مشلحي عندك، إن شاء الله كافٍ ومناسب، لا سيما إذا هو مع الناس .. كيف حال المنيحة التي منحناكم إياها؟ تحلب؟ ما زالت؟ فيقتله! المن هو تعداد النعمة، المن لله، لله أن يمن على من يشاء ويعطي من يشاء، أما عبد الله تمن عليه تقتله، لا تتصدق عليه.
والأذى أن يعطيه ويؤذيه، يعطيه الريال ويشتمه، لا تعطه ولا تشتمه، ثم هذه الصدقة تبخرت وتلاشت وبطلت، لا تعمل عملها في النفس، لا في معالجة الشح ولا في تكفير الذنب، فضلاً عن أنها تصبغ النفس بصبغة الطهر؛ لأنها بطلت كالصلاة التي ما صحت من صاحبها.
معاشر المستمعين! هذا حديث الصدقة.
يبقى هل نحن نتصدق؟ هذا الذي سمعناه ينبغي أن نكون أول المنتفعين به.
إذاً: فباب الصدقة مفتوح، ومن فضل الله أن الناس ما زالوا يطلبون الصدقة ويفرحون بها إلى هذه اللحظة، وإن يوماً وهو قريب يخرج الرجل بصدقة الذهب فلا يجد من يقبلها، والخير واسع وعميم، ومع هذا ما زلنا نبتلى ويوجد ناس يرغبون ويطلبون، أليس كذلك؟ إذاً: فحققوا هذا الذي علمتموه وتعلمتموه. والله أسأل أن يجعلنا من المتصدقين والمتصدقات، إذ جاء الثناء عليهم في قول الله عز وجل في صفاتهم: وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ [الأحزاب:35] وتصدقوا بالقليل والكثير، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأخفوا صدقاتكم فإن ذلك خير لكم.
والله أسأل أن يغفر لي ولكم، إنه قدير.
حكم الزكاة في حلي المرأة
الجواب: أهل العلم مختلفون في هذه المسألة، فذهب جمهورهم -أي: أكثرهم من الصحابة إلى يومنا هذا ولا سيما عصر السلف إذ هو العمدة- على أن المؤمنة إذا اشترت حلياً لتتحلى به لزوجها حتى تحصنه ويحصنها، هذا الغرض الشريف، هذه المؤمنة ليس عليها شيء في حليها الذي اشترته لتتحلى به حتى تسد حاجة الزوج ويسد حاجتها، وقالوا: كانت عائشة أم المؤمنين تحتها يتامى أخيها عبد الرحمن وكان لهم حلي وما كانت تزكيه، وكان ابن عمر كذلك وكان جابر كذلك وغيرهم.
وقال خلاف الجمهور ـأبو حنيفة وبعض أهل الحديث والظاهرية بوجوب زكاة الحلي.
وهنا نحن نذكر الحكم ولا نلزم، فنقول: إذا نشطت المؤمنة ورغبت في زكاة حليها تقومه وتزكيه سنوياً بنسبة اثنين ونصف في المائة، وإن هي أخذت بالرخصة وبما عليه جمهور المسلمين والمسلمات وقالت: ما ادخرته ولا كنزته، وإنما هو زينة، فلا نلزمها بذلك، ولا نبغضها، ولا نقول: درجتها أدنى أبداً، بل أخذت بدين الله.
كيفية زكاة الأسهم
الجواب: يعني أصحاب الشركات والمؤسسات، مثلاً: شركة الكهرباء، أعرف أن الناس مساهمون فيها بأسهم، هذا عنده مائة سهم، هذا مائتا سهم، هذا عنده عشرة أسهم، أليس كذلك؟ ويوم أن دخلوا بالأسهم قبل عشرين سنة كان السهم بمائة ريال، وهو الآن يساوي أضعافاً مضاعفة بدليل أننا كنا نشتريه بخمسمائة ريال والآن بخمسين ألف أو ربما بمليون.
