شرح بلوغ المرام - كتاب الزكاة - حديث 639-646


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، صلى الله وسلم وأنعم على سيدنا محمد معلم الناس الخير، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

رقم هذا الدرس في شرح بلوغ المرام : (209) وهذه ليلة الجمعة الرابع عشر من شهر جمادى الآخرة من سنة 1428هـ، ولا زلنا في دروس دورة الزكاة.

الحديث رقم: (618) عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنهما قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ).

رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم .

تخريج الحديث

المصنف -رحمه الله- يقول: رواه الخمسة إلا ابن ماجه، يعني: أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد بن حنبل، والثلاثة أبو داود والترمذي والنسائي رووه في كتاب الزكاة، وكذلك رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في مستدركه والدارمي وابن أبي شيبة وغيرهم.

والمصنف -رحمه الله- لم يشر إلى درجة هذا الحديث، ولكنه نقل تصحيحه عن ابن حبان وعن الحاكم .

وفي سند هذا الحديث عبد الرحمن بن مسعود بن نيار وهو مختلف فيه، وقد وثقه ابن حبان على عادته في التساهل في توثيق غير المعروفين، وتكلم فيه غير واحد من أهل العلم أنه غير معروف العدالة، فهذا يُضعف سند الحديث، ولكن الحديث صح موقوفاً عن عمر رضي الله عنه من قوله أنه كان يبعث الخارصين يخرصون الزكاة، ويقول لهم: (دعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع).

ترجمة راوي الحديث

نذكر ترجمة الراوي الذي هو سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه؛ لأنه لم يسبق لنا أن ترجمناه تقريباً فيما أذكر: سهل بن أبي حثمة أنصاري من الأوس، وقد كان وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم صبياً في السابعة أو الثامنة من عمره، مات في زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وبعض المترجمين يخلطون بينه وبين والده، فإن والده كان صحابياً وكان دليلاً للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف، والواقع أن سهلاً كان صبياً عند وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كما ذكرت.

أيضاً فيما يتعلق بألفاظ الحديث ممكن نذكرها أو نؤجلها للحديث الذي بعده وهو الحديث رقم (719)؛ لأنه يشترك معه في الموضوع.

المصنف -رحمه الله- يقول: رواه الخمسة إلا ابن ماجه، يعني: أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد بن حنبل، والثلاثة أبو داود والترمذي والنسائي رووه في كتاب الزكاة، وكذلك رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في مستدركه والدارمي وابن أبي شيبة وغيرهم.

والمصنف -رحمه الله- لم يشر إلى درجة هذا الحديث، ولكنه نقل تصحيحه عن ابن حبان وعن الحاكم .

وفي سند هذا الحديث عبد الرحمن بن مسعود بن نيار وهو مختلف فيه، وقد وثقه ابن حبان على عادته في التساهل في توثيق غير المعروفين، وتكلم فيه غير واحد من أهل العلم أنه غير معروف العدالة، فهذا يُضعف سند الحديث، ولكن الحديث صح موقوفاً عن عمر رضي الله عنه من قوله أنه كان يبعث الخارصين يخرصون الزكاة، ويقول لهم: (دعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع).

نذكر ترجمة الراوي الذي هو سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه؛ لأنه لم يسبق لنا أن ترجمناه تقريباً فيما أذكر: سهل بن أبي حثمة أنصاري من الأوس، وقد كان وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم صبياً في السابعة أو الثامنة من عمره، مات في زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وبعض المترجمين يخلطون بينه وبين والده، فإن والده كان صحابياً وكان دليلاً للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف، والواقع أن سهلاً كان صبياً عند وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كما ذكرت.

أيضاً فيما يتعلق بألفاظ الحديث ممكن نذكرها أو نؤجلها للحديث الذي بعده وهو الحديث رقم (719)؛ لأنه يشترك معه في الموضوع.

حديث عتاب بن أسيد رضي الله عنه، قال: ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيباً).

رواه الخمسة وفيه انقطاع. ‏

تخريج الحديث

وحديث عتاب بن أسيد فيه أولاً ما يتعلق بالتخريج، فقد رواه الأربعة أصحاب السنن كلهم في كتاب الزكاة، ورواه أحمد كما ذكر المصنف، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وابن أبي شيبة .

وفيه انقطاع كما ذكر المصنف؛ لأن راويه لم يسمع من عتاب ولم يدركه، الراوي عن عتاب بن أسيد وهو سعيد لم يسمع منه، بل لم يدركه؛ لأن هذا مات قبل أن يولد ذاك، ولذلك نقول: إن الحديث فيه انقطاع كما ذكر المصنف -رحمه الله-.

وقد قال المعلق: إن الحديث ليس في مسند الإمام أحمد، فهذا مما يحتاج إلى تأكد وتثبت؛ لأنه لم يظهر لي أن أحداً استدرك هذا الحديث على المصنف، فهذه يتأكد منها إن شاء الله في الليلة القادمة.

ترجمة راوي الحديث

النقطة الثانية ما يتعلق بالصحابي فهو أيضاً لأول مرة يذكر وهو عتاب بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين، وهذه من الأسماء المشتبهة، أحياناً يقول : أُسيد تصغير أسد، وهو قرشي عبشمي، ما معنى عبشمي؟ من بني عبد شمس وهو بطن من قريش، وهو من مسلمة الفتح قد أسلم يوم فتح مكة، ولكنه ممن حسن إسلامه فكان تقياً ورعاً صالحاً، وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة يوم خرج إلى حنين، وقيل: إن وفاته كانت يوم وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقيل: إنه عاش بعد ذلك والله تبارك وتعالى أعلم.

معاني ألفاظ حديثي الخرص في الزكاة

أما فيما يتعلق بالألفاظ:

ففي الحديثين ذكر الخرص (إذا خرصتم) والخرص معناه في اللغة هو: التخمين والحدس والتحري, وفي القرآن جاء لفظ الخرص مذموماً، كما في قوله تعالى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ [الذاريات:10] يعني: الذين يرجمون بالغيب ويظنون في مقام ينبغي فيه التثبت واليقين، أما في هذا السياق فالمقصود بالخرص في باب الصدقة والزكاة ونحوها هو: أن الساعي الذي يبعثه الإمام إلى الزكاة يأتي إلى الشجر أو إلى النخل بعدما طاب ثمرها وصلح، وليس في بدايته، وإنما بعدما نضج، فيأتي ويطوف بهذه الشجرة ويدور عليها ويُقدر كم تساوي، كم هي من صاع، أو كم وسقاً يوجد في هذه المزرعة كما أسلفنا وبينّا، فيُقدِّر مثلاً أن هذا الفلاح أو المزارع يوجد في مزرعته أربعمائة نخلة أو أربعة آلاف نخلة، ويُقدر أن في كل نخلة كذا صاعاً أو مقداراً ثم يحسب عليه ويحذف منه الثلث أو الربع على ما ذكر في الحديث وفي الأثر عن عمر رضي الله عنه، ثم يأخذ منه الزكاة بعد ذلك، لكن المقصود أنه يكون هناك تحرٍ لمقدار ما تستوعبه أو ما يوجد في هذه المزرعة أو في ملكية فلان بن فلان، هذا هو معنى الخرص المشار إليه.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا) يعني: خذوا الزكاة المفروضة، وليس المقصود أخذها فوراً؛ لأن الإنسان ربما لا يوجد عنده ما يعطيه، وربما يقع تلفاً أيضاً لهذا الزرع أو غيره، وإنما المقصود الأخذ بعد ذلك.

وقوله: (دعوا الثلث) يعني: اتركوا لأصحاب المزرعة ثلث الخرص أو ربعه، وهذا المتروك يُترك لكي يأكلوا هم ويطعموا أضيافهم وجيرانهم وقرابتهم على ما جرت عليه عادة الناس من الارتفاق في مثل هذه الأمور، فيُترك هذا لهم.

وقوله: (فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) هذا ليس على سبيل التشهي للخارص أنه يترك الثلث أو الربع أيهما شاء، وإنما بحسب ما يرى بحسب اجتهاده بحسب المصلحة، فإنه مثلاً قد يأتي إلى مزرعة فيجد أن أهل هذه المزرعة أناس كرماء، وقد يكون عندهم بيوت للضيوف والقادمين والجيران والمحتاجين، فيترك لهم كثيراً، أو يأتي إلى أهل مزرعة أخرى فيجد أن هؤلاء القوم لا يعطون أحداً شيئاً إلا ما أكله الطير بغير اختيارهم، فيختلف الأمر إذاً بحسب هذا.

أيضاً بحسب طيب الزرع وصلاحه أو عدم ذلك؛ لأنه يراعى فيه أن يكون في الزرع المرض ويكون فيه التلف ويكون فيه ما يأخذه الناس إذا كان بالطريق بغير اختيار أهله كما هو معروف.

إذاً: قوله: (دعوا الثلث أو الربع) ليس على سبيل التخيير المحض والتشهي، وإنما هو بحسب الاجتهاد والحاجة.

مسألة: حكم الخرص

في الحديثين حكم الخرص، هل تُخرص صدقات المزروعات أو لا تُخرص؟

وهذا الأمر فيه اختلاف بين أهل العلم بالنظر إلى عدم ثبوت الحديث كما قلت أن فيه مقالاً، وأيضاً بالنظر إلى أن الخرص والتخمين لم يكن معروفاً أو محدوداً، وقد جرت العادة في أنصباء الزكاة أنها تكون معروفة مقدرة بالضبط.

ومن هنا وقع الاختلاف بين فقهاء الكوفة وبين غيرهم، فجمهور أهل العلم يقولون بالخرص، وهم الشافعية، والمالكية، والحنابلة.

يقولون: إن الإمام يُرسل السعاة يخرصون ما يتعلق بمزروعات الناس التي تجب فيها الزكاة، وهذا هو المنقول عن الصحابة كما قال الأئمة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذلك الخلفاء الراشدين عامة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أنهم أرسلوا السعاة الذين يخرصون الأموال.

ونُقل أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل كما في هذا الحديث، وأرسل عبد الله بن رواحة إلى خيبر لما كان فيها اليهود وعقد النبي صلى الله عليه وسلم معهم عقداً، فهذا هو مذهب الجمهور في الخرص.

القول الثاني في المسألة: أن الخرص باطل، وإنما كان الخرص هنا فقط لتخويف الملاك؛ لئلا يتلاعبوا بأنصباء الزكاة، وإلا فإن الخرص هنا غير معتبر ولا يشرع، وهذا مذهب أبي حنيفة، ونُقل عن الشعبي .

وحجتهم قالوا: لأن الخرص ظن، والله تعالى يقول : إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً [يونس:36]، وأُجيب بأن الخرص هو تقريب ومحاولة معرفة أقرب ما يكون إلى الصواب، والشريعة جرت عادتها أنه إذا لم يمكن معرفة الشيء على وجه التحديد فإنه يلجأ إلى غلبة الظن ومعرفة الشيء على وجه التقريب.

واحتجوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن المزابنة ) كما في الحديث المتفق عليه، وهي بيع التمر في أصول النخل، يعني: بيع التمر وهو على النخل بخرصه من المكيل، فإن هذه من المزابنة المنهي عنها، وأيضاً نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر إلا أن يكون مثلاً بمثل سواء بسواء، سواء كان تمراً رطباً أو يابساً طيباً جيداً أم رديئاً فلابد من المماثلة والمساواة والتقابض في التمر، إلا ما ورد الاستثناء فيه وهي العرايا كما هو معروف.

فقالوا: إن هذا الخرص يشبه المزابنة والربا الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام.

والصحيح: هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم الأئمة الثلاثة وعليه عمل الصحابة والخلفاء الراشدين من مشروعية الخرص والعمل به في تقدير أنصباء الزكاة.

والخرص لا يُعارض أن صاحب المال بعدما يجتمع ماله وبعدما يقوم بالجذاذ لا يعارض أن يقدره ويعرف مقداره على وجه التحديد إذا تطلب الأمر ذلك.

فوائد حديثي الخرص في الزكاة

وفي الحديثين فوائد:

- منها مشروعية الخرص كما ذكرنا.

- ومنها بعث السعاة لتقدير الأموال.

- ومنها وجوب الزكاة فيما أخرجت الأرض وخصوصاً التمر، فإن الخرص يكون في التمر ويكون في العنب، ويخرج من العنب زكاته زبيباً، فهذا ما يكون فيه الخرص وما كان من جنسه، فذلك دليل على وجوب الزكاة في هذه الأشياء على ما بينّاه في ليال ماضيات.

- وفيه التوسعة على الناس بترك الثلث أو الربع لهم لما يحتاجونه أو من ينوبهم من الناس.

طبعاً هذان الحديثان حديث سهل بن أبي حثمة وحديث عتاب بن أسيد كلاهما متعلق بموضوع زكاة الزروع والثمار، وقد بينّاها فيما مضى من الليالي وحددنا مقاديرها وأنصباءها وأوساقها وأقوال العلماء فيما تجب فيه الزكاة وما لا تجب.

أهمية الزروع والثمار في قيام حياة الناس

وبقي أن أختم موضوع الزروع والثمار بالإشارة إلى أهمية هذه الزروع والثمار في قيام حياة الناس، فإن الله سبحانه وتعالى امتن على بلاد المسلمين بأن تكون سلة للغذاء، وأن يكون فيها واحات زراعية خصبة جداً، حتى المدينة المنورة التي هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم ونشأت فيها دولة الإسلام الأولى كانت مدينة مكتظة بالتمر وبالعنب وبألوان المأكولات والمطعومات، فحتى مع الحصار كما حاولوا في يوم الأحزاب وغير ذلك وفي المجاعة، كان الناس يجدون في هذه المزروعات، ثم بعد ذلك في خيبر وغيرها من الأراضي التي ملكها المسلمون، ثم في بلاد الشام ثم في بلاد المغرب ثم في بلاد السودان هناك إمكانية هائلة أن تكون هذه البلاد الإسلامية مصدراً ضخماً جداً لتمويل كثير من بلاد العالم، بدلاً من أن تكون هذه البلاد نفسها أصبحت تستورد بعض هذه المزروعات أو تبيعها بأغلى الأثمان، وقد كنت في السودان قبل فترة فوجدت أن كيلو واحد من الطماطم ربما يباع بعشرات الريالات بما لا يطيقه الأغنياء فضلاً عن عوام الناس، فهذا حقيقة دليل على الإهمال وعلى التخلف، التخلف الإداري والمعرفي والاقتصادي الذي يعانيه المسلمون، بينما الله سبحانه وتعالى أعطاهم هذه الإمكانيات الفطرية، وأنا هنا أتذكر حديثاً ذكره الطبراني وأبو يعلى عن النبي صلى الله عليه وسلم وصف فيه النخل، وأنا أقول: إن النخلة هي عبارة عن شجرة إسلامية إن صح التعبير، نعم هي موجودة في كل مكان حتى شجر البرحي الموجود في بلادنا الآن وغيرها موجود بشكل كبير جداً في كاليفورنيا وفي عدد من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، لكن العراق -نسأل الله أن يرد إليه أمنه واستقراره ووحدته واستقلاله أيضاً- يعني: بلد ملايين النخيل، والجزيرة العربية واحات ملأى بالنخيل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يصف النخل في الحديث هذا إن صح يقول: ( الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل ) يعني: جميل جداً هذا الوصف، راسخة في الأرض في الطين في الوحل، يعني: لا تهزها الرياح ولا تحتاج إلى كثير سقي، حتى إنك قد تجد نخلة في الصحراء لا تُسقى ومع ذلك تجدها قد أينعت وأثمرت.

(المطعمات في المحل) المحل هو: الجدب والمجاعة والفقر، ومع ذلك تجد فيها الطعام، وأنه قد يمتار الناس منها الشيء الكثير.

فهذا مما امتن الله تعالى به على الناس، ولو أن الناس أخرجوا زكاة هذه المزروعات وتأنقوا كيف يعتنون بها لكان من وراء ذلك الخير الكثير.

وحديث عتاب بن أسيد فيه أولاً ما يتعلق بالتخريج، فقد رواه الأربعة أصحاب السنن كلهم في كتاب الزكاة، ورواه أحمد كما ذكر المصنف، ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وابن أبي شيبة .

وفيه انقطاع كما ذكر المصنف؛ لأن راويه لم يسمع من عتاب ولم يدركه، الراوي عن عتاب بن أسيد وهو سعيد لم يسمع منه، بل لم يدركه؛ لأن هذا مات قبل أن يولد ذاك، ولذلك نقول: إن الحديث فيه انقطاع كما ذكر المصنف -رحمه الله-.

وقد قال المعلق: إن الحديث ليس في مسند الإمام أحمد، فهذا مما يحتاج إلى تأكد وتثبت؛ لأنه لم يظهر لي أن أحداً استدرك هذا الحديث على المصنف، فهذه يتأكد منها إن شاء الله في الليلة القادمة.

النقطة الثانية ما يتعلق بالصحابي فهو أيضاً لأول مرة يذكر وهو عتاب بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين، وهذه من الأسماء المشتبهة، أحياناً يقول : أُسيد تصغير أسد، وهو قرشي عبشمي، ما معنى عبشمي؟ من بني عبد شمس وهو بطن من قريش، وهو من مسلمة الفتح قد أسلم يوم فتح مكة، ولكنه ممن حسن إسلامه فكان تقياً ورعاً صالحاً، وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة يوم خرج إلى حنين، وقيل: إن وفاته كانت يوم وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقيل: إنه عاش بعد ذلك والله تبارك وتعالى أعلم.

أما فيما يتعلق بالألفاظ:

ففي الحديثين ذكر الخرص (إذا خرصتم) والخرص معناه في اللغة هو: التخمين والحدس والتحري, وفي القرآن جاء لفظ الخرص مذموماً، كما في قوله تعالى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ [الذاريات:10] يعني: الذين يرجمون بالغيب ويظنون في مقام ينبغي فيه التثبت واليقين، أما في هذا السياق فالمقصود بالخرص في باب الصدقة والزكاة ونحوها هو: أن الساعي الذي يبعثه الإمام إلى الزكاة يأتي إلى الشجر أو إلى النخل بعدما طاب ثمرها وصلح، وليس في بدايته، وإنما بعدما نضج، فيأتي ويطوف بهذه الشجرة ويدور عليها ويُقدر كم تساوي، كم هي من صاع، أو كم وسقاً يوجد في هذه المزرعة كما أسلفنا وبينّا، فيُقدِّر مثلاً أن هذا الفلاح أو المزارع يوجد في مزرعته أربعمائة نخلة أو أربعة آلاف نخلة، ويُقدر أن في كل نخلة كذا صاعاً أو مقداراً ثم يحسب عليه ويحذف منه الثلث أو الربع على ما ذكر في الحديث وفي الأثر عن عمر رضي الله عنه، ثم يأخذ منه الزكاة بعد ذلك، لكن المقصود أنه يكون هناك تحرٍ لمقدار ما تستوعبه أو ما يوجد في هذه المزرعة أو في ملكية فلان بن فلان، هذا هو معنى الخرص المشار إليه.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا) يعني: خذوا الزكاة المفروضة، وليس المقصود أخذها فوراً؛ لأن الإنسان ربما لا يوجد عنده ما يعطيه، وربما يقع تلفاً أيضاً لهذا الزرع أو غيره، وإنما المقصود الأخذ بعد ذلك.

وقوله: (دعوا الثلث) يعني: اتركوا لأصحاب المزرعة ثلث الخرص أو ربعه، وهذا المتروك يُترك لكي يأكلوا هم ويطعموا أضيافهم وجيرانهم وقرابتهم على ما جرت عليه عادة الناس من الارتفاق في مثل هذه الأمور، فيُترك هذا لهم.

وقوله: (فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) هذا ليس على سبيل التشهي للخارص أنه يترك الثلث أو الربع أيهما شاء، وإنما بحسب ما يرى بحسب اجتهاده بحسب المصلحة، فإنه مثلاً قد يأتي إلى مزرعة فيجد أن أهل هذه المزرعة أناس كرماء، وقد يكون عندهم بيوت للضيوف والقادمين والجيران والمحتاجين، فيترك لهم كثيراً، أو يأتي إلى أهل مزرعة أخرى فيجد أن هؤلاء القوم لا يعطون أحداً شيئاً إلا ما أكله الطير بغير اختيارهم، فيختلف الأمر إذاً بحسب هذا.

أيضاً بحسب طيب الزرع وصلاحه أو عدم ذلك؛ لأنه يراعى فيه أن يكون في الزرع المرض ويكون فيه التلف ويكون فيه ما يأخذه الناس إذا كان بالطريق بغير اختيار أهله كما هو معروف.

إذاً: قوله: (دعوا الثلث أو الربع) ليس على سبيل التخيير المحض والتشهي، وإنما هو بحسب الاجتهاد والحاجة.

في الحديثين حكم الخرص، هل تُخرص صدقات المزروعات أو لا تُخرص؟

وهذا الأمر فيه اختلاف بين أهل العلم بالنظر إلى عدم ثبوت الحديث كما قلت أن فيه مقالاً، وأيضاً بالنظر إلى أن الخرص والتخمين لم يكن معروفاً أو محدوداً، وقد جرت العادة في أنصباء الزكاة أنها تكون معروفة مقدرة بالضبط.

ومن هنا وقع الاختلاف بين فقهاء الكوفة وبين غيرهم، فجمهور أهل العلم يقولون بالخرص، وهم الشافعية، والمالكية، والحنابلة.

يقولون: إن الإمام يُرسل السعاة يخرصون ما يتعلق بمزروعات الناس التي تجب فيها الزكاة، وهذا هو المنقول عن الصحابة كما قال الأئمة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذلك الخلفاء الراشدين عامة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أنهم أرسلوا السعاة الذين يخرصون الأموال.

ونُقل أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل كما في هذا الحديث، وأرسل عبد الله بن رواحة إلى خيبر لما كان فيها اليهود وعقد النبي صلى الله عليه وسلم معهم عقداً، فهذا هو مذهب الجمهور في الخرص.

القول الثاني في المسألة: أن الخرص باطل، وإنما كان الخرص هنا فقط لتخويف الملاك؛ لئلا يتلاعبوا بأنصباء الزكاة، وإلا فإن الخرص هنا غير معتبر ولا يشرع، وهذا مذهب أبي حنيفة، ونُقل عن الشعبي .

وحجتهم قالوا: لأن الخرص ظن، والله تعالى يقول : إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً [يونس:36]، وأُجيب بأن الخرص هو تقريب ومحاولة معرفة أقرب ما يكون إلى الصواب، والشريعة جرت عادتها أنه إذا لم يمكن معرفة الشيء على وجه التحديد فإنه يلجأ إلى غلبة الظن ومعرفة الشيء على وجه التقريب.

واحتجوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن المزابنة ) كما في الحديث المتفق عليه، وهي بيع التمر في أصول النخل، يعني: بيع التمر وهو على النخل بخرصه من المكيل، فإن هذه من المزابنة المنهي عنها، وأيضاً نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر إلا أن يكون مثلاً بمثل سواء بسواء، سواء كان تمراً رطباً أو يابساً طيباً جيداً أم رديئاً فلابد من المماثلة والمساواة والتقابض في التمر، إلا ما ورد الاستثناء فيه وهي العرايا كما هو معروف.

فقالوا: إن هذا الخرص يشبه المزابنة والربا الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام.

والصحيح: هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم الأئمة الثلاثة وعليه عمل الصحابة والخلفاء الراشدين من مشروعية الخرص والعمل به في تقدير أنصباء الزكاة.

والخرص لا يُعارض أن صاحب المال بعدما يجتمع ماله وبعدما يقوم بالجذاذ لا يعارض أن يقدره ويعرف مقداره على وجه التحديد إذا تطلب الأمر ذلك.