أربعون وسيلة لاستغلال موسم الحج


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فهذه ليلة الأربعاء الموافق للخامس من الشهر الحادي عشر للعام (1415هـ) وفي هذا المكان الطيب المبارك في مدينة الرس ، ومع هذا الموضوع الذي هو بعنوان: (أربعون وسيلة لاستغلال موسم الحج) وهذه وسائل وتوجيهات، وهي بعض الأفكار والاقتراحات حول استغلال موسم الحج، لم أراع فيها التقديم والتأخير، ولا الترتيب والتنظيم، اقتضاها الخاطر المكدود على عجره وبجره، والذهن المشغول على نقصه وتقصيره، والقلب بكل واد منه شعبة، والهمة قد تفرقت شذر مذر، لكن حسبي أنها من أخ ناصح غيور، دفعه حبه ونصحه للأمة، فأرجو قبولها على ما فيها من النقص والتقصير، فهي بحاجة لاشك لكثير من المزيد والتطوير، فإذا تقاربت الآراء، وتلاقحت الأفكار، منضبطة بالكتاب والسنة، مشروطة بالإخلاص، مؤديةً للغرض المطلوب منها، عندها تكون الوسيلة صحيحة شرعية إن شاء الله.

أيها الأخ الحبيب! ويا أيتها الأخت المسلمة! كم هو جميل أن تكمل هذه الوسائل والتوجيهات، وهذه الأفكار والاقتراحات برأيك الصائب، وبنظرك الثاقب، فإن وجدت فيها خللاً سددته، وإن وجدت فيها نقصاً جبرته، وإن كان هناك مزيد من الوسائل والتوجيهات فأرجو ألا تبخل بها عليّ ولا على إخوانك، فإن الدال على الخير كفاعله.

وقبل البداية، وكلي أمل أيها المحب! أن تنظر لهذه الكلمات بعين الرضا:

فعين الرضا عن كل عيب كليلة     كما أن عين السخط تبدي المساويا

وأسأل الله أن يغفر لي الخطأ والزلل، وأن يعفو عن النقص والتقصير، وأن يعينك على سماعها والعمل بها، فإن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.

فأقول مستعيناً بالله، مستلهماً منه الصواب والتوفيق، راجياً منه القبول والعون؛ أقول: قبل أن أبدأ بهذه الوسائل فإني أقدم بمدخل أسأل الله عز وجل أن يجد منفذاً للقلب:

فأقول أيها المحب! إنني في حيرة من أمرك! وأعجب من شأنك! وأتألم لحالك! فأنت صالح إن شاء الله، وأنت مستقيم على طاعة الله، وتحمل بين جنبيك لا إله إلا الله، فأنت تعرف أنك على حق، وتعرف أنك صاحب مبدأ، وتعلم أنك خلقت لهدف، ولحمل هذا الحق وتبليغه لكل إنسان، ومع ذلك كله فإني أراك تركن إلى الخمول والكسل، وتتعلق بالدنيا وكأنك مخلد فيها.

فأين العمل؟! وأين الهمة العالية؟! وأين الهمّ للمبدأ؟! لماذا هذه السلبية المقيتة؟! ولماذا هذا الجمود الذي نراه على كثير من إخواننا وأخواتنا؟!

كل أهل المبادئ تحركوا وعملوا وضحوا لكل شيء وبكل شيء وهم على باطل، وأنت صاحب الحق، فإن تعش تعش عزيزاً، وإن تمت تمت شهيداً، فالله معك، والجنة موعدك، فلماذا إذن التردد؟! ولماذا هذا الهوان؟! ولماذا تضيع المناسبات ونخسر المواسم بدون استغلال يناسب هذه المناسبات؟!

فموسم الحج مؤتمر إسلامي من أعظم المناسبات التي تمر على الأمة الإسلامية، قال تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27].

إذاً: فهذا الموسم يأتي الناس إليه منذ أذن فيهم إبراهيم عليه السلام بالحج، يفدون إلى بيت الله الحرام في كل عام من أصقاع الأرض كلها، وأرجاء المعمورة جميعها، مختلفة ألسنتهم، متباينة بلدانهم، متمايزة ألوانهم، يفدون إليه وأفئدتهم تتلهف إلى رؤيته والطواف به.. الغني القادر والفقير المعدم، ومئات الألوف من هؤلاء يتقاطرون من فجاج الأرض البعيدة، لماذا؟ تلبيةً لدعوة الله التي أذن بها إبراهيم عليه السلام منذ سنين عديدة.

إن الحجاج إذ يستبدلون بزيهم الوطني زي الحج الموحد، ويصبحون جميعاً بمظهر واحد، لا يُميَّز شرقيهم عن غربيهم، ولا عربيهم عن أعجميهم، كل لباسهم واحد، وتوجهوا إلى رب واحد، بدعاء واحد (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) وتراهم وقد نسوا كل الهتافات الوطنية، وخلفوا وراءهم كل الشعارات القومية، ونكسوا كل الرايات العصبية، ورفعوا رايةً واحدةً هي راية (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) يطوفون حول بيت واحد، مختلطة أجناسهم وألوانهم ولغاتهم، ويؤدون نسكاً واحداً.

فأقول: فمهما اختلفت اللغات، ومهما تعددت الجهات، ومهما تنوعت الجنسيات، فديننا واحد، وربنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة، إذن فنحن أمة واحدة رغم أنف الأعداء، ورغم كل من حاول تشتيت هذه الأمة، فما أحلى استغلال هذه المناسبة لتوحيد كلمة المسلمين! وما أحلى استغلال المناسبة لجمع القلوب وتصفيتها! وما أحلى توجيه الحجاج لهذه المعاني الجميلة! وتكرارها عليهم، وإحياء مثل هذه المفاهيم في نفس كل مسلم ومسلمة لتتقارب هذه القلوب، وتتحابَّ هذه النفوس، وحتى تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، فيسرك ما يسره، ويفرحك ما يفرحه، وإذا اشتكى أخ لك أو تألمت مسلمة، أحزنك ما أحزنها وساءك ما أساءها.