إذاً: ما المخرج؟ الذي أراه ما داموا يعطونك ربحاً سنوياً، فأنت زكِ الذي تحصل عليه منهم على الفور، لأن الأدوات لا تزكى. شخص عنده حمار يحمل عليه البرسيم ويؤجره للناس ما يزكيه، فالسيارة كذلك يشتغل عليها، يحمل عليها البضائع، يحمل عليها الركاب لا يزكيها مثلها مثل الفرس، لكن هذا الذي يحمل عليها إذا توفر له من الحمالة شيء وحال عليه الحول يزكيه، فما دامت الشركة عبارة عن مكائن ضخمة وأدوات فما نستطيع أن نقول: قوم، كيف يقومها؟ مستحيل أن يصل إلى نتيجة، وليست هي للبيع والشراء كالتجارة حتى نقول: قومها رأس كل سنة، فنقول من باب اليسر لا العسر: إن صاحب هذه الأسهم عندما يعطى الفائدة السنوية يزكيها على الفور ويحمد الله عز وجل.
زكاة الأرض العقارية التي لا بناء فيها
الجواب: هذه مسألة خلافية، وأنا أحب من العالم أن يذكر المسائل الخلافية كما هي حتى لا يسمع السامع من غيرك ويقول: كيف يتناقض العلماء؟ هذا خطأ، وأنا ما أعني الخلاف الجزئي الشاذ الذي لا قيمة له، لكن مسألة اختلف فيها أئمة الإسلام وأصحاب رسول الله فلا ينبغي أن تذكر جانباً واحداً وبعد ما يطلع عليه يظهر بين المسلمين تناقضات.
فأقول: هذه المسألة -مسألة الاحتكار- أهل الفقه يسمون التجارة بتسميتين: إن كانت تدخل وتخرج كالبقالة والبز والثياب يومياً يبيع ويشتري، هذه تسمى بالتجارة المدارة لأنها تدور، فإذا حال الحول على بداية عمله يغلق بابه ويجرد الموجود ويعرف قيمته ويزكيه على الفور كل سنة.
والتجارة المحتكرة هي: أن يشتري الأرض ولا يبيعها إلا إذا ربح فيها، عام، عامان، ثلاثة، غير مهم، يشتري العمارة للتجارة، يقول: عندما أكسب فيها ألفاً أو عشرة أبيعها، يشتري مثلاً ألف سجادة وتبقى عامين أو ثلاثة أعوام ولا يبيعها إلا لمكسب. هذه تسمى بالمحتكرة.
ذهب مالك رحمه الله ومن وافقه من أئمة الفقه على أن المحتكرة تزكى عندما يبيعها فقط ولو بقيت عشر سنوات، إذا باعها يزكي النقد الذي حصل عليه، اشتراها بمائة وباعها بمائة ألف يزكي المائة ألف على الفور ولا ينتظر فيها حولاً ولا شهراً، هذا إذا اشتراها للتجارة احتكاراً لها، ودليلهم: أن عثمان رضي الله تعالى عنه كان إذا أعطى العطية لصاحبها يسأله: هل عندك شيء قبل هذا تجب فيه الزكاة؟
فإن قال صاحب العطية: عندي، يأخذ عليه الزكاة، وإن كان ما عنده أعطاه مبلغاً أكثر من النصاب مرات، لأنهم كانوا يعطون لرجال الجهاد كل سنة ما يعيشون به، الآن الحكومة تعطي العسكري شهرياً، أليس كذلك؟ ما كانت الأنظمة المالية كما هي الآن، بل كان يعطى الرجل في السنة مرة ما يكفيه سنة، فيعطيه مبلغاً، ولا يقول له: زكه الآن، لا؛ لأنه ليس عنده أصل قبل ذلك. هذا دليلهم، مع العلم أنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القضية نص، حتى إن بعضهم كأهل الظاهر يقولون: لا زكاة في التجارة.
