شرح ألفية ابن مالك [23]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [ أفعال المقاربة ].

أفعال: جمع فعل، والمقاربة: ضد المباعدة، وهذا باب جمعت فيه الأفعال الدالة على المقاربة، وهذا في الغالب؛ لأن أفعال هذا الباب بعضها للمقاربة، وبعضها للرجاء، والبعض للشروع كما يتبين -إن شاء الله- من الشرح.

وتعمل أفعال المقاربة عمل كان، أي: ترفع الاسم وتنصب الخبر.

وكان على ابن مالك رحمه الله أن يبدأ بأفعال المقاربة قبل (ما وأخواتها)؛ لأن أفعال المقاربة إلى كان وأخواتها أقرب شبهاً من (ما وأخواتها)؛ إذ إن ما وأخواتها حروف، وهذه أفعال.

فإن قال قائل: لعل ابن مالك أخرها عن (ما وأخواتها) لأن لها شروطاً ولا تعمل إلا في مواضع معينه.

قلنا: وأيضاً (ما وأخواتها) لها شروط؛ فلهذا كان الذي يبدو أنه لو كانت أفعال المقاربة بعد (كان وأخواتها) لكان أنسب.

الغالب في خبر كاد وعسى أن يكون مضارعاً

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ ككان كاد عسى لكن ندر

غير مضارع لهذين خبر ]

(ككان) جار ومجرور خبر مقدم.

(كاد) مبتدأ مؤخر.

لكن كيف أعربنا (كاد) مبتدأ مؤخراً، وأعربنا (كان) مجروراً؟

الجواب: لأن المراد لفظهما، وإذا كان المراد اللفظ ربما تكون الجملة كلها مجرورة.

إذاً: متى قصد اللفظ فإنه لا يهم أن يكون فعلاً، أو حرفاً، أو اسماً، أو جملة اسمية، أو جملة فعلية.

وقوله: (عسى) معطوف على (كاد)؛ فهي في محل رفع.

(لكن) حرف استدراك، وهي للعطف، بخلاف (لكنَّ) فإنها عاملة.

(ندر) أي: قَلَّ.

(غير) فاعل ندر، وهو مضاف إلى (مضارع).

(لهذين) جار مجرور متعلق بغير.

(خبر) فاعل ندر، يعني: قل أن يكون خبر غير مضارع لهذين الفعلين، وهما ( كاد -وعسى ).

يعني نقول: كاد زيدٌ قام، عسى زيدٌ قام، فهذا نادر، لأن الخبر إنما يكون فعلاً مضارعاً.

وكاد زيدٌ قام، وكاد زيد قم؛ هذا من النادر إن صح هذا التركيب.

قوله: (لكن ندر) استدراك هنا؛ لأنه قال: (ككان كاد) وظاهر هذا التشبيه أنهما يشبهان (كان) من جميع الوجوه؛ ولذلك استدرك.

فإن (كان) لا يتقيد خبرها بشيء؛ بل يكون اسماً، وظرفاً، وجار ومجروراً، ويكون فعلاً مضارعاً، ويكون فعلاً ماضياً.

أما هاتان الأداتان، فيقول: (ندر غير مضارع لهذين خبر).

مثال (كاد) قوله تعالى: فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]، فالخبر (يفعلون)، وهو فعل مضارع.

ومثال (عسى) قوله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216] فالخبر (تكرهوا)، وهو فعل مضارع.

لكن لو قلت: كاد زيدٌ قائماً، فهذا يكون من النادر لكنه ورد عن العرب.

عسى زيدٌ قائماً، كذلك نادر، لكنه ورد عن العرب.

لما ذكر أن (كاد وعسى) اشتركا في أن خبرهما يكون فعلاً مضارعاً، وأنه يندر ألا يكون فعلاً مضارعاً، ذكر اختلافهما من حيث اقتران (أن) بالخبر وعدمها، فقال:

[ وكونه بدون أن بعد عسى

نزر وكاد الأمر فيه عكسا ]

( كون ) مبتدأ -وخبره (نزر)- وهو مصدر (كان)، فيعمل عملها، واسم المصدر هو الضمير (الهاء) في قوله: ( وكونه ) فهو مصدر مضاف إلى اسمه.

و(بدون) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر (كون)، و(بدون) مضاف، و(أن) مضاف إليه، وصحت الإضافة إليه مع أنه حرف؛ لأنه المقصود بذلك اللفظ.

