شرح ألفية ابن مالك[60]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[أسماء الأفعال والأصوات].

أسماء الأفعال أي: الاسم الذي وضع علماً على الفعل فلا يسمى شخص باسمه، هذا معنى قوله: (أسماء الأفعال) فهي أسماء جعلت للأفعال، مثل ما تقول: هذا زيد، هذا عمرو، هذا خالد، يوضع اسم للفعل، وهو على ثلاثة أقسام: ما وضع للأمر، وما وضع للماضي، وما وضع للمضارع.

أسماء الأفعال

قال المصنف:

[ما ناب عن فعل كشتان وصه هو اسم فعل وكذا أوه ومه]

قال رحمه الله تعالى: (ما ناب عن فعل) ثم قيد هذه النيابة بمثال فقال: (كشتان وصه) فليس المقصود كل ما ناب عن فعل؛ لأن اسم الفاعل ينوب عن الفعل، والمصدر ينوب عن الفعل، وليس كنيابة شتان عنه، وقد قال ابن مالك في أول الألفية: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر) لأجل أن يخرج اسم الفاعل؛ فإنه نائب مناب الفعل، لكنه يتأثر بالعوامل، تقول مثلاً: أنا مكرم زيداً، فمكرم نابت عن كلمة (أكرم) لكنها تتأثر بالعوامل، والمراد هنا ما ناب عن فعل ولم يتأثر بالعوامل، ولهذا قيد ذلك بالمثال بقوله: (كشتان وصه).

شتان: اسم فعل ماض؛ لأنه بمعنى: افترق، وصه: اسم فعل أمر بمعنى: اسكت، ونحن نقول بدل (صه) باللغة العامية: أص، فهي محرفة من (صه) وليست مقتضبة من (اسكت) فلا يقال: إن أصل (أص): اسكت؛ لأنه إذا قلنا بهذا لزم حذف التاء والكاف وإبدال السين صاداً، لكن إذا قلنا: إنها نائبة عن (صه) فهو أقرب.

وقوله: (أوه) اسم فعل مضارع بمعنى: أتوجع.

(ومه) اسم فعل أمر بمعنى: اكفف عن الشيء.

إذاً: شتان للماضي، وصه للأمر، وأوه للمضارع، ومه للأمر.

كثرة ورود اسم الفعل في الأمر وقلته في الماضي والمضارع

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[وما بمعنى افعل كآمين كثر وغيره كوي وهيهات نزر]

قوله: (وما بمعنى افعل) وهو اسم فعل الأمر (كآمين كثر) آمين معناها: استجب، فهي هنا اسم فعل أمر، لكنها بالنسبة لله عز وجل نقول: اسم فعل دعاء، ولا نقول: أمر؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يوجه إليه الأمر، إذ إن الأمر هو طلب الفعل على سبيل الاستعلاء.

وعليه نقول في إعراب آمين: اسم فعل أمر مبني على الفتح، لكنه يسكن إذا وقف عليه.

وقوله: (وغيره) أي: غير الذي بمعنى افعل، وهو يشمل اسم الفعل الماضي واسم الفعل المضارع، (كوي وهيهات نزر) (وي) بمعنى: أعجب، ويقول المؤلف: إنها قليلة، مع أنها وردت في القرآن كثيرة، قال تعالى: وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [القصص:82].

(وهيهات) بمعنى: بعد، كقوله تعالى: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ [المؤمنون:36].

فهيهات: اسم فعل ماض بمعنى (بعد) مبني على الفتح، وهيهات الثانية توكيد لها، واللام في قوله: لِمَا تُوعَدُونَ قالوا: إنها زائدة.

و(ما) فاعل مبني على السكون في محل رفع، و(توعدون) صلته، أي: هيهات هيهات الذي توعدونه، وقد جاءت بدون اللام في قول الشاعر:

فهيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات خل بالعقيق نواصله

الشاهد: أنه عداه إلى الفاعل بدون لام.

إذاً: نأخذ من هذا البيت قاعدة وهي: أن أسماء الأفعال إذا كانت بمعنى الطلب فهي كثيرة، وبمعنى الماضي والمضارع قليلة.

نرجع إلى كلمة (آمين)؛ لأننا نقولها في كل صلاة، ففيها لغة (أمِين)، وهي لغة صحيحة لكنها قليلة جداً.

و(آمِّين) لا يصح؛ لأنه يختلف المعنى، لأن (آمِّين) بمعنى: قاصدين، قال تعالى: وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ [المائدة:2].

ونسمع بعض الذين يؤمنون يقولون: أمِين، وهي لغة لكنها قليلة، والأفصح بالمد: آمين، ولهذا قال الفقهاء: يحرم تشديد ميمها، فإن فعل بطلت صلاته؛ لأنك إذا شددته صارت بمعنى: قاصدين، فتتكلم بكلام لا يجوز في الصلاة فتبطل صلاتك.

