شرح ألفية ابن مالك [11]


الحلقة مفرغة

تعريف العلم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ العلم ].

العلم في المرتبة الثانية بعد الضمائر، إلا علماً على مسمى واحد، وهو الله عز وجل، فهذا أعرف المعارف بالاتفاق، فإذا قلت: الله ربي، الله ربنا، لا يمكن أن يتخيل الإنسان سوى الله عز وجل، فلهذا قالوا: إن العلم الذي هو اسم الله عز وجل هو أعرف المعارف؛ لكن علم غيره يأتي في المرتبة الثانية، ولهذا أتى به المؤلف رحمه الله بعد ذكر الضمير، فما هو العلم؟

الأصل في العلم: الشيء الظاهر البين كالجبال، قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ [الشورى:32]، أي كالجبال، ولكنه هنا غير المعنى الذي جاءت به اللغة العربية، إلا أنه يوافقه في أصل الاشتقاق والمعنى، فقال المؤلف:

[ اسم يعين المسمى مطلقا علمه ].

يعني علم الاسم، فاسم: مبتدأ. يعين المسمى: صفته. علمه: خبر المبتدأ.

فعلم الأسماء هو الاسم الذي يعين مسماه تعييناً مطلقاً، ومعنى قوله: (مطلقاً) أي بدون حاجة إلى واسطة.

فخرج بذلك ما يعين مسماه بواسطة كاسم الإشارة مثلاً، فإنه يعين مسماه بواسطة الإشارة؛ لأن الأصل إذا قلت: هذا محمد، الأصل أني أشير إليه، ولهذا قيل: اسم إشارة.

وخرج به الاسم الموصول؛ لأنه يعين مسماه بالصلة، لو قلت: (جاء الذي) لم يتعين المسمى، فإذا قلت مثلاً: جاء الذي قام، تعين بصلته.

وخرج المضاف إلى المعرفة، فإنه يعين مدلوله بواسطة الإضافة.

وخرج الضمير لأنه يعين مسماه بواسطة الغيبة أو الحضور.

المهم أن الذي يعين مسماه مطلقاً هو العلم.

قال:

[ كجعفر وخرنقا

وقرن وعدن ولاحق وشذقم وهيلة وواشق ].

أكثر المؤلف رحمه الله من الأمثلة، ولو أتى بمثال أو مثالين لكفى.

قوله: (لجعفر): اسم رجل.

قوله: (وخرنقا): اسم امرأة، لكنه غير مألوف عندنا ولا معروف، فإني ما سمعت بامرأة تسمى خرنقا.

قوله: (وقرن): اسم قبيلة ينتسب إليها أويس القرني الذي أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام.

(وعدن): اسم بلد معروف.

(ولاحق): اسم فرس، كـالعضباء والقصواء لناقتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

(وشذقم): اسم جمل.

(وهيلة): اسم شاة.

(وواشق): اسم كلب.

هذه كلها أمثلة مثل بها المؤلف لأشياء مألوفة، إما من بني آدم أو من الحيوانات، ولكن مع ذلك ربما توضع أعلام لأشياء غير مألوفة كما سيأتي في آخر الباب إن شاء الله تعالى.

أنواع العلم

ثم قال:

[ واسماً أتى وكنيةً ولقبا... ].

اسماً: حال مقدمة، يعني: وأتى العلم اسماً.

وكنية: معطوفة على (اسماً) يعني: وأتى كنية.

ولقباً: معطوفة على (اسماً) أي: وأتى لقباً.

فبين المؤلف في هذا الشطر من هذه الأرجوزة أن العلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

- اسم.

- وكنية.

- ولقب.

فالاسم: ما جعل علامة على المسمى بدون إشعار بمدح أو ذم، مثل: زيد ، بكر ، خالد ، وغالب الأعلام أسماء.

واللقب: ما جعل علماً مشعراً بمدح أو ذم، مثل: قفة، اسم رجل، فإنه اسم مشعر بذم.