(بعد) ظرف متعلق بمحذوف، والتقدير: كونه بدون أن بعد عسى واقعاً، ويكون المحذوف حالاً، و(بعد) مضاف، و(عسى) مضاف إليه، وصحت الإضافة إليه وهو فعل لأن المقصود لفظه.

و(نزر) خبر كونه.

(وكاد) مبتدأ.

(الأمر) مبتدأ ثان.

(عكسا) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والرابط: الضمير (فيه).

والمعنى: كاد عكس الأمر فيه؛ فالأكثر في خبره تجرده من (أن).

وخلاصة الأمر:

أن (كاد وعسى) خالفتا (كان) في أن خبرهما يكون فعلاً مضارعاً، ويندر ما سواه، واتفقتا في أن الخبر يكون مضارعاً، واختلفتا في أن الأكثر في (عسى) اقتران الخبر بأن، وفي (كاد) العكس.

وفي القرآن: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]، لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [النور:40] فنجد أن الخبر مجرد من (أن).

وفي قول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216]، نجد أن الخبر مقترن بأن، والقرآن أبلغ الكلام.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله: أنه يجوز أن يقترن الخبر بأن مع كاد، ويجوز حذف أن مع عسى، ومثاله قول الشاعر:

عسى الكرب الذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

فالخبر (يكون)، والأفصح الكثير: أن يكون.

وفي كاد:

كادت النفس أن تفيض عليه.

فهنا اقترن الخبر بأن، والأكثر أن يقال: كادت النفس تفيض عليه.

ونرجع إلى الإعراب:

ففي قوله تعالى: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]:

(كاد) فعل ماضٍ ناسخ يعمل عمل كان، وواو الجماعة اسمه ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع.

(يفعلون) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل، والجملة من الفعل والفاعل خبر كاد.

وقوله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا [البقرة:216]:

(عسى) فعل ماضٍ ناسخ يعمل عمل كان، فيرفع الاسم وينصب الخبر، واسمها ضمير الشأن مستتر، والتقدير: عسى الشأن كراهتكم شيئاً.

(أن) حرف مصدري.

(تكرهوا) فعل مضارع منصوب بأن، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعل.

(شيئاً) مفعول به لتكرهوا، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر عسى، والتقدير: عسى الشأن كراهتكم شيئاً وهو خيرٌ لكم .

والفرق بين (كاد) و(عسى) في المعنى أن (كاد) للمقاربة، وأما (عسى) فهي للترجي.

فإذا قلت: كاد الطالب يفهمُ ، فالمعنى أنه قارب.

وإن كان في الطلبة من هو أبعد فهماً من هذا الطالب فأقول: عسى الطالب أن يفهم.

وبين العبارتين فرق اشتهر عند بعض النحويين وهو:

أن إثبات (كاد) نفي وأن نفيها إثبات، فإذا قلت: كاد زيدٌ يفعلُ؛ فتدل الجملة على أنه لم يفعل.

وأن الله تعالى قال: (لم يكد يراها)؛ وهو قد رآها، وفي قوله تعالى: فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]، فيكون نفيها إثباتاً.

ولكن الصحيح أنها كغيرها من الأفعال، فإثباتها إثبات، ونفيها نفي، ولا يمكن أن يكون نفيها إثباتاً إلا بقرينه، والقرائن لها أحوال، وهذا الذي رجحه ابن هشام رحمه الله في المغني، فمثلاً إذا قلت: كاد الطالب يفهم فكاد تدل على أنه قارب الفهم.

إذاً: إثباتها إثبات.

وقوله تعالى: فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]، قالوا: إنهم ذبحوها، والله يقول: (ما كادوا يفعلون)، وهم قد فعلوا، نقول: لا يفهم أنهم فعلوا من قوله تعالى: (وما كادوا يفعلون)، إنما فهمناه من قوله: (فذبحوها)، وقوله تعالى: (وما كادوا يفعلون) على ما هو عليه يعني: ما قرب أن يفعلوا لكن بعد الأخذ والرد فعلوا.

إذاً: فقوله: ( وما كادوا يفعلون ) تشنيع عليهم، يعني: أنهم فعلوا بعد أن كادوا لم يفعلوا.