مجيء اسم الفعل من الظرف والجار والمجرور

قوله: (والفعل من أسمائه عليك) الفعل: مبتدأ.

من أسمائه: جار ومجرور خبر مقدم.

وعليك: مبتدأ مؤخر، والجملة خبر المبتدأ.

أي: من أسماء الأفعال عليك، تقول: عليك زيداً، بمعنى الزم زيداً، ونحن نقول بالعامية: عليك به، أي: الزمه.

عليك: اسم فعل أمر بمعنى: الزم، وبني على الفتح مراعاة للشكل؛ لأن (عليك) شكلها جار ومجرور فتبقى هكذا.

إذاً (عليك): اسم فعل أمر مبني على الفتح، وفيه ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، والكاف هذه من بنية الفعل.

زيداً: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

قوله: (وهكذا دونك) دونك أيضاً من أسماء الفعل، و(دونك) أصلها ظرف، وليس أصلها اسم فعل، بل أصلها ظرف وهو دون مضافاً إلى كاف الخطاب، لكنها تستعمل اسم فعل أمر بمعنى: خذ، تقول: دونك الكتاب، أي: خذه، (مع إليك) كذلك إليك أصلها جار ومجرور، إلى: حرف جر، والكاف اسم مجرور، ولكنها تستعمل اسم فعل أمر بمعنى تنحَّ، أي: ابعد عني، نقول: إليك عني فإني عنك مشغول، أي: تنحَّ عني.

وقد ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد -وهو كتاب لـابن القيم على اسمه بدائع فوائد، ليس مبوباً، بل كلما طرأ عليه فائدة كتبها في هذا الكتاب، ولكنه كتاب جيد- ذكر بحثاً في حَمِدَ ومَدَحَ وكيف أن العرب فرقت بينهما، وجعلت هذا له معنى وهذا له معنى، مع أن الحروف واحدة وأطال كما هي عادته رحمه الله، طويل النفس في هذا الأمر أتى بالعجب العجاب -وشيخه هو ابن تيمية - ولكنه كما قال القائل:

تألق البرق نجدياً فقلت لـه إليك عني فإني عنك مشغول

كان مشغولاً بما هو أهم من مباحث النحو رحمه الله، فقد كان مشغولاً في مناظرة الفلاسفة والمناطقة وأهل الكلام، وغيرهم، كما يعلم من كتاباته رحمه الله وجزاه خيراً.

فالحاصل أن قوله: إليك عني أي: تنحَّ عني.

إعراب: دونك الكتاب:

دونك: اسم فعل أمر مبني على الفتح، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت.

الكتاب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره.

وإليك مثلها.

مجيء اسم الفعل من المصدر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[كذا رويد بله ناصبين ويعملان الخفض مصدرين].

(رويد) تأتي مصدراً، قال تعالى: فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:17]، وتأتي اسم فعل، تقول: رويد زيداً، أو رويدك زيداً، وفي هذه الحال تكون اسم فعل أمر، وكذلك (بله) ولكنها تستعمل أحياناً مصدراً، وإذا استعملت مصدراً فإنها لا تكون اسم فعل، بل تكون مصدراً مضافاً إلى ما بعده، ولهذا قال: (ويعملان الخفض مصدرين).

قوله: (وما لما تنوب عنه من عمل لها)

أي: أن اسم الفعل يعمل عمل الفعل البليغ واسم له، فإن كان لازماً فهو لازم، وإن كان متعدياً فهو متعد، فمثلاً: صه، لازم؛ لأنه بمعنى اسكت، واسكت فعل لازم، فلا يتعدى إلى مفعول.

و(دونك الكتاب) متعد؛ لأنه بمعنى: خذ، فيكون ناصباً لمفعوله.

يقول المؤلف: (وأخر ما لذي فيه العمل) المشار إليه في قوله: (وأخر ما لذي) أسماء الأفعال، أي: أخر ما لأسماء الأفعال فيه العمل، أي: أن مفعولها لا يتقدم عليها، فمثلاً: دونك زيداً، لا يصح أن تقول: زيداً دونك.

وإذا قال قائل: يرد عليكم قوله تعالى: كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء:24] فإن (كتابَ) مقدم على (عليكم)، وعليكم اسم فعل بمعنى: الزموا. أجاب عنه المانعون فقالوا: (كتابَ) مفعول لفعل محذوف دل عليه (عليكم)، والتقدير: الزموا كتاب الله، ومجيء (عليكم) كتأكيد له.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[واحكم بتنكير الذي ينون منها وتعريف سواه بين].

