شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 331-332


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

كلام المصنف رحمه الله تعالى في هذين الحديثين حديث أبي هريرة وحديث وائل بن حجر فيه:

أولاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه ومن خرجه، وأنه أقوى من حديث وائل بن حجر في نظر المؤلف رحمه الله، ثم ذكر حديث وائل بن حجر وهو مما رآه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه يقدم ركبتيه قبل يديه )، ثم بين رحمه الله وجه الترجيح بقوله: (فإن للأول -يعني: حديث أبي هريرة - شاهداً من حديث ابن عمر رضي الله عنه صححه ابن خزيمة، وذكره البخاري معلقاً موقوفاً).

فكأن هذا تعليل لترجيحه رحمه الله حديث أبي هريرة على حديث وائل بن حجر ؛ لأن لحديث أبي هريرة شاهداً من حديث ابن عمر، فأما حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه )، وفي رواية: (ثم) بدل قوله: (قبل) .

تخريج الحديث

يقول المصنف رحمه الله: (أخرجه الثلاثة وهو أقوى من حديث وائل بن حجر )، والمعني بالثلاثة من هم؟ هم الأربعة خلا ابن ماجه .

فالمقصود: أبو داود والترمذي والنسائي، وقد أخرجه أيضاً أحمد في مسنده، والدارمي في سننه، والدارقطني والبيهقي في سننهما أيضاً، والطحاوي والبغوي .. وغيرهم من أهل العلم، هذا بالنسبة لتخريجه.

ذكر من صحح الحديث ووجه التصحيح

أما تصحيحه:

فقد صححه أيضاً جماعة من الأئمة المحدثين، منهم: عبد الحق الإشبيلي صاحب الأحكام .

ومنهم: الإمام السيوطي .

ومنهم: من المتأخرين المعاصرين الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي، وفي تعليقه أيضاً على كتاب المحلى لـابن حزم .

ومنهم: الشيخ الألباني في عدد من مصنفاته، من أبسطها -يعني: أكثرها بسطاً- كتاب إرواء الغليل، فإنه تكلم عن هذا الحديث، هؤلاء صححوه.

وهناك آخرون: جودوا الحديث أو حسنوه، ولم يذكروا فيه تصحيحاً، وهذا مثل الحافظ ابن حجر نفسه رحمه الله، فإنه قال: (إسناده جيد) أما كلامه في بلوغ المرام قوله: (وهو أقوى من حديث وائل بن حجر ) فهل يدل على ثبوت الحديث؟

لا يدل؛ لأن مجرد المقابلة بينه وبين حديث وائل بن حجر لا تدل على ثبوته، فقد يكون الحديث ضعيفاً، ولكنه أقوى من الضعيف جداً مثلاً، وهذا سبق بيانه فيما يقال: (أحسن شيء في الباب) كما يقوله الترمذي وغيره، لكنه صرح في مواضع من التلخيص وغيره بأن إسناده جيد، وكذلك النووي رحمه الله قال: إسناده جيد، وحسن الحديث أيضاً الزرقاني، وبعض المحققين من المعاصرين.

فهؤلاء من ذكرت كـالسيوطي، وعبد الحق الإشبيلي، وابن حجر، والنووي، والزرقاني، والألباني، وأحمد شاكر يمكن أن يقال: إنهم ممن أثبتوا الحديث، الحديث ثابت عندهم، وإن اختلفوا في درجته ما بين الصحة والحسن.

وهذا الحديث هو من رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله المعروف بـ( النفس الزكية )، وقد تفرد به كل منهما حسب ما هو مشهور عند طائفة، فتفرد به أيضاً قبل ذلك أصبغ عن الدراوردي، ثم تفرد به الدراوردي عن النفس الزكية فهو حديث غريب، وذكر ذلك ابن عدي، والدارقطني، والبيهقي، والحازمي .. وغيرهم، فأعلوا الحديث بتفرد الثلاثة به، ولكن هذا التفرد ليس بحد ذاته علة يضعف بها الحديث، على ما هو معروف؛ لأن محمد بن عبد الله صاحب النفس الزكية -كما يسمى- هذا ثقة، ولم أطلع في حدود مراجعتي القليلة على أن أحداً جرحه أو ضعفه، فهو ثقة، وقد وثقه النسائي، وابن حبان، وليس لهما معارض فيما أعلم، فلا كلام فيه.