وأما قوله تعالى: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [النور:40]، فعلى زعمهم أنه رآها، ولكن الآية لا تدل على هذا فالبحر لجي عميق، ويغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، فهو ظلمات بعضها فوق بعض، فلا يقارب أن يرى يده.

إذاً: فنفيها نفي، وهذا هو الواقع، لكن لما كان الإنسان إذا قال (ما كاد يفعل) ظن أن (كاد) مسلطة على الفعل، والفعل لم يحصل، يعني: ظن هذا القائل بأن نفيها إثباتها وإثباتها نفي، حين ظن أن كلمة (كاد) مسلطة على الفعل، فقال: إن الفعل لم يقع، فنقول: إن كان ليست مسلطة على الفعل، بل أصل (كاد) بمعنى قرب، وليست بمعنى فعل، وإذا كانت بمعنى قرب فقولي: كاد يفعل، مثبت، أي: قرب أن يفعل، وإذا قلت: لم يكد يفعل، فمعناه: أنه لم يقرب من الفعل.

ومثلها: علمته ثم علمته ثم علمته ولم يكد يفهم، أي: ما فهم، لم يقرب من الفهم.

والراجح عندي كلام ابن هشام ، وأنها كغيرها من الأفعال، نفيها نفي وإثباتها إثبات، إلا إذا دلت القرينة، والقرائن لها أحوال.

(وعسى) للترجي، تقول: عسى محمد أن يفهم، وقد تأتي لغير الترجي، ومن ذلك إذا جاءت في كلام الله كقوله تعالى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ [النساء:98-99]، فالله تعالى لا يترجى، لأن كل شيء بأمره؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (عسى من الله واجبة)، أي: أنها للتحقيق، لكن ما الحكمة أنها جاءت بصيغة الترجي؟

لئلا يهلك الإنسان الأمل، فكأن المعنى: لو تاب الإنسان أو كان معذوراً عسى الله أن يعفو عنه، فلئلا يهلكك الأمل فتعتمد على إنجاز الله سبحانه وتعالى لك ما وعدك به.

فصارت (عسى) للترجي إلا إذا جاءت في كلام الله فإنها تكون للتحقيق، لقول ابن عباس رضي الله عنهما وهو من أئمة اللغة بلا شك: (عسى من الله واجبة).

وجوب اقتران خبر حرى واخلولق بأن

[وكعسى حرى ولكن جعلا

خبرها حتماً بأن متصلا

وألزموا اخلولق أن مثل حرى

وبعد أوشك انتفا أنْ نزرا ]

قوله: (وكـعسى حرى)، أي: في المعنى، و(عسى) سبق أنها من أفعال الرجاء، وعلى هذا فتكون (حرى) من أفعال الرجاء، فتقول: حرى زيدٌ أن يقوم، أي: عسى زيدٌ أن يقوم.

ولكن هناك فرق بينهما ذكره بقوله: (ولكن جعلا خبرها حتماً بأن متصلا).

قوله: (وكعسى حرى) الواو: حرف عطف، كعسى: جار ومجرور خبر مقدم.

حرى: مبتدأ مؤخر، وهو فعل لكن يراد به لفظه.

ولكن: الواو: حرف عطف، لكن: حرف استدراك، وهي هنا ليست عاطفة، فإن العطف بالواو، ولكنها مفيدة للاستدراك، فإن لم يكن معها حرف عطف صارت للاستدراك والعطف، كما لو قلت: ما زيدٌ قائماً لكن قاعداً، فتكون لكن: هنا حرف عطف جملة على جملة، أما إذا جاءت الواو معها فهي حرف استدراك فقط.

جعلا: فعل ماض، والألف للإطلاق، وهو مبني لما لم يسم فاعله.

خبرها: نائب الفاعل، وهو مضاف إلى (ها).

حتماً: مفعول مطلق، أي: جعل جعلاً حتماً، أي: لازماً.

بأن: جار ومجرور متعلق بمتصلاً.

ومتصلاً: مفعول ثان لجعل، ومفعولها الأول هو نائب الفاعل (خبرها)؛ لأن نائب الفاعل يقوم مقام المفعول الأول.

يقول المؤلف: إن حرى كعسى في الدلالة على الرجاء، لكن تخالفها في أنه يجب أن تتصل (أنْ) بخبر حرى، وفي (عسى) الأكثر أن يتصل، لكنه ليس بواجب.