ويظهر لي أن القفة إناء توضع فيه الحاجات.

زين العابدين: لقب لأنه أشعر بمدح، فما وضع علماً مشعراً بمدح أو ذم فهو لقب.

الثالث كنية: وهي ما صدر بأب أو أم. وبعضهم قال: أو عم أو خال، مثل: أبي بكر ، أبي هريرة ، أم الفضل ، لزوجة العباس بن عبد المطلب .

وقد تكون الكنية كنيةً لقباً، إذا كني الشخص بما يدل على المدح، مثل: أبو الجود ، فهو كنية باعتبار أنه صدر بأب، ولقب باعتبار أنه يشعر بمدح.

ومن ذلك أبو لهب فهذا لا شك أنه يشعر بذم فيكون كنية من وجه، ولقباً من وجه آخر.

وهل يمكن أن يجتمع الاسم واللقب؟

الجواب: لا، لأنه إذا اشعر بمدح أو ذم انتقل من الاسمية إلى اللقب.

الترتيب بين الاسم والكنية واللقب

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ وأخرن ذا إن سواه صحبا ].

أخرن ذا: المشار إليه أقرب مذكور وهو اللقب، يعني: إذا اجتمعت هذه الثلاثة يجب تأخير اللقب عن أخويه الاسم والكنية فتقول مثلاً: جاء محمد زين العابدين، ولا تقول: جاء زين العابدين محمد على كلام المؤلف لأنه قال: (وأخرن ذا) وهذا فعل أمر، والأمر هنا للوجوب وليس أمر استحباب، ولكنهم استثنوا من ذلك ما إذا كان الإنسان مشهوراً بلقبه، فإنه يجوز تقديم اللقب مثل: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ [النساء:171]، فهنا قدم اللقب لأنه كان مشهوراً به.

وإنما يجب تأخير اللقب عن الاسم؛ لأن اللقب بمنزلة الصفة، والصفة لا تكون إلا بعد معرفة الموصوف، وحينئذٍ يلزم تقديم الاسم لنأتي باللقب ليكون كالوصف له، ولهذا إذا كان المسمى مشهوراً باللقب يجوز تقديمه، ومن ذلك الإمام أحمد والإمام الشافعي وما أشبه ذلك، فإنا نقول: قال الإمام أحمد ولا نقول: قال أحمد الإمام، فالأول هو المألوف لأنه اشتهر بهذا اللقب فقدم؛ ولكن لو قال قائل: أفلا يمكن أن نجعل الإمام صفة؟

قلنا: بلى، لكن الإمام إذا أطلق عند أصحابه فالمراد به إمام المذهب، ولهذا في كتب الشافعية إذا قال: قال الإمام فهو الشافعي ، وفي كتب الحنابلة أحمد ، وفي كتب الأحناف أبو حنيفة ، وفي كتب المالكية مالك .

وظاهر قول المؤلف: (أخرن ذا إن سواه صحبا)، أنه يجب الترتيب بين الكنية واللقب، فتؤخر اللقب، فلا يجوز على كلام المؤلف: قال الصديق أبو بكر ، بل يجب أن نقول: قال أبو بكر الصديق ، ولكن في هذا نظر، والصحيح أنه لا ترتيب بين الكنية واللقب، لأن الكنية تشبه عطف البيان، فهي قريبة من معنى الصفة، فيجوز أن يتقدم اللقب ويجوز أن يتأخر، فقول المؤلف: (إن سواه صحبا) ليس على الإطلاق هكذا قال الشراح.

فعلى ترتيب المؤلف نبدأ بالاسم ثم الكنية ثم اللقب فنقول: قال عبد الله أبو بكر الصديق ؛ لكن الواقع أن أبا بكر رضي الله عنه قد اشتهر بـالصديق ، فبناءً على الاستثناء الذي ذكرنا يجوز أن نقول: قال الصديق أبو بكر عبد الله أو عبد الله أبو بكر ؛ لأنه مشتهر به.

