شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 344-346


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

الحديث الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سبح -وفي رواية: من سبح الله- دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسع وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر ) رواه مسلم . وفي رواية أخرى: ( أن التكبير أربع وثلاثون ). ‏

تخريج الحديث

هذا الحديث رواه مسلم رحمه الله في صحيحه، في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، ورواه أيضاً أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم، وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما، والبيهقي في سننه، والبغوي وأحمد والنسائي في كتابه عمل اليوم والليلة، وهو جزء من السنن الكبرى، وطبع مستقلاً محققاً أيضاً وغيرهم.

شواهد الحديث

أما الرواية الأخرى: وهي قوله: وفي رواية أخرى: (أن التكبير أربع وثلاثون) يعني: سبح الله ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله أربعاً وثلاثين، ولم يذكر فيه: ( وقال تمام المائة: لا إله إلا الله )، لم يذكر فيه هذا.

فقد جاء أيضاً في صحيح مسلم، كما هو ظاهر صنيع المصنف رحمه الله، فإن قوله: رواه مسلم، وفي رواية أخرى: قد يدل على أن الرواية الأخرى هي أيضاً في صحيح مسلم، وهو كذلك، فإن هذه الرواية موجودة في صحيح مسلم من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن )، وإنما سميت معقبات؛ لأنها تقال عقب الفريضة، قال تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ [الرعد:11]، يعني: يعقب بعضهم بعضاً، يأتي بعضهم عقب بعض، والمقصود الملائكة.

فقوله: (معقبات) يعني: أنها تقال عقب الفريضة، قال: ( لا يخيب قائلهن أو فاعلهن )، هكذا في الرواية.

ثم قال: ( دبر كل صلاة مكتوبة )، وهذا دليل على أن الكلام في الصلاة المفروضة وليس في النافلة، ثم قال: ( ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة ).

فالشاهد قوله: ( وأربع وثلاثون تكبيرة )، وهو كما قلت: في صحيح مسلم من حديث كعب بن عجرة .

وله شواهد أخرى كثيرة ربما جاء بعد قليل ذكر شيء منها.

فمن شواهده وسنحتاجه في أكثر من موضع: حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: أمِرْنا )، والآمر لهم هو النبي عليه الصلاة والسلام، قال زيد بن ثابت : ( أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ونحمد ثلاثاً وثلاثين، ونكبر أربعاً وثلاثين )، فهذا القدر من الحديث يشهد لحديث كعب بن عجرة، وما أشار إليه المصنف في الرواية الأخرى.

قال زيد بن ثابت في آخر الحديث: ( فأتي رجل في منامه فقيل له: اجعلوها -الحديث طويل، أذكر بعضه الآن- قال: اجعلوها خمساً وعشرين، واجعلوا معها التهليل، فلما أصبح الرجل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فافعلوه )، وأقر ما رآه ذلك الأنصاري.

وهذا الحديث حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه حديث صحيح , رواه الترمذي في سننه في كتاب الدعوات، ورواه النسائي في سننه أيضاً في كتاب السهو، وفي عمل اليوم والليلة أيضاً له، وأحمد والدارمي والطبراني وابن خزيمة وابن حبان وصححاه، والحاكم في مستدركه وصححه، ووافقه الذهبي، وإسناده صحيح كما قال ذلك ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم، بل رجاله رجال الصحيح، غير كثير بن أفلح وهو ثقة، ولكنه ليس من رجال الشيخين.

صيغ التكبير والتهليل ونحوهما بعد الصلاة

في هذا الحديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحديث كعب بن عجرة، وحديث زيد بن ثابت وغيرها، فيها مسألة: وهي صيغ التكبير والتهليل بعد الصلوات.

وقد وردت الصيغ التي يستحب أن تقال بعد الصلاة عدة صور مر شيء منها نستذكرها معكم الآن:

الصيغة الأولى مما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الذكر بعد الصلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، وتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هذا جاء في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم، هذه هي الصيغة الأولى.