هنا وبمثل هذه المفاهيم، وإذا اجتمعت القلوب على مثل هذه المبادئ، هنا يتحرك الجميع للعمل، وينطلق الجميع للميدان، ونضع اليد باليد، والكف بالكف، ونرص الصف إلى الصف إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] .. وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].. (والدال على الخير كفاعله) .. (ومن سن في الإسلام سنةً حسنةً، كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) هنا أستطيع أن أرسم مبدأ يعيش كل مسلم لأجله.

من هنا ألج إلى هذه الوسائل، فأقول:

إخلاص النية لله

الوسيلة الأولى: إخلاص النية لله، فما تركت بيتك وأهلك وأولادك، وصرفت مالك، وتكبدت متاعب الطريق ومشقة السفر وحرارة الشمس والزحام وغير ذلك؛ إلا ابتغاء مرضاة الله وقبول العمل.

إذاً: فاحرص على كل خير واجتنب كل شر، فما هي إلا أيام معلومات سرعان ما تنقضي هذه الأيام، فتذكر دائماً الإخلاص لله عز وجل، ليكون هذا الأمر معيناً لك على استغلال كل ساعة من ساعات هذا الموسم العظيم.

حسن الخلق وخدمة الآخرين

الوسيلة الثانية: حسن الخلق، وخدمة الآخرين، والصبر والتحمل خاصةً في أوقات الشدة والزحام من أعظم الوسائل لاستغلال هذا الموسم، وكسب رضا الله عز وجل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أقربكم إليّ منازلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أثقل شيء في ميزان العبد حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ ما لا يبلغه الصائم القائم).

فحسن خلق، وصبر جميل، وتحمل مع حسن اتباع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مناسك الحج، كل هذه كفيلة بمشيئة الله بأن تكون سبباً في رجوعك لأهلك كيوم ولدتك أمك خالياً من الذنوب، وهل هذا الفضل يسير؟! كم يتمنى إنسان منا أن يرجع من بعد هذه الأيام كيوم ولدته أمه خالياً من الذنوب.

أما سوء الخلق، والانفعال، والسب والشتم ؛ فإنها آفات حالقة للدين، مضيعة للحسنات، مزعجة للنفس، مكدرة للخاطر.

اختيار الرفقة الصالحة

الوسيلة الثالثة: وهي من أعظم الوسائل لاستغلال هذا الموسم: أن تحرص على أن تذهب مع أحد طلبة العلم، أو مجموعة من الموثوقين منهم ممن عرف بنصحه وحسن استغلاله للوقت، وكثرة ذكره وعبادته لله؛ فإنه خير معين لك لاستغلال هذا الموسم العظيم، فمنه تتعلم كيفية الحج الصحيح كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه تشعر بزيادة الإيمان وارتفاعه بكثرة توجيهاته وبنصحه وتذكيره، فما أحلى أن يحرص الإنسان على الصحبة الصالحة في مثل هذا الموسم!

استشعار عظمة أيام الحج

الوسيلة الرابعة: استشعار عظمة هذه الأيام وقيمتها، وأنك تؤدي ركناً من أركان الدين ترجع فيه كيوم ولدتك أمك.

ومن هذا الاستشعار: استشعار عظمة لبس الإحرام، والتجرد من الملابس، فيذكره هذا العمل بتلك اللحظات، لحظات سكرات الموت، والرداءين بالأكفان، والتجرد من الملابس بيوم يجرد من ملابسه ليغُسَل ويكفن.

أيضاً واستشعار عظمة الموقف بـعرفة بزحامه وحره وشدته، فيذكره بيوم الحساب، يوم يقف الناس عند الله حفاةً عراةً غرلاً، بزحامهم وعرقهم وشدة موقفهم.

واستشعار عظمة رمي الجمرات، وما فيه من الحكم.. من عداوة للشيطان، وعدم الاستجابة له ولوساوسه، وكم من إنسان يرمي الجمرات والشيطان قد تمكن من قلبه، فما أكثر معاصيه! وما أشد فسقه! ولو علم هذا الحاج المعنى الحقيقي لرمي الجمرات، لعلم بعد ذلك أنه بحاجة لرميه من قلبه، والاستعاذة من الشيطان قبل أن يرمي تلك الحصوات مجرد رمي فقط، وإن من حكم رمي الجمرات ذلك الاتباع للخليل ولمحمد عليهما الصلاة والسلام.

واستشعار عظمة الذبح يوم أن تقوم بذبح الهدي، وإراقة الدم لله وحده لا شريك له، ولذلك قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].

وهكذا يستشعر عظمة الحج بأركانه وواجباته لمعرفة حكمه وأهدافه، فيزداد حرصاً على استغلاله وتعظيماً لأيامه، ولذلك ذكر الله في آيات الحج قوله: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30] ثم ذكر في الآية التي تليها، قال: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] ومن استشعر عظمة الله هذه الأيام لم يفرط بساعة واحدة منها، وفقنا الله وإياكم للعمل الصالح الخالص لوجهه.

معرفة فضل الحج ومكانته في الدين

الوسيلة الخامسة: وهي من أعظم الوسائل التي تدفعنا لاستغلال موسم الحج: سماع الأحاديث في فضائله، فقف مع هذه الأحاديث واسمعها مرات ومرات، وتدبرها جيداً، وتأمل معانيها جيداً؛ لترى فضل هذه العبادة وعظمتها، ولتزداد حرصاً على استغلال أيامها وساعاتها.

فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه) والحديث أخرجه البخاري ومسلم .

وعن أبي هريرة أيضاً قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟، قال: حج مبرور) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه .

إذاً: فالحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد.

قال النووي رحمه الله: الحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم.

وفي حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (و أن الحج يهدم ما كان قبله) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه .

وأيضاً من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: (يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ قال: لا. لكن أفضل الجهاد حج مبرور) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه .

وقوله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث

الحديد) والحديث أخرجه ابن ماجة في سننه ، وذكره الألباني في صحيح ابن ماجة .

فأقول: الحجاج إذن وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم، ونفقتهم مخلوفة عليهم وهي في سبيل الله.

فأسألك بالله يا أيها الأخ الحبيب! ويا أيتها المسلمة! ألا تدفعكم هذه الفضائل لاستغلال موسم الحج في كل عمل تقدرون عليه؟! أَلَا يتحرك الإيمان وأنت تسمع هذه الفضائل لتبـذل كل ما في وسعك، وبذل الطاقة والجهد لعمل الخير؟! ألا يحدوك الشوق إلى غفران الذنوب ومحوها؟! أَلَا يحدوك الشوق إلى جنة عرضها السموات والأرض؟! وبمجرد الحرص على استغلال هذا الموسم في أعمال الخير وأعمال البر، فإنك سمعت أن (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) والموفق من وفقه الله، فنسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.

فلله ذاك الموقف الأعظم الـذي     كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم

ويدنو به الجبار جل جلاله     يباهي به أملاكه فهو أكرم

يقول: عبادي قد أتوني محبة     وإني بهم بر أجود وأكرم

فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم     وأعطيتهم ما أملوه وأنعم

فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي     به يغفر الله الذنوب ويرحم

فكم من عتيق فيه كـمل عتقه     وآخر يستسعي وربك أكرم

وما رئي الشيطان أغيظ في الورى     وأحقر منه عندها وهو ألأم

وذاك لأمر قد رآه فغاظه     فأقبل يحثو الترب غيظاً ويلطم

لما عاينت عيناه من رحمـة أتت     ومغفرة من عند ذي العرش تقسم

فيوم عرفة يوم مشهود، وهو من مفاخر الإسلام؛ لأن المسلمين لا يمكن أن يحتشدوا في مكان كهذا المكان لا يعرف بعضهم بعضاً إلا في يوم عرفة، يوم بكاء وخشوع، ويوم دعاء وخضوع، ويوم خوف من الله، ويوم مغفرة للذنوب وتجاوز عنها، وعتق من النار.

ففي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيده من يوم عرفة، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء).

ولأجل هذه المزايا العظيمة في مثل هذا اليوم أقول: ينبغي للحاج استغلال هذا اليوم والاهتمام به، فيكثر من كل الأعمال الصالحة.

الخلوة بالنفس

الوسيلة السادسة: وهنا وسائل وتوجيهات:

الحرص كل الحرص على الخلوة بالنفس، وعدم الاختلاط بالآخرين للدعاء، والذكر، وقراءة القرآن، والخشوع، والبكاء، والتضرع، فإنها ساعات قليلة، احرص على أن تختلي فيها بنفسك:

فلله كم من عبرة مهراقة     وأخرى على آثارها لا تقدم

وقد شرقت عين المحب بدمعهـا     فينظر من بين الدموع ويسجم

كثرة الإنفاق والصدقة

الوسيلة السابعة في يوم عرفة: كثرة الإنفاق والصدقة، وبذل المال، وإطعام الطعام في ذلك اليوم، ولا بأس إن كانوا جماعةً أن يطرح فكرة جمع مبلغ من الجميع كلٌ بما تجود به نفسه؛ وذلك ليشترى به سيارة ماء-مثلاً- أو سيارة طعام أو شراب، ومن ثم توقف على المسلمين في ذلك اليوم؛ فهم في شدة وحر وزحام وجوع، فما أعظم الصدقة في مثل ذلك اليوم، وهي أدعى لقبول الدعاء والحج.

استغلال ساعة الغروب الأخيرة

الوسيلة الثامنة: وقت انصراف الناس من يوم عرفة .. ساعة غروب ولحظات أخيرة ليوم عظيم، وهي ساعة استجابة، وفي موسم عظيم، يغفل الناس كثيراً في هذه اللحظات بانشغالهم بالانصراف ومزاحمة الناس، وإن كان هذا لا بد منه لسائق أو لبعض الأفراد كما يدعي البعض فأقول: فلماذا انشغال الجميع؟ ولماذا التعليق والغضب وربما السب والشتم في هذا الوقت، ونسيان الدعاء والتلبية وشكر الله على هذا الفضل العظيم؟!

وأقول للإخوة جميعاً: لنحرص على مثل هذه اللحظات في ذلك اليوم على الدعاء، فو الله لقد أقسم بعض الصالحين أنه ما دعا الله عز وجل دعوةً، وطلب من الله طلباً في ذلك اليوم، فما دارت السنة إلا واستجاب الله عز وجل دعوته كما طلبها، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى.

فلماذا إذن تضيع علينا هذه الساعات التي من دعا الله عز وجل -إن شاء الله- استجاب له دعاءه فيها خصوصاً إذا قام بآداب الدعاء كاملةً؟

تطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذبح الهدي وتوزيعه

- الوسيلة التاسعة: الهدي في الحج دم يراق في سبيل الله في أيام من أعظم الأيام، والحاج إذا دخل المسالخ لا يستطيع أن يمشي على الأرض من كثرة الذبائح المتراكمة على بعضها، والتي تركت على حالها، ومن رأى هذا الوضع يتألم ويحترق قلبه على ضياع مثل هذه الأنعام وعدم استغلالها، وكأنه لا أخوان لنا في كل مكان يتمنون لقمةً يتبلغون بها، وهنا اقتراحات، منها:

على الحاج أن يحسن ذبح ذبيحته، وليستغل كل جزء فيها، وليأكل منها وليوزع الباقي، فإنها عبادة عظيمة يؤجر عليها الإنسان، وكلما حرص وأخلص فهي كسائر العبادات، فعلى الإنسان أن يحرص على أن يؤدي هذه العبادة بنفسه، وأن يريق الدم بيده؛ فإن هذه العبادة من أعظم العبادات لله عز وجل.

