أرشيف المقالات

مقدار تلاوة القرآن ليلا في الهدي النبوي

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
مقدار تلاوة القرآن ليلًا في الهدي النبوي


إن تلاوة القرآن كان لها حضورٌ بارز في الهَدْي النبوي، سواء في ختم القرآن كله، أو في تلاوة بعض سوره وآياته مما قد شرع تكرارها أكثر من غيرها، ‏وكأن ذلك تطبيق عملي لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29]، فتلاوة القرآن الكريم من التجارة الرابحة، وقد كان مطرِّف بن الشِّخِّير إذا مرَّ بهذه الآية يقول: "هذه آيةُ القرَّاء"، وقد تتبعتُ بعضًا من تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، أو ما أمر به، فرأيت ما يأتي:
أولًا: السور التي تُقرأ كل ليلة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينامُ حتَّى يَقرأ ﴿ الم * تَنْزِيلُ ﴾ [السجدة: 1، 2]، و﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ [الملك: 1][1].
وفي حديث آخر: والزُّمر، وبني إسرائيل[2].
وحثَّ على قراءة سورة يس، والدخان[3].
وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ المسبحات كل ليلة؛ وهي: (الحديد)، و(الحشر)، و(الصَّف)، و(الجُمُعة)، و(التغابن)، و(الأعلى)[4].
وأمر بقراءة المعوذات: في الصباح والمساء ثلاثًا، وبعد كل صلاة مرة، فيكون العدد (11)، يدل على ذلك ما جاء عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "أمرني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن أقرأَ بالمعوِّذاتِ في دبرِ كلِّ صلاةٍ"[5].
وعن عبدالله بن خبيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((قل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، والمعوذتين حين تُمسي وتُصبح ثلاثَ مرات، تكفيك من كل شيء))[6].
 
وعليه؛ فإن عدد الصفحات لهذه السُّور - حسب مصحف المدينة - هي (54) صفحة تقريبًا؛ وتفصيلها كاﻵتي:
• الإسراء 12.
• السجدة 3.
• يس 6.
• الزمر 9.
• الدخان 3.
• الواقعة 3.
• الحديد 4.
• الحشر 4.
• الصف والجمعة 3.
• التغابن 2.
• تبارك 2.
• المعوذات 3.
 
ثانيًا: ختم القرآن كله:
أما ختم القرآن كله، فقد قال الفقهاء: يُسَنُّ ختمه في كل أسبوع، يعني في سائر السنة، وكان الإمام أحمد يختم القرآن في كل أسبوع؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو: ((اقرأِ القرآن في كل شهر))، قال: قلت: أُطِيقُ أكثر من ذلك، قال: ((اقرَأْ في كُلِّ سَبْعِ ليالٍ مَرَّةً))[7].
 
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((في كل سبعِ ليالٍ مرة))، فيه إشارة إلى سُنية التلاوة في الليل، لا سيما في صلاة القيام لمَن وفَّقه الله، وهو تطبيق عملي لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 1 - 4]، قال ابن حجر: "وثبت عن كثير من السلف أنهم قرؤوا القرآن في دون ذلك، قال النووي: والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص، فمَن كان مِن أهل الفهم وتدقيق الفكر، استحبَّ له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني، وكذا مَن كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة، يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومَن لم يكن كذلك، فالأَولى له الاستكثار ما أمكنه، من غير خروج إلى الملل، ولا يقرؤه هذرمة، وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم، كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب، وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق، وهو النظر إلى عجزِه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل، وأغرَبَ بعض الظاهرية، فقال: يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، وقال النووي: أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك؛ وإنما هو بحسب النشاط والقوة، فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص"[8].
 
وقد لاحظتُ أن التلاوة في الهَدْي النبوي - حسب ما تقدم - لها ثلاث مراتب؛ وهي:
المرتبة اﻷولى: تلاوة سبعة أجزاء تقريبًا كل ليلة، وهذه عزيمة، وبيان ذلك: أن إحصاء ما يقرأ في كل ليلة في هَدْي النبوة، هو (54) صفحة؛ أي: ما يقرب من ثلاثة أجزاء، وإذا أضفنا إلى ذلك ما يسن مِن ختم القرآن كل سبع ليالٍ، فيكون المجموع ما ذكرناه، والأفضل للمسلم بصورة عامة أن يهتدي بهذا الهَدْي النبوي.
المرتبة الثانية: تلاوة ثلاثة أجزاء ونصف تقريبًا، وبيان ذلك أن إحصاء ما يقرأ في كل ليلة هو (54) صفحة؛ أي: ما يقرب من ثلاثة أجزاء، وإذا أضفنا إلى ذلك ما يسن من ختم القرآن كل شهر، فيكون المجموع ما ذكرناه، وهذه حالة الرخصة.
المرتبة الثالثة: تلاوة جزء كل ليلة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ القرآن في كل شهر))، وهذه المرتبة لمن لم يقرأ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤه كل ليلة، فيكون قراءة جزء كل ليلة هو الحد الأدنى الذي لا ينبغي للمسلم إهماله.



[1] عن جابر رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان لا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ: ﴿ الم * تَنْزِيلُ ﴾ [السجدة: 1، 2]، و﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ [الملك: 1]؛ أخرجه الترمذي في جامعه (2892).


[2] عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: "كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الزُّمَرَ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ"؛ أخرجه الترمذي في جامعه (3405).


[3] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قرأ ﴿ يس ﴾ في ليلةٍ، أصبح مغفورًا له، ومَن قرأ: ﴿ حم ﴾ التي فيها الدخان، أصبح مغفورًا له))؛ أخرجه أبو يعلى، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "إسناد جيد"؛ أي: بشواهده.


[4] عن عِرْباض بنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأُ المسبحات قبل أن يرقدَ، وقال: ((إِن فيهن آيةً أفضل من ألفِ آيةٍ))؛ أخرجه الترمذي في جامعه (5057)، وقال: "حسن غريب".


[5] أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وصححه الحاكم، وقال: على شرط مسلم.


[6] رواه الترمذي، وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه".


[7] رواه البخاري (5052)، ومسلم (1159).


[8] انظر فتح الباري (9/ 96).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