و أما عبد العزيز بن محمد الدراوردي، فإن فيه كلاماً واختلافاً بين علماء الجرح والتعديل، فمنهم من وثقه، كـابن المديني، وابن معين، وحسبك بهما، وكذلك النسائي مع شدته في الرجال، والعجلي والذهبي .. وغيرهم، فهؤلاء وثقوه، وكذلك مما يدخل في هذا: أن الإمام مسلماً رحمه الله قد أخرج له في صحيحه محتجاً به، أما البخاري فأخرج له في الصحيح مقروناً بغيره، فهؤلاء خاصة مسلم يمكن أن يعتبر هذا توثيقاً له.

وضعفه جماعة آخرون كما نقل ذلك عن أبي زرعة، وأبو زرعة قال فيه: سيئ الحفظ، وهذا ليس جرحاً مطلقاً، هو جرح فيما يتعلق بحفظه، فهو مقيد، فكأنه إذا حدث من كتابه -مثلاً- عنده يكون ثقة، وقد صرحوا بهذا أيضاً؛ وكذلك النسائي قال فيه مرة في إحدى الروايات قال: ليس بالقوي.

و العقيلي ذكره في كتابه في ضعفاء الرجال، فهؤلاء ضعفوه، ومن قبلهم وهم أكثر وثقوه، وتوسط في ذلك طائفة من العلماء المحققين، فذكروا أن الحكم على الدراوردي أنه صدوق، فحديثه حسن، إلا إذا حدث من كتب غيره فإنه ربما أخطأ، فيتثبت فيما روى وما ذكر وقرأ، فهذا الدراوردي .

وبناءً على ذلك: فالأقرب أن هذا الحديث حسن الإسناد لحال الدراوردي، حسن لذاته؛ ولكنه يصلح أن يرتقي إلى درجة الصحيح بمتابعاته، كما سيمر شيء منها.

ذكر من ضعف الحديث ووجه التضعيف

قد ذكرت أنه أعله جماعة بالتفرد، وممن أعله بذلك البخاري والترمذي كما قال: غريب، ربما لم نذكرها قبل، والدارقطني، والبيهقي، والحازمي ؛ وكذلك ابن عدي فإنه ومن قبله ذكروا أنه لا يعرف إلا من هذا الطريق، وفي هذا إشارة إلى إعلاله بالتفرد.

وأشهر من ضعف الحديث وقال بخلافه هو الإمام الفذ ابن قيم الجوزية، وذلك في كتاب زاد المعاد، فإنه أطال النفس في هذه المسألة، وضعف هذا الحديث من وجوه عدة، وكذلك في تعليقه على سنن أبي داود المشهور: بـ( تهذيب السنن ) فإنه ضعفه من وجوه عدة، أظنها نحو سبعة أوجه منها:

أولاً: أن الترمذي قال: هذا حديث غريب، ولم يذكر فيه حسناً، كما أسلفت قبل قليل، ولا شك أن قول الترمذي: (هذا حديث غريب) في الأصل يدل غالباً على ضعف الحديث، فإنه قلما يطلق هذه الكلمة إلا على حديث ضعيف، ولكن هذا ليس بعلة في الواقع، وليس بوجه لتضعيف الحديث؛ لأن قول الترمذي : (غريب) معارض بقول من صححوه أو حسنوه، وهم من ذكرنا، وهم أكثر ممن ضعفوه، هذا وجه.