فلماذا إذن هذا الإهمال العجيب من كثير من الناس؟ والله عز وجل يقول آمراً: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28].

- الوسيلة العاشرة: على أصحاب الحملات ومن يذهبون جماعات إلى الحج أن يكلفوا خمسةً منهم -أقل أو أكثر- يجمعون المبالغ من الحجاج الذين شاركوهم، ويتجهون للأسواق فيشترون الأغنام أو الإبل، ويشرفون على ذبحها وتقسيمها ووضعها في أكياس، ثم ليسألوا عن الأحياء المحتاجة في مكة وما أكثرها، وليذهبوا بأنفسهم لتوزيعها، فكم من الأجر العظيم في ذلك، وإن كان العدد كبيراً فلا بأس من تقسيمها على مجموعات لتذهب كل مجموعة في كل يوم.

وأقول: وقد عمل مثل هذا العمل فوجدنا أن الفقراء في مكة بحاجة ماسة لمثل هذه الصدقة، فلماذا إذن نحرمهم؟ ولماذا نحرم أنفسنا الأجر، مع أن الأمر يسير ولا إشكال في مثل هذا العمل؟

- الوسيلة الحادية عشرة: في الهدي: إن لم يتمكن الحاج من ذلك، ولم يستطع أن يذبح أو يشرف على ذبيحته، فالأولى تسليمها إلى أفراد يثق بهم، أو إلى مؤسسات خيرية تقوم باستلام قيمتها وذبحها وتوزيعها على فقراء المسلمين، فهو أولى من ذبحها ورميها وتراكمها في مثل تلك المشاهد التي نراها.

وهنا أنبه كل مسلم، وكل محب للخير إلى إرشاد الناس للاهتمام بالهدي، وعدم إهماله أو اللامبالاة فيه، وأن نتناصح فيما بيننا كمسلمين، ولو عُمِل بعض الوسائل للأعاجم لإرشادهم في هذه القضية، كالإعلان عنها في الصحف والمجلات بمجموعة من اللغات، أو بعمل مطويات من قبل مكاتب الدعوة والجاليات، لكان أولى وأفضل.

ونسأل الله أن تتلاشى تلك المناظر المؤلمة من أكوام الذبائح التي تحرق وترمى، والمسلمون بأمس الحاجة لها، ولن يكون ذلك إلا بتعاون الجميع.

توزيع الشريط الإسلامي النافع

الوسيلة الثانية عشرة: وهي من أعظم الوسائل وأنجعها، فمما لم يعط حقه في هذه المناسبة: هو توزيع الشريط النافع وبلغات متعددة.

فإذا قلنا أيها الأحبة: إن مجموع الحجاج أكثر من مليوني حاج، منهم مليون من الخارج، وهم من بلاد مختلفة، ولغات متعددة، فلماذا لا يحرص على الشريط وينظم العمل له بحيث لا يرجع حاج إلى أهله ومدينته ومكان إقامته إلا ومعه على الأقل شريط واحد؟ فما أحلى أن نهتم بمثل هذا المشروع وأن نحرص عليه!

فكم من الناس حرموا من مثل هذه الوسيلة، وأقول هذا الأمر من خلال تجربة معينة، فإن المسلمين في أماكن كثيرة تجد أنهم قد يفقدون مثل هذه الوسيلة، وكم نجد من الدعاة إلى الله عز وجل ممن يحرصون على تبليغ هذا الدين لأهله، لكنهم في كثير من البلاد قلة، وإن وجد من الدعاة من يعمل، فقد لا تخلو عقيدته من شبهة معينة، فلذلك لماذا لا نستغل مثل هذه المادة ومثل هذه الوسيلة في توزيع الأشرطة الموثوقة؟

وهنا تنبيهات على من اقتنع بمثل هذه الفكرة:

فأولاً: سلامة موضوع الشريط من الشبهات والعقائد الفاسدة، والتأكد من الملقي ولغته وترجمته إن كان مترجماً، وذلك بالتعاون مع المؤسسات المسئولة، كالجامعة الإسلامية بـالمدينة المنورة -مثلاً- ومكاتب الجاليات، فقد توزع مئات الأشرطة وهي مليئة بالخرافات والأباطيل.

ثانياً: الحرص على مواضيع العقيدة الإسلامية وتأصيلها ومحاربة الشرك والسحر -مثلاً- وبعض الكبائر كالزنا -أعزكم الله- والغناء وحكمه، وحقوق المرأة في الإسلام، والمواضيع التي تتحدث عن مثل هذه الأمور، والإكثار منها، فإن المسلمين في كل صقع بحاجة لمثل هذه الأمـور.

ثالثاً: الاهتمام بالإخراج وجمال الشكل الخارجي، وصفاء التسجيل للشريط وتغليفه؛ ليكون أدعى للقبول، وليناسب الإهداء، وإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ولو قامت وزارة الشئون الإسلامية ووزارة الحج ومكاتب الدعوة والجاليات بمثل هذا العمل والاهتمام به، لنفع الله به نفعاً عظيماً في كل مكان.

وقد سمعنا -والحمد لله- قيام وزارة الشئون الإسلامية بمثل هذا العمل فشكر الله سعيها، ووفق العاملين فيها لما يحب ويرضى، ولكن نقول -أيضاً-: مزيداً من التنظيم والتكليف، فإن مثل هذه المناسبة جديرة بالاهتمام بها والحرص عليها، وهنا لا يمنع -أيضاً- من قيام الأفراد والجماعات بمثل هذا المشروع كلٌ بحسب طاقته، فإن الدعوة إلى الله مسئولية الجميع وليست وقفاً على أحد بعينه.

توزيع الكتاب الإسلامي

- الوسيلة الثالثة عشرة: قل مثل ذلك في الرسائل والكتيبات، وطباعتها طباعةً فاخرةً جميلةً وتكثيفها، وإن كانت طباعة الكتاب في كثير من البلاد الإسلامية وفي خارج البلاد أمرها يسير بخلاف الشريط.