إذاً: الفرق بينهما: أن (عسى) يكثر اقتران خبرها بأن، وأما (حرى) فيجب اقتران خبرها بأن.

يقول: (وألزموا اخلولق أنْ مثل حرى) الظاهر أن المراد بذلك العرب، أي: ألزموا حسب لغتهم اخلولق (أنْ) مثل حرى.

قوله: (ألزموا): فعل وفاعل، ألزم: فعل ماض، والواو: ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل.

اخلولق: مفعول أول لألزموا، وهو مراد لفظه، أي: ألزموا هذه الكلمة.

أنْ: مفعول ثان لألزموا، وهو أيضاً مراد لفظه.

مثل حرى: إما أن تكون مفعولاً مطلقاً أي: إلزاماً مثل حرى، أو تكون حالاً، أي: حال كونها مثل حرى، ومثل: مضاف و(حرى) مضاف إليه بإرادة اللفظ.

(وبعد أوشك انتفا أن نزرا):

انتفاء: مبتدأ، وهو مضاف إلى أن.

وبعد: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة الظاهرة، وهو مضاف إلى أوشك، ومتعلق بقوله: (نزر) أي: قل، وتقدير البيت: وانتفاء أنْ قل بعد أوشك.

يقول رحمه الله: إن العرب ألزموا اخلولق (أنْ) كما ألزموا حرى، أي: أنه يجب في خبر اخلولق أن يقترن بأن، فتقول: اخلولقت السماء أن تمطر، ولا يصح أن تقول: اخلولقت السماء تمطر.

و

الإعراب:

اخلولق: فعل ماض، والتاء للتأنيث، واخلولق: يرفع الاسم وينصب الخبر.

والسماء: اسمها مرفوع بها وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره.

أن: حرف مصدر ينصب الفعل المضارع.

تمطر: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وهو خبر اخلولق، أي: اخلولقت السماء إمطارها؛ لأن (أن) تقدر وما بعدها بمصدر .

إذاً: تشترك اخلولق وحرى في لزوم (أنْ) في خبرهما، وفي معناهما، لأنهما بمعنى الرجاء، فهي مثلها في المعنى وفي العمل.

اقتران خبر أوشك بأن

قوله: (وبعد أوشك انتفا أن نزرا):

أي: أن خلو خبر (أوشك) من (أنْ) قليل، فتقول مثلاً: توشك السماء أن تمطر، هذا هو الكثير، وتقول: أوشكت السماء تمطر، ولكنه قليل، وعليه قول الشاعر:

يوشك من فر من منيته

في بعض غراته يوافقها

ولم يقل: أن يوافقها.

لكن الشاعر الآخر يقول:

ولو سئل الناس التراب لأوشكوا

إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا

فهنا اقتران خبرها بأن، وهو الغالب.

تجرد خبر كرب من أن

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ومثل كاد في الأصح كربا

وترك أن مع ذي الشروع وجبا

كأنشأ السائق يحدو وطفق

كذا جعلت وأخذت وعلق

(ومثل كاد) مثل: مبتدأ، وهو مضاف إلى (كاد) باعتبار اللفظ.

في الأصح: جار ومجرور.

(كربا) خبر المبتدأ (مثل)، ويجوز أن تقول: كربا: مبتدأ، ومثل: خبر:

فإن كنت تريد أن تخبر أن (كرب) مثل (كاد) فتكون (كرب) هي المبتدأ و(مثل) خبراً.

وإن كنت تريد أن تخبر عن مماثل (كاد) فإن (مثل) تكون مبتدأ و(كرب) خبراً، لكن المتبادر أنك تريد أن تخبر أن (كرب) مثل (كاد)، وعلى هذا تكون (كرب) مبتدأ مؤخراً و(مثل) خبراً مقدماً.

(في الأصح) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال، أي: حال كونه في الأصح من أقوال النحويين.

(وترك أن): ترك: مبتدأ، وهو مضاف إلى أن.

مع: ظرف مكان، وهو مضاف إلى ذي، و(ذي) مضاف إلى الشروع.

وجبا: فعل ماض، والجملة خبر المبتدأ، والظرف (مع ذي الشروع) متعلق بقوله: (وجب) أي: ووجب ترك أن مع ذي الشروع، أي: مع أفعال الشروع، وسيذكرها المؤلف هنا.