الوجه الثاني: أن ابن القيم رحمه الله ذهب إلى احتمال انقلاب المتن، قال لعله قد انقلب متنه على راويه، وكأن ابن القيم رحمه الله يرى أن أصل متن الحديث: ( إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع ركبتيه قبل يديه ) ومأخذ بعض الذين ردوا على ابن القيم في هذا شددوا في العبارة في ردهم عليه، وقالوا: إن هذا يؤدي إلى التحكم في الأحاديث، وردها بـ(لعل) وما أشبهها، وفي نظري أن كلام ابن القيم وإن لم يكن قوياً متيناً، إلا أنه لا يستحق مثل هذه الشدة؛ وذلك لأن ابن القيم رحمه الله لما قال باحتمال انقلاب المتن، أخذ هذا من وجوه:

الوجه الأول: يتعلق بالنقل والأثر، يعني: بالروايات والأحاديث؛ وذلك أنه جاء في رواية من حديث أبي هريرة نفسه، حديث الباب كما استظهره ابن القيم : ( إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع ركبتيه قبل يديه )، جاء هكذا في بعض الروايات، ولكنها روايات لا يلتفت إليها، بل إسنادها أقرب إلى أن يكون ضعيفاً جداً، ولا تقوم به حجة؛ وذلك لأن في سنده عبد الله بن سعيد وهو منكر متروك الحديث، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح عن هذا الحديث يعني برواية: ( وليضع ركبتيه قبل يديه ) قال: ضعيف، وهذا أقل ما يستحقه الحديث أنه ضعيف، هذا من جهة النقل أو من جهة الأثر الذي اعتمد عليه ابن القيم رحمه الله.

أما من جهة النظر فهو أقوى، نظره رحمه الله؛ وذلك لأنه قال: إن قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير )، فحوى كلامه: أن هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم نهي عن الخرور على اليدين؛ لأن الإنسان إذا قدم يديه في السجود، فإنه يشبه البعير، فإن أول ما يصل إلى الأرض من البعير يداه، فتكون هيئة الساجد إذا قدم يديه أشبه بهيئة البعير، فقوله: (فلا يبرك كما يبرك البعير)، لو اقتصر على هذا لكان معناه: أنه يقدم ركبتيه قبل يديه، فلما قال: (وليضع يديه قبل ركبتيه) كأن الإمام رحمه الله استظهر أن هذا انقلب على الراوي؛ ولذلك قال باحتمال أن يكون الحديث من المقلوب، ومثل ببعض الأحاديث التي وردت في باب المقلوب، وهي معروفة عند علماء المصطلح.

الوجه الثالث الذي ضعفه به ابن القيم متناً أو سنداً قال: إنه منسوخ، ومن المعلوم أن النسخ يحتاج إلى أمور منها: ثبوت الناسخ، وثبوت تقدمه، وعدم إمكانية الجمع بينهما، والواقع أن الحديث الناسخ، وهو حديث سعد بن أبي وقاص وسيأتي ذكره لا يثبت، بل هو ضعيف معلول.

أما إن قلنا: بأن الناسخ له نحو حديث وائل بن حجر وهو حديث الباب، فهنا يأتي الإشكال في ثبوت الحديث أولاً، ثم في ثبوت تأخره على حديث الباب، وعدم إمكانية الجمع بينهما، فلو ثبت هذا لكان ما ذكره متجهاً، ولكنه لا يثبت، فالقول بالنسخ ليس بقوي أيضاً.

الوجه الرابع الذي ضعفه به رحمه الله: اضطراب المتن، فإنه مرة لم يذكر شيئاً، قال: ( إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ) وسكت، ومرة قال: ( وليضع ركبتيه )، ومرة قال: ( وليضع يديه )، وهذا في الواقع ليس باضطراب؛ لأن الاضطراب عند علماء المصطلح: هو ما إذا جاء الحديث بأوجه متقاربة أو متساوية، ولا يمكن التوفيق بينها، وهذا ليس وارداً هنا؛ لأن الرواية التي ليس فيها ذكر اليدين والركبتين، هذه تحمل على الاختصار.