الاستفادة بدعوة ذوي الخبرات إلى الحق

الوسيلة الرابعة عشرة: لماذا لا يقوم بعض الشباب بجمع عدد لا بأس به من إخواننا الوافدين أو من غيرهم، خاصةً أصحاب التخصصات كالأطباء والمهندسين والأساتذة وغيرهم، ثم الحج معهم وتوفير النقل وتجهيز السكن لهم هناك، فهي فرصة لدعوتهم وتوجيههم، وهي فرصة لقيامهم بالحج صحيحاً كما شرع، ومثل هذا العمل جهاد عظيم، فإنه مخالف لحظوظ النفس وشهواتها، فإن النفس تحب السفر مع من تعرف وترتاح إليه، ولو علم بعض أهل الخير بمثل هذه الوسيلة لتولوا تكاليف مثل هذه الرحلات والإنفاق عليها، لما فيها من نفع عظيم.

ولو قام أصحاب المؤسسات الكبيرة والشركات بمثل هذه الحملات لعمَّالهم، وشاركهم بعض الشباب، لكانت كذلك فرصةً مناسبةً لمخالطتهم وتنظيم برامج لهم واستغلال أوقاتهم، وربما لم يرجعوا من الحج إلا وقد تبدلت أحوالهم، وصلح شأنهم، وهذا اقتراح ونداء نوجهه لشبابنا، فهل يجد آذاناً صاغيةً وهمماً عاليةً، ونفوساً أبيةً مجاهدةً؟! نرجو ذلك!

إقامة الدروس الموجهة والموضحة للمناسك

- الوسيلة الخامسة عشرة: أن تكون هناك سلسلة دروس خفيفة من بداية رحلة الحج إلى نهايتها، وتتصف هذه الدروس بيسرها وعدم طولها، ووضعها على شكل نقاط سريعة يلخص فيها خطوات العمل لكل يوم من أيام الحج:

فمثلاً: في الطريق: الدرس الأول: في إخلاص النية وحكم الحج ومنافعه.

الدرس الثاني: في آداب السفر والصحبة والأخوة.

الدرس الثالث: في الصبر والتحمل وحسن الخلق.

الدرس الرابع: في كيفية الإحرام ومحظوراته وسننه.

الدرس الخامس: من الميقات إلى الحرم، في كيفية أداء العمرة وسننها وبعض المخالفات فيها.

الدرس السادس: في الجلوس بـمنى ، وفي الأذكار، والدعاء وآدابه، وبعض الأدعية المختارة.

الدرس السابع: في أعمال اليوم الثامن وسننه.

الدرس التاسع: في صباح يوم عرفة يكون هناك أعمال يوم عرفة وبعض التوجيهات لاستغلاله.

الدرس العاشر: في أعمال يوم النحر وسننه.

الدرس الحادي عشر: في أعمال أيام التشريق وفضلها وكثرة ذكر الله فيها.

فأقول: لو عمل بهذه الوسيلة في رحلة الحج، واختصرت هذه الدروس على شكل نقاط سريعة، وكتب كل درس في ورقة واحدة، ووزعت على الحجاج المشاركين، أو وضعت في لوحة بارزة في أمكانهم بخط واضح كبير، لكانت هذه السلسلة خـير وسيلة، وأسـهل طريقة لتفقيه الحجاج بركنهم، والحرص عليه وحسن استغلاله.

استغلال موسم الحج بدعوة التجمعات في المخيمات

- الوسيلة السادسة عشرة: على الشباب والدعاة وطلاب العلم، استغلال هذا الموسم العظيم وهذه المناسبة الدعوية، وذلك بالذهاب إلى المخيمات والحملات، وزيارة الحجاج في خيامهم، والحديث معهم وتوجيههم، وبيان مناسك الحج كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمن الخطأ أن ننتظر تجمع الناس ومجيئهم إلينا للاستفادة، فإن هناك أناس إن لم تذهب إليهم فلن يأتوك، ومن أفضل الوسائل لهم تنظيم الكلمات الوعظية بعد الصلوات، وقد جرب ذلك فكان له أثر عظيم، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان يعرض نفسه ودعوته عـلى الحجاج في مـواسم الحج المختلفة، وكان يذهب إلى منتديات زعماء قريش فيدعوهم، وقد ذهب وحيداً إلى الطائف ليدعو أهلها، وكان يقال -أيضاً- عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه رجل عامة يخالط الناس ويغشاهم في مجالسهم ومنتدياتهم، ويقضي حوائجهم.

فالأولى بشباب وطلاب العلم والدعاة أن يفعلوا ذلك، ويخالطوا الناس ويغشوهم في مجالسهم وخيامهم.

توجيه أهل كل بلد لدعوة أهلهم الوافدين

- الوسيلة السابعة عشرة: لا شك أن لكل مكتب جاليات مجموعةً من طلبة العلم المتقنين للغات عدة، سواءً من العرب أو العجم، فأقول: لم لا تستغل مكاتب الجاليات هذه الطاقات، وهذه المواهب للاستفادة منهم في عقد الدورات والندوات والدروس في المخيمات الكبيرة للمطوفين في الحج، وفي إلقاء المواعظ والكلمات عليهم بعد الصلوات، ولا بأس -أيضاً- في مكافأة هؤلاء الذين يقومون بهذه الدروس وترغيبهم؟

نرجو أن تهتم مكاتب الجاليات بهذا، وأن يوصل بعض الإخوة مثل هذا الاقتراح للقائمين على مثل هذه المكاتب لعل الله عز وجل أن ينفع بها الأعداد الكبيرة من المسلمين في كل مكان، يوم أن يأتوا لمثل هذه الأماكن فينتظروا منا أن نقدم لهم شيئاً ولو كان يسيراً.