فهذا المذهب -مذهب مالك ومن وافقه- طابع الرفق والرحمة ظاهران فيه، بدليل أن الرجل يشتري أرضاً بمائة ألف ريال، فبدل أن تضيع هذه المائة ألف ريال أو يسرف فيها يقول: أشتري بها قطعة أرض لعل الله يفتح علي فأبيعها بمائة وعشرة، وهو لا يملك شيئاً، فإذا ألزمناه بالزكاة وجاء الحول وما باع، من أين يأتي بألفين وخمسمائة ريال وليس عنده، يجيء العام الثاني ولم تبع من أين يأتي بألفين وخمسمائة؟ أليس كذلك؟ فمن الرحمة أن نقول: يوم أن تبيعها زكها، كالديون، مرة واحدة، وهناك مذهب أحمد رحمه الله ومن وافقه: أن التجارة المحتكرة عنده كالمدارة يزكيها كل حول، بغض النظر هل بيعت أو لم تبع، يستفيد أو لا يستفيد بل يزكيها.
وعلى كل حال! هذا عرض المسألة، وأنا قررت في رسالة (الجمل في زكاة العُمل)، بعدما نظرت إلى أدلة القوم فرجحت هذا الجانب وهو أرفق بالمؤمنين، والأمر كذلك في زكاة الحلي، المؤمنة مخيرة، تزكي أو لا تزكي.
حكم نصيحة الذي يسأل الناس عند إعطائه المال
الجواب: إذا كانت زكاة فلك أن تقول له: يا شاب! أنت قوي و( لا حق في الزكاة لرجل قوي ولا لذي مرة سوي ) كما قال الرسول، وإن شئت خذ وإن شئت لا، أنا أنصح لك.
أما صدقة التطوع فلا؛ لأن معنى هذا أنك حطمته، بل أعطه ويوماً من الأيام اتصل به وعظه، أما في حال الطلب ما جاء على فرس، جاء يمشي على رجليه، فما ينبغي أن تقول له هذا وتعظه، فهذا ينقص من أجرك، لأنك قد آذيته.
حكم زكاة العقارات المعدة للإيجار
الجواب: لا التفات إلى من قال: تزكى الإيجارات شهرياً، إذ هذا لا يقوم عليه دليل قط. يبقى ما عليه أهل العلم من عهد الصحابة إلى اليوم: أن الإيجارات لما تتجمع ويضعها في صندوقه ويحول عليها الحول يزكيها مرة واحدة، أما تزكية الإيجار كل شهر فهذه صدقة وليست زكاة، ولا نمنع أنك تزكي كل شهر، لكن لا نسميها زكاة واجبة أبداً، إنما تبرع وإحسان، فتجمع أنت إيجاراتك السنوية وهي مدسوسة عندك أو في بنك مسلم، وإذا حال الحول على أموالك الموجودة تزكي في يوم واحد، هذا هو زكاة إيجار العمارات، فهي كرواتب الموظفين من أمثالنا، نتسلم كل شهر راتباً لا تجب فيه الزكاة، ولا نزكي الراتب كل شهر.
نقول: ما أوجب علينا الشارع هذا، بل نأكل ونتصدق ونتداوى ونشرب، والباقي إذا جاء رمضان نكشف عنه، فإن وجدناه نصاباً زكيناه، وجدناه أقل من نصاب ليس علينا شيء.
يبقى أهل الورع والكمال أولئك في مصاف أخرى، ما نطلع في صفوفهم ولا نساميهم. كان الشيخ الطيب العقبي -رحمة الله عليه- وكان خريج المسجد النبوي كما حدثني بنفسه قائلاً: كنت في مكة أدير جريدة القبلة -قبل أم القرى- فكنت أقسم الراتب الشهري ثلاثة أقسام: قسم أنفقه على نفسي، وآخر أتصدق به على طلبة المسجد، والثالث على الجريدة، فهل نحن نستطيع هذا؟ حصل أن أخبرنا رسول الله عن مثل هذا، صاحب الزرع أو الحديقة السحابة تساق حتى تمطر، فسألوه: لم أنت؟ قال: لأنني أقسمها أثلاثاً: ثلثاً آكله وثلثاً أتصدق به وثلثاً أرده عليها.
