شرح ألفية ابن مالك[56]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أسماء لازمت النداء

وفل بعض يخص بالندا لؤمان نومان كذا واطردا ].

قوله: (أسماء): مبتدأ، و(لازمت): خبر، ويجوز أن تقول: أسماء: خبر مبتدأ محذوف أي: هذه أسماء، وعلى هذا التقدير نسلم من إيراد: أنه لا يصح الابتداء بالنكرة.

وقوله: (لازمت)، أي: صارت ملازمة للنداء، فلا تستعمل إلا في النداء.

قوله: (فُلُ) اختلف النحويون، فبعضهم قال: إن أصل (فلُ) فلان، وأصل (فلة) فلانة.

وقال آخرون: بل هي كلمة مستقلة برأسها، غير منحوتة، فإذا قلت: يا فلُ، فمعناها: يا مرء، ويا فلة أي: يا امرأة، وبناء على ذلك نقول: يا فلُ، دائماً، بخلاف ما لو قلنا: إنه مختزل من قولك: فلان، فإنه يجوز أن نقول: يا فُلُ ويا فُلَ، لكن هنا نقول: يا فلُ على أنه كلمة مستقلة بنفسها، كناية عن المرء، تقول يا فلُ استقم، أي: يا مرء استقم، ويا فلة استقيمي، أي: يا امرأة استحيي.

وهل يجوز أن يقال: فلُ قائمٌ؟

نقول: لا؛ لأن هذه مما تختص بالنداء، ولا يمكن أن تقول: رأيت فلاً، ولا: مررت بفلٍ؛ لأنها خاصة بالنداء.

أيضاً: (لؤمان، ونومان)، لؤمان: كثير اللؤم، وعظيم اللؤم، أي: لئيم بكثرة، هذه أيضاً مما يختص بالنداء، فتقول: يا لؤمان، والسبب: أن فيها شيئاً من التوبيخ، ونقول في إعرابها:

يا: حرف نداء.

لؤمان: منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأنه نكرة مقصودة.

و(نومان) أي: كثير النوم، فلا تكاد تراه إلا نائماً، وهذا أيضاً مما يختص بالنداء؛ لأن كثرة النوم في الحقيقة عيب، ولهذا إذا صار الإنسان كثير النوم فلابد أن هناك سبباً، وعليه أن يعرض نفسه على أطباء؛ لأنه قد يكون هناك مرض لا يدري عنه، فالنوم لا بد أن يكون متزناً مع اليقظة.

صحيح أن الأطفال يكثرون النوم، فيمكن أن يناموا عشرين ساعة، ولكن هكذا فطروا، فإذا كبر الإنسان قل نومه.

قوله: (لؤمان): مبتدأ.

ونومان: معطوف عليه بحرف عطف مقدر.

كذا: جار ومجرور خبر المبتدأ.

إذاً: عندنا أربع كلمات: فلُ وفلة، ونومان، ولؤمان.

قوله: (واطرد في سب الأنثى وزن يا خباث).

(اطرد) أي: قياسياً، (في سب الأنثى) أي: عيبها وشتمها وما أشبه ذلك، تقول: يا خباث، يا لكاع، يا فجارِ، يا فساقِ، وما أشبه ذلك، فإذا أردت أن تنادي أنثى واصفاً لها بالعيب والسب تناديها على هذا الوزن: (فَعَالِ)، فإذا صارت كذوبة نقول: يا كذابِ، وإذا صارت قبيحة نقول: يا قباحِ، وعلى هذا فقس.

قوله: (والأمر هكذا من الثلاثي):

الأمر: مبتدأ.

من الثلاثي: حال.

هكذا: خبر.

أي: يكون الأمر من الثلاثي مطرداً على وزن فعال، فتقول في (نزلَ): نزالِ، تقول لرجل مثلاً: نزال نكرمك، أي: انزل نكرمك، وكذلك نقول في حضر: حضار، وسجد: سجادِ ، وركع: ركاعِ، وعلى هذا فقس، ولا يصح من غير الثلاثي.

قوله: (وشاع في سب الذكور فُعَلُ) أي: شاع في اللغة العربية في سب الذكور فُعَل، بينما الأنثى اطرد في سبها فَعَالِ، فصارت الأنثى أكثر منا عيوباً؛ لأن الذكور لم يرد إلا ما جاء في اللغة، أما الأنثى فهو مطرد أن يصاغ في سبها فعال.

أما الذكور فقال: (وشاع في سب الذكور فعل ولا تقس)، إذاً نقتصر على السماع، فما وجد على هذا الوزن في السماع أخذنا به، ولا نأتي من عندنا بشيء جديد، فلا يمكن أن نقول في سب الذكور: يا فُجَر، ولا يا فسق؛ لأنه لم يرد، فالمسألة موقوفة على الورود.