أقول: تهتم مكاتب الجاليات لمثل هذه الفكرة وتخطط لها، كأن يُحصَر -مثلاً- هؤلاء في مكاتب الجاليات جميعها، ويوضع لهم جدول مرتب ويرفع إلى وزارة الشئون الإسلامية للإقرار والموافقة عليه، فإنها خير معين لمثل هذه البرامج.

وأقول: لو طبقت هذه الفكرة لوجدنا نفعاً عظيماً لهؤلاء المسلمين الذين يفدون إلينا من كل مكان بلغات متعددة.

كثرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الوسيلة الثامنة عشرة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن عظيم من أركان الدين، بتركه تكثر الأخطاء والعيوب، وتنتشر المنكرات ويتفشى الجهل، ويضيع الحق، بل قد يصبح الباطل حقاً، وهو من أعظم صفات المؤمنين والمؤمنات، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].

والتناصح بين المؤمنين والمؤمنات سبب لنشر الحب والإخاء، وصفاء النفوس، وكل مسلم ومسلمة يريد أن يكون محبوباً عند الآخرين، يريد أن يملك قلوب الآخرين بحسن خلقه، ويريد أن يصل إلى الكمال الخلقي الإنساني، ولن يكون ذلك أبداً إلا بأن نعرف عيوبنا، ونعالج هذه العيوب، ونتقبل هذه العيوب بصدر رحب ونفس راضية، ولا يمكن علاجها إلا بمعرفتها، ومن الصعب أن يرى الإنسان عيب نفسه أو أثر عيوب نفسه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه) والحديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، وأبو داود من حديث أبي هريرة وقد حسنه العراقي كما في تخريج الإحياء .

- الوسيلة التاسعة عشرة: وهنا اقتراح على كل مخيم وحملة للحج، بوضع صندوق صغير تحت مسمى: صندوق المناصحة أو صندوق التناصح، ويوضع في مكان بارز للجميع، وكل من لاحظ على أخيه أمراً سلباً كان أو إيجاباً فإن من العدل أن نذكر محاسن الشخص كما نذكر مساوئه وأراد أن يكتب لأخيه كلمات ناصحة رقيقة، فإنه يكتبها ويضعها بظرف ويكتب عليها اسم المرسل إليه ويضعها في هذا الصندوق، ويكون هناك شخص أمين يحمل الرسائل إلى أصحابها، ولو وضع بجانب الصندوق -أيضاً- أقلاماً أو أوراقاً وظروفاً لكان أجمل ليسهل على الكاتب الأمر.

ولو عُمِل ذلك لرأينا آثاراً جميلةً على أفراد المخيم والرحلة، ولرجع كثير منا وقد سدت تلك العيوب التي ربما تراكمت عليه بدون أن من أحد يناصحه من إخوانه فيها، ولذلك لنجرب ولنقم بمثل هذا الأمر في رحلاتنا وحملاتنا.

بل أقول: لو جرب ذلك حتى في مؤسساتنا ومدارسنا وشركاتنا لوجدنا أن التناصح قد يجد له طريقاً؛ لأن كثيراً من الناس ينعقد لسانه عندما يريد أن يناصح أخاً له في منكر أو في عيب أو ملاحظة عليه، لكن إن كان الأمر عن طريق الكتابة والتسجيل فقد يسهل ذلك عليه، فلنجرب ذلك، وقد جُرِّب فآتى ثماراً نافعةً.

إعداد المرأة ما تدعو به في الحج

الوسيلة العشرون وهي للمرأة: ألا تذهب الصالحة للحج إلا وقد أعدت على الأقل ثلاثة مواضيع أو أكثر، مع مسابقات ثقافية وأسئلة عن الحج وفقهه، لتنفع الأخريات اللاتي معها؛ فإننا نرى أوقات النساء تضيع هدراً في مثل هذه المناسبة في الجلوس مع بعضهن وكثرة الحديث.

ألا تتقي الصالحة ربها، وتزكي صلاحها وعلمها أياً كان، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بلغوا عني ولو آيةً) وقال صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه، فرب مبلغ أوعى من سامع) .

أيتها الصالحة! أنت مسئولة أمام الله عن بنات جنسك، فماذا قدمت لدينك؟! فلا يكفي أن تكوني صالحةً، بل لا بد أن تكوني مصلحةً -أيضاً- ليدفع الله عنك الشرور، ألم تسمعي لقول الحق عز وجل: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117] لم يقل: صالحين! وإنما قال: مُصْلِحُونَ ألم تسمعي قول الحق عز وجل: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا [الأعراف:165] مَن؟ الصالحين؟! لا. أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165].

فأقول: كوني مفتاح خير لأخواتك المسلمات؛ فإنهن بحاجة لمثل هذه المواضيع، وهن بحاجة لاستغلال أوقاتهن في الحج، فكم شكت كثير من الصالحات من ضياع الساعات بل الأيام في هذا الموسم العظيم.

فأقول: كوني مفتاح خير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كما في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة في سننه : (من الناس من هم مفاتيح للخير مغاليق للشر، ومن الناس من هم مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن كان مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وويل لمن كان مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.

إعداد المرأة هدايا شرعية للنساء

- الوسيلة الحادية والعشرون وهي للنساء: هدية للنساء تشتمل على الحجاب وغطاء الوجه وقفازين وجوارب، وشريط بنفس اللغة، مع مطوية بأهمية الحجاب وشرعيته.

أقول لكل مسلمة تنوي الذهاب للحج: ما رأيك لو حملت معك مثل هذه الهدية، أو على الأقل عددا من العباءات والجوارب لإهدائها إلى أخواتك اللاتي يشاركنك في الحج؟ وقد تقفين على كثير من المسلمات وربما الأعجميات اللاتي لا يملكن ثمن هذا الحجاب، واللاتي ربما لا يعرفن شيئاً عن حكم هذا الحجاب.