يقول المؤلف: مثل كاد في الأصح كرب، وكرب الأكثر فيها حذف أن من خبرها، ومنه قول الشاعر:

كرب القلب من جواه يذوب

حين قال الوشاة هند غضوب

فقوله: (مثل كاد في الأصح كربا) أي: أنها تكون خالية من أن، تقول: كربت السماء تصفى، بمعنى: قاربت؛ لأن (كاد وأوشك وكرب) التي فيها الكاف كلها تكون للمقاربة.

امتناع اقتران خبر ما دل على الشروع بأن

قوله: (وترك أن مع ذي الشروع وجبا):

أي: يجب ترك (أن) مع ذي الشروع، وهذا عكس الذي يجب أن يقترن خبره بأن مثل: حرى واخلولق، فصارت هذه الأدوات بالنسبة لاقتران خبرها بأن تنقسم إلى أربعة أقسام:

ما يمتنع اقترانه، وما يجب اقترانه، وما يكثر اقترانه، وما يكثر خلوه من أن، هذا ما تفيده كلمات ابن مالك رحمه الله.

يقول:

[ كأنشأ السائق يحدو وطفق

كذا جعلت وأخذت وعلق ]

لما أشار إلى ذات الشروع بدأ يبينها فقال: (كأنشأ السائق يحدو) أي: ذلك مثل قولك: أنشأ السائق، إذاً: كأنشأ السائق يحدو: الكاف: حرف جر، وأنشأ السائق يحدو: مجرور بالكاف؛ لأنه كأنه قال: كهذا المثال.

إذاً: أفعال الشروع هي: (أنشأ)، و(طفق) مثل: طفق يفعل كذا، أي: شرع.

و(جعل)، تقول: جعل يخطب، جعل يقول، جعل يتوضأ، جعل يأكل، جعل يشرب، وما أشبه ذلك.

و(أخذ) تقول: أخذت أتكلم، أو أخذ يتكلم، أو ما أشبه ذلك.

و(علق) أيضاً من أفعال الشروع، وبعض العلماء أنكرها، لكنها واردة عند العرب، تقول: علق يفعل، بمعنى: أنشأ يفعل.

ومن ذلك أيضاً: (شرع)، تقول: شرع يفعل كذا.

إذاً: كل ما دل على الشروع، أو قصد به الشروع فهو من أفعال الشروع، ونقول: كلما وجدنا كلمة تدل على الشروع فهي تعمل هذا العمل، إلا أن يمنع من التركيب ما تقتضيه اللغة، فإذا كان التركيب لا يصح لغة فإننا لا نقبل، وإلا فكل لفظ يدل على الشروع فإنه داخل في ذلك.

إذاً: لو أن قائلاً قال: أنشأ السائق أن يحدو، فإن هذا خطأ؛ لأنه يقول: (ترك أنْ مع ذي الشروع وجبا).

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ ككان كاد عسى لكن ندر

غير مضارع لهذين خبر ]

(ككان) جار ومجرور خبر مقدم.

(كاد) مبتدأ مؤخر.

لكن كيف أعربنا (كاد) مبتدأ مؤخراً، وأعربنا (كان) مجروراً؟

الجواب: لأن المراد لفظهما، وإذا كان المراد اللفظ ربما تكون الجملة كلها مجرورة.

إذاً: متى قصد اللفظ فإنه لا يهم أن يكون فعلاً، أو حرفاً، أو اسماً، أو جملة اسمية، أو جملة فعلية.

وقوله: (عسى) معطوف على (كاد)؛ فهي في محل رفع.

(لكن) حرف استدراك، وهي للعطف، بخلاف (لكنَّ) فإنها عاملة.

(ندر) أي: قَلَّ.

(غير) فاعل ندر، وهو مضاف إلى (مضارع).

(لهذين) جار مجرور متعلق بغير.

(خبر) فاعل ندر، يعني: قل أن يكون خبر غير مضارع لهذين الفعلين، وهما ( كاد -وعسى ).

يعني نقول: كاد زيدٌ قام، عسى زيدٌ قام، فهذا نادر، لأن الخبر إنما يكون فعلاً مضارعاً.

وكاد زيدٌ قام، وكاد زيد قم؛ هذا من النادر إن صح هذا التركيب.