ونقول: قال عمر بن الخطاب الفاروق ، وإذا اشتهر به قلنا: قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا هو الذي عليه العمل.

حالات الاتباع والإضافة عند اجتماع الاسم واللقب

قال المؤلف:

[ وإن يكونا مفردين فأضف حتماً وإلا أتبع الذي ردف ]

إن يكونا: أي: الاسم واللقب، (مفردين) والمفرد هنا ما ليس بمضاف ولا شبيهاً به، وليس المراد بالمفرد ما يقابل المثنى والجمع، لأن المثنى والجمع لا يكونان علمين، وإذا قدر أنه جعل علماً صار ملحقاً بالجمع وصار له حكم المفرد من حيث المعنى وحكم الجمع من حيث الإعراب.

يقول: (وإن يكونا مفردين فأضف حتماً وإلا أتبع الذي ردف)

إن يكونا مفردين، مثل: محمد الفاتح ، محمد اسم، والفاتح لقب، يقول المؤلف: إنه تجب الإضافة فتقول جاء محمد الفاتح ؛ ولكن هذا أيضاً فيه نظر، والصحيح أنه تجوز الإضافة ويجوز القطع ويكون الثاني وصفاً لا سيما إذا قدمنا الاسم على اللقب؛ لأنه يشبه الصفة والموصوف، فيجوز: محمدُ الفاتحِ بالإضافة، ويجوز: محمدٌ الفاتحُ بالتنوين.

أما جاء محمدٌ الفاتحُ فلا إشكال فيها من حيث المعنى، وإنما الإشكال إذا قلنا جاء محمدُ الفاتحِ ، إذ كيف صح أن يضاف الشيء إلى نفسه؟

يقول: هذا على تأويل، فيؤول الاسم الأول بمسمى والثاني بالاسم، ويكون التقدير على هذا: جاء مسمى هذا الاسم.

فالحاصل أن معنى قول المؤلف رحمه الله: (وإن يكونا مفردين فأضف) أي: إذا كان الاسم واللقب مفردين، وإنما حملنا ذلك على الاسم واللقب لأن الكنية لا بد أن تكون مضافة، ولا يمكن أن تأتي مفردة، إذ إن الكنية ما صدر بأب وأم وابن وعم وخال وما أشبه ذلك.

وليس المراد بالمفرد هنا المفرد في باب الإعراب؛ لأن المفرد في باب الإعراب ما ليس مثنى ولا مجموعاً ولا ملحقاً بهما، والمفرد هنا ما ليس بمركب، فإذا كانا مفردين قال: (فأضف حتماً) يعني: وجب أن يضاف الأول إلى الثاني.

مثاله: جاء علي قفة، فقفة: لقب، وعلي: اسم، وعلي مفرد، وقفة مفرد، فيجب على كلام المؤلف أن أقول: جاء عليُّ قفةَ، فأضيف الأول إلى الثاني، ولكن الصحيح خلاف ذلك، وأن الإضافة هنا جائزة، وليست بواجبة، بل سيأتينا إن شاء الله في باب الإضافة أنه لا يضاف اسم لما به اتحد معنى. قال ابن مالك :

ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهماً إذا ورد

فهنا لا نوجب أن يضاف الأول إلى الثاني، بل أعلى ما نقول: إنه يجوز إضافة الأول إلى الثاني؛ وذلك لأن الإضافة تقتضي شيئين: أحدهما المضاف، والثاني المضاف إليه، والأصل فيهما التغاير، فلا يضاف الشيء إلى نفسه.

فإذا أضفنا وقلنا: ( جاء عليُّ قفةَ ) فإنه يؤول، فيقال: جاء ملقب هذا الاسم أو مسمى هذا اللقب، وذلك حتى يستقيم المعنى.

قال: (وإلا أتبع الذي ردف) يعني: وإلا يكونا مفردين، فيشمل ما إذا كانا مركبين، أو كان الأول مركباً والثاني مفرداً، أو كان الأول مفرداً والثاني مركباً.

وقوله: (أتبع) فعل أمر يقتضي الإلزام.