ولا تحتقري هذا العمل مهما كان، فقد تأخذه مسلمة منك بدون حرص ولا اهتمام في البداية، ولكن مع الأيام قد تؤتي هذه الهدية ثمارها، وكم وقع مثل ذلك من المواقف، كلمة! أو هدية! وبعد أشهر أو حتى سنوات كان لهذه الكلمة بل كان لهذه الهدية أثر عظيم في نفس المهدى إليه، فلنجرب مثل ذلك وسنجد أثراً طيباً بمشيئة الله ولو لم تؤت ثمارها في الدنيا، فلا شك أنها ستؤتي ثمارها في الآخرة.

توجيه المسلمين وإيصال وسائل الدعوة إليهم

- الوسيلة الثانية والعشرون: ما أجمل أن يجعل الحاج ضمن أغراض ومستلزمات الحج بعض الأشرطة والكتيبات والرسائل والمطويات المناسبة، ويجعلها بجانبه في السيارة! فما أكثر المحتاجين لها من الحجاج الذين تقابلهم أنت في الطريق، وفي محطات البنزين والاستراحات والميقات وغيرها من أماكنهم في الطريق، فمطوية عن حلق اللحى وحكمه تمدها لحالقها في الميقات وما أكثرهم، تكفيك عن عشرات الكلمات، وتكفيك من ألم الآهات والزفرات لرؤية تلك المنكرات، فها أنت قد بلغت وعملت ما بوسعك، وقل مثل ذلك في التدخين والغناء وغيرها من المنكرات التي نراها على كثير من الحجاج.

وكم أعجبتني تلك الزوجة الصالحة التي كتبت لزوجها بعض المشتريات من لوازم الحج، فكان منها عدد كذا من الأشرطة النافعة للتوزيع، وعدد كذا من الرسائل والكتيبات، ثم ذكرت بعض العناوين المناسبة للمرأة.

فأقول لتلك المرأة: شكر الله سعيك وبارك فيك، وحجاً مبروراً وسعياً مشكوراً إن شاء الله! فأنت قد حملت في قلبك هم نفع الأخريات وتوجيه المسلمات ولو عبر كتاب أو شريط، فالدال على الخير كفاعله، وكم نحن بحاجة لمثل هذه المسلمة التي تحمل هم نفع الأخريات وإصلاح المسلمات في قلبها، فتحرص على الأقل إن لم تستطع الكلام فما أقل أن تحرص على إيصال الوسائل من كتاب أو شريط أو مطوية أو غير ذلك، فإن ذلك له أجر عظيم في الميزان يوم أن نقدم على الله عز وجل.

الاستفادة من أصحاب التخصصات لنفع الآخرين

- الوسيلة الثالثة والعشرون: في حملات الحج تشارك أعداد كبيرة من الرجال والنساء، ويشارك فيها بعض الأعيان، وأصحاب الشهادات العالية من أطباء ومهندسين وغير ذلك.

فأقول: لو أعطي هؤلاء مكانتهم وقدرهم، واستُفيد منهم في تخصصاتهم لنفع الآخرين، من خلال عقد اللقاءات والمناقشات معهم.

ثم نذكِّر -أيضاً- أصحاب الحملات بحسن التخطيط والتنظيم للبرامج الدعوية والعلمية والثقافية والحرص على مشاركة الجميع فيها، وخاصةً الاهتمام بالمرأة وتكثيف البرامج لها، ولماذا ذلك؟ لأن مشاركة المرأة للحملة فرصة عظيمة، بل قد يشارك بعض النساء اللاتي ربما لم تسمع يوماً من الأيام تذكيراً أو وعظاً، بل هي ربما أسيرة لوسائل الإعلام بأنواعها، والمرأة بطبيعتها مشغولة في بيتها ومع أولادها وقليلة الحضور للدروس ومجالس الوعظ، فلذلك كم هي بحاجة لأن تستغل عندما تذهب لمثل هذه الحملات.

-وأيضاً- البرامج الدعوية للمرأة ضعيفة جداً -وللأسف- بل هي معدومة في كثير من المناطق، فوجودها في الحملة فرصة يجب أن تحظى بالاهتمام من أصحاب الحملات، بارك الله فيهم جميعاً ونفع بهم ووفقهم لما يحب ويرضى.

ويجب -أيضاً- استغلال جميع الأوقات، حتى أوقات التنقلات من خلال البرامج الخفيفة والمسابقات الثقافية وسماع الأشرطة.

وأخيراً أقول لجميع أصحاب الحملات: إن خير وسيلة للدعوة ولاستغلال موسم الحج ونجاح حملتك هي: القدوة الحسنة، وصدق الكلمة، والوفاء بالعهد، فاتصف بهذه الصفات وأبشر بالخير كله.

الانفراد والخلوة بالله

الوسيلة الرابعة والعشرون: من أعظم الأسباب لضياع هذا الموسم وضياع أجمل ساعاته -وللأسف- الجلوس جماعات والحديث عن بعض أمور الدنيا، ولا بأس بقليل من هذا من باب الترويح عن النفس، وإدخال الأنس للصحبة، ولكن أن يستغرق ذلك ساعات، وتصاحبه الضحكات والسخرية والتعليقات، وقد رأينا من يفعل ذلك حتى في أعظم الأيام: (يوم عرفة).

زيارة الجيران ومعرفة أحوال المسلمين في بلادهم

- الوسيلة الخامسة والعشرون: زيارة جيرانك في مخيمات الحج والتعرف عليهم، خاصةً إذا كانوا من الأعاجم، ومعرفة أحوالهم وأوضاع المسلمين هناك، وقد تتعرف على بعض الدعاة أو طلبة العلم من إحدى البلاد الإسلامية، فتقف معيناً له في دعوته برأي، أو بمال، أو بكتاب، أو بشريط، أو بأي وسيلة من وسائل الدعوة، فإن من منافع الحج بل من أعظمها التعرف على إخوانك ومعرفة أحوالهم وأوضاعهم، ولا تحتقر نفسك أو شيئاً تقدمه، فإن الدعوة في البلاد الإسلامية تحتاج لكل شيء، ولو كان هذا الشيء صغيراً أو قليلاً، حتى ولو كان اقتراحاً أو رأياً ؛ تشد به من عضد إخوانك الدعاة هناك، وقد يكون من جيرانك من هو بحاجة لمساعدة إرشادية أو مالية أو فقهية، ولو لم يكن ذلك كله لكفى أنك قمت بالزيارة، والزيارة عبادة عظيمة، ولعلي أذكركم بحديث الرجل الذي زار أخاً له في الله، فأرسل الله عز وجل على مدرجته ملكاً، فإن الزيارة في الله فيها فضائل كثيرة.