قوله: (لكن ندر) استدراك هنا؛ لأنه قال: (ككان كاد) وظاهر هذا التشبيه أنهما يشبهان (كان) من جميع الوجوه؛ ولذلك استدرك.

فإن (كان) لا يتقيد خبرها بشيء؛ بل يكون اسماً، وظرفاً، وجار ومجروراً، ويكون فعلاً مضارعاً، ويكون فعلاً ماضياً.

أما هاتان الأداتان، فيقول: (ندر غير مضارع لهذين خبر).

مثال (كاد) قوله تعالى: فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]، فالخبر (يفعلون)، وهو فعل مضارع.

ومثال (عسى) قوله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216] فالخبر (تكرهوا)، وهو فعل مضارع.

لكن لو قلت: كاد زيدٌ قائماً، فهذا يكون من النادر لكنه ورد عن العرب.

عسى زيدٌ قائماً، كذلك نادر، لكنه ورد عن العرب.

لما ذكر أن (كاد وعسى) اشتركا في أن خبرهما يكون فعلاً مضارعاً، وأنه يندر ألا يكون فعلاً مضارعاً، ذكر اختلافهما من حيث اقتران (أن) بالخبر وعدمها، فقال:

[ وكونه بدون أن بعد عسى

نزر وكاد الأمر فيه عكسا ]

( كون ) مبتدأ -وخبره (نزر)- وهو مصدر (كان)، فيعمل عملها، واسم المصدر هو الضمير (الهاء) في قوله: ( وكونه ) فهو مصدر مضاف إلى اسمه.

و(بدون) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر (كون)، و(بدون) مضاف، و(أن) مضاف إليه، وصحت الإضافة إليه مع أنه حرف؛ لأنه المقصود بذلك اللفظ.

(بعد) ظرف متعلق بمحذوف، والتقدير: كونه بدون أن بعد عسى واقعاً، ويكون المحذوف حالاً، و(بعد) مضاف، و(عسى) مضاف إليه، وصحت الإضافة إليه وهو فعل لأن المقصود لفظه.

و(نزر) خبر كونه.

(وكاد) مبتدأ.

(الأمر) مبتدأ ثان.

(عكسا) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والرابط: الضمير (فيه).

والمعنى: كاد عكس الأمر فيه؛ فالأكثر في خبره تجرده من (أن).

وخلاصة الأمر:

أن (كاد وعسى) خالفتا (كان) في أن خبرهما يكون فعلاً مضارعاً، ويندر ما سواه، واتفقتا في أن الخبر يكون مضارعاً، واختلفتا في أن الأكثر في (عسى) اقتران الخبر بأن، وفي (كاد) العكس.

وفي القرآن: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]، لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [النور:40] فنجد أن الخبر مجرد من (أن).

وفي قول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216]، نجد أن الخبر مقترن بأن، والقرآن أبلغ الكلام.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله: أنه يجوز أن يقترن الخبر بأن مع كاد، ويجوز حذف أن مع عسى، ومثاله قول الشاعر:

عسى الكرب الذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

فالخبر (يكون)، والأفصح الكثير: أن يكون.

وفي كاد:

كادت النفس أن تفيض عليه.

فهنا اقترن الخبر بأن، والأكثر أن يقال: كادت النفس تفيض عليه.

ونرجع إلى الإعراب:

ففي قوله تعالى: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]:

(كاد) فعل ماضٍ ناسخ يعمل عمل كان، وواو الجماعة اسمه ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع.

(يفعلون) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل، والجملة من الفعل والفاعل خبر كاد.

وقوله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا [البقرة:216]:

(عسى) فعل ماضٍ ناسخ يعمل عمل كان، فيرفع الاسم وينصب الخبر، واسمها ضمير الشأن مستتر، والتقدير: عسى الشأن كراهتكم شيئاً.

(أن) حرف مصدري.

(تكرهوا) فعل مضارع منصوب بأن، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعل.

(شيئاً) مفعول به لتكرهوا، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر عسى، والتقدير: عسى الشأن كراهتكم شيئاً وهو خيرٌ لكم .

والفرق بين (كاد) و(عسى) في المعنى أن (كاد) للمقاربة، وأما (عسى) فهي للترجي.

فإذا قلت: كاد الطالب يفهمُ ، فالمعنى أنه قارب.

وإن كان في الطلبة من هو أبعد فهماً من هذا الطالب فأقول: عسى الطالب أن يفهم.