وأيضاً قوله: (أتبع) لم يذكر فيه نوع التابع، ولكنه يعرب على أنه عطف بيان لما قبله، أو بدل منه.

وقوله: (الذي ردف) هو الثاني، يعني: أتبع الثاني الأول.

والصور الثلاث داخلة تحت قوله: (وإلا) لكن ينبغي أن تكون الصورة التي فيها إفراد الأول وتركيب الثاني كالصورة التي يكون فيها الاثنان مفردين في الحكم؛ وذلك لأنهما إذا كانا مركبين تعذر إضافة الأول إلى الثاني، وإذا كان الأول مركباً والثاني مفرداً تعذر إضافة الأول إلى الثاني، وإذا كان الأول مفرداً والثاني مركباً لم يتعذر إضافة الأول إلى الثاني، كما لا تتعذر إضافة الأول إلى الثاني فيما إذا كانا مفردين.

وعلى هذا فالقياس أنه إذا كان الأول مفرداً والثاني مركباً جاز الوجهان: الإضافة والإتباع، فإذا قلت: ( جاء علي زين العابدين )، ففي هذا المثال جاء الأول مفرداً والثاني مركباً فيجوز على القياس أن تقول: ( جاء عليُّ زينِ العابدين )، ويكون التقدير: جاء مسمى هذا اللقب؛ وذلك لأن إضافة الأول إذا كان مفرداً إلى الثاني جائزة ليس فيها محذور.

ولو قلت: ( جاء عبد الله زين العابدين ) لتعين الإتباع؛ لأن كلاً منهما مركب.

ولو قلت: ( جاء عبد الله قفة ) لتعين الإتباع أيضاً؛ لأن الأول تتعذر إضافته إلى الثاني، فصارت الصور أربعاً:

أن يكونا مفردين.

وأن يكون الأول مفرداً والثاني مركباً.

وأن يكونا مركبين.

وأن يكون الأول مركباً والثاني مفرداً.

العلم المنقول والعلم المرتجل

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ ومنه منقول كفضل وأسد وذو ارتجال كسعاد وأدد ]

الإعراب: منه: خبر مقدم.

منقول: مبتدأ مؤخر.

وذو ارتجال: الواو حرف عطف، ذو: مبتدأ خبره محذوف؛ لأن هذا قسيم الأول، فإذا كان قسيماً له فإنه لا يصلح عطفه عليه؛ لأنه لو صح عطفه عليه لكان قريناً له، وله مثال في القرآن وهو قوله تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود:105] فلا يجوز أن تجعل (سعيد) معطوفة على شقي؛ لأن الشقي يقابل السعيد، بل نقول: سعيد مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ومنهم سعيد، والمعنى هنا: ومنه ذو ارتجال. والعطف هنا عطف جملة على جملة.

أفادنا المؤلف هنا أن العلم ينقسم إلى قسمين: قسم منقول، وقسم مرتجل.

فالمنقول معناه أنه منقول من شيء سابق كفضل، فأصله مصدر فَضَل يَفْضُل فَضْلاً، وأسد منقول من اسم جنس الحيوان المفترس المعروف، ويسمى به البشر، فيقال: أسد بن موسى .

ومن المنقول ما نقل عن اسم المفعول، مثل منصور ومسعود، وما نقل عن اسم الفاعل، مثل صالح وحامد، وما نقل عن اسم المبالغة، مثل حماد عباس.

والمرتجل: ما لم يسم به شيء قبله كسعاد اسم امرأة، وأدد اسم رجل.

أما نحو (عبد الله) فهو اسم مركب؛ لأنا نقول: (عبد) منقول من اسم جنس، و(الله) من علم سابق، لكن هذا لا يصح؛ لأن الاسم للجميع، فيكون هذا من باب المرتجل.

العلم المركب من جملة والمركب المزجي

قال المؤلف: [ وجملة وما بمزج ركبا ذا إن بغير ويه تم أعربا ].