ومما ورد: لكع، وهي كلمة تعبر عن السب، لكن لا نقيس عليها، فلا نقول لإنسان غافل عند الدرس كثيراً: يا غُفل انتبه، أما لو كانت هناك طالبة غافلة فنقول: يا غفال انتبهي؛ فهو يصح لأنه مطرد.

إذاً: الأشياء المقصورة على السماع في اللغة العربية تشبه في المسائل الفقهية ما يسمونه بالتعبدِ، فإنه لا يقاس عليه.

قوله: (وجر في الشعر فلُ)، جر: فعل أمر، وتصلح لغير الأمر، فإن كانت المسألة قياسية وأنه كلما جاء (فلُ) في الشعر فلك أن تدخل عليها حرف الجر، فإن (جر) فعل أمر، وإن كانت المسألة سماعية، فإن (جر) فعل ماض، أي: جره العرب، وهذا الأخير هو الأقرب احتمالاً، وهو أن (جر) فعل ماض مبني للمجهول.

ومعنى (جر في الشعر فلُ)، أي: ورد مجروراً في الشعر، مع أنه مختص بالنداء، لكنه يرد في اللغة العربية مجروراً، ومنه قول الشاعر:

تضل منه إبلي بالهوجل في لجة أمسك فلاناً عن فُلِ

الشاهد قوله: (فلاناً عن فل)، أي: عن رجل من الرجال، وهذا البيت في الحقيقة مما يؤيد قول من قال: إنه منحوت من فلان، أي: أمسك فلاناً عن فلان، لكن لو كانت عن فلان لقال: عن فلَ، وبقي مفتوحاً.

والخلاصة: أن ابن مالك رحمه الله ذكر لنا عدة قواعد:

القاعدة الأولى: أن من الأسماء ما يختص بالنداء فقط، فلا يأتي غير منادى، وهي: فلُ ، فلة، لؤمان، نومان.

الثانية: أنه يجوز اطراداً أن يصاغ لسب الأنثى اسم على وزن فَعالِ، مثل: لكاعِ، وفجارِ، وغفالِ ... ونحوه.

الثالثة: أنه يصاغ من الفعل الثلاثي فعل أمر على وزن فعالِ، كنزالِ، بمعنى انزل، ودراكِ بمعنى أدرك، وتراكِ بمعنى اترك.

الرابعة: أنه يقال في سب الذكور: فُعَل، لكنه سماعي غير قياسي.

الخامسة: أن (فُلُ) سمعت في الشعر في حال الجر غير مناداة، كقول الشاعر: (أمسك فلاناً عن فلِ).

تعريف الاستغاثة وكيفية نداء الاستغاثة

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ الاستغاثة ].

الاستغاثة: هي طلب إزالة الشدة، إذا وقع الإنسان في شدة وطلب من أحد أن ينقذه منها سمي هذا الطلب: استغاثة.

إذاً: هي طلب إزالة الشدة والإنقاذ منها.

ومن الناحية الشرعية هي جائزة بغير الله تعالى فيما يقدر عليه، وفيما لا يقدر عليه لا تجوز.

وعندنا في الاستغاثة: مستغيث، ومستغاث به، ومستغاث له، فالمستغيث هو المتكلم، والمستغاث به هو المنادى، والمستغاث له هو الواقع في شدة وطلب تخليصه منها.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ إذا استغيث اسم منادى خفضا باللام مفتوحاً كيا للمرتضى ].

إذا أردت أن تنادي شخصاً مستغيثاً به فلا تقول: يا زيد، بل تقول: يا لزيد، فتجره بلام مفتوحة.

ولماذا عدلنا عن يا زيد، إلى: يا لزيد؟ السبب: كأنه أتي باللام الدالة على الاختصاص والتنبيه، فكأن قائلاً يقول: أين يتجه نداؤك؟ فتقول: لزيد، فهي أبلغ من (يا زيد)، لأن (يا زيد) تعني أدعو زيداً، لكن (يا لزيد)، أبلغ كأني أقول: أنا أوجه طلبي وندائي إلى زيد، فهو أشد في الحث والإسراع.

والمنادى -المستغاث به- ندخل عليه حرف الجر اللام المفتوحة ونجره بها فنقول: يا لزيد، والمستغاث له يؤتى به بعد المستغاث به مجروراً باللام المكسورة، هذا الأصل، فتقول: يا للمرتضى، للمكروب، تنادي رجلاً مرتضى مقبول الشفاعة لشخص مكروب لا تقبل شفاعته، فتقول: يا لَلمرتضى لِلمكروب، وتستغيث بالله سبحانه وتعالى فتقول: يا لله لِلمسلمين.

نقول في إعرابها:

يا: حرف استغاثة.

واللام: حرف جر.