وأما إذا بقيت رواية: (وليضع يديه قبل ركبتيه) أو (وليضع ركبتيه قبل يديه) فهل هما متساويتان من حيث الصحة؟ لا، ولكن الراجح الرواية التي ساقها المصنف: ( وليضع يديه قبل ركبتيه )، وبناءً على هذا فإنه ليس في الحديث اضطراب في متنه.

الوجه الخامس الذي أعله به: هو التفرد، كما أسلفته عن جماعة.

والواقع: أن الدراوردي -وهو ربما يكون أضعف رجل في السند- وإن يكن ضعيفاً، لكن الدراوردي لم يتفرد بهذا الحديث، بل تابعه عليه عبد الله بن نافع، وروايته عنه عند أبي داود والنسائي والترمذي .

الوجه السادس: أن الإمام ابن القيم رحمه الله قال: إنه ليس للحديث شواهد، وهذا في الواقع لم يذكره تضعيفاً للحديث بقدر ما هو ترجيح لحديث وائل بن حجر عليه، وإلا فعدم وجود شواهد للحديث لا يضعفه، ومع ذلك فإن الحديث له شاهد، أشار إليه المصنف من حديث ابن عمر رضي الله عنه: ( أنه كان -يعني: ابن عمر -: إذا سجد وضع يديه قبل ركبتيه، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يفعل ذلك )، والحديث عن ابن عمر رضي الله عنه رواه ابن خزيمة في صحيحه كما أشار المصنف، ورواه وصححه الحاكم في مستدركه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، ورواه البخاري معلقاً مجزوماً به، موقوفاً على ابن عمر رضي الله عنه، فهذا يصلح شاهداً لحديث الباب، خاصة وأن فيه: أن ابن عمر يقول: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ).

الوجه السابع: الذي ضعفه به ابن القيم رحمه الله: أن ركبة البعير ليست في يده، وهذا كأنه رد على من قالوا: إن ركبة البعير في يده.

وقال ابن القيم رحمه الله: إنهم وإن أطلقوا على التي في اليد الركبة، فإنهم أطلقوا ذلك على سبيل التغليب، والواقع: أن ما ذكره ابن القيم هنا متعقب، فإن جماعة من أهل اللغة: صرحوا بأن ركبة البعير في يده، كما ذكر ذلك ابن منظور في لسان العرب، وكما ذكره الأزهري في تهذيب اللغة، وكما ذكره ابن سيده في المحكم، ونحو ذلك أشار إليه ابن حزم في المحلى، كل هؤلاء صرحوا بأن ركبة البعير في يده، هذا ما يتعلق بالحديث الأول.

وبناءً عليه يظهر أن الأوجه التي ضعفه بها ابن القيم رحمه الله أكثرها لا تخلو من مناقشة ومعارضة.

يقول المصنف رحمه الله: (أخرجه الثلاثة وهو أقوى من حديث وائل بن حجر )، والمعني بالثلاثة من هم؟ هم الأربعة خلا ابن ماجه .

فالمقصود: أبو داود والترمذي والنسائي، وقد أخرجه أيضاً أحمد في مسنده، والدارمي في سننه، والدارقطني والبيهقي في سننهما أيضاً، والطحاوي والبغوي .. وغيرهم من أهل العلم، هذا بالنسبة لتخريجه.

أما تصحيحه:

فقد صححه أيضاً جماعة من الأئمة المحدثين، منهم: عبد الحق الإشبيلي صاحب الأحكام .

ومنهم: الإمام السيوطي .

ومنهم: من المتأخرين المعاصرين الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي، وفي تعليقه أيضاً على كتاب المحلى لـابن حزم .

ومنهم: الشيخ الألباني في عدد من مصنفاته، من أبسطها -يعني: أكثرها بسطاً- كتاب إرواء الغليل، فإنه تكلم عن هذا الحديث، هؤلاء صححوه.