(سواه) أي: سوى ما ينكر، أي: إذا أتيت باسم الفعل منوناً فهو عام، وإن أتيت به غير منون فهو خاص، مثلاً: سألني سائل في أثناء الدرس فقلت له: صهْ، فسأل سؤالاً آخر، فإنه لا يكون مخالفاً؛ لأن (صهْ) تعني اسكت عن هذا الكلام فقط؛ لأنها معرفة، فإن قلت: صهٍ، بالتنوين، فالمعنى: اسكت عن كل شيء، وهذا لا يعرفه إلا صاحب النحو.

إذاً: الفرق بين ما يراد به العموم وما يراد به الخصوص: إن نونت فهو للعموم، وإن لم تنون فهو للخصوص.

واحد مثلاً في الدرس وكان يتلفت، إن فتح الباب التفت، وإن تحرك أحد التفت، وإن أحد حرك المسجل التفت، وإن فتح الكتاب التفت، وقلت له: مهْ، فالمعنى: اكفف عن هذا الفعل المعين الذي فيه تشاغل عن الدرس.

وأما إذا قلت: مهٍ، فالمعنى: اكفف عن كل شيء، أي: لا تحرك شيئاً حتى الكتاب الذي معك، ولهذا يمكن أن يعرف المدرس هل فهم الطالب أم لا بهذه الطريقة، فإذا قال له: صهٍ، ثم سكت عن هذا الكلام وجاء بكلام آخر، فإنه يكون غير ممتثل، أما إذا قلت له: صهْ، ثم أتى بكلام آخر فإنه يكون ممتثلاً.

أسماء الأصوات

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[وما به خوطب ما لا يعقل من مشبه اسم الفعل صوتاً يجعل

كذا الذي أجدى حكاية كقب والزم بنا النوعين فهو قد وجب]

قوله: (وما به خوطب ما لا يعقل).

ما: مبتدأ، خبره: يجعل.

صوتاً: مفعول يجعل الثاني مقدم، أي: الذي خوطب به ما لا يعقل.

و(ما): نائب فاعل خوطب، أي: ما خوطب به الذي لا يعقل يجعل صوتاً من مشبه اسم الفعل.

مثاله: أن تقول للبعير: حي، أي: قم، وإخ، أي: ابرك، وتقول للغنم: اخس، أي: امشي، وتقول للحمار إذا أردت زجره: حر، وإذا أردته يقف: أش .. ونحو ذلك.

قوله: (كذا الذي أجدى حكاية) أي: أفاد حكاية (كقب) قب يقولون: إنه صوت السيف إذا جعل في الجعبة، وعندنا نسميها: طق، أما إذا وقع الشيء من فوق فنقول: دق.

هذا أيضاً يقول المؤلف: إنه يجعل حكمه حكم اسم الفعل.

قوله: (والزم بنا النوعين فهو قد وجب).

النوعان هما:

أسماء الأصوات، وما أجدى حكاية، فكله يلزم بناؤه؛ لأنه ينوب مناب الفعل بدون تأثر بالعوامل، وقد سبق أن من أسباب البناء أن تكون الكلمة نائبة مناب الفعل بدون تأثر بالعوامل.

قال المصنف:

[ما ناب عن فعل كشتان وصه هو اسم فعل وكذا أوه ومه]

قال رحمه الله تعالى: (ما ناب عن فعل) ثم قيد هذه النيابة بمثال فقال: (كشتان وصه) فليس المقصود كل ما ناب عن فعل؛ لأن اسم الفاعل ينوب عن الفعل، والمصدر ينوب عن الفعل، وليس كنيابة شتان عنه، وقد قال ابن مالك في أول الألفية: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر) لأجل أن يخرج اسم الفاعل؛ فإنه نائب مناب الفعل، لكنه يتأثر بالعوامل، تقول مثلاً: أنا مكرم زيداً، فمكرم نابت عن كلمة (أكرم) لكنها تتأثر بالعوامل، والمراد هنا ما ناب عن فعل ولم يتأثر بالعوامل، ولهذا قيد ذلك بالمثال بقوله: (كشتان وصه).

شتان: اسم فعل ماض؛ لأنه بمعنى: افترق، وصه: اسم فعل أمر بمعنى: اسكت، ونحن نقول بدل (صه) باللغة العامية: أص، فهي محرفة من (صه) وليست مقتضبة من (اسكت) فلا يقال: إن أصل (أص): اسكت؛ لأنه إذا قلنا بهذا لزم حذف التاء والكاف وإبدال السين صاداً، لكن إذا قلنا: إنها نائبة عن (صه) فهو أقرب.

وقوله: (أوه) اسم فعل مضارع بمعنى: أتوجع.

(ومه) اسم فعل أمر بمعنى: اكفف عن الشيء.

إذاً: شتان للماضي، وصه للأمر، وأوه للمضارع، ومه للأمر.