الله: لفظ الجلالة مجرور باللام وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره.

للمسلمين: اللام حرف جر، والمسلمين: اسم مجرور باللام وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه جمع مذكر سالم.

والجار والمجرور لا بد له من متعلق، فأين متعلق الجار والمجرور هنا؟

قيل: اللام هنا نائبة مناب أدعو، فصار الجار والمجرور متعلقاً بها، وقيل: إنها محذوفة والتقدير: يا الله أدعوك للمسلمين، أو أستغيثك للمسلمين، فيكون الجار المجرور الأخير متعلقاً بفعل محذوف يدل عليه سياق الكلام، ولا يهمنا المتعلق أكثر مما يهمنا صورة اللفظ.

فإذا أردت أن تستغيث بشيء لشيء فاجعل المنادى مجروراً باللام المفتوحة، واجعل المستغاث له مجروراً باللام المكسورة حسب الأصل؛ لأنه ربما تدخل اللام في المستغاث له على شيء يجب أن تكون مفتوحة معه، مثل (لك) فتفتح، تقول: يالله لك، أو يقول لك إنسان مثلاً: فلان وقع في شدة، فتقول: يالله له؛ لأنه إذا دخل الضمير تكون اللام مفتوحة.

ونقول في إعراب: يا لزيد:

يا: حرف استغاثة.

لزيد: اللام: حرف جر، وزيد: مستغاث منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهروها اشتغال المحل بحركة حرف الجر.

قوله: (كيا للمرتضى) أصلها بدون استغاثة يا مرتضى، أو: يا أيها المرتضى، إذا أبقينا أي.

عطف مستغاث على مستغاث آخر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ وافتح مع المعطوف إن كررت يا وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا ].

قوله: (وافتح مع المعطوف) أي: إذا عطفت مستغاثاً آخر على المستغاث الأول، فإن كررت (يا) فافتح اللام في المعطوف، تقول: يا لَزيد ويا لعمرو لِبكر، هنا المستغاث اثنان: زيد وعمرو، والمستغاث له بكر.

قال: (وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا) عندنا الآن: المستغاث المقرون بيا -سواء كان أصيلاً أو معطوفاً- تفتح فيه اللام، فهنا صورتان:

الأولى: مستغاث واحد قرن باللام.

الثانية: مستغاث آخر معطوف عليه بتكرير (يا)، فهاتان الصورتان نفتح اللام فيهن.

(وفي سوى ذلك) يشمل صورتين أيضاً:

الأولى: المستغاث له، والثانية: المستغاث المعطوف على مستغاث بدون تكرير (يا)، تقول: يا لَزيد ولِعمرو لِبكر، فهنا لم تتكرر (يا) مع المعطوف، ولذلك كسرت لام (لعمرو)، وكذلك تكسر لام المستغاث له وهو بكر، فنقول: يا لزيد ولِعمر ولِبكر.

حذف اللام من المستغاث وإبدالها ألفاً

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ ولام ما استغيث عاقبت ألف ومثله اسم ذو تعجب ألف ].

قوله: (لام ما استغيث عاقبت ألف) (ألف) أصلها: ألفاً، لكن حذف الألف إما للروي، وإما على لغة ربيعة؛ لأن ربيعة من العرب يقفون على المنصوب بحذف الألف، فيقولون: رأيت زيد.

قوله: (ولام ما استغيث عاقبت ألف) بمعنى: أنها قد تحذف اللام ويأتي بعدها ألف بدلها، فتقول في: يا لزيدٍ لعمرٍو: يا زيدا لعمرٍو، ونقول: إن الألف بدلاً عن اللام، كما قال ابن مالك : (عاقبت ألف).

قوله: (ومثله) أي: مثل المستغاث في كونه يختم بالألف (اسم ذو تعجب ألف) أي: جيء به للتعجب، مثل أن تقول في: يا للعجب لمن ينام، يا عجبا لمن ينام، فتبدل اللام ألفاً، وقد يقال: واعجبا لمن ينام، وكثير من الناس يقرءونها: يا عجباً لمن ينام، بالتنوين فهل نلحن من يقول: وا عجباً، أو يا عجباً بالتنوين؟

الجواب: نعم، نلحنه إذا أراد أن يتعجب، أما إذا أراد أن ينادي عجباً، وقال: أنا أقول: يا عجباً، مثل قول الأعمى: يا رجلاً، وقصدي أن أنادي عجباً أي عجب، فهذا قد نصحح كلامه، لكن لا شك أن اللغة الفصيحة أن يقال: (وا عجبا) وأنا أسمع كثيراً من الوعاظ يقولون في مواعظ رمضان: وا عجباً لمن ينام، بالتنوين، والصواب أن يقال: وا عجبا لمن ينام؛ لأن هذه الألف بدل عن اللام.