(وجملة) الواو حرف عطف، جملة: مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ومنه جملة.

(وما بمزج ركبا) يعني: والذي ركب بمزج، أي بخلط، حيث تخلط الكلمتان حتى تكونا كلمة واحدة.

و(ما) هنا اسم موصول مبتدأ خبره محذوف.

(ذا) الإشارة تعود إلى أقرب مذكور وهو المركب تركيباً مزجياً، ومحلها من الإعراب مبتدأ.

وإن: شرطية، وفعل الشرط (تم).

وبغير ويه: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بتم.

أُعربا: فعل ماض مبني للمجهول، وهو جواب الشرط والتقدير: هذا إن تم بغير ويه أعرب، أي: وإن ختم بويه بني، كما هو المفهوم؛ لأن المفهوم يثبت له نقيض حكم المنطوق، فإذا كان المنطوق أنه إذا ختم بغير ويه يعرب فإن المفهوم أنه إذا ختم بويه يبنى.

قوله: (وجملة) يعني: من الأعلام ما يكون جملة، وهل الذي يكون جملة يعتبر منقولاً؟

نقول: نعم، هو منقول من جملة، والجملة قد تكون جملة فعلية، وقد تكون جملة اسمية، فمن الفعلية قولهم: شاب قرناها، أي: قرنا البقرة أو الشاة، وهو علم على رجل .

ومنه أيضاً تأبط شراً ، فنقول: قام تأبط شراً، وضربت تأبط شراً، ومررت بتأبط شراً .

قيل: ومنه شمَّر اسم قبيلة، وأصل (شمر) فعل ماض، وخالف بعضهم: فقال: شمر ليس من باب الجملة؛ لأنه لم يذكر فيها المسند إليه وهو الفاعل، فلا يكون مركباً، وإنما المركب ما وجد فيه المسند والمسند إليه.

والمركب من جملة اسمية مثل: الشنفري ، يقال أصله: الشن فرى.

وكذلك لو سميت شخصاً فقلت: الثغر باسم، تقول: جاء الثغر باسم، ضربت الثغر باسم، مررت بالثغر باسم.

والمركب من جملة يبقى محكياً بالجملة، أي: تبقى الجملة على ما هي عليه، ويقدر الإعراب على آخرها، فإذا قلت: جاء شاب قرناها، فإعرابه:

جاء: فعل ماض.

شاب قرناها: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية؛ لأننا نحكي الجملة كما هي.

ضربت الثغر باسم:

ضربت: فعل وفاعل.

الثغر باسم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.

مررت بتأبط شراً:

مررت: فعل وفاعل.

والباء: حرف جر.

تأبط شراً: اسم مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.

قوله: (وما بمزج ركبا)، يعني: وما ركب تركيباً مزجياً مثل قولهم: بعلبك اسم مكان، وحضرموت اسم مكان أيضاً، ومعد يكرب اسم رجل.

فهذا المركب تركيباً مزجياً يعرب بالحركات على آخره، لكنه يعرب إعراب ما لا ينصرف، فتقول مثلاً: سكنت بعلبكَ، وهذه بعلبكُ، ومررت ببعلبكَ.

هذه بعلبك:

هذه: مبتدأ.

بعلبك: خبر المبتدأ مرفوع بضمة ظاهرة في آخره.

وسكنت بعلبك؛ بعلبك: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

ومررت ببعلبك؛ بعلبك: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف التركيب المزجي.

إذاً: المركب تركيباً مزجياً يعرب إعراب الاسم الذي لا ينصرف، فيعرب بحركات على آخره، إلا أنه يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة.

قوله: (ذا ...) أي المركب تركيباً مزجياً إن تم بغير ويه أعرب كما سبق، فإن تم بويه فإن المشهور عندهم أن يكون مبنياً على الكسر؛ لأن أصل (ويه) اسم فعل، وأسماء الأفعال كلها مبنية، مثال ذلك: سيبويه، فهو اسم مركب تركيباً مزجياً، فتقول: هذا سيبويهِ، وأكرمت سيبويهِ، ومررت بسيبويهِ، بالبناء على الكسر.