فهذا الكمال ما عنده حد، أما أن نكتب في كتاب الحلال والحرام ونقول: يجب إيجار الرواتب والعمارات ونخرج على سنة المسلمين كل هذا رغبة في الخير؟ لا، لا بد وأن نقول ما عليه الحق والمسلمون.
حكم إعطاء الصدقة لشارب الخمر
الجواب: قال تعالى وقوله الحق: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272] هذه نزلت في ماذا؟ في هذا السؤال.
قالوا: جاءنا يهودي يا رسول الله! فقير نعطيه آخر قال: جاءنا نصراني، آخر قال: جاءنا كذا، فصدقة التطوع لست مسئولاً عن حال آخذها، جائع سد بطنه: ( في كل ذات كبد رطبة أجر ) ولو كلب.
أما الصدقة الفرض -الزكاة- لا تعطى لأعداء الله؛ لأنها حق المؤمنين، فلا نتصرف فيها كما نشاء؛ لأنها ليست لنا، هذه لفقراء المؤمنين، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فما تتبرع أنت بمال الفقراء على فاسق أو على كافر، أما صدقة التطوع أعطها حتى لأكفر الناس، وهذا غير مانع أن تعظ أخاك وتنصحه وتأتي به للمسجد وتعالجه، تأتي به للطبيب حتى يترك هذا الألم منه، فلا يبقى تأكله النار وأنت تضحك.
أجر من نوى الصدقة فسرق ماله
الجواب: أنا ما أقول: سرق، أراد أن يتصدق وبعد ذلك سقطت الصدقة من جيبه أو ضاعت بسرقة أو بتلف، نقول: يعطى أجر نيته، يعطى على نيته الخيرية، وأعظم من هذا لو رأيت أحداً يتصدق وأنت تتململ: آه لو كان عندي لكنت أتصدق كما يتصدق، تعطى أجر الصدقة وأنت ما تصدقت إن كنت صادقاً في نيتك.
وأيضاً لو أن إنساناً وجبت عليه صدقة واجبة -الزكاة- أو كفارة من الواجبات أو نذر ثم سرقت منه أو ضاعت، هل يغرمها أو لا يغرمها؟
الجواب: يغرمها ولا بد؛ لأنها وصلت إلى يد الفقير، فالفقير يطالب بحقه لم تضيعه أنت؟
حكم إخراج الزكاة على أحد أفراد الأصناف الثمانية
الجواب: بغض الطرف عن الخلاف، الباب المفتوح ادخل منه، الآن في هذه الظروف قد يوجد عندنا غريم فقط، نعطي للغريم، وجد الجهاد في أفغانستان، يكون الآن معنا بابان، نعطي لأفغانستان البعض ونعطي الغريم البعض، ما وجدنا غريماً معنا فقراء ومساكين، نعطيهم البعض والبعض الثاني للجهاد، وإذا الجهاد انتهى، انتصر المجاهدون في أفغانستان، وما بقي جهاد الباب انغلق، نبحث عن الفقراء أو عن الغارمين، وهكذا بحسب واقع الناس.
ولو دفعها كلها في الجهاد أو أعطاها لغريم سدد دينه تجزئ إن شاء الله.
حكم الشروع في النافلة إذا أقيمت الصلاة
الجواب: لا يجوز، إلا إذا دخل فيها وصلى ركعة قبل مجيئك، فتقيم، وهو يتم صلاته أما أن تقول: الله أكبر تقيم ويقوم يصلي فلا، والنافلة باطلة.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
انتبه .. إنها الساعة الحاسمة | 3860 استماع |
لماذا نصوم - شرح آخر -1 | 3656 استماع |
القرآن حجة لك أو عليك | 3551 استماع |
لماذا نصوم -1 | 3490 استماع |
سر الوجود | 3489 استماع |
الأمة الوسط | 3483 استماع |
وصايا لقمان كما وردت في القرآن | 3348 استماع |
دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى أن تقوم الساعة | 3234 استماع |
مناسك الحج | 3190 استماع |
الذكر والشكر | 3142 استماع |