استغلال الهواتف بوضع عبارات هادفة للمستخدمين

- الوسيلة السادسة والعشرون: مجموعة وسائل أو اقتراحات في الهاتف:

لماذا لا يستغل المسئولون في الهاتف تجمع أعداد كبيرة من الحجاج عند الهواتف، وذلك بكتابة بعض التوجيهات المناسبة والكلمات الإرشادية، حتى ولو كانت عن طريق التسجيل بصوت هادئ جميل؟

-وأيضاً- لو استغل هذا التجمع لوضع صناديق لجمع التبرعات للمسلمين في كل مكان، كـالبوسنة والهرسك والصومال وغيرها وقامت بعض المؤسسات التي تعتني بمثل هذا الأمر كالهيئة العليا وغيرها من المؤسسات الخيرية، أقول: لو قامت بهذا الأمر لكان لذلك نفعاً عظيماً.

تجهيز بطاقات هاتفية تحمل أرقام أهل الفتوى

- الوسيلة السابعة والعشرون: وسيلة أخرى من وسائل هذا اللقاء: وضع بطاقة صغيرة: لو قام المسئولون في الهاتف بوضع بطاقة فيها أرقام الهواتف التي لا يستغني عنها الحاج، كأرقام هواتف بعض العلماء للإفتاء، أو أرقام المرور والدفاع المدني وغير ذلك وتوزيعها على الحجاج، فإن لها نفعاً عظيماً في تلك الأيام، فكثيراً ما نرى من الضالين الذين قد أضاعوا أماكنهم، أو هم بحاجة ماسة لمسألة فقهية أو غير ذلك، فلو وزعت هذه البطاقة بمثل هذه الأرقام لنفع الله بها نفعاً عظيماً.

إعداد الطعام للناس ليلة مزدلفة

الوسيلة الثامنة والعشرون: في ليلة مزدلفة يكون الناس متعبون بعد يوم عرفة وقد لا يجدون وقتاً لإعداد طعام العشاء وأيضاً تلك الليلة هي ليلة راحة، فأقول: ما أحلى أن تستغل هذه الليلة من بعض محبي الخير ومن بعض الشباب فيجمع بعض المال لإطعام الناس في تلك الليلة، فإن عشاء الناس قد لا يتوفر في تلك الليلة لانشغالهم -كما ذكرنا- بيوم عرفة، ولقلة الزاد في مثل هذا الوقت، فما أحلى أن تستغل هذه الليلة الجميلة في إطعام الناس وتوزيع وجبات العشاء عليهم، فما أعظم النفع وما أعـظم الأجر في ذلك!

وضع اللوحات الإرشادية والملصقات الدعوية المؤثرة

- الوسيلة التاسعة والعشرون: نتمنى أن نرى المشاعر المقدسة -وخاصة منى - وقد ازدانت باللوحات الإرشادية، والكلمات التوجيهية عبر اللوحات المضيئة والمعلقة، وبلغات متعددة، وخـاصةً في أماكن تجـمع الحجاج في الجمرات وعند الهاتف، وغيرها من الأمـاكن، وهذا اقتراح نوجهه إلى إخواننا المسئولين في وزارة الشئون الإسلامية، ووزارة الحـج، ومكاتب الدعوة، ومكاتب الجاليات، وغيرها من المؤسسات التي يعنيها هذا الأمر، فإنهم لا يألون جهداً في نشر الخير وتوعية المسلمين، جزاهم الله عنا وعن المسلمين خيراً، ووفقهم لما يحب ويرضى.

توزيع الكتيبات في الطرق

- الوسيلة الثلاثون: لا بأس بتعليق الصناديق الصغيرة الجميلة في بعض الطرق الرئيسة في المشاعر، يوزع من خلالها بعض الكتيبات والرسائل والمطويات النافعة، ويكتب عليها: خذ نسختك، بعدد من اللغات.

لو عملت بعض الملصقات الدعوية الجميلة والمؤثرة، ووضعت على سيارات النقل الكبيرة المتنقلة داخل المشاعر، لكان لذلك أثر كبير في توجيه الحجاج في أمر دينهم.

وضع ملصقات إرشادية على المظلات

- الوسيلة الحادية والثلاثون: لو استغلت حتى المظلات الشمسية التي تقي الحجاج من الشمس وحرارتها، في بعض الكلمات والتوجيهات والإرشادات المكتوبة عليها عن أهمية النظافة ووضع المخلفات في أماكنها، بلغات متعددة، لكان ذلك -أيضاً- له نفع لغير الحجاج.

ولو تم التنسيق في هذه الأفكار -أقصد لوحات الإعلان والإرشادات وغير ذلك- مع بعض المؤسسات التجارية وأصحاب رءوس الأموال، ولا بأس بجعل بعض مساحات للدعاية والإعلان لشركاتهم ما داموا سيقومون بتكاليف مثل هذه اللوحات، ولو تواصل الإخوة الدعاة وطلبة العلم، والشباب مع وزارتي الحج والشئون الإسلامية، والوقوف معهم ومؤازرتهم في الاقتراحات والتوجيهات وغير ذلك، فإن الحجاج ضيوف علينا جميعاً؛ فيجب التعاون والوقوف يداً واحدة؛ لإنجاح هذا الموسم.

الحذر من غش المسلمين في هذا الموسم

- الوسيلة الثانية والثلاثون: وهي