وهناك آخرون: جودوا الحديث أو حسنوه، ولم يذكروا فيه تصحيحاً، وهذا مثل الحافظ ابن حجر نفسه رحمه الله، فإنه قال: (إسناده جيد) أما كلامه في بلوغ المرام قوله: (وهو أقوى من حديث وائل بن حجر ) فهل يدل على ثبوت الحديث؟

لا يدل؛ لأن مجرد المقابلة بينه وبين حديث وائل بن حجر لا تدل على ثبوته، فقد يكون الحديث ضعيفاً، ولكنه أقوى من الضعيف جداً مثلاً، وهذا سبق بيانه فيما يقال: (أحسن شيء في الباب) كما يقوله الترمذي وغيره، لكنه صرح في مواضع من التلخيص وغيره بأن إسناده جيد، وكذلك النووي رحمه الله قال: إسناده جيد، وحسن الحديث أيضاً الزرقاني، وبعض المحققين من المعاصرين.

فهؤلاء من ذكرت كـالسيوطي، وعبد الحق الإشبيلي، وابن حجر، والنووي، والزرقاني، والألباني، وأحمد شاكر يمكن أن يقال: إنهم ممن أثبتوا الحديث، الحديث ثابت عندهم، وإن اختلفوا في درجته ما بين الصحة والحسن.

وهذا الحديث هو من رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله المعروف بـ( النفس الزكية )، وقد تفرد به كل منهما حسب ما هو مشهور عند طائفة، فتفرد به أيضاً قبل ذلك أصبغ عن الدراوردي، ثم تفرد به الدراوردي عن النفس الزكية فهو حديث غريب، وذكر ذلك ابن عدي، والدارقطني، والبيهقي، والحازمي .. وغيرهم، فأعلوا الحديث بتفرد الثلاثة به، ولكن هذا التفرد ليس بحد ذاته علة يضعف بها الحديث، على ما هو معروف؛ لأن محمد بن عبد الله صاحب النفس الزكية -كما يسمى- هذا ثقة، ولم أطلع في حدود مراجعتي القليلة على أن أحداً جرحه أو ضعفه، فهو ثقة، وقد وثقه النسائي، وابن حبان، وليس لهما معارض فيما أعلم، فلا كلام فيه.

و أما عبد العزيز بن محمد الدراوردي، فإن فيه كلاماً واختلافاً بين علماء الجرح والتعديل، فمنهم من وثقه، كـابن المديني، وابن معين، وحسبك بهما، وكذلك النسائي مع شدته في الرجال، والعجلي والذهبي .. وغيرهم، فهؤلاء وثقوه، وكذلك مما يدخل في هذا: أن الإمام مسلماً رحمه الله قد أخرج له في صحيحه محتجاً به، أما البخاري فأخرج له في الصحيح مقروناً بغيره، فهؤلاء خاصة مسلم يمكن أن يعتبر هذا توثيقاً له.

وضعفه جماعة آخرون كما نقل ذلك عن أبي زرعة، وأبو زرعة قال فيه: سيئ الحفظ، وهذا ليس جرحاً مطلقاً، هو جرح فيما يتعلق بحفظه، فهو مقيد، فكأنه إذا حدث من كتابه -مثلاً- عنده يكون ثقة، وقد صرحوا بهذا أيضاً؛ وكذلك النسائي قال فيه مرة في إحدى الروايات قال: ليس بالقوي.

و العقيلي ذكره في كتابه في ضعفاء الرجال، فهؤلاء ضعفوه، ومن قبلهم وهم أكثر وثقوه، وتوسط في ذلك طائفة من العلماء المحققين، فذكروا أن الحكم على الدراوردي أنه صدوق، فحديثه حسن، إلا إذا حدث من كتب غيره فإنه ربما أخطأ، فيتثبت فيما روى وما ذكر وقرأ، فهذا الدراوردي .

وبناءً على ذلك: فالأقرب أن هذا الحديث حسن الإسناد لحال الدراوردي، حسن لذاته؛ ولكنه يصلح أن يرتقي إلى درجة الصحيح بمتابعاته، كما سيمر شيء منها.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4737 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4383 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4202 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4083 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4036 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4011 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3963 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3910 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3890 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3871 استماع