الصيغة الثانية: يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمد الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبر الله أربعاً وثلاثين، فيقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة، والله أكبر يقولها أربعاً وثلاثين مرة، وهذا جاء في حديث كعب بن عجرة في صحيح مسلم، وأيضاً حديث زيد بن ثابت، الذي رواه أحمد، وأصحاب السنن، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم وصححه، وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، غير كثير بن أفلح وهو ثقة، فالحديث صحيح.

الصيغة الثالثة: التسبيح خمس وعشرون، والتهليل خمس وعشرون، والتحميد خمس وعشرون، والتكبير خمس وعشرون، سبحان الله يقولها: خمساً وعشرين مرة، والحمد لله خمساً وعشرين مرة، ولا إله إلا الله خمساً وعشرين مرة، والله أكبر خمساً وعشرين مرة، فهذه خمس وعشرون في أربعة يساوي مائة، هذه الصيغة وردت في حديث زيد بن ثابت : ( أن رجلاً أتي في منامه، فقيل له: اجعلوها خمساً وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فغدا الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: فافعلوه )، فأقر هذه الرؤيا فكانت رؤيا حق، وتشريعاً أقره النبي صلى الله عليه وسلم، هذه ثلاث صيغ.

الصيغة الرابعة: التسبيح عشر مرات، والتحميد عشر مرات، والتكبير عشر مرات، هذا لم نذكره فيما أعتقد، لم نذكره، لكن الصيغة الرابعة التي ثبتت بإسناد صحيح: أن يسبح الله تعالى في دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً، وهذا جاء في حديث صحيح، في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خصلتان لا يحصيهما مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً )، فهذه ثلاثون، ثم ذكر بقية الحديث أنه يسبح الله تعالى ويحمده ويكبره عند النوم ثلاثين .. إلى آخر الحديث.

فهذا الحديث يدل على أنه يستحب للإنسان أن يقول عقب الصلاة: سبحان الله عشر مرات أحياناً، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات، فيكون المجموع ثلاثين، ويقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: ( فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهن بيده ) بالإفراد، وهذا دليل على أن التسبيح يعقد باليمين، وقد جاء هذا صريحاً في سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أيضاً، وسنده صحيح أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه )، رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما وإسناده صحيح، وهو دليل على أن المشروع عقد التسبيح بالأصابع، وعقدها أيضاً باليمين دون الشمال.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق، حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ( خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان ) ما معنى قوله: (خمسون ومائة باللسان)، من أين جاءت الخمسون والمائة باللسان لأنها خمس صلوات، كل صلاة يقول بعدها ثلاثين، يعني: ما بين تسبيح وتحميد وتكبير، فثلاثين في خمسة مائة وخمسون؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان ).

ثم قال في بقية الحديث: ( فإذا أوى إلى فراشه سبح وحمد وكبر مائة، فتلك مائة باللسان وألف في الميزان ) فالتسبيح والتحميد والتكبير عند النوم مائة، كأنها ما بين التسبيح والتحميد والتكبير، ويكون التكبير أكثر منها، بدليل حديث أبي هريرة السابق، فيكون التكبير أربعاً وثلاثين، فهذه مائة باللسان، وألف في الميزان.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فأيكم يعمل في اليوم الواحد ألفين وخمسمائة سيئة؟ قال بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف لا يحصيهما؟! )؛ لأنه قال في أول الحديث: ( ومن يعمل بهما قليل، قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: كيف لا يحصيهما؟ قال: يأتي الشيطان أحدكم وهو في الصلاة، فيقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، حتى يشغله، ويأتيه وهو في مضجعه، فلا يزال ينومه حتى ينام )، يعني: دون أن يقولها، وهذا الحديث حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، رواه الترمذي أيضاً في سننه، في كتاب الدعوات، ورواه ابن ماجه والحميدي في مسنده، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، والنسائي في عمل اليوم والليلة، وأحمد، ورواه أيضاً أبو داود وابن حبان .. وغيرهم من طرق كثيرة، عن عطاء بن السائب عن أبيه عن صحابي الحديث الذي ذكرته قبل قليل: عبد الله بن عمرو بن العاص .