ومن ذلك خالويه، اسم رجل مركب من (خال) ومن (ويه)، ومنه: نفطويه مركب من (نفط) و(ويه)، وهو من علماء النحو، ويقال: إن رجلاً قرأ علم النحو وعجز عنه، فدعا عليه قال:

لا بارك الله في النحو ولا أهله إذ كان منسوباً إلى نفطويه

أحرقه الله بنصف اسمه وجعل الباقي صراخاً عليه

نصف اسمه (نفط)، والباقي (ويه).

خلاصة في بعض أقسام العلم

والحاصل أن التقسيمات التي ذكرها المؤلف هي أنه أولاً قسم العلم إلى منقول ومرتجل.

والمنقول يكون من مصدر، واسم جنس، واسم مفعول، واسم فاعل، وصيغة مبالغة، ومنه المنقول من الفعل مثل: شمر، ويزيد.

والقسم الثاني: المرتجل الذي لم يسم به قبل العلم، مثل سعاد وأدد، والظاهر أن زينب ومريم من ذلك.

ثم قسمه تقسيماً آخر إلى جملة وإلى مركب، وإن شئت فقل: إلى مركب تركيب جملة، ومركب تركيباً مزجياً، والمركب من جملة يكون من جملة اسمية ويكون من جملة فعلية، وكيفية إعرابه أن تبقي الجملة على ما هي عليه محكية وتقدر علامات الإعراب عليها تقديراً، وتقول: المانع من ظهورها الحكاية.

أما التركيب المزجي فذكر أنه ينقسم إلى قسمين: الأول ما ختم بويه، والثاني: ما لم يختم بها، فما ختم بويه فهو مبني على الكسر في جميع الحالات، وما لم يختم بها فهو معرب إلا أنه يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف، والله أعلم.

والفائدة من التقسيم بالنسبة للمنقول والمرتجل، أن تعرف أنه منقول ومرتجل، وأيضاً بالنسبة للمنقول: إذا نقل من اسم الفاعل فقد يكون فيه فائدة بالنسبة لأسماء الله وأسماء الرسول، وهو أنه دال على المعنى الذي اشتق منه.

العلم المركب تركيباً إضافياً

قال المؤلف رحمه الله: [ وشاع في الأعلام ذو الإضافة كعبد شمس وأبي قحافة ]

شاع: بمعنى كثر.

الأعلام: جمع علم.

ذو الإضافة: أي صاحب الإضافة، وهو المركب الإضافي (كـعبد شمس وأبي قحافة ).

وهذا الذي قاله المؤلف رحمه الله واضح لكل أحد، ولا يحتاج إلى بيان، فعبد الله وعبد الرحمن وعبد شمس وأبو قحافة وما أشبه ذلك كثير؛ لكن هل مراد المؤلف أن يخبرنا بأن هذا موجود في الأعلام؟

الجواب: لا؛ بل مراده أن يبين أن العلم ذا الإضافة يكون إعرابه على الجزء الأول بحسب العوامل، وإعرابه على الجزء الثاني في أن يجر بالإضافة إن كان معرباً، ويبنى على الكسر إن كان مبنياً، هذا هو مراد المؤلف رحمه الله.

وقوله: (كـعبد شمس ) هو عبد شمس بن عبد مناف ؛ لأن له أربعة أولاد: هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس ، لكن بنو هاشم وبنو المطلب متناصرون فيما بينهم، ولهذا انضم بنو المطلب إلى بني هاشم حين حاصرت قريش بني هاشم في الشعب بسبب دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك يقول أبو طالب في لاميته المشهورة التي قال عنها ابن كثير رحمه الله إنها أبلغ من المعلقات السبع التي علقها العرب في الكعبة؛ قال فيها:

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلاً عقوبة شر عاجلاً غير آجل

لأنهم بنو عمهم ومع ذلك صاروا مع قريش عليهم، وبنو المطلب وقفوا مع بني هاشم، لكن السؤال الآن: هل يجوز أن ننسب إلى عبد شمس من كان من ذريته بهذا التركيب فنقول: فلان من بني عبد شمس أو لا يجوز؟

الجواب: يجوز؛ لأن هذا من باب الخبر وليس من باب الإنشاء، وفرق بين الخبر والإنشاء، لكن لو كان عبد شمس عندنا لقلنا: غيَّر الاسم، أما وقد مات فلا يمكن التغيير، ويجوز النسب إليه، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرتجز يوم حنين ويقول: (أنا النبي لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب) ، فينتسب إلى جده مع أنه يقال عنه: عبد المطلب .

وأبو قحافة : هو والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وهنا قال: (كـعبد شمس وأبي قحافة )؛ لأن الأول الجزء الثاني منه معرب منصرف، والجزء الثاني في الثاني معرب غير منصرف.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ العلم ].

العلم في المرتبة الثانية بعد الضمائر، إلا علماً على مسمى واحد، وهو الله عز وجل، فهذا أعرف المعارف بالاتفاق، فإذا قلت: الله ربي، الله ربنا، لا يمكن أن يتخيل الإنسان سوى الله عز وجل، فلهذا قالوا: إن العلم الذي هو اسم الله عز وجل هو أعرف المعارف؛ لكن علم غيره يأتي في المرتبة الثانية، ولهذا أتى به المؤلف رحمه الله بعد ذكر الضمير، فما هو العلم؟

الأصل في العلم: الشيء الظاهر البين كالجبال، قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ [الشورى:32]، أي كالجبال، ولكنه هنا غير المعنى الذي جاءت به اللغة العربية، إلا أنه يوافقه في أصل الاشتقاق والمعنى، فقال المؤلف:

[ اسم يعين المسمى مطلقا علمه ].

يعني علم الاسم، فاسم: مبتدأ. يعين المسمى: صفته. علمه: خبر المبتدأ.

فعلم الأسماء هو الاسم الذي يعين مسماه تعييناً مطلقاً، ومعنى قوله: (مطلقاً) أي بدون حاجة إلى واسطة.

فخرج بذلك ما يعين مسماه بواسطة كاسم الإشارة مثلاً، فإنه يعين مسماه بواسطة الإشارة؛ لأن الأصل إذا قلت: هذا محمد، الأصل أني أشير إليه، ولهذا قيل: اسم إشارة.

وخرج به الاسم الموصول؛ لأنه يعين مسماه بالصلة، لو قلت: (جاء الذي) لم يتعين المسمى، فإذا قلت مثلاً: جاء الذي قام، تعين بصلته.

وخرج المضاف إلى المعرفة، فإنه يعين مدلوله بواسطة الإضافة.

وخرج الضمير لأنه يعين مسماه بواسطة الغيبة أو الحضور.

المهم أن الذي يعين مسماه مطلقاً هو العلم.

قال:

[ كجعفر وخرنقا

وقرن وعدن ولاحق وشذقم وهيلة وواشق ].

أكثر المؤلف رحمه الله من الأمثلة، ولو أتى بمثال أو مثالين لكفى.

قوله: (لجعفر): اسم رجل.

قوله: (وخرنقا): اسم امرأة، لكنه غير مألوف عندنا ولا معروف، فإني ما سمعت بامرأة تسمى خرنقا.

قوله: (وقرن): اسم قبيلة ينتسب إليها أويس القرني الذي أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام.

(وعدن): اسم بلد معروف.

(ولاحق): اسم فرس، كـالعضباء والقصواء لناقتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

(وشذقم): اسم جمل.

(وهيلة): اسم شاة.

(وواشق): اسم كلب.

هذه كلها أمثلة مثل بها المؤلف لأشياء مألوفة، إما من بني آدم أو من الحيوانات، ولكن مع ذلك ربما توضع أعلام لأشياء غير مألوفة كما سيأتي في آخر الباب إن شاء الله تعالى.