وبين العبارتين فرق اشتهر عند بعض النحويين وهو:

أن إثبات (كاد) نفي وأن نفيها إثبات، فإذا قلت: كاد زيدٌ يفعلُ؛ فتدل الجملة على أنه لم يفعل.

وأن الله تعالى قال: (لم يكد يراها)؛ وهو قد رآها، وفي قوله تعالى: فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]، فيكون نفيها إثباتاً.

ولكن الصحيح أنها كغيرها من الأفعال، فإثباتها إثبات، ونفيها نفي، ولا يمكن أن يكون نفيها إثباتاً إلا بقرينه، والقرائن لها أحوال، وهذا الذي رجحه ابن هشام رحمه الله في المغني، فمثلاً إذا قلت: كاد الطالب يفهم فكاد تدل على أنه قارب الفهم.

إذاً: إثباتها إثبات.

وقوله تعالى: فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة:71]، قالوا: إنهم ذبحوها، والله يقول: (ما كادوا يفعلون)، وهم قد فعلوا، نقول: لا يفهم أنهم فعلوا من قوله تعالى: (وما كادوا يفعلون)، إنما فهمناه من قوله: (فذبحوها)، وقوله تعالى: (وما كادوا يفعلون) على ما هو عليه يعني: ما قرب أن يفعلوا لكن بعد الأخذ والرد فعلوا.

إذاً: فقوله: ( وما كادوا يفعلون ) تشنيع عليهم، يعني: أنهم فعلوا بعد أن كادوا لم يفعلوا.

وأما قوله تعالى: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [النور:40]، فعلى زعمهم أنه رآها، ولكن الآية لا تدل على هذا فالبحر لجي عميق، ويغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، فهو ظلمات بعضها فوق بعض، فلا يقارب أن يرى يده.

إذاً: فنفيها نفي، وهذا هو الواقع، لكن لما كان الإنسان إذا قال (ما كاد يفعل) ظن أن (كاد) مسلطة على الفعل، والفعل لم يحصل، يعني: ظن هذا القائل بأن نفيها إثباتها وإثباتها نفي، حين ظن أن كلمة (كاد) مسلطة على الفعل، فقال: إن الفعل لم يقع، فنقول: إن كان ليست مسلطة على الفعل، بل أصل (كاد) بمعنى قرب، وليست بمعنى فعل، وإذا كانت بمعنى قرب فقولي: كاد يفعل، مثبت، أي: قرب أن يفعل، وإذا قلت: لم يكد يفعل، فمعناه: أنه لم يقرب من الفعل.

ومثلها: علمته ثم علمته ثم علمته ولم يكد يفهم، أي: ما فهم، لم يقرب من الفهم.

والراجح عندي كلام ابن هشام ، وأنها كغيرها من الأفعال، نفيها نفي وإثباتها إثبات، إلا إذا دلت القرينة، والقرائن لها أحوال.

(وعسى) للترجي، تقول: عسى محمد أن يفهم، وقد تأتي لغير الترجي، ومن ذلك إذا جاءت في كلام الله كقوله تعالى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ [النساء:98-99]، فالله تعالى لا يترجى، لأن كل شيء بأمره؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (عسى من الله واجبة)، أي: أنها للتحقيق، لكن ما الحكمة أنها جاءت بصيغة الترجي؟

لئلا يهلك الإنسان الأمل، فكأن المعنى: لو تاب الإنسان أو كان معذوراً عسى الله أن يعفو عنه، فلئلا يهلكك الأمل فتعتمد على إنجاز الله سبحانه وتعالى لك ما وعدك به.

فصارت (عسى) للترجي إلا إذا جاءت في كلام الله فإنها تكون للتحقيق، لقول ابن عباس رضي الله عنهما وهو من أئمة اللغة بلا شك: (عسى من الله واجبة).

[وكعسى حرى ولكن جعلا

خبرها حتماً بأن متصلا

وألزموا اخلولق أن مثل حرى

وبعد أوشك انتفا أنْ نزرا ]

قوله: (وكـعسى حرى)، أي: في المعنى، و(عسى) سبق أنها من أفعال الرجاء، وعلى هذا فتكون (حرى) من أفعال الرجاء، فتقول: حرى زيدٌ أن يقوم، أي: عسى زيدٌ أن يقوم.

ولكن هناك فرق بينهما ذكره بقوله: (ولكن جعلا خبرها حتماً بأن متصلا).

قوله: (وكعسى حرى) الواو: حرف عطف، كعسى: جار ومجرور خبر مقدم.

حرى: مبتدأ مؤخر، وهو فعل لكن يراد به لفظه.

ولكن: الواو: حرف عطف، لكن: حرف استدراك، وهي هنا ليست عاطفة، فإن العطف بالواو، ولكنها مفيدة للاستدراك، فإن لم يكن معها حرف عطف صارت للاستدراك والعطف، كما لو قلت: ما زيدٌ قائماً لكن قاعداً، فتكون لكن: هنا حرف عطف جملة على جملة، أما إذا جاءت الواو معها فهي حرف استدراك فقط.

جعلا: فعل ماض، والألف للإطلاق، وهو مبني لما لم يسم فاعله.

خبرها: نائب الفاعل، وهو مضاف إلى (ها).

حتماً: مفعول مطلق، أي: جعل جعلاً حتماً، أي: لازماً.

بأن: جار ومجرور متعلق بمتصلاً.

ومتصلاً: مفعول ثان لجعل، ومفعولها الأول هو نائب الفاعل (خبرها)؛ لأن نائب الفاعل يقوم مقام المفعول الأول.

يقول المؤلف: إن حرى كعسى في الدلالة على الرجاء، لكن تخالفها في أنه يجب أن تتصل (أنْ) بخبر حرى، وفي (عسى) الأكثر أن يتصل، لكنه ليس بواجب.

إذاً: الفرق بينهما: أن (عسى) يكثر اقتران خبرها بأن، وأما (حرى) فيجب اقتران خبرها بأن.

يقول: (وألزموا اخلولق أنْ مثل حرى) الظاهر أن المراد بذلك العرب، أي: ألزموا حسب لغتهم اخلولق (أنْ) مثل حرى.

قوله: (ألزموا): فعل وفاعل، ألزم: فعل ماض، والواو: ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل.

اخلولق: مفعول أول لألزموا، وهو مراد لفظه، أي: ألزموا هذه الكلمة.

أنْ: مفعول ثان لألزموا، وهو أيضاً مراد لفظه.

مثل حرى: إما أن تكون مفعولاً مطلقاً أي: إلزاماً مثل حرى، أو تكون حالاً، أي: حال كونها مثل حرى، ومثل: مضاف و(حرى) مضاف إليه بإرادة اللفظ.

(وبعد أوشك انتفا أن نزرا):

انتفاء: مبتدأ، وهو مضاف إلى أن.

وبعد: ظرف مكان منصوب على الظرفية بالفتحة الظاهرة، وهو مضاف إلى أوشك، ومتعلق بقوله: (نزر) أي: قل، وتقدير البيت: وانتفاء أنْ قل بعد أوشك.

يقول رحمه الله: إن العرب ألزموا اخلولق (أنْ) كما ألزموا حرى، أي: أنه يجب في خبر اخلولق أن يقترن بأن، فتقول: اخلولقت السماء أن تمطر، ولا يصح أن تقول: اخلولقت السماء تمطر.

و

الإعراب:

اخلولق: فعل ماض، والتاء للتأنيث، واخلولق: يرفع الاسم وينصب الخبر.

والسماء: اسمها مرفوع بها وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره.

أن: حرف مصدر ينصب الفعل المضارع.

تمطر: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وهو خبر اخلولق، أي: اخلولقت السماء إمطارها؛ لأن (أن) تقدر وما بعدها بمصدر .

إذاً: تشترك اخلولق وحرى في لزوم (أنْ) في خبرهما، وفي معناهما، لأنهما بمعنى الرجاء، فهي مثلها في المعنى وفي العمل.

قوله: (وبعد أوشك انتفا أن نزرا):

أي: أن خلو خبر (أوشك) من (أنْ) قليل، فتقول مثلاً: توشك السماء أن تمطر، هذا هو الكثير، وتقول: أوشكت السماء تمطر، ولكنه قليل، وعليه قول الشاعر:

يوشك من فر من منيته

في بعض غراته يوافقها

ولم يقل: أن يوافقها.

لكن الشاعر الآخر يقول:

ولو سئل الناس التراب لأوشكوا

إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا

فهنا اقتران خبرها بأن، وهو الغالب.