و عطاء بن السائب معروف أنه قد اختلط، لكن روى عنه هذا الحديث بعض من روى عنه قبل الاختلاط، كـحماد بن زيد .. وغيره، ولذلك صححنا إسناد هذا الحديث فهذا يدل على الصيغة الرابعة من صيغ الذكر بعد الصلاة.

هناك صيغتان ذكرهما بعض أهل العلم كالإمام ابن تيمية، والشيخ عبد الرحمن السعدي رحمهما الله وغيرهم: سبحان الله إحدى عشرة مرة، والحمد لله إحدى عشرة مرة، والله أكبر إحدى عشرة مرة، فيكون المجموع ثلاثاً وثلاثين.

وهذه لم أذكرها؛ لأنها جاءت من فهم سمي في حديث أبي هريرة، وقد استغربها جماعة من أهل العلم، ولم تأت في حديث مفرد، والظاهر أنها ترجع إلى الحديث الآخر، أن يقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

والصيغة السادسة: ...

هل جاء التسبيح ثلاثين فحسب؟ هذا لم أقف عليه، التسبيح ثلاثين فحسب لم أقف عليه.

على كل حال الشيخ ابن تيمية رحمه الله ذكر -وهذه من العجائب- ذكر الصيغ الست في الفتاوى الكبرى في موضعين، ففي موضع أسقط الخامسة وفي موضع أسقط الرابعة، فإذا وجدت النهاية وجدت هذه الصيغ التي ذكرها رحمه الله خمساً، وبإسقاط الصيغة الأخيرة التي فيها إحدى عشرة وإن كان جاءت في رواية في صحيح مسلم وغيره، لكن يظهر أنها فهم للحديث، وليست نصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت في حديث آخر عند البزار، ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح في كتاب الأذان في الذكر بعد الصلاة، وذكر أنه حديث ضعيف، ولذلك كأنه مال رحمه الله إلى تضعيف هذه الصيغة وهذه الزيادة.

فتبقى الصيغ الثابتة الواردة أربعاً. والله تعالى أعلم.

هذا الحديث رواه مسلم رحمه الله في صحيحه، في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، ورواه أيضاً أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم، وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما، والبيهقي في سننه، والبغوي وأحمد والنسائي في كتابه عمل اليوم والليلة، وهو جزء من السنن الكبرى، وطبع مستقلاً محققاً أيضاً وغيرهم.

أما الرواية الأخرى: وهي قوله: وفي رواية أخرى: (أن التكبير أربع وثلاثون) يعني: سبح الله ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله أربعاً وثلاثين، ولم يذكر فيه: ( وقال تمام المائة: لا إله إلا الله )، لم يذكر فيه هذا.

فقد جاء أيضاً في صحيح مسلم، كما هو ظاهر صنيع المصنف رحمه الله، فإن قوله: رواه مسلم، وفي رواية أخرى: قد يدل على أن الرواية الأخرى هي أيضاً في صحيح مسلم، وهو كذلك، فإن هذه الرواية موجودة في صحيح مسلم من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن )، وإنما سميت معقبات؛ لأنها تقال عقب الفريضة، قال تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ [الرعد:11]، يعني: يعقب بعضهم بعضاً، يأتي بعضهم عقب بعض، والمقصود الملائكة.

فقوله: (معقبات) يعني: أنها تقال عقب الفريضة، قال: ( لا يخيب قائلهن أو فاعلهن )، هكذا في الرواية.

ثم قال: ( دبر كل صلاة مكتوبة )، وهذا دليل على أن الكلام في الصلاة المفروضة وليس في النافلة، ثم قال: ( ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة ).

فالشاهد قوله: ( وأربع وثلاثون تكبيرة )، وهو كما قلت: في صحيح مسلم من حديث كعب بن عجرة .

وله شواهد أخرى كثيرة ربما جاء بعد قليل ذكر شيء منها.

فمن شواهده وسنحتاجه في أكثر من موضع: حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: أمِرْنا )، والآمر لهم هو النبي عليه الصلاة والسلام، قال زيد بن ثابت : ( أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ونحمد ثلاثاً وثلاثين، ونكبر أربعاً وثلاثين )، فهذا القدر من الحديث يشهد لحديث كعب بن عجرة، وما أشار إليه المصنف في الرواية الأخرى.

قال زيد بن ثابت في آخر الحديث: ( فأتي رجل في منامه فقيل له: اجعلوها -الحديث طويل، أذكر بعضه الآن- قال: اجعلوها خمساً وعشرين، واجعلوا معها التهليل، فلما أصبح الرجل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فافعلوه )، وأقر ما رآه ذلك الأنصاري.

وهذا الحديث حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه حديث صحيح , رواه الترمذي في سننه في كتاب الدعوات، ورواه النسائي في سننه أيضاً في كتاب السهو، وفي عمل اليوم والليلة أيضاً له، وأحمد والدارمي والطبراني وابن خزيمة وابن حبان وصححاه، والحاكم في مستدركه وصححه، ووافقه الذهبي، وإسناده صحيح كما قال ذلك ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم، بل رجاله رجال الصحيح، غير كثير بن أفلح وهو ثقة، ولكنه ليس من رجال الشيخين.

في هذا الحديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحديث كعب بن عجرة، وحديث زيد بن ثابت وغيرها، فيها مسألة: وهي صيغ التكبير والتهليل بعد الصلوات.

وقد وردت الصيغ التي يستحب أن تقال بعد الصلاة عدة صور مر شيء منها نستذكرها معكم الآن:

الصيغة الأولى مما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الذكر بعد الصلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، وتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هذا جاء في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم، هذه هي الصيغة الأولى.

الصيغة الثانية: يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمد الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبر الله أربعاً وثلاثين، فيقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة، والله أكبر يقولها أربعاً وثلاثين مرة، وهذا جاء في حديث كعب بن عجرة في صحيح مسلم، وأيضاً حديث زيد بن ثابت، الذي رواه أحمد، وأصحاب السنن، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم وصححه، وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، غير كثير بن أفلح وهو ثقة، فالحديث صحيح.

الصيغة الثالثة: التسبيح خمس وعشرون، والتهليل خمس وعشرون، والتحميد خمس وعشرون، والتكبير خمس وعشرون، سبحان الله يقولها: خمساً وعشرين مرة، والحمد لله خمساً وعشرين مرة، ولا إله إلا الله خمساً وعشرين مرة، والله أكبر خمساً وعشرين مرة، فهذه خمس وعشرون في أربعة يساوي مائة، هذه الصيغة وردت في حديث زيد بن ثابت : ( أن رجلاً أتي في منامه، فقيل له: اجعلوها خمساً وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فغدا الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: فافعلوه )، فأقر هذه الرؤيا فكانت رؤيا حق، وتشريعاً أقره النبي صلى الله عليه وسلم، هذه ثلاث صيغ.

الصيغة الرابعة: التسبيح عشر مرات، والتحميد عشر مرات، والتكبير عشر مرات، هذا لم نذكره فيما أعتقد، لم نذكره، لكن الصيغة الرابعة التي ثبتت بإسناد صحيح: أن يسبح الله تعالى في دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً، وهذا جاء في حديث صحيح، في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خصلتان لا يحصيهما مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً )، فهذه ثلاثون، ثم ذكر بقية الحديث أنه يسبح الله تعالى ويحمده ويكبره عند النوم ثلاثين .. إلى آخر الحديث.

فهذا الحديث يدل على أنه يستحب للإنسان أن يقول عقب الصلاة: سبحان الله عشر مرات أحياناً، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات، فيكون المجموع ثلاثين، ويقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: ( فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهن بيده ) بالإفراد، وهذا دليل على أن التسبيح يعقد باليمين، وقد جاء هذا صريحاً في سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أيضاً، وسنده صحيح أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه )، رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما وإسناده صحيح، وهو دليل على أن المشروع عقد التسبيح بالأصابع، وعقدها أيضاً باليمين دون الشمال.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق، حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ( خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان ) ما معنى قوله: (خمسون ومائة باللسان)، من أين جاءت الخمسون والمائة باللسان لأنها خمس صلوات، كل صلاة يقول بعدها ثلاثين، يعني: ما بين تسبيح وتحميد وتكبير، فثلاثين في خمسة مائة وخمسون؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان ).

ثم قال في بقية الحديث: ( فإذا أوى إلى فراشه سبح وحمد وكبر مائة، فتلك مائة باللسان وألف في الميزان ) فالتسبيح والتحميد والتكبير عند النوم مائة، كأنها ما بين التسبيح والتحميد والتكبير، ويكون التكبير أكثر منها، بدليل حديث أبي هريرة السابق، فيكون التكبير أربعاً وثلاثين، فهذه مائة باللسان، وألف في الميزان.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فأيكم يعمل في اليوم الواحد ألفين وخمسمائة سيئة؟ قال بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف لا يحصيهما؟! )؛ لأنه قال في أول الحديث: ( ومن يعمل بهما قليل، قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: كيف لا يحصيهما؟ قال: يأتي الشيطان أحدكم وهو في الصلاة، فيقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، حتى يشغله، ويأتيه وهو في مضجعه، فلا يزال ينومه حتى ينام )، يعني: دون أن يقولها، وهذا الحديث حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، رواه الترمذي أيضاً في سننه، في كتاب الدعوات، ورواه ابن ماجه والحميدي في مسنده، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، والنسائي في عمل اليوم والليلة، وأحمد، ورواه أيضاً أبو داود وابن حبان .. وغيرهم من طرق كثيرة، عن عطاء بن السائب عن أبيه عن صحابي الحديث الذي ذكرته قبل قليل: عبد الله بن عمرو بن العاص .

و عطاء بن السائب معروف أنه قد اختلط، لكن روى عنه هذا الحديث بعض من روى عنه قبل الاختلاط، كـحماد بن زيد .. وغيره، ولذلك صححنا إسناد هذا الحديث فهذا يدل على الصيغة الرابعة من صيغ الذكر بعد الصلاة.

هناك صيغتان ذكرهما بعض أهل العلم كالإمام ابن تيمية، والشيخ عبد الرحمن السعدي رحمهما الله وغيرهم: سبحان الله إحدى عشرة مرة، والحمد لله إحدى عشرة مرة، والله أكبر إحدى عشرة مرة، فيكون المجموع ثلاثاً وثلاثين.

وهذه لم أذكرها؛ لأنها جاءت من فهم سمي في حديث أبي هريرة، وقد استغربها جماعة من أهل العلم، ولم تأت في حديث مفرد، والظاهر أنها ترجع إلى الحديث الآخر، أن يقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

والصيغة السادسة: ...

هل جاء التسبيح ثلاثين فحسب؟ هذا لم أقف عليه، التسبيح ثلاثين فحسب لم أقف عليه.

على كل حال الشيخ ابن تيمية رحمه الله ذكر -وهذه من العجائب- ذكر الصيغ الست في الفتاوى الكبرى في موضعين، ففي موضع أسقط الخامسة وفي موضع أسقط الرابعة، فإذا وجدت النهاية وجدت هذه الصيغ التي ذكرها رحمه الله خمساً، وبإسقاط الصيغة الأخيرة التي فيها إحدى عشرة وإن كان جاءت في رواية في صحيح مسلم وغيره، لكن يظهر أنها فهم للحديث، وليست نصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت في حديث آخر عند البزار، ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح في كتاب الأذان في الذكر بعد الصلاة، وذكر أنه حديث ضعيف، ولذلك كأنه مال رحمه الله إلى تضعيف هذه الصيغة وهذه الزيادة.

فتبقى الصيغ الثابتة الواردة أربعاً. والله تعالى أعلم.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4737 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4383 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4202 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4083 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4036 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4011 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3963 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3910 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3890 